وكان من تدبير الله كذلك أن جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء. وكما أودع الإنسان سر النوم والسبات، بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل ليكون لباسا ساترا يتم فيه السبات والانزواء. وظاهرة النهار ليكون معاشا تتم فيه الحركة والنشاط.. بهذا توافق خلق الله وتناسق. وكان هذا العالم بيئة مناسبة للأحياء. تلبي ما ركب فيهم من خصائص. وكان الأحياء مزودين بالتركيب المتفق في حركته وحاجاته مع ما هو مودع في الكون من خصائص وموافقات. وخرج هذا وهذا من يد القدرة المبدعة المدبرة متسقا أدق اتساق!
واللمسة الثالثة في خلق السماء متناسقة مع الأرض والأحياء:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=12وبنينا فوقكم سبعا شدادا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=13وجعلنا سراجا وهاجا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=14وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=15لنخرج به حبا ونباتا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=16وجنات ألفافا ..
والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع، وهي الطرائق السبع في موضع آخر.. والمقصود بها على وجه التحديد يعلمه الله.. فقد تكون سبع مجموعات من المجرات - وهي مجموعات من النجوم
[ ص: 3806 ] قد تبلغ الواحدة منها مائة مليون نجم - وتكون السبع المجرات هذه هي التي لها علاقة بأرضنا أو بمجموعتنا الشمسية.. وقد تكون غير هذه وتلك مما يعلمه الله من تركيب هذا الكون، الذي لا يعلم الإنسان عنه إلا القليل.
إنما تشير هذه الآية إلى أن هذه السبع الشداد متينة التكوين، قوية البناء، مشدودة بقوة تمنعها من التفكك والانثناء. وهو ما نراه ونعلمه من طبيعة الأفلاك والأجرام فيما نطلق عليه لفظ السماء فيدركه كل إنسان.. كما تشير إلى أن بناء هذه السبع الشداد متناسق مع عالم الأرض والإنسان. ومن ثم يذكر في معرض تدبير الله وتقديره لحياة الأرض والإنسان. يدل على هذا ما بعده:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=13وجعلنا سراجا وهاجا .. وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء. والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=14وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا .. حين تعصر فتخر ويتساقط ما فيها من الماء. ومن يعصرها؟ قد تكون هي الرياح. وقد يكون هو التفريغ الكهربائي في طبقات الجو. ومن وراء هذه وتلك يد القدرة التي تودع الكون هذه المؤثرات! وفي السراج توقد وحرارة وضوء.. وهو ما يتوافر في الشمس. فاختيار كلمة " سراج " دقيق كل الدقة ومختار..
ومن السراج الوهاج وما يسكبه من أشعة فيها ضوء وحرارة، ومن المعصرات وما يعتصر منها من ماء ثجاج، ينصب دفعة بعد دفعة كلما وقع التفريغ الكهربائي مرة بعد مرة، وهو الثجاج، من هذا الماء مع هذا الإشعاع يخرج الحب والنبات الذي يؤكل هو ذاته، والجنات الألفاف الكثيفة الكثيرة الأشجار الملتفة الأغصان.
وهذا التناسق في تصميم الكون، لا يكون إلا ووراءه يد تنسقه، وحكمة تقدره، وإرادة تدبره. يدرك هذا بقلبه وحسه كل إنسان حين توجه مشاعره هذا التوجيه، فإذا ارتقى في العلم والمعرفة تكشفت له من هذا التناسق آفاق ودرجات تذهل العقول وتحير الألباب. وتجعل القول بأن هذا كله مجرد مصادفة قولا تافها لا يستحق المناقشة. كما تجعل التهرب من مواجهة حقيقة القصد والتدبير في هذا الكون، مجرد تعنت لا يستحق الاحترام!
إن لهذا الكون خالقا، وإن وراء هذا الكون تدبيرا وتقديرا وتنسيقا، وتوالي هذه الحقائق والمشاهد في هذا النص القرآني على هذا النحو: من جعل الأرض مهادا والجبال أوتادا. وخلق الناس أزواجا. وجعل نومهم سباتا (بعد الحركة والوعي والنشاط) مع جعل الليل لباسا للستر والانزواء، وجعل النهار معاشا للوعي والنشاط.
ثم بناء السبع الشداد. وجعل السراج الوهاج. وإنزال الماء الثجاج من المعصرات. لإنبات الحب والنبات والجنات.. توالي هذه الحقائق والمشاهد على هذا النحو يوحي بالتناسق الدقيق، ويشي بالتدبير والتقدير، ويشعر بالخالق الحكيم القدير. ويلمس القلب لمسات موقظة موحية بما وراء هذه الحياة من قصد وغاية.. ومن هنا يلتقي السياق بالنبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون!
ولقد كان ذلك كله للعمل والمتاع. ووراء هذا كله حساب وجزاء. ويوم الفصل هو الموعد الموقوت للفصل:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=17إن يوم الفصل كان ميقاتا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=18يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=19وفتحت السماء فكانت أبوابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وسيرت الجبال فكانت سرابا ..
إن الناس لم يخلقوا عبثا، ولن يتركوا سدى. والذي قدر حياتهم ذلك التقدير الذي يشي به المقطع الماضي في السياق، ونسق حياتهم مع الكون الذي يعيشون فيه ذلك التنسيق، لا يمكن أن يدعهم يعيشون سدى ويموتون هملا! ويصلحون في الأرض أو يفسدون ثم يذهبون في التراب ضياعا! ويهتدون في الحياة أو يضلون ثم يلقون مصيرا واحدا. ويعدلون في الأرض أو يظلمون ثم يذهب العدل والظلم جميعا!
