[ ص: 3954 ] (99)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الزلزلة مدنية
وآياتها ثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=30362_34257_30296_30340_28765_29070nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إذا زلزلت الأرض زلزالها (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وأخرجت الأرض أثقالها (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وقال الإنسان ما لها (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8)
هذه السورة مدنية في المصحف وفي بعض الروايات; ومكية في بعض الروايات الأخرى. ونحن نرجح الروايات التي تقول بأنها مكية. وأسلوبها التعبيري وموضوعها يؤيدان هذا.
إنها هزة عنيفة للقلوب الغافلة. هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي. وصيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها فما يكادون يفيقون حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار!
وهذا هو طابع الجزء كله، يتمثل في هذه السورة تمثلا قويا ...
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إذا زلزلت الأرض زلزالها، nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وأخرجت الأرض أثقالها، nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وقال الإنسان ما لها؟ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها .
إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافا، وتزلزل زلزالا، وتنفض ما في جوفها نفضا، وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلا. وكأنها تتخفف من هذه الأثقال، التي حملتها طويلا!
وهو مشهد يهز تحت أقدام المستمعين لهذه السورة كل شيء ثابت; ويخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون، والأرض من تحتهم تهتز وتمور! مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض، وتحسبه ثابتا باقيا; وهو الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن، ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى أعصاب السامع بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة!
ويزيد هذا الأثر وضوحا بتصوير الإنسان حيال المشهد المعروض، ورسم انفعالاته وهو يشهده:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وقال الإنسان: ما لها؟ ..
[ ص: 3955 ] وهو سؤال المشدوه المبهوت المفجوء، الذي يرى ما لم يعهد، ويواجه ما لا يدرك، ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت. ما لها؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا؟ مالها؟ وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها; ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته، وكل ما حوله يمور مورا شديدا!
"والإنسان" قد شهد الزلازل والبراكين من قبل. وكان يصاب منها بالهلع والذعر، والهلاك والدمار، ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبها بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا. فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به. أمر لا يعرف له سرا، ولا يذكر له نظيرا. أمر هائل يقع للمرة الأولى!
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ .. يوم يقع هذا الزلزال، ويشده أمامه الإنسان
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4تحدث أخبارها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها .. يومئذ تحدث هذه الأرض أخبارها، وتصف حالها وما جرى لها.. لقد كان ما كان لها
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها .. وأمرها أن تمور مورا، وأن تزلزل زلزالها، وأن تخرج أثقالها! فأطاعت أمر ربها
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=2وأذنت لربها وحقت .. تحدث أخبارها. فهذا الحال حديث واضح عما وراءه من أمر الله ووحيه إليها..
وهنا و "الإنسان" مشدوه مأخوذ، والإيقاع يلهث فزعا ورعبا، ودهشة وعجبا، واضطرابا ومورا.. هنا و"الإنسان" لا يكاد يلتقط أنفاسه وهو يتساءل: مالها مالها؟ هنا يواجه بمشهد الحشر والحساب والوزن والجزاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم. nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا .. نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7كأنهم جراد منتشر .. وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل. مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=44يوم تشقق الأرض عنهم سراعا .. وحيثما امتد البصر رأى شبحا ينبعث ثم ينطلق مسرعا! لا يلوي على شيء، ولا ينظر وراءه ولا حواليه:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=8مهطعين إلى الداع ممدودة رقابهم، شاخصة أبصارهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=37لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه .
إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر. هائل مروع. مفزع. مرعب. مذهل ...
كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئا مما يبلغه إرسال الخيال قليلا يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق!
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا ..
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6ليروا أعمالهم .. وهذه أشد وأدهى.. إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض عليهم أعمالهم، ليواجهوها، ويواجهوا جزاءها. ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسى من كل جزاء. وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير. فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر؟!
إنها عقوبة هائلة رهيبة.. مجرد أن يروا أعمالهم، وأن يواجهوا بما كان منهم!
ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها.
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ..
ذرة.. كان المفسرون القدامى يقولون: إنها البعوضة. وكانوا يقولون: إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ... فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة...
[ ص: 3956 ] فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الاسم، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس، فالهباءة ترى بالعين المجردة. أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل. إنما هي "رؤيا" في ضمير العلماء! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره. وكل ما رآه هو آثارها!
فهذه أو ما يشبهها من ثقل، من خير أو شر، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها! ...
