[ ص: 3901 ] (89)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الفجر مكية
وآياتها ثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=32783_33062_29675_29680_30296_30362_19576_19630_33679_32408_32409_32944_31847_31916_32016_31843_1266_23443_28904_29060nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1والفجر (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وليال عشر (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3والشفع والوتر (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4والليل إذا يسر (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=5هل في ذلك قسم لذي حجر (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كلا بل لا تكرمون اليتيم (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18ولا تحاضون على طعام المسكين (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وتأكلون التراث أكلا لما (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وتحبون المال حبا جما (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كلا إذا دكت الأرض دكا دكا (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=24يقول يا ليتني قدمت لحياتي (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=25فيومئذ لا يعذب عذابه أحد (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=26ولا يوثق وثاقه أحد (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يا أيتها النفس المطمئنة (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فادخلي في عبادي (29)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=30وادخلي جنتي (30)
هذه السورة في عمومها حلقة من حلقات هذا الجزء في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر.. ولكنها تتضمن ألوانا شتى من الجولات والإيقاعات والظلال. ألوانا متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحنا واحدا متعدد النغمات موحد الإيقاع!
[ ص: 3902 ] في بعض مشاهدها جمال هادئ رفيق ندي السمات والإيقاعات، كهذا المطلع الندي بمشاهده الكونية الرقيقة، وبظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد..
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1والفجر. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وليال عشر. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3والشفع والوتر. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4والليل إذا يسر.. .
وفي بعض مشاهدها شد وقصف. سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كلا. إذا دكت الأرض دكا دكا. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وجيء يومئذ بجهنم. يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=24يقول: يا ليتني قدمت لحياتي. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=25فيومئذ لا يعذب عذابه أحد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=26ولا يوثق وثاقه أحد ..
وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضى يفيض وطمأنينة. تتناسق فيها المناظر والأنغام، كهذا الختام:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يا أيتها النفس المطمئنة، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارجعي إلى ربك راضية مرضية. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فادخلي في عبادي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=30وادخلي جنتي ..
وفيها إشارات سريعة لمصارع الغابرين المتجبرين، وإيقاعها بين بين. بين إيقاع القصص الرخي وإيقاع المصرع القوي:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد .
وفيها بيان لتصورات الإنسان غير الإيمانية وقيمه غير الإيمانية. وهي ذات لون خاص في السورة تعبيرا وإيقاعا:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول: ربي أكرمن. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول: ربي أهانن.. .
ثم الرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم التي تنبع منها هذه التصورات. وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كلا. بل لا تكرمون اليتيم. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18ولا تحاضون على طعام المسكين. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وتأكلون التراث أكلا لما، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وتحبون المال حبا جما ..
ويلاحظ أن هذا اللون الأخير هو قنطرة بين تقرير حالهم وما ينتظرهم في مآلهم. فقد جاء بعده:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ... إلخ .. فهو وسط في شدة التنغيم بين التقرير الأول والتهديد الأخير!
ومن هذا الاستعراض السريع تبدو الألوان المتعددة في مشاهد السورة. وإيقاعاتها في تعبيرها وفي تنغيمها.. كما يبدو تعدد نظام الفواصل وتغير حروف القوافي. بحسب تنوع المعاني والمشاهد. فالسورة من هذا الجانب نموذج واف لهذا الأفق من التناسق الجمالي في التعبير القرآني . فوق ما فيها عموما من جمال ملحوظ مأنوس!
فأما أغراض السورة الموضوعية التي يحملها هذا التعبير المتناسق الجميل. فنعرضها فيما يلي بالتفصيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1والفجر nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وليال عشر. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3والشفع والوتر. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4والليل إذا يسر. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=5هل في ذلك قسم لذي حجر؟ ..
هذا القسم في مطلع السورة يضم هذه المشاهد والخلائق. ذات الأرواح اللطيفة المأنوسة الشفيفة: "والفجر".. ساعة تنفس الحياة في يسر، وفرح، وابتسام، وإيناس ودود ندي، والوجود الغافي يستيقظ رويدا رويدا، وكأن أنفاسه مناجاة، وكأن تفتحه ابتهال!