[ ص: 3807 ] إن هنالك يوما للحكم والفرقان والفصل في كل ما كان. وهو اليوم المرسوم الموعود الموقوت بأجل عند الله معلوم محدود:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=17إن يوم الفصل كان ميقاتا ..
وهو يوم ينقلب فيه نظام هذا الكون وينفرط فيه عقد هذا النظام.
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=18يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=19وفتحت السماء فكانت أبوابا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وسيرت الجبال فكانت سرابا ..
والصور: البوق. ونحن لا ندري عنه إلا اسمه. ولا نعلم إلا أنه سينفخ فيه. وليس لنا أن نشغل أنفسنا بكيفية ذلك. فهي لا تزيدنا إيمانا ولا تأثرا بالحادث. وقد صان الله طاقتنا عن أن تتبدد في البحث وراء هذا الغيب المكنون، وأعطانا منه القدر الذي ينفعنا فلا نزيد! إنما نحن نتصور النفخة الباعثة المجمعة التي يأتي بها الناس أفواجا.. نتصور هذا المشهد والخلائق التي توارت شخوصها جيلا بعد جيل، وأخلت وجه الأرض لمن يأتي بعدها كي لا يضيق بهم وجه الأرض المحدود.. نتصور مشهد هذه الخلائق جميعا.. أفواجا.. مبعوثين قائمين آتين من كل فج إلى حيث يحشرون. ونتصور الأجداث المبعثرة وهذه الخلائق منها قائمة. ونتصور الجموع الحاشدة لا يعرف أولها آخرها، ونتصور هذا الهول الذي تثيره تلك الحشود التي لم تتجمع قط في وقت واحد وفي ساعة واحدة إلا في هذا اليوم.. أين؟ لا ندري.. ففي هذا الكون الذي نعرفه أحداث وأهوال جسام:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=19وفتحت السماء فكانت أبوابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وسيرت الجبال فكانت سرابا ..
السماء المبنية المتينة.. فتحت فكانت أبوابا.. فهي منشقة. منفرجة. كما جاء في مواضع وسور أخرى. على هيئة لا عهد لنا بها. والجبال الرواسي الأوتاد سيرت فكانت سرابا. فهي مدكوكة مبسوسة مثارة في الهواء هباء، يحركه الهواء - كما جاء في مواضع وسور أخرى. ومن ثم فلا وجود لها كالسراب الذي ليس له حقيقة. أو أنها تنعكس إليها الأشعة وهي هباء فتبدو كالسراب!
إنه الهول البادي في انقلاب الكون المنظور، كالهول البادي في الحشر بعد النفخ في الصور. وهذا هو يوم الفصل المقدر بحكمة وتدبير..
ثم يمضي السياق خطوة وراء النفخ والحشر، فيصور مصير الطغاة ومصير التقاة. بادئا بالأولين المكذبين المتسائلين عن النبأ العظيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=21إن جهنم كانت مرصادا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=22للطاغين مآبا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=23لابثين فيها أحقابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=24لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=25إلا حميما وغساقا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=26جزاء وفاقا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=27إنهم كانوا لا يرجون حسابا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وكذبوا بآياتنا كذابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=29وكل شيء أحصيناه كتابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ..
إن جهنم خلقت ووجدت وكانت مرصادا للطاغين تنتظرهم وتترقبهم وينتهون إليها فإذا هي معدة لهم، مهيأة لاستقبالهم. وكأنما كانوا في رحلة في الأرض ثم آبوا إلى مأواهم الأصيل! وهم يردون هذا المآب للإقامة الطويلة المتجددة أحقابا بعد أحقاب:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=24لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا .. ثم يستثني.. فإذا الاستثناء أمر وأدهى:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=25إلا حميما وغساقا .. إلا الماء الساخن يشوي الحلوق والبطون. فهذا هو البرد! وإلا الغساق الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل. فهذا هو الشراب!
[ ص: 3808 ] nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=26جزاء وفاقا .. يوافق ما أسلفوا وما قدموا..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=27إنهم كانوا لا يرجون حسابا .. ولا يتوقعون مآبا..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وكذبوا بآياتنا كذابا .. وجرس اللفظ فيه شدة توحي بشدة التكذيب وشدة الإصرار عليه.
بينما كان الله يحصي عليهم كل شيء إحصاء دقيقا لا يفلت منه حرف:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=29وكل شيء أحصيناه كتابا ..
هنا يجيء التأنيب الميئس من كل رجاء في تغيير أو تخفيف:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ..
ثم يعرض المشهد المقابل: مشهد التقاة في النعيم. بعد مشهد الطغاة في الحميم:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=31إن للمتقين مفازا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=32حدائق وأعنابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=33وكواعب أترابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=34وكأسا دهاقا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=35لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا.. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36جزاء من ربك عطاء حسابا ..
فإذا كانت جهنم هناك مرصدا ومآبا للطاغين، لا يفلتون منها ولا يتجاوزونها، فإن المتقين ينتهون إلى مفازة ومنجاة، تتمثل
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=32حدائق وأعنابا ويخص الأعناب بالذكر والتعيين لأنها مما يعرفه المخاطبون..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=33وكواعب وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت ثديهن
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=33أترابا متوافيات السن والجمال.