عندئذ لا يحقر "الإنسان" شيئا من عمله. خيرا كان أو شرا. ولا يقول: هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن. إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله ارتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل!
إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض.. إلا في القلب المؤمن..
القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر ... وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر.. ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال..
إنها قلوب عتلة في الأرض، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب!!
[ ص: 3954 ] (99)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ مَدَنِيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=30362_34257_30296_30340_28765_29070nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ فِي الْمُصْحَفِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ; وَمَكِّيَّةٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى. وَنَحْنُ نُرَجِّحُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَقُولُ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. وَأُسْلُوبُهَا التَّعْبِيرِيُّ وَمَوْضُوعُهَا يُؤَيِّدَانِ هَذَا.
إِنَّهَا هَزَّةٌ عَنِيفَةٌ لِلْقُلُوبِ الْغَافِلَةِ. هَزَّةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمَوْضُوعُ وَالْمَشْهَدُ وَالْإِيقَاعُ اللَّفْظِيُّ. وَصَيْحَةٌ قَوِيَّةٌ مُزَلْزِلَةٌ لِلْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا فَمَا يَكَادُونَ يُفِيقُونَ حَتَّى يُوَاجِهَهُمُ الْحِسَابُ وَالْوَزْنُ وَالْجَزَاءُ فِي بِضْعِ فِقْرَاتٍ قِصَارٍ!
وَهَذَا هُوَ طَابَعُ الْجُزْءِ كُلِّهِ، يَتَمَثَّلُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ تَمَثُّلًا قَوِيًّا ...
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا، nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا؟ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .
إِنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حَيْثُ تَرْتَجِفُ الْأَرْضُ الثَّابِتَةُ ارْتِجَافًا، وَتُزَلْزَلُ زِلْزَالًا، وَتَنْفُضُ مَا فِي جَوْفِهَا نَفْضًا، وَتُخْرِجُ مَا يُثْقِلُهَا مِنْ أَجْسَادٍ وَمَعَادِنَ وَغَيْرِهَا مِمَّا حَمَلَتْهُ طَوِيلًا. وَكَأَنَّهَا تَتَخَفَّفُ مِنْ هَذِهِ الْأَثْقَالِ، الَّتِي حَمَلَتْهَا طَوِيلًا!
وَهُوَ مَشْهَدٌ يَهُزُّ تَحْتَ أَقْدَامِ الْمُسْتَمِعِينَ لِهَذِهِ السُّورَةِ كُلَّ شَيْءٍ ثَابِتٍ; وَيُخَيَّلُ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَتَرَنَّحُونَ وَيَتَأَرْجَحُونَ، وَالْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِمْ تَهْتَزُّ وَتَمُورُ! مَشْهَدٌ يَخْلَعُ الْقُلُوبَ مِنْ كُلِّ مَا تَتَشَبَّثُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَتَحْسَبُهُ ثَابِتًا بَاقِيًا; وَهُوَ الْإِيحَاءُ الْأَوَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ الَّتِي يُصَوِّرُهَا الْقُرْآنُ، وَيُودِعُ فِيهَا حَرَكَةً تَكَادُ تَنْتَقِلُ إِلَى أَعْصَابِ السَّامِعِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْعِبَارَةِ الْقُرْآنِيَّةِ الْفَرِيدَةِ!
وَيَزِيدُ هَذَا الْأَثَرُ وُضُوحًا بِتَصْوِيرِ الْإِنْسَانُ حِيَالَ الْمَشْهَدِ الْمَعْرُوضِ، وَرَسْمِ انْفِعَالَاتِهِ وَهُوَ يَشْهَدُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وَقَالَ الإِنْسَانُ: مَا لَهَا؟ ..
[ ص: 3955 ] وَهُوَ سُؤَالُ الْمَشْدُوهِ الْمَبْهُوتِ الْمَفْجُوءِ، الَّذِي يَرَى مَا لَمْ يَعْهَدْ، وَيُوَاجِهُ مَا لَا يُدْرِكُ، وَيَشْهَدُ مَا لَا يَمْلِكُ الصَّبْرَ أَمَامَهُ وَالسُّكُوتَ. مَا لَهَا؟ مَا الَّذِي يُزَلْزِلُهَا هَكَذَا وَيَرُجُّهَا رَجًّا؟ مَالَهَا؟ وَكَأَنَّهُ يَتَمَايَلُ عَلَى ظَهْرِهَا وَيَتَرَنَّحُ مَعَهَا; وَيُحَاوِلُ أَنْ يُمْسِكَ بِأَيِّ شَيْءٍ يُسْنِدُهُ وَيُثَبِّتُهُ، وَكُلُّ مَا حَوْلَهُ يَمُورُ مَوْرًا شَدِيدًا!