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وليال عشر أطلقها النص القرآني ووردت فيها روايات شتى.. قيل هي العشر من ذي الحجة، وقيل هي العشر من المحرم. وقيل هي العشر من رمضان.. وإطلاقها هكذا أوقع وأندى. فهي ليال عشر يعلمها الله. ولها
[ ص: 3903 ] عنده شأن. تلقي في السياق ظل الليلات ذات الشخصية الخاصة. وكأنها خلائق حية معينة ذوات أرواح، تعاطفنا ونعاطفها من خلال التعبير القرآني الرفاف!
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3والشفع والوتر .. يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب. جو الفجر والليالي العشر.. "ومن الصلاة الشفع والوتر" (كما جاء في حديث أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي) وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو. حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة، بروح الوجود الساجية! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة، وروح الفجر الوضيئة.
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4والليل إذا يسر .. والليل هنا مخلوق حي، يسري في الكون، وكأنه ساهر يجول في الظلام! أو مسافر يختار السرى لرحلته البعيدة! يا لأناقة التعبير! ويا لأنس المشهد! ويا لجمال النغم! ويا للتناسق مع الفجر، والليالي العشر. والشفع والوتر!
إنها ليست ألفاظا وعبارات. إنما هي أنسام من أنسام الفجر، وأنداء مشعشعة بالعطر! أم إنه النجاء الأليف للقلب؟ والهمس اللطيف للروح؟ واللمس الموحي للضمير؟
إنه الجمال.. الجمال الحبيب الهامس اللطيف. الجمال الذي لا يدانيه جمال التصورات الشاعرية الطليقة. لأنه الجمال الإبداعي، المعبر في الوقت ذاته عن حقيقة.
ومن ثم يعقب عليه في النهاية: -
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=5هل في ذلك قسم لذي حجر ؟ وهو سؤال للتقرير. إن في ذلك قسما لذي لب وعقل. إن في ذلك مقنعا لمن له إدراك وفكر. ولكن صيغة الاستفهام - مع إفادتها التقرير - أرق حاشية.
فهي تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق!
أما المقسم عليه بذلك القسم، فقد طواه السياق، ليفسره ما بعده، فهو موضوع الطغيان والفساد، وأخذ ربك لأهل الطغيان والفساد، فهو حق واقع يقسم عليه بذلك القسم في تلميح يناسب لمسات السورة الخفيفة على وجه الإجمال:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالواد؟ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد؟ .. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب؟ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد ..
وصيغة الاستفهام في مثل هذا السياق أشد إثارة لليقظة والالتفات. والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء. ثم هو لكل من تتأتى منه الرؤية أو التبصر في مصارع أولئك الأقوام، وكلها مما كان المخاطبون بالقرآن أول مرة يعرفونه ومما تشهد به الآثار والقصص الباقية في الأجيال المتعاقبة، وإضافة الفعل إلى "ربك" فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة. وبخاصة أولئك الذين كانوا في
مكة يعانون طغيان الطغاة، وعسف الجبارين من المشركين، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد.
وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم.. مصرع:
"عاد إرم" وهي
عاد الأولى. وقيل: إنها من العرب العاربة أو البادية. وكان مسكنهم
بالأحقاف وهي كثبان الرمال. في جنوبي
الجزيرة بين
حضرموت واليمن. وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد. وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة
عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد في ذلك الأوان..
[ ص: 3904 ] nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالواد .. وكانت
ثمود تسكن
بالحجر في شمال
الجزيرة العربية بين
المدينة والشام. وقد قطعت الصخر وشيدته قصورا; كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات..
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد .. وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان.
وفرعون المشار إليه هنا هو
فرعون موسى الطاغية الجبار.
هؤلاء هم
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد .. وليس وراء الطغيان إلا الفساد. فالطغيان يفسد الطاغية، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء. كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة. ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف، المعمر الباني، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال..