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=34وكأسا دهاقا مترعة بالشراب.
وهي مناعم ظاهرها حسي، لتقريبها للتصور البشري. أما حقيقة مذاقها والمتاع بها فلا يدركها أهل الأرض وهم مقيدون بمدارك الأرض وتصوراتها.. وإلى جوارها حالة يتذوقها الضمير ويدركها الشعور:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=35لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا .. فهي حياة مصونة من اللغو ومن التكذيب الذي يصاحبه الجدل; فالحقيقة مكشوفة لا مجال فيها لجدل ولا تكذيب; كما أنه لا مجال للغو الذي لا خير فيه.. وهي حالة من الرفعة والمتعة تليق بدار الخلود..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36جزاء من ربك عطاء حسابا .. ونلمح هنا ظاهرة الأناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين "جزاء" و "عطاء".. كما نلمحها في الإيقاع المشدود في الفواصل كلها على وجه التقريب.. وهي الظاهرة الواضحة في الجزء كله إجمالا.
وتكملة لمشاهد اليوم الذي يتم فيه ذلك كله، والذي يتساءل عنه المتسائلون، ويختلف فيه المختلفون. يجيء المشهد الختامي في السورة، حيث يقف
جبريل "عليه السلام" والملائكة صفا بين يدي الرحمن خاشعين. لا يتكلمون - إلا من أذن له الرحمن - في الموقف المهيب الجليل:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ..
ذلك الجزاء الذي فصله في المقطع السابق: جزاء الطغاة وجزاء التقاة. هذا الجزاء
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36من ربك ..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن .. فهي المناسبة المهيأة لهذه اللمسة ولهذه الحقيقة الكبيرة. حقيقة الربوبية الواحدة التي تشمل الإنسان. كما تشمل السماوات والأرض، وتشمل الدنيا والآخرة، وتجازي على الطغيان والتقوى، وتنتهي إليها الآخرة والأولى.. ثم هو" الرحمن " .. ومن رحمته ذلك الجزاء لهؤلاء وهؤلاء. حتى عذاب الطغاة ينبثق من رحمة الرحمن. ومن الرحمة أن يجد الشر جزاءه وألا يتساوى مع الخير في مصيره!
ومع الرحمة والجلال:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37لا يملكون منه خطابا .. في ذلك اليوم المهيب الرهيب: يوم يقف
جبريل - [ ص: 3809 ] عليه السلام - والملائكة الآخرون
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38صفا لا يتكلمون .. إلا بإذن من الرحمن حيث يكون القول صوابا. فما يأذن الرحمن به إلا وقد علم أنه صواب.
وموقف هؤلاء المقربين إلى الله، الأبرياء من الذنب والمعصية. موقفهم هكذا صامتين لا يتكلمون إلا بإذن وبحساب.. يغمر الجو بالروعة والرهبة والجلال والوقار. وفي ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من صيحات الإنذار، وهزة للنائمين السادرين في الخمار:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذلك اليوم الحق. فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إنا أنذرناكم عذابا قريبا: يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا ..
إنها الهزة العنيفة لأولئك الذين يتساءلون في ارتياب:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذلك اليوم الحق .. فلا مجال للتساؤل والاختلاف.. والفرصة ما تزال سانحة!
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا .. قبل أن تكون جهنم مرصادا ومآبا!
وهو الإنذار الذي يوقظ من الخمار:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إنا أنذرناكم عذابا قريبا
.. ليس بالبعيد، فجهنم تنتظركم وتترصد لكم. على النحو الذي رأيتم. والدنيا كلها رحلة قصيرة، وعمر قريب!
وهو عذاب من الهول بحيث يدع الكافر يؤثر العدم على الوجود:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. ويقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا .. وما يقولها إلا وهو ضائق مكروب!
وهو تعبير يلقي ظلال الرهبة والندم، حتى ليتمنى الكائن الإنساني أن ينعدم. ويصير إلى عنصر مهمل زهيد. ويرى هذا أهون من مواجهة الموقف الرعيب الشديد.. وهو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين. في ذلك النبأ العظيم!!!
وَكَانَ مِنْ تَدْبِيرِ اللَّهِ كَذَلِكَ أَنْ جَعَلَ حَرَكَةَ الْكَوْنِ مُوَافِقَةً لِحَرَكَةِ الْأَحْيَاءِ. وَكَمَا أَوْدَعَ الْإِنْسَانَ سِرَّ النَّوْمِ وَالسُّبَاتِ، بَعْدَ الْعَمَلِ وَالنَّشَاطِ، فَكَذَلِكَ أَوْدَعَ الْكَوْنَ ظَاهِرَةَ اللَّيْلِ لِيَكُونَ لِبَاسًا سَاتِرًا يَتِمُّ فِيهِ السُّبَاتُ وَالِانْزِوَاءُ. وَظَاهِرَةُ النَّهَارِ لِيَكُونَ مَعَاشًا تَتِمُّ فِيهِ الْحَرَكَةُ وَالنَّشَاطُ.. بِهَذَا تَوَافَقَ خَلْقُ اللَّهِ وَتَنَاسَقَ. وَكَانَ هَذَا الْعَالَمُ بِيئَةً مُنَاسِبَةً لِلْأَحْيَاءِ. تُلَبِّي مَا رُكِّبَ فِيهِمْ مِنْ خَصَائِصَ. وَكَانَ الْأَحْيَاءُ مُزَوَّدِينَ بِالتَّرْكِيبِ الْمُتَّفِقِ فِي حَرَكَتِهِ وَحَاجَاتِهِ مَعَ مَا هُوَ مُودَعٌ فِي الْكَوْنِ مِنْ خَصَائِصَ وَمُوَافِقَاتٍ. وَخَرَجَ هَذَا وَهَذَا مِنْ يَدِ الْقُدْرَةِ الْمُبْدِعَةِ الْمُدَبِّرَةِ مُتَّسِقًا أَدَقَّ اتِّسَاقٍ!