"وَالْإِنْسَانُ" قَدْ شَهِدَ الزَّلَازِلَ وَالْبَرَاكِينَ مِنْ قَبْلُ. وَكَانَ يُصَابُ مِنْهَا بِالْهَلَعِ وَالذُّعْرِ، وَالْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ، وَلَكِنَّهُ حِينَ يَرَى زِلْزَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَجِدُ أَنَّ هُنَاكَ شَبَهًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا كَانَ يَقَعُ مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْبَرَاكِينِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَهَذَا أَمْرٌ جَدِيدٌ لَا عَهْدَ لِلْإِنْسَانِ بِهِ. أَمْرٌ لَا يَعْرِفُ لَهُ سِرًّا، وَلَا يَذْكُرُ لَهُ نَظِيرًا. أَمْرٌ هَائِلٌ يَقَعُ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى!
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ .. يَوْمَ يَقَعُ هَذَا الزِّلْزَالُ، وَيُشْدَهُ أَمَامَهُ الْإِنْسَانُ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .. يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ هَذِهِ الْأَرْضُ أَخْبَارَهَا، وَتَصِفُ حَالَهَا وَمَا جَرَى لَهَا.. لَقَدْ كَانَ مَا كَانَ لَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .. وَأَمَرَهَا أَنْ تَمُورَ مَوْرًا، وَأَنْ تُزَلْزَلَ زِلْزَالَهَا، وَأَنْ تُخْرِجَ أَثْقَالَهَا! فَأَطَاعَتْ أَمْرَ رَبِّهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=2وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ .. تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا. فَهَذَا الْحَالُ حَدِيثٌ وَاضِحٌ عَمَّا وَرَاءَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ إِلَيْهَا..
وَهُنَا وَ "الْإِنْسَانُ" مَشْدُوهٌ مَأْخُوذٌ، وَالْإِيقَاعُ يَلْهَثُ فَزَعًا وَرُعْبًا، وَدَهْشَةً وَعَجَبًا، وَاضْطِرَابًا وَمَوْرًا.. هُنَا وَ"الْإِنْسَانُ" لَا يَكَادُ يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهُ وَهُوَ يَتَسَاءَلُ: مَالَهَا مَالَهَا؟ هُنَا يُوَاجَهُ بِمَشْهَدِ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْوَزْنِ وَالْجَزَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وَفِي لَمْحَةٍ نَرَى مَشْهَدَ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا .. نَرَى مَشْهَدَهُمْ شَتِيتًا مُنْبَعِثًا مِنْ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ .. وَهُوَ مَشْهَدٌ لَا عَهْدَ لِلْإِنْسَانِ بِهِ كَذَلِكَ مِنْ قَبْلُ. مَشْهَدُ الْخَلَائِقِ فِي أَجْيَالِهَا جَمِيعًا تَنْبَعِثُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=44يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا .. وَحَيْثُمَا امْتَدَّ الْبَصَرُ رَأَى شَبَحًا يَنْبَعِثُ ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُسْرِعًا! لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ، وَلَا يَنْظُرُ وَرَاءَهُ وَلَا حَوَالَيْهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=8مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ مَمْدُودَةً رِقَابُهُمْ، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=37لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ .
إِنَّهُ مَشْهَدٌ لَا تُعَبِّرُ عَنْ صِفَتِهِ لُغَةُ الْبَشَرِ. هَائِلٌ مُرَوِّعٌ. مُفْزِعٌ. مُرْعِبٌ. مُذْهِلٌ ...
كُلُّ أُولَئِكَ وَسَائِرُ مَا فِي الْمُعْجَمِ مِنْ أَمْثَالِهَا لَا تَبْلُغُ مِنْ وَصْفِ هَذَا الْمَشْهَدِ شَيْئًا مِمَّا يَبْلُغُهُ إِرْسَالُ الْخَيَالِ قَلِيلًا يَتَمَلَّاهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَفِي حُدُودِ مَا يُطِيقُ!
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا ..