إنه يجعل الطاغية أسير هواه، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت، ولا يقف عند حد ظاهر، فيفسد هو أول من يفسد ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف; وكذلك قال
فرعون.. nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى عند ما أفسده طغيانه، فتجاوز به مكان العبد المخلوق، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح، وهو فساد أي فساد.
ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء، مع السخط الدفين والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية. والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن، وتصبح مرتعا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة. وميدانا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك. وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد..
ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة، لأنها خطر على الطغاة والطغيان. فلا بد من تزييف للقيم، وتزوير في الموازين، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة، وتراها مقبولة مستساغة.. وهو فساد أي فساد.
فلما أكثروا في الأرض الفساد، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد:
[ ص: 3901 ] (89)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْفَجْرِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثَلَاثُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=32783_33062_29675_29680_30296_30362_19576_19630_33679_32408_32409_32944_31847_31916_32016_31843_1266_23443_28904_29060nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1وَالْفَجْرِ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=5هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=24يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=25فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=26وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=30وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
هَذِهِ السُّورَةُ فِي عُمُومِهَا حَلْقَةٌ مِنْ حَلَقَاتٍ هَذَا الْجُزْءِ فِي الْهُتَافِ بِالْقَلْبِ الْبَشَرِيِّ إِلَى الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْيَقَظَةِ وَالتَّدَبُّرِ.. وَلَكِنَّهَا تَتَضَمَّنُ أَلْوَانًا شَتَّى مِنَ الْجَوْلَاتِ وَالْإِيقَاعَاتِ وَالظِّلَالِ. أَلْوَانًا مُتَنَوِّعَةً تُؤَلِّفُ مِنْ تَفَرُّقِهَا وَتَنَاسُقِهَا لَحْنًا وَاحِدًا مُتَعَدِّدَ النَّغَمَاتِ مُوَحَّدَ الْإِيقَاعِ!
[ ص: 3902 ] فِي بَعْضِ مَشَاهِدِهَا جَمَالٌ هَادِئٌ رَفِيقٌ نَدِيُّ السِّمَاتِ وَالْإِيقَاعَاتِ، كَهَذَا الْمَطْلَعِ النَّدِيِّ بِمَشَاهِدِهِ الْكَوْنِيَّةِ الرَّقِيقَةِ، وَبِظِلِّ الْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ فِي ثَنَايَا تِلْكَ الْمَشَاهِدِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1وَالْفَجْرِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وَلَيَالٍ عَشْرٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ.. .
وَفِي بَعْضِ مَشَاهِدِهَا شَدٌّ وَقَصْفٌ. سَوَاءٌ مَنَاظِرُهَا أَوْ مُوسِيقَاهَا كَهَذَا الْمَشْهَدِ الْعَنِيفِ الْمُخِيفِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كَلا. إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ. يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=24يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=25فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=26وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ..
وَفِي بَعْضِ مَشَاهِدِهَا نَدَاوَةٌ وَرِقَّةٌ وَرِضًى يُفِيضُ وَطُمَأْنِينَةٌ. تَتَنَاسَقُ فِيهَا الْمَنَاظِرُ وَالْأَنْغَامُ، كَهَذَا الْخِتَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فَادْخُلِي فِي عِبَادِي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=30وَادْخُلِي جَنَّتِي ..
وَفِيهَا إِشَارَاتٌ سَرِيعَةٌ لِمَصَارِعِ الْغَابِرِينَ الْمُتَجَبِّرِينَ، وَإِيقَاعُهَا بَيْنَ بَيْنَ. بَيْنَ إِيقَاعِ الْقَصَصِ الرَّخِيِّ وَإِيقَاعِ الْمَصْرَعِ الْقَوِيِّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ .
وَفِيهَا بَيَانٌ لِتَصَوُّرَاتِ الْإِنْسَانِ غَيْرِ الْإِيمَانِيَّةِ وَقِيَمِهِ غَيْرِ الْإِيمَانِيَّةِ. وَهِيَ ذَاتُ لَوْنٍ خَاصٍّ فِي السُّورَةِ تَعْبِيرًا وَإِيقَاعًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ: رَبِّي أَكْرَمَنِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ: رَبِّي أَهَانَنِ.. .
ثُمَّ الرَّدُّ عَلَى هَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ بِبَيَانِ حَقِيقَةِ حَالِهِمُ الَّتِي تَنْبُعُ مِنْهَا هَذِهِ التَّصَوُّرَاتُ. وَهِيَ تَشْمَلُ لَوْنَيْنِ مِنْ أَلْوَانِ الْعِبَارَةِ وَالتَّنْغِيمِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كَلا. بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ..
وَيُلَاحَظُ أَنَّ هَذَا اللَّوْنَ الْأَخِيرَ هُوَ قَنْطَرَةٌ بَيْنَ تَقْرِيرِ حَالِهِمْ وَمَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي مَآلِهِمْ. فَقَدْ جَاءَ بَعْدَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ... إِلَخْ .. فَهُوَ وَسَطٌ فِي شِدَّةِ التَّنْغِيمِ بَيْنَ التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ وَالتَّهْدِيدِ الْأَخِيرِ!
وَمِنْ هَذَا الِاسْتِعْرَاضِ السَّرِيعِ تَبْدُو الْأَلْوَانُ الْمُتَعَدِّدَةُ فِي مَشَاهِدِ السُّورَةِ. وَإِيقَاعَاتِهَا فِي تَعْبِيرِهَا وَفِي تَنْغِيمِهَا.. كَمَا يَبْدُو تَعَدُّدُ نِظَامِ الْفَوَاصِلِ وَتَغَيُّرِ حُرُوفِ الْقَوَافِي. بِحَسَبِ تَنَوُّعِ الْمَعَانِي وَالْمَشَاهِدِ. فَالسُّورَةُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ نَمُوذَجٌ وَافٍ لِهَذَا الْأُفُقِ مِنَ التَّنَاسُقِ الْجَمَالِيِّ فِي التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ . فَوْقَ مَا فِيهَا عُمُومًا مِنْ جَمَالٍ مَلْحُوظٍ مَأْنُوسٍ!
فَأَمَّا أَغْرَاضُ السُّورَةِ الْمَوْضُوعِيَّةِ الَّتِي يَحْمِلُهَا هَذَا التَّعْبِيرُ الْمُتَنَاسِقُ الْجَمِيلُ. فَنَعْرِضُهَا فِيمَا يَلِي بِالتَّفْصِيلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1وَالْفَجْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وَلَيَالٍ عَشْرٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=5هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ؟ ..
هَذَا الْقَسَمُ فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ يَضُمُّ هَذِهِ الْمَشَاهِدَ وَالْخَلَائِقَ. ذَاتَ الْأَرْوَاحِ اللَّطِيفَةِ الْمَأْنُوسَةِ الشَّفِيفَةِ: "وَالْفَجْرِ".. سَاعَةُ تَنَفُّسِ الْحَيَاةِ فِي يُسْرٍ، وَفَرَحٍ، وَابْتِسَامٍ، وَإِينَاسٍ وَدُودٍ نَدِيٍّ، وَالْوُجُودُ الْغَافِي يَسْتَيْقِظُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا، وَكَأَنَّ أَنْفَاسَهُ مُنَاجَاةٌ، وَكَأَنَّ تَفَتُّحَهُ ابْتِهَالٌ!
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وَلَيَالٍ عَشْرٍ أَطْلَقَهَا النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ وَوَرَدَتْ فِيهَا رِوَايَاتٌ شَتَّى.. قِيلَ هِيَ الْعَشْرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَقِيلَ هِيَ الْعَشْرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ. وَقِيلَ هِيَ الْعَشْرُ مِنْ رَمَضَانَ.. وَإِطْلَاقُهَا هَكَذَا أَوْقَعُ وَأَنْدَى. فَهِيَ لَيَالٍ عَشْرٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ. وَلَهَا
[ ص: 3903 ] عِنْدَهُ شَأْنٌ. تُلْقِي فِي السِّيَاقِ ظِلَّ اللَّيْلَاتِ ذَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْخَاصَّةِ. وَكَأَنَّهَا خَلَائِقُ حَيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ ذَوَاتُ أَرْوَاحٍ، تُعَاطِفُنَا وَنُعَاطِفُهَا مِنْ خِلَالِ التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ الرَّفَّافِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ .. يُطْلِقَانِ رُوحَ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ فِي ذَلِكَ الْجَوِّ الْمَأْنُوسِ الْحَبِيبِ. جَوِّ الْفَجْرِ وَاللَّيَالِي الْعَشْرِ.. "وَمِنَ الصَّلَاةِ الشَّفْعُ وَالْوَتْرُ" (كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ) وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَنْسَبُ الْمَعَانِي فِي هَذَا الْجَوِّ. حَيْثُ تَلْتَقِي رُوحُ الْعِبَادَةِ الْخَاشِعَةِ، بِرُوحِ الْوُجُودِ السَّاجِيَةِ! وَحَيْثُ تَتَجَاوَبُ الْأَرْوَاحُ الْعَابِدَةُ مَعَ أَرْوَاحِ اللَّيَالِي الْمُخْتَارَةِ، وَرُوحِ الْفَجْرِ الْوَضِيئَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ .. وَاللَّيْلُ هُنَا مَخْلُوقٌ حَيٌّ، يَسْرِي فِي الْكَوْنِ، وَكَأَنَّهُ سَاهِرٌ يَجُولُ فِي الظَّلَامِ! أَوْ مُسَافِرٌ يَخْتَارُ السُّرَى لِرِحْلَتِهِ الْبَعِيدَةِ! يَا لَأَنَاقَةِ التَّعْبِيرِ! وَيَا لَأُنْسِ الْمَشْهَدِ! وَيَا لَجَمَالِ النَّغَمِ! وَيَا لَلتَّنَاسُقِ مَعَ الْفَجْرِ، وَاللَّيَالِي الْعَشْرِ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ!
إِنَّهَا لَيْسَتْ أَلْفَاظًا وَعِبَارَاتٍ. إِنَّمَا هِيَ أَنْسَامٌ مِنْ أَنْسَامِ الْفَجْرِ، وَأَنْدَاءٌ مُشَعْشَعَةٌ بِالْعِطْرِ! أَمْ إِنَّهُ النِّجَاءُ الْأَلِيفُ لِلْقَلْبِ؟ وَالْهَمْسُ اللَّطِيفُ لِلرُّوحِ؟ وَاللَّمْسُ الْمُوحِي لِلضَّمِيرِ؟
إِنَّهُ الْجَمَالُ.. الْجَمَالُ الْحَبِيبُ الْهَامِسُ اللَّطِيفُ. الْجَمَالُ الَّذِي لَا يُدَانِيهِ جَمَالُ التَّصَوُّرَاتِ الشَّاعِرِيَّةِ الطَّلِيقَةِ. لِأَنَّهُ الْجَمَالُ الْإِبْدَاعِيُّ، الْمُعَبِّرُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ عَنْ حَقِيقَةٍ.
وَمِنْ ثَمَّ يُعَقِّبُ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ: -
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=5هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ؟ وَهُوَ سُؤَالٌ لِلتَّقْرِيرِ. إِنَّ فِي ذَلِكَ قَسَمًا لِذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ مَقْنَعًا لِمَنْ لَهُ إِدْرَاكٌ وَفِكْرٌ. وَلَكِنَّ صِيغَةَ الِاسْتِفْهَامِ - مَعَ إِفَادَتِهَا التَّقْرِيرَ - أَرَقُّ حَاشِيَةً.
فَهِيَ تَتَنَاسَقُ مَعَ ذَلِكَ الْجَوِّ الْهَامِسِ الرَّقِيقِ!
أَمَّا الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَسَمِ، فَقَدْ طَوَاهُ السِّيَاقُ، لِيُفَسِّرَهُ مَا بَعْدَهُ، فَهُوَ مَوْضُوعُ الطُّغْيَانِ وَالْفَسَادِ، وَأَخْذِ رَبِّكَ لِأَهْلِ الطُّغْيَانِ وَالْفَسَادِ، فَهُوَ حَقٌّ وَاقِعٌ يُقْسِمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَسَمِ فِي تَلْمِيحٍ يُنَاسَبُ لَمَسَاتِ السُّورَةِ الْخَفِيفَةَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ؟ .. nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ..
وَصِيغَةُ الِاسْتِفْهَامِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ أَشَدُّ إِثَارَةً لِلْيَقَظَةِ وَالِالْتِفَاتِ. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً. ثُمَّ هُوَ لِكُلِّ مَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ أَوِ التَّبَصُّرُ فِي مَصَارِعٍ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ، وَكُلُّهَا مِمَّا كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْقُرْآنِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَعْرِفُونَهُ وَمِمَّا تَشْهَدُ بِهِ الْآثَارُ وَالْقِصَصُ الْبَاقِيَةُ فِي الْأَجْيَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ، وَإِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى "رَبِّكَ" فِيهَا لِلْمُؤْمِنِ طُمَأْنِينَةٌ وَأُنْسٌ وَرَاحَةٌ. وَبِخَاصَّةٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي
مَكَّةَ يُعَانُونَ طُغْيَانَ الطُّغَاةِ، وَعَسْفَ الْجَبَّارِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، الْوَاقِفِينَ لِلدَّعْوَةِ وَأَهْلِهَا بِالْمِرْصَادِ.
وَقَدْ جَمَعَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْقِصَارَ مَصَارِعَ أَقْوَى الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ عَرَفَهُمُ التَّارِيخُ الْقَدِيمُ.. مَصْرَعُ:
"عَادِ إِرَمَ" وَهِيَ
عَادٌ الْأُولَى. وَقِيلَ: إِنَّهَا مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةُ أَوِ الْبَادِيَةُ. وَكَانَ مَسْكَنُهُمْ
بِالْأَحْقَافِ وَهِيَ كُثْبَانُ الرِّمَالِ. فِي جَنُوبِيِّ
الْجَزِيرَةِ بَيْنَ
حَضْرَمَوْتَ وَالْيَمَنِ. وَكَانُوا بَدْوًا ذَوِي خِيَامٍ تَقُومُ عَلَى عِمَادٍ. وَقَدْ وُصِفُوا فِي الْقُرْآنِ بِالْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ، فَقَدْ كَانَتْ قَبِيلَةُ
عَادٍ هِيَ أَقْوَى قَبِيلَةٍ فِي وَقْتِهَا وَأَمْيَزَهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ فِي ذَلِكَ الْأَوَانِ..
[ ص: 3904 ] nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ .. وَكَانَتْ
ثَمُودُ تَسْكُنُ
بِالْحِجْرِ فِي شَمَالِ
الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ. وَقَدْ قَطَعَتِ الصَّخْرَ وَشَيَّدَتْهُ قُصُورًا; كَمَا نَحَتَتْ فِي الْجِبَالِ مَلَاجِئَ وَمَغَارَاتٍ..
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ .. وَهِيَ عَلَى الْأَرْجَحِ الْأَهْرَامَاتُ الَّتِي تُشْبِهُ الْأَوْتَادَ الثَّابِتَةَ فِي الْأَرْضِ الْمَتِينَةِ الْبُنْيَانِ.
وَفِرْعَوْنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُنَا هُوَ
فِرْعَوْنُ مُوسَى الطَّاغِيَةُ الْجَبَّارُ.
هَؤُلَاءِ هُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ .. وَلَيْسَ وَرَاءَ الطُّغْيَانِ إِلَّا الْفَسَادُ. فَالطُّغْيَانُ يُفْسِدُ الطَّاغِيَةَ، وَيُفْسِدُ الَّذِينَ يَقَعُ عَلَيْهِمُ الطُّغْيَانُ سَوَاءً. كَمَا يُفْسِدُ الْعَلَاقَاتِ وَالِارْتِبَاطَاتِ فِي كُلِّ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ. وَيُحَوِّلُ الْحَيَاةَ عَنْ خَطِّهَا السَّلِيمِ النَّظِيفِ، الْمُعَمَّرِ الْبَانِي، إِلَى خَطٍّ آخَرَ لَا تَسْتَقِيمُ مَعَهُ خِلَافَةُ الْإِنْسَانِ فِي الْأَرْضِ بِحَالٍ..
إِنَّهُ يَجْعَلُ الطَّاغِيَةَ أَسِيرَ هَوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا يَفِيءُ إِلَى مِيزَانٍ ثَابِتٍ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ ظَاهِرٍ، فَيُفْسِدُ هُوَ أَوَّلَ مَنْ يُفْسِدُ وَيَتَّخِذُ لَهُ مَكَانًا فِي الْأَرْضِ غَيْرَ مَكَانِ الْعَبْدِ الْمُسْتَخْلَفِ; وَكَذَلِكَ قَالَ
فِرْعَوْنُ.. nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى عِنْدَ مَا أَفْسَدَهُ طُغْيَانُهُ، فَتَجَاوَزَ بِهِ مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَخْلُوقِ، وَتَطَاوَلَ بِهِ إِلَى هَذَا الِادِّعَاءِ الْمَقْبُوحِ، وَهُوَ فَسَادٌ أَيُّ فَسَادٍ.
ثُمَّ هُوَ يَجْعَلُ الْجَمَاهِيرَ أَرِقَّاءَ أَذِلَّاءَ، مَعَ السُّخْطِ الدَّفِينِ وَالْحِقْدِ الْكَظِيمِ، فَتَتَعَطَّلُ فِيهِمْ مَشَاعِرُ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَمَلَكَاتُ الِابْتِكَارِ الْمُتَحَرِّرَةُ الَّتِي لَا تَنْمُو فِي غَيْرِ جَوِّ الْحُرِّيَّةِ. وَالنَّفْسُ الَّتِي تُسْتَذَلُّ تَأْسَنُ وَتَتَعَفَّنُ، وَتُصْبِحُ مَرْتَعًا لِدِيدَانِ الشَّهَوَاتِ الْهَابِطَةِ وَالْغَرَائِزِ الْمَرِيضَةِ. وَمَيْدَانًا لِلِانْحِرَافَاتِ مَعَ انْطِمَاسِ الْبَصِيرَةِ وَالْإِدْرَاكِ. وَفُقْدَانِ الْأَرْيَحِيَّةِ وَالْهِمَّةِ وَالتَّطَلُّعِ وَالِارْتِفَاعِ، وَهُوَ فَسَادٌ أَيُّ فَسَادٍ..
ثُمَّ هُوَ يُحَطِّمُ الْمَوَازِينَ وَالْقِيَمَ وَالتَّصَوُّرَاتِ الْمُسْتَقِيمَةَ، لِأَنَّهَا خَطَرٌ عَلَى الطُّغَاةِ وَالطُّغْيَانِ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَزْيِيفٍ لِلْقِيَمِ، وَتَزْوِيرٍ فِي الْمَوَازِينِ، وَتَحْرِيفٍ لِلتَّصَوُّرَاتِ كَيْ تَقْبَلَ صُورَةَ الْبَغْيِ الْبَشِعَةَ، وَتَرَاهَا مَقْبُولَةً مُسْتَسَاغَةً.. وَهُوَ فَسَادٌ أَيُّ فَسَادٍ.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، كَانَ الْعِلَاجُ هُوَ تَطْهِيرَ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الْفَسَادِ: