[ ص: 3984 ] (107)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الماعون مكية
وآياتها سبع
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=32358_18705_19229_29468_28760_29078nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7ويمنعون الماعون (7)
هذه السورة مكية في بعض الروايات، ومكية مدنية في بعض الروايات (الثلاث الآيات الأولى مكية والباقيات مدنية) وهذه الأخيرة هي الأرجح. وإن كانت السورة كلها وحدة متماسكة، ذات اتجاه واحد، لتقرير حقيقة كلية من حقائق هذه العقيدة، مما يكاد يميل بنا إلى اعتبارها مدنية كلها، إذ إن الموضوع الذي تعالجه هو من موضوعات القرآن المدني - وهو في جملته يمت إلى النفاق والرياء مما لم يكن معروفا في الجماعة المسلمة في
مكة. ولكن قبول الروايات القائلة بأنها مكية مدنية لا يمتنع لاحتمال تنزيل الآيات الأربع الأخيرة في
المدينة وإلحاقها بالآيات الثلاث الأولى لمناسبة التشابه والاتصال في الموضوع.. وحسبنا هذا لنخلص إلى موضوع السورة وإلى الحقيقة الكبيرة التي تعالجها..
إن هذه السورة الصغيرة ذات الآيات السبع القصيرة تعالج حقيقة ضخمة تكاد تبدل المفهوم السائد للإيمان والكفر تبديلا كاملا. فوق ما تطلع به على النفس من حقيقة باهرة لطبيعة هذه العقيدة، وللخير الهائل العظيم المكنون فيها لهذه البشرية، وللرحمة السابغة التي أرادها الله للبشر وهو يبعث إليهم بهذه الرسالة الأخيرة..
إن هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد، مؤدية بسبب هذا
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19694_19693الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30495العمل الصالح، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى.
كذلك ليس هذا الدين أجزاء وتفاريق موزعة منفصلة، يؤدي منها الإنسان ما يشاء، ويدع منها ما يشاء.. إنما هو منهج متكامل، تتعاون عباداته وشعائره، وتكاليفه الفردية والاجتماعية، حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود
[ ص: 3985 ] كلها على البشر.. غاية تتطهر معها القلوب، وتصلح الحياة، ويتعاون الناس ويتكافلون في الخير والصلاح والنماء.. وتتمثل فيها رحمة الله السابغة بالعباد.
ولقد يقول الإنسان بلسانه: إنه مسلم وإنه مصدق بهذا الدين وقضاياه. وقد يصلي، وقد يؤدي شعائر أخرى غير الصلاة ولكن حقيقة الإيمان وحقيقة التصديق بالدين تظل بعيدة عنه ويظل بعيدا عنها، لأن لهذه الحقيقة علامات تدل على وجودها وتحققها. وما لم توجد هذه العلامات فلا إيمان ولا تصديق مهما قال اللسان، ومهما تعبد الإنسان!
إن حقيقة الإيمان حين تستقر في القلب تتحرك من فورها (كما قلنا في سورة العصر) لكي تحقق ذاتها في عمل صالح. فإذا لم تتخذ هذه الحركة فهذا دليل على عدم وجودها أصلا. وهذا ما تقرره هذه السورة نصا..
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين؟ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم، nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين ..
إنها تبدأ بهذا الاستفهام الذي يوجه كل من تتأتى منه الرؤية ليرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين؟ وينتظر من يسمع هذا الاستفهام ليرى إلى أين تتجه الإشارة وإلى من تتجه؟ ومن هو هذا الذي يكذب بالدين، والذي يقرر القرآن أنه يكذب بالدين.. وإذا الجواب:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم. nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين !
وقد تكون هذه مفاجأة بالقياس