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ .. وَهَذِهِ أَشَدُّ وَأَدْهَى.. إِنَّهُمْ ذَاهِبُونَ إِلَى حَيْثُ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ، لِيُوَاجِهُوهَا، وَيُوَاجِهُوا جَزَاءَهَا. وَمُوَاجَهَةُ الْإِنْسَانِ لِعَمَلِهِ قَدْ تَكُونُ أَحْيَانًا أَقْسَى مِنْ كُلِّ جَزَاءٍ. وَإِنَّ مِنْ عَمَلِهِ مَا يَهْرُبُ مِنْ مُوَاجَهَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَيُشِيحُ بِوَجْهِهِ عَنْهُ لِبَشَاعَتِهِ حِينَ يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي نَوْبَةٍ مِنْ نَوْبَاتِ النَّدَمِ وَلَذْعِ الضَّمِيرِ. فَكَيْفَ بِهِ وَهُوَ يُوَاجَهُ بِعَمَلِهِ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ، فِي حَضْرَةِ الْجَلِيلِ الْعَظِيمِ الْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ؟!
إِنَّهَا عُقُوبَةٌ هَائِلَةٌ رَهِيبَةٌ.. مُجَرَّدُ أَنْ يُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، وَأَنْ يُوَاجَهُوا بِمَا كَانَ مِنْهُمْ!
وَوَرَاءَ رُؤْيَتِهَا الْحِسَابُ الدَّقِيقُ الَّذِي لَا يَدَعُ ذَرَّةً مِنْ خَيْرٍ أَوْ مِنْ شَرٍّ لَا يَزِنُهَا وَلَا يُجَازِي عَلَيْهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ..
ذَرَّةٌ.. كَانَ الْمُفَسِّرُونَ الْقُدَامَى يَقُولُونَ: إِنَّهَا الْبَعُوضَةُ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهَا الْهَبَاءَةُ الَّتِي تُرَى فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ ... فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ أَصْغَرَ مَا يَتَصَوَّرُونَ مِنْ لَفْظِ الذَّرَّةِ...
[ ص: 3956 ] فَنَحْنُ الْآنُ نَعْلَمُ أَنَّ الذَّرَّةَ شَيْءٌ مُحَدَّدٌ يَحْمِلُ هَذَا الِاسْمَ، وَأَنَّهُ أَصْغَرُ بِكَثِيرٍ مِنْ تِلْكَ الْهَبَاءَةِ الَّتِي تُرَى فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ، فَالْهَبَاءَةُ تُرَى بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ. أَمَّا الذَّرَّةُ فَلَا تُرَى أَبَدًا حَتَّى بِأَعْظَمِ الْمَجَاهِرِ فِي الْمَعَامِلِ. إِنَّمَا هِيَ "رُؤْيَا" فِي ضَمِيرِ الْعُلَمَاءِ! لَمْ يَسْبِقْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ رَآهَا بِعَيْنِهِ وَلَا بِمِجْهَرِهِ. وَكُلُّ مَا رَآهُ هُوَ آثَارُهَا!
فَهَذِهِ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ ثِقْلٍ، مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، تُحْضَرُ وَيَرَاهَا صَاحِبُهَا وَيَجِدُ جَزَاءَهَا! ...
عِنْدَئِذٍ لَا يُحَقِّرُ "الْإِنْسَانُ" شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ. خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا. وَلَا يَقُولُ: هَذِهِ صَغِيرَةٌ لَا حِسَابَ لَهَا وَلَا وَزْنَ. إِنَّمَا يَرْتَعِشُ وِجْدَانُهُ أَمَامَ كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ ارْتِعَاشَةَ ذَلِكَ الْمِيزَانِ الدَّقِيقِ الَّذِي تَرْجَحُ بِهِ الذَّرَّةُ أَوْ تَشِيلُ!
إِنَّ هَذَا الْمِيزَانَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ أَوْ شَبِيهٌ بَعْدُ فِي الْأَرْضِ.. إِلَّا فِي الْقَلْبِ الْمُؤْمِنِ..
الْقَلْبُ الَّذِي يَرْتَعِشُ لِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ... وَفِي الْأَرْضِ قُلُوبٌ لَا تَتَحَرَّكُ لِلْجَبَلِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَالْجَرَائِرِ.. وَلَا تَتَأَثَّرُ وَهِيَ تَسْحَقُ رَوَاسِيَ مِنَ الْخَيْرِ دُونَهَا رَوَاسِي الْجِبَالِ..
إِنَّهَا قُلُوبٌ عُتُلَّةٌ فِي الْأَرْضِ، مَسْحُوقَةٌ تَحْتَ أَثْقَالِهَا تِلْكَ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ!!