وَاللَّمْسَةُ الثَّالِثَةُ فِي خَلْقِ السَّمَاءِ مُتَنَاسِقَةً مَعَ الْأَرْضِ وَالْأَحْيَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=12وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=13وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=14وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=15لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=16وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ..
وَالسَّبْعُ الشِّدَادُ الَّتِي بَنَاهَا اللَّهُ فَوْقَ أَهْلِ الْأَرْضِ هِيَ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ، وَهِيَ الطَّرَائِقُ السَّبْعُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.. وَالْمَقْصُودُ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيدِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ.. فَقَدْ تَكُونُ سَبْعَ مَجْمُوعَاتٍ مِنَ الْمَجَرَّاتِ - وَهِيَ مَجْمُوعَاتٌ مِنَ النُّجُومِ
[ ص: 3806 ] قَدْ تَبْلُغُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا مِائَةَ مِلْيُونِ نَجْمٍ - وَتَكُونُ السَّبْعُ الْمَجَرَّاتِ هَذِهِ هِيَ الَّتِي لَهَا عَلَاقَةٌ بِأَرْضِنَا أَوْ بِمَجْمُوعَتِنَا الشَّمْسِيَّةِ.. وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ هَذِهِ وَتِلْكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْ تَرْكِيبِ هَذَا الْكَوْنِ، الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ عَنْهُ إِلَّا الْقَلِيلَ.
إِنَّمَا تُشِيرُ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَ الشِّدَادَ مَتِينَةُ التَّكْوِينِ، قَوِيَّةُ الْبِنَاءِ، مَشْدُودَةٌ بِقُوَّةٍ تَمْنَعُهَا مِنَ التَّفَكُّكِ وَالِانْثِنَاءِ. وَهُوَ مَا نَرَاهُ وَنَعْلَمُهُ مِنْ طَبِيعَةِ الْأَفْلَاكِ وَالْأَجْرَامِ فِيمَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ لَفْظَ السَّمَاءِ فَيُدْرِكُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ.. كَمَا تُشِيرُ إِلَى أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ السَّبْعِ الشِّدَادِ مُتَنَاسِقٌ مَعَ عَالَمِ الْأَرْضِ وَالْإِنْسَانِ. وَمِنْ ثَمَّ يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ تَدْبِيرِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ لِحَيَاةِ الْأَرْضِ وَالْإِنْسَانِ. يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا بَعْدَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=13وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا .. وَهُوَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ الْبَاعِثَةُ لِلْحَرَارَةِ الَّتِي تَعِيشُ عَلَيْهَا الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَحْيَاءِ. وَالَّتِي تُؤَثِّرُ كَذَلِكَ فِي تَكْوِينِ السَّحَائِبِ بِتَبْخِيرِ الْمِيَاهِ مِنَ الْمُحِيطِ الْوَاسِعِ فِي الْأَرْضِ وَرَفَعِهَا إِلَى طَبَقَاتِ الْجَوِّ الْعُلْيَا وَهِيَ الْمُعْصِرَاتُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=14وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا .. حِينَ تُعْصَرُ فَتَخِرُّ وَيَتَسَاقَطُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ. وَمَنْ يَعْصِرُهَا؟ قَدْ تَكُونُ هِيَ الرِّيَاحَ. وَقَدْ يَكُونُ هُوَ التَّفْرِيغَ الْكَهْرَبَائِيَّ فِي طَبَقَاتِ الْجَوِّ. وَمِنْ وَرَاءِ هَذِهِ وَتِلْكَ يَدُ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُودِعُ الْكَوْنَ هَذِهِ الْمُؤَثِّرَاتِ! وَفِي السِّرَاجِ تَوَقُّدٌ وَحَرَارَةٌ وُضَوْءٌ.. وَهُوَ مَا يَتَوَافَرُ فِي الشَّمْسِ. فَاخْتِيَارُ كَلِمَةِ " سِرَاجٍ " دَقِيقٌ كُلَّ الدِّقَّةِ وَمُخْتَارٌ..
وَمِنَ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمَا يَسْكُبُهُ مِنْ أَشِعَّةٍ فِيهَا ضَوْءٌ وَحَرَارَةٌ، وَمِنَ الْمُعْصِرَاتِ وَمَا يَعْتَصِرُ مِنْهَا مِنْ مَاءٍ ثَجَّاجٍ، يَنْصَبُّ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ كُلَّمَا وَقَعَ التَّفْرِيغُ الْكَهْرَبَائِيُّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَهُوَ الثَّجَّاجُ، مِنْ هَذَا الْمَاءِ مَعَ هَذَا الْإِشْعَاعِ يَخْرُجُ الْحَبُّ وَالنَّبَاتُ الَّذِي يُؤْكَلُ هُوَ ذَاتُهُ، وَالْجَنَّاتُ الْأَلْفَافُ الْكَثِيفَةُ الْكَثِيرَةُ الْأَشْجَارِ الْمُلْتَفَّةُ الْأَغْصَانِ.
وَهَذَا التَّنَاسُقُ فِي تَصْمِيمِ الْكَوْنِ، لَا يَكُونُ إِلَّا وَوَرَاءَهُ يَدٌ تُنَسِّقُهُ، وَحِكْمَةٌ تُقَدِّرُهُ، وَإِرَادَةٌ تُدَبِّرُهُ. يُدْرِكُ هَذَا بِقَلْبِهِ وَحِسِّهِ كُلُّ إِنْسَانٍ حِينَ تُوَجَّهُ مَشَاعِرُهُ هَذَا التَّوْجِيهَ، فَإِذَا ارْتَقَى فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ تَكَشَّفَتْ لَهُ مِنْ هَذَا التَّنَاسُقِ آفَاقٌ وَدَرَجَاتٌ تُذْهِلُ الْعُقُولَ وَتُحَيِّرُ الْأَلْبَابَ. وَتَجْعَلُ الْقَوْلَ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُجَرَّدُ مُصَادَفَةٍ قَوْلًا تَافِهًا لَا يَسْتَحِقُّ الْمُنَاقَشَةَ. كَمَا تَجْعَلُ التَّهَرُّبَ مِنْ مُوَاجَهَةِ حَقِيقَةِ الْقَصْدِ وَالتَّدْبِيرِ فِي هَذَا الْكَوْنِ، مُجَرَّدَ تَعَنُّتٍ لَا يَسْتَحِقُّ الِاحْتِرَامَ!
إِنَّ لِهَذَا الْكَوْنِ خَالِقًا، وَإِنَّ وَرَاءَ هَذَا الْكَوْنِ تَدْبِيرًا وَتَقْدِيرًا وَتَنْسِيقًا، وَتَوَالِي هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَالْمَشَاهِدِ فِي هَذَا النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ عَلَى هَذَا النَّحْوِ: مِنْ جَعْلِ الْأَرْضِ مِهَادًا وَالْجِبَالِ أَوْتَادًا. وَخَلْقِ النَّاسِ أَزْوَاجًا. وَجَعْلِ نَوْمِهِمْ سُبَاتًا (بَعْدَ الْحَرَكَةِ وَالْوَعْيِ وَالنَّشَاطِ) مَعَ جَعْلِ اللَّيْلِ لِبَاسًا لِلسِّتْرِ وَالِانْزِوَاءِ، وَجَعْلِ النَّهَارِ مَعَاشًا لِلْوَعْيِ وَالنَّشَاطِ.
ثُمَّ بِنَاءِ السَّبْعِ الشِّدَادِ. وَجَعْلِ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَإِنْزَالِ الْمَاءِ الثَّجَّاجِ مِنَ الْمُعْصِرَاتِ. لِإِنْبَاتِ الْحَبِّ وَالنَّبَاتِ وَالْجَنَّاتِ.. تَوَالِي هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَالْمَشَاهِدِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يُوحِي بِالتَّنَاسُقِ الدَّقِيقِ، وَيَشِي بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّقْدِيرِ، وَيُشْعِرُ بِالْخَالِقِ الْحَكِيمِ الْقَدِيرِ. وَيَلْمِسُ الْقَلْبَ لَمَسَاتٍ مُوقِظَةً مُوحِيَةً بِمَا وَرَاءَ هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ قَصْدٍ وَغَايَةٍ.. وَمِنْ هُنَا يَلْتَقِي السِّيَاقُ بِالنَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ!
وَلَقَدْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْعَمَلِ وَالْمَتَاعِ. وَوَرَاءَ هَذَا كُلِّهِ حِسَابٌ وَجَزَاءٌ. وَيَوْمُ الْفَصْلِ هُوَ الْمَوْعِدُ الْمَوْقُوتُ لِلْفَصْلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=17إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=18يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=19وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ..
إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُخْلَقُوا عَبَثًا، وَلَنْ يُتْرَكُوا سُدًى. وَالَّذِي قُدَّرَ حَيَاتَهُمْ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ الَّذِي يَشِي بِهِ الْمَقْطَعُ الْمَاضِي فِي السِّيَاقِ، وَنَسَّقَ حَيَاتَهُمْ مَعَ الْكَوْنِ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ ذَلِكَ التَّنْسِيقَ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَعَهُمْ يَعِيشُونَ سُدًى وَيَمُوتُونَ هَمَلًا! وَيُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ أَوْ يُفْسِدُونَ ثُمَّ يَذْهَبُونَ فِي التُّرَابِ ضَيَاعًا! وَيَهْتَدُونَ فِي الْحَيَاةِ أَوْ يَضِلُّونَ ثُمَّ يَلْقَوْنَ مَصِيرًا وَاحِدًا. وَيَعْدِلُونَ فِي الْأَرْضِ أَوْ يَظْلِمُونَ ثُمَّ يَذْهَبُ الْعَدْلُ وَالظُّلْمُ جَمِيعًا!
[ ص: 3807 ] إِنَّ هُنَالِكَ يَوْمًا لِلْحُكْمِ وَالْفُرْقَانِ وَالْفَصْلِ فِي كُلِّ مَا كَانَ. وَهُوَ الْيَوْمُ الْمَرْسُومُ الْمَوْعُودُ الْمَوْقُوتُ بِأَجْلٍ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٍ مَحْدُودٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=17إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ..
وَهُوَ يَوْمٌ يَنْقَلِبُ فِيهِ نِظَامُ هَذَا الْكَوْنِ وَيَنْفَرِطُ فِيهِ عِقْدُ هَذَا النِّظَامِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=18يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=19وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ..
وَالصُّورُ: الْبُوقُ. وَنَحْنُ لَا نَدْرِي عَنْهُ إِلَّا اسْمَهُ. وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ سَيُنْفَخُ فِيهِ. وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَشْغَلَ أَنْفُسَنَا بِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ. فَهِيَ لَا تَزِيدُنَا إِيمَانًا وَلَا تَأَثُّرًا بِالْحَادِثِ. وَقَدْ صَانَ اللَّهُ طَاقَتَنَا عَنْ أَنْ تَتَبَدَّدَ فِي الْبَحْثِ وَرَاءَ هَذَا الْغَيْبِ الْمَكْنُونِ، وَأَعْطَانَا مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي يَنْفَعُنَا فَلَا نَزِيدُ! إِنَّمَا نَحْنُ نَتَصَوَّرُ النَّفْخَةَ الْبَاعِثَةَ الْمُجَمِّعَةَ الَّتِي يَأْتِي بِهَا النَّاسُ أَفْوَاجًا.. نَتَصَوَّرُ هَذَا الْمَشْهَدَ وَالْخَلَائِقَ الَّتِي تَوَارَتْ شُخُوصُهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَأَخْلَتْ وَجْهَ الْأَرْضِ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهَا كَيْ لَا يَضِيقَ بِهِمْ وَجْهُ الْأَرْضِ الْمَحْدُودُ.. نَتَصَوَّرُ مَشْهَدَ هَذِهِ الْخَلَائِقِ جَمِيعًا.. أَفْوَاجًا.. مَبْعُوثِينَ قَائِمِينَ آتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ إِلَى حَيْثُ يُحْشَرُونَ. وَنَتَصَوَّرُ الْأَجْدَاثَ الْمُبَعْثَرَةَ وَهَذِهِ الْخَلَائِقَ مِنْهَا قَائِمَةً. وَنَتَصَوَّرُ الْجُمُوعَ الْحَاشِدَةَ لَا يَعْرِفُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، وَنَتَصَوَّرُ هَذَا الْهَوْلَ الَّذِي تُثِيرُهُ تِلْكَ الْحُشُودُ الَّتِي لَمْ تَتَجَمَّعْ قَطُّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ.. أَيْنَ؟ لَا نَدْرِي.. فَفِي هَذَا الْكَوْنِ الَّذِي نَعْرِفُهُ أَحْدَاثٌ وَأَهْوَالٌ جِسَامٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=19وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ..
السَّمَاءُ الْمَبْنِيَّةُ الْمَتِينَةُ.. فُتِحَتْ فَكَانَتْ أَبْوَابًا.. فَهِيَ مُنْشَقَّةٌ. مُنْفَرِجَةٌ. كَمَا جَاءَ فِي مَوَاضِعَ وَسُوَرٍ أُخْرَى. عَلَى هَيْئَةٍ لَا عَهْدَ لَنَا بِهَا. وَالْجِبَالُ الرَّوَاسِي الْأَوْتَادُ سُيِّرَتْ فَكَانَتْ سَرَابًا. فَهِيَ مَدْكُوكَةٌ مَبْسُوسَةٌ مُثَارَةٌ فِي الْهَوَاءِ هَبَاءً، يُحَرِّكُهُ الْهَوَاءُ - كَمَا جَاءَ فِي مَوَاضِعَ وَسُوَرٍ أُخْرَى. وَمِنْ ثَمَّ فَلَا وُجُودَ لَهَا كَالسَّرَابِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ. أَوْ أَنَّهَا تَنْعَكِسُ إِلَيْهَا الْأَشِعَّةُ وَهِيَ هَبَاءٌ فَتَبْدُو كَالسَّرَابِ!
إِنَّهُ الْهَوْلُ الْبَادِي فِي انْقِلَابِ الْكَوْنِ الْمَنْظُورِ، كَالْهَوْلِ الْبَادِي فِي الْحَشْرِ بَعْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ. وَهَذَا هُوَ يَوْمُ الْفَصْلِ الْمُقَدَّرِ بِحِكْمَةٍ وَتَدْبِيرٍ..
ثُمَّ يَمْضِي السِّيَاقُ خُطْوَةً وَرَاءَ النَّفْخِ وَالْحَشْرِ، فَيُصَوِّرُ مَصِيرَ الطُّغَاةِ وَمَصِيرَ التُّقَاةِ. بَادِئًا بِالْأَوَّلِينَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُتَسَائِلِينَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=21إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=22لِلطَّاغِينَ مَآبًا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=23لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=24لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=25إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=26جَزَاءً وِفَاقًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=27إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا، nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=29وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ..
