[ ص: 3982 ] (106)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة قريش مكية
وآياتها أربع
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=30578_29077_31576nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لإيلاف قريش (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فليعبدوا رب هذا البيت (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)
استجاب الله دعوة خليله
إبراهيم، وهو يتوجه إليه عقب بناء
البيت وتطهيره:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات .. فجعل هذا
البيت آمنا، وجعله عتيقا من سلطة المتسلطين وجبروت الجبارين; وجعل من يأوي إليه آمنا والمخافة من حوله في كل مكان.. حتى حين انحرف الناس وأشركوا بربهم وعبدوا معه الأصنام.. لأمر يريده سبحانه بهذا
البيت الحرام.
ولما توجه أصحاب الفيل لهدمه كان من أمرهم ما كان، مما فصلته سورة الفيل. وحفظ الله
للبيت أمنه، وصان حرمته; وكان من حوله كما قال الله فيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم؟ .
وقد كان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة
البيت عند
العرب في جميع أنحاء
الجزيرة، وزيادة مكانة أهله وسدنته من
قريش، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين، حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية، وشجعهم على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة - عن طريق القوافل - إلى
اليمن في الجنوب، وإلى
الشام في الشمال. وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين: إحداهما إلى
اليمن في الشتاء، والثانية إلى
الشام في الصيف.
ومع ما كانت عليه
nindex.php?page=treesubj&link=30578حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء; وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب، فإن حرمة
البيت في أنحاء
الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية، وجعلت
لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة; وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول، في أمان وسلام وطمأنينة. وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين، فصارتا لهم عادة وإلفا!
هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها - بعد البعثة - كما ذكرهم منة
nindex.php?page=treesubj&link=29258حادث الفيل في السورة السابقة، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين - وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله. ومنة أمنهم الخوف. سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله، أم في أسفارهم
[ ص: 3983 ] وترحالهم في رعاية حرمة
البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء.
يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه; وهو رب هذا
البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين..
يقول لهم: من أجل إيلاف
قريش رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة، وتنال من ورائها ما تنال
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فليعبدوا رب هذا البيت nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع .. وكان الأصل - بحسب حالة أرضهم - أن يجوعوا، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4وآمنهم من خوف .. وكان الأصل - بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم - أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف!
وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس. ويثير الخجل في القلوب. وما كانت
قريش تجهل قيمة
البيت وأثر حرمته في حياتها. وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا
البيت وحده. وها هو ذا
عبد المطلب لا يواجه
أبرهة بجيش ولا قوة. إنما يواجهه برب هذا
البيت الذي يتولى حماية بيته! لم يواجهه بصنم ولا وثن، ولم يقل له.. إن الآلهة ستحمي بيتها. إنما قال له: "أنا رب الإبل وإن
للبيت ربا سيمنعه".. ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق، ولا يثوب إلى حق، ولا يرجع إلى معقول.
وهذه السورة تبدو امتدادا لسورة الفيل قبلها من ناحية موضوعها وجوها. وإن كانت سورة مستقلة مبدوءة بالبسملة، والروايات تذكر أنه يفصل بين نزول سورة الفيل وسورة
قريش تسع سور. ولكن ترتيبهما في المصحف متواليتين يتفق مع موضوعهما القريب..
[ ص: 3982 ] (106)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ قُرَيْشٍ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا أَرْبَعٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=30578_29077_31576nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَةَ خَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمِ، وَهُوَ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ عَقِبَ بِنَاءِ
الْبَيْتِ وَتَطْهِيرِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ .. فَجَعَلَ هَذَا
الْبَيْتَ آمِنًا، وَجَعَلَهُ عَتِيقًا مِنْ سُلْطَةِ الْمُتَسَلِّطِينَ وَجَبَرُوتِ الْجَبَّارِينَ; وَجَعَلَ مَنْ يَأْوِي إِلَيْهِ آمِنًا وَالْمَخَافَةَ مِنْ حَوْلِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.. حَتَّى حِينَ انْحَرَفَ النَّاسُ وَأَشْرَكُوا بِرَبِّهِمْ وَعَبَدُوا مَعَهُ الْأَصْنَامَ.. لِأَمَرٍ يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ بِهَذَا
الْبَيْتِ الْحَرَامِ.
وَلَمَّا تَوَجَّهَ أَصْحَابُ الْفِيلِ لِهَدْمِهِ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ، مِمَّا فَصَّلَتْهُ سُورَةُ الْفِيلِ. وَحَفِظَ اللَّهُ
لِلْبَيْتِ أَمْنَهُ، وَصَانَ حُرْمَتَهُ; وَكَانَ مِنْ حَوْلِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؟ .
وَقَدْ كَانَ لِحَادِثِ الْفِيلِ أَثَرٌ مُضَاعَفٌ فِي زِيَادَةِ حُرْمَةِ
الْبَيْتِ عِنْدَ
الْعَرَبِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ
الْجَزِيرَةِ، وَزِيَادَةِ مَكَانَةِ أَهْلِهِ وَسَدَنَتِهِ مِنْ
قُرَيْشٍ، مِمَّا سَاعَدَهُمْ عَلَى أَنْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ آمِنِينَ، حَيْثُمَا حَلُّوا وَجَدُوا الْكَرَامَةَ وَالرِّعَايَةَ، وَشَجَّعَهُمْ عَلَى إِنْشَاءِ خَطَّيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ خُطُوطِ التِّجَارَةِ - عَنْ طَرِيقِ الْقَوَافِلِ - إِلَى
الْيَمَنِ فِي الْجَنُوبِ، وَإِلَى
الشَّامِ فِي الشَّمَالِ. وَإِلَى تَنْظِيمِ رِحْلَتَيْنِ تِجَارِيَّتَيْنِ ضَخْمَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا إِلَى
الْيَمَنِ فِي الشِّتَاءِ، وَالثَّانِيَةُ إِلَى
الشَّامِ فِي الصَّيْفِ.
وَمَعَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=30578حَالَةُ الْأَمْنِ فِي شِعَابِ الْجَزِيرَةِ مِنْ سُوءٍ; وَعَلَى مَا كَانَ شَائِعًا مِنْ غَارَاتِ السَّلْبِ وَالنَّهْبِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ
الْبَيْتِ فِي أَنْحَاءِ
الْجَزِيرَةِ قَدْ كَفَلَتْ لِجِيرَتِهِ الْأَمْنَ وَالسَّلَامَةَ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ الْمُغْرِيَةِ، وَجَعَلَتْ
لِقُرَيْشٍ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ مِيزَةً ظَاهِرَةً; وَفَتَحَتْ أَمَامَهَا أَبْوَابَ الرِّزْقِ الْوَاسِعِ الْمَكْفُولِ، فِي أَمَانٍ وَسَلَامٍ وَطُمَأْنِينَةٍ. وَأَلِفَتْ نُفُوسُهُمْ هَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ الْآمِنَتَيْنِ الرَّابِحَتَيْنِ، فَصَارَتَا لَهُمْ عَادَةً وَإِلْفًا!
هَذِهِ هِيَ الْمِنَّةُ الَّتِي يُذَكِّرُهُمُ اللَّهُ بِهَا - بَعْدَ الْبَعْثَةِ - كَمَا ذَكَّرَهُمْ مِنَّةَ
nindex.php?page=treesubj&link=29258حَادِثِ الْفِيلِ فِي السُّورَةِ السَّابِقَةِ، مِنَّةُ إِيلَافِهِمْ رِحْلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَمِنَّةُ الرِّزْقِ الَّذِي أَفَاضَهُ عَلَيْهِمْ بِهَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ - وَبِلَادُهُمْ قَفْرَةٌ جَفْرَةٌ وَهُمْ طَاعِمُونَ هَانِئُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. وَمِنَّةُ أَمْنِهِمُ الْخَوْفَ. سَوَاءٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ بِجِوَارِ بَيْتِ اللَّهِ، أَمْ فِي أَسْفَارِهِمْ
[ ص: 3983 ] وَتَرْحَالِهِمْ فِي رِعَايَةِ حُرْمَةِ
الْبَيْتِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ وَحَرَسَهَا مِنْ كُلِّ اعْتِدَاءٍ.
يُذَكِّرُهُمْ بِهَذِهِ الْمِنَنِ لِيَسْتَحْيُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ مَعَهُ; وَهُوَ رَبُّ هَذَا
الْبَيْتِ الَّذِي يَعِيشُونَ فِي جِوَارِهِ آمِنِينَ طَاعِمِينَ وَيَسِيرُونَ بِاسْمِهِ مَرْعِيِّينَ وَيَعُودُونَ سَالِمِينَ..
يَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ إِيلَافِ
قُرَيْشٍ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي كَفَلَ لَهُمُ الْأَمْنَ فَجَعَلَ نُفُوسَهُمْ تَأْلَفُ الرِّحْلَةَ، وَتَنَالُ مِنْ وَرَائِهَا مَا تَنَالُ
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ .. وَكَانَ الْأَصْلُ - بِحَسَبِ حَالَةِ أَرْضِهِمْ - أَنْ يَجُوعُوا، فَأَطْعَمَهُمُ اللَّهُ وَأَشْبَعَهُمْ مِنْ هَذَا الْجُوعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ .. وَكَانَ الْأَصْلُ - بِحَسَبَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ضَعْفٍ وَبِحَسَبِ حَالَةِ الْبِيئَةِ مِنْ حَوْلِهِمْ - أَنْ يَكُونُوا فِي خَوْفٍ فَآمَنُهُمْ مِنْ هَذَا الْخَوْفِ!
وَهُوَ تَذْكِيرٌ يَسْتَجِيشُ الْحَيَاءَ فِي النُّفُوسِ. وَيُثِيرُ الْخَجَلَ فِي الْقُلُوبِ. وَمَا كَانَتْ
قُرَيْشٌ تَجْهَلُ قِيمَةَ
الْبَيْتِ وَأَثَرَ حُرْمَتِهِ فِي حَيَاتِهَا. وَمَا كَانَتْ فِي سَاعَةِ الشَّدَّةِ وَالْكُرْبَةِ تَلْجَأُ إِلَّا إِلَى رَبِّ هَذَا
الْبَيْتِ وَحْدَهُ. وَهَا هُوَ ذَا
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لَا يُوَاجِهُ
أَبْرَهَةَ بِجَيْشٍ وَلَا قُوَّةٍ. إِنَّمَا يُوَاجِهُهُ بِرَبِّ هَذَا
الْبَيْتِ الَّذِي يَتَوَلَّى حِمَايَةَ بَيْتِهِ! لَمْ يُوَاجِهْهُ بِصَنَمٍ وَلَا وَثَنٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ.. إِنَّ الْآلِهَةَ سَتَحْمِي بَيْتَهَا. إِنَّمَا قَالَ لَهُ: "أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ وَإِنَّ
لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ".. وَلَكِنَّ انْحِرَافَ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَقِفُ عِنْدَ مَنْطِقٍ، وَلَا يَثُوبُ إِلَى حَقٍّ، وَلَا يُرْجِعُ إِلَى مَعْقُولٍ.
وَهَذِهِ السُّورَةُ تَبْدُو امْتِدَادًا لِسُورَةِ الْفِيلِ قَبْلَهَا مِنْ نَاحِيَةِ مَوْضُوعِهَا وَجَوِّهَا. وَإِنْ كَانَتْ سُورَةً مُسْتَقِلَّةً مَبْدُوءَةً بِالْبَسْمَلَةِ، وَالرِّوَايَاتُ تَذْكُرُ أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ نُزُولِ سُورَةِ الْفِيلِ وَسُورَةِ
قُرَيْشٍ تِسْعُ سُوَرٍ. وَلَكِنَّ تَرْتِيبَهُمَا فِي الْمُصْحَفِ مُتَوَالِيَتَيْنِ يَتَّفِقُ مَعَ مَوْضُوعِهِمَا الْقَرِيبِ..