إِنَّ جَهَنَّمَ خُلِقَتْ وَوُجِدَتْ وَكَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ تَنْتَظِرُهُمْ وَتَتَرَقَّبُهُمْ وَيَنْتَهُونَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ مُعَدَّةٌ لَهُمْ، مُهَيَّأَةٌ لِاسْتِقْبَالِهِمْ. وَكَأَنَّمَا كَانُوا فِي رِحْلَةٍ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ آبُوا إِلَى مَأْوَاهُمُ الْأَصِيلِ! وَهُمْ يَرِدُونَ هَذَا الْمَآبَ لِلْإِقَامَةِ الطَّوِيلَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ أَحْقَابًا بَعْدَ أَحْقَابٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=24لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا .. ثُمَّ يَسْتَثْنِي.. فَإِذَا الِاسْتِثْنَاءُ أَمَرُّ وَأَدْهَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=25إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا .. إِلَّا الْمَاءَ السَّاخِنَ يَشْوِي الْحُلُوقَ وَالْبُطُونَ. فَهَذَا هُوَ الْبَرْدُ! وَإِلَّا الْغَسَّاقَ الَّذِي يَغْسِقُ مِنْ أَجْسَادِ الْمَحْرُوقِينَ وَيَسِيلُ. فَهَذَا هُوَ الشَّرَابُ!
[ ص: 3808 ] nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=26جَزَاءً وِفَاقًا .. يُوَافِقُ مَا أَسْلَفُوا وَمَا قَدَّمُوا..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=27إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا .. وَلَا يَتَوَقَّعُونَ مَآبًا..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا .. وَجَرْسُ اللَّفْظِ فِيهِ شِدَّةٌ تُوحِي بِشِدَّةِ التَّكْذِيبِ وَشِدَّةِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ.
بَيْنَمَا كَانَ اللَّهُ يُحْصِي عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ إِحْصَاءً دَقِيقًا لَا يُفْلِتُ مِنْهُ حَرْفٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=29وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ..
هُنَا يَجِيءُ التَّأْنِيبُ الْمُيَئِّسُ مِنْ كُلِّ رَجَاءٍ فِي تَغْيِيرٍ أَوْ تَخْفِيفٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ..
ثُمَّ يَعْرِضُ الْمَشْهَدَ الْمُقَابِلَ: مَشْهَدَ التُّقَاةِ فِي النَّعِيمِ. بَعْدَ مَشْهَدِ الطُّغَاةِ فِي الْحَمِيمِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=31إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=32حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=33وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=34وَكَأْسًا دِهَاقًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=35لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا.. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ..
فَإِذَا كَانَتْ جَهَنَّمُ هُنَاكَ مَرْصَدًا وَمَآبًا لِلطَّاغِينَ، لَا يُفْلِتُونَ مِنْهَا وَلَا يَتَجَاوَزُونَهَا، فَإِنَّ الْمُتَّقِينَ يَنْتَهُونَ إِلَى مَفَازَةٍ وَمَنْجَاةٍ، تَتَمَثَّلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=32حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَيَخُصُّ الْأَعْنَابَ بِالذِّكْرِ وَالتَّعْيِينِ لِأَنَّهَا مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُخَاطَبُونَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=33وَكَوَاعِبَ وَهُنَّ الْفَتَيَاتُ النَّاهِدَاتُ اللَّوَاتِي اسْتَدَارَتْ ثُدِيُّهُنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=33أَتْرَابًا مُتَوَافِيَاتِ السَّنِّ وَالْجَمَالِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=34وَكَأْسًا دِهَاقًا مُتْرَعَةً بِالشَّرَابِ.
وَهِيَ مَنَاعِمُ ظَاهِرُهَا حِسِّيٌّ، لِتَقْرِيبِهَا لِلتَّصَوُّرِ الْبَشَرِيِّ. أَمَّا حَقِيقَةُ مَذَاقِهَا وَالْمَتَاعِ بِهَا فَلَا يُدْرِكُهَا أَهْلُ الْأَرْضِ وَهُمْ مُقَيَّدُونَ بِمَدَارِكِ الْأَرْضِ وَتَصَوُّرَاتِهَا.. وَإِلَى جِوَارِهَا حَالَةٌ يَتَذَوَّقُهَا الضَّمِيرُ وَيُدْرِكُهَا الشُّعُورُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=35لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا .. فَهِيَ حَيَاةٌ مَصُونَةٌ مِنَ اللَّغْوِ وَمِنَ التَّكْذِيبِ الَّذِي يُصَاحِبُهُ الْجَدَلُ; فَالْحَقِيقَةُ مَكْشُوفَةٌ لَا مَجَالَ فِيهَا لِجَدَلٍ وَلَا تَكْذِيبٍ; كَمَا أَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلَّغْوِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ.. وَهِيَ حَالَةٌ مِنَ الرِّفْعَةِ وَالْمُتْعَةِ تَلِيقُ بِدَارِ الْخُلُودِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا .. وَنَلْمَحُ هُنَا ظَاهِرَةَ الْأَنَاقَةِ فِي التَّعْبِيرِ وَالْمُوسِيقَى فِي التَّقْسِيمِ بَيْنَ "جَزَاءً" وَ "عَطَاءً".. كَمَا نَلْمَحُهَا فِي الْإِيقَاعِ الْمَشْدُودِ فِي الْفَوَاصِلِ كُلِّهَا عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ.. وَهِيَ الظَّاهِرَةُ الْوَاضِحَةُ فِي الْجُزْءِ كُلِّهِ إِجْمَالًا.
وَتَكْمِلَةً لِمُشَاهِدِ الْيَوْمِ الَّذِي يَتِمُّ فِيهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَالَّذِي يَتَسَاءَلُ عَنْهُ الْمُتَسَائِلُونَ، وَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُخْتَلِفُونَ. يَجِيءُ الْمَشْهَدُ الْخِتَامِيُّ فِي السُّورَةِ، حَيْثُ يَقِفُ
جِبْرِيلُ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ خَاشِعِينَ. لَا يَتَكَلَّمُونَ - إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ - فِي الْمَوْقِفِ الْمَهِيبِ الْجَلِيلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ..
ذَلِكَ الْجَزَاءُ الَّذِي فَصَّلَهُ فِي الْمَقْطَعِ السَّابِقِ: جَزَاءُ الطُّغَاةِ وَجَزَاءُ التُّقَاةِ. هَذَا الْجَزَاءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36مِنْ رَبِّكَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ .. فَهِيَ الْمُنَاسِبَةُ الْمُهَيَّأَةُ لِهَذِهِ اللَّمْسَةِ وَلِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْكَبِيرَةِ. حَقِيقَةِ الرُّبُوبِيَّةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَشْمَلُ الْإِنْسَانَ. كَمَا تَشْمَلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَتَشْمَلُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَتُجَازِي عَلَى الطُّغْيَانِ وَالتَّقْوَى، وَتَنْتَهِي إِلَيْهَا الْآخِرَةُ وَالْأُولَى.. ثُمَّ هُوَ" الرَّحْمَنِ " .. وَمِنْ رَحْمَتِهِ ذَلِكَ الْجَزَاءُ لِهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. حَتَّى عَذَابُ الطُّغَاةِ يَنْبَثِقُ مِنْ رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ. وَمِنَ الرَّحْمَةِ أَنْ يَجِدَ الشَّرُّ جَزَاءَهُ وَأَلَّا يَتَسَاوَىَ مَعَ الْخَيْرِ فِي مَصِيرِهِ!
وَمَعَ الرَّحْمَةِ وَالْجَلَالِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا .. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمَهِيبِ الرَّهِيبِ: يَوْمَ يَقِفُ
جِبْرِيلُ - [ ص: 3809 ] عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمَلَائِكَةُ الْآخَرُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ .. إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ الرَّحْمَنِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ صَوَابًا. فَمَا يَأْذَنُ الرَّحْمَنُ بِهِ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ صَوَابٌ.
وَمَوْقِفُ هَؤُلَاءِ الْمُقَرَّبِينَ إِلَى اللَّهِ، الْأَبْرِيَاءِ مِنَ الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ. مَوْقِفُهُمْ هَكَذَا صَامِتِينَ لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِإِذْنٍ وَبِحِسَابٍ.. يَغْمُرُ الْجَوَّ بِالرَّوْعَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالْجَلَالِ وَالْوَقَارِ. وَفِي ظِلِّ هَذَا الْمَشْهَدِ تَنْطَلِقُ صَيْحَةٌ مِنْ صَيْحَاتِ الْإِنْذَارِ، وَهَزَّةٍ لِلنَّائِمِينَ السَّادِرِينَ فِي الْخِمَارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ. فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا. nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، وَيَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ..
إِنَّهَا الْهَزَّةُ الْعَنِيفَةُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَسَاءَلُونَ فِي ارْتِيَابٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ .. فَلَا مَجَالَ لِلتَّسَاؤُلِ وَالِاخْتِلَافِ.. وَالْفُرْصَةُ مَا تَزَالُ سَانِحَةً!
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا .. قَبْلَ أَنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ مِرْصَادًا وَمَآبًا!
وَهُوَ الْإِنْذَارُ الَّذِي يُوقِظُ مِنَ الْخِمَارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا
.. لَيْسَ بِالْبَعِيدِ، فَجَهَنَّمُ تَنْتَظِرُكُمْ وَتَتَرَصَّدُ لَكُمْ. عَلَى النَّحْوِ الَّذِي رَأَيْتُمْ. وَالدُّنْيَا كُلُّهَا رِحْلَةٌ قَصِيرَةٌ، وَعُمْرٌ قَرِيبٌ!
وَهُوَ عَذَابٌ مِنَ الْهَوْلِ بِحَيْثُ يَدَعُ الْكَافِرَ يُؤْثِرُ الْعَدَمَ عَلَى الْوُجُودِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ. وَيَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا .. وَمَا يَقُولُهَا إِلَّا وَهُوَ ضَائِقٌ مَكْرُوبٌ!
وَهُوَ تَعْبِيرٌ يُلْقِي ظِلَالَ الرَّهْبَةِ وَالنَّدَمِ، حَتَّى لِيَتَمَنَّى الْكَائِنُ الْإِنْسَانِيُّ أَنْ يَنْعَدِمَ. وَيَصِيرَ إِلَى عُنْصُرٍ مُهْمَلٍ زَهِيدٍ. وَيَرَى هَذَا أَهْوَنَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الْمَوْقِفِ الرَّعِيبِ الشَّدِيدِ.. وَهُوَ الْمَوْقِفُ الَّذِي يُقَابِلُ تَسَاؤُلَ الْمُتَسَائِلِينَ وَشَكَّ الْمُتَشَكِّكِينَ. فِي ذَلِكَ النَّبَأِ الْعَظِيمِ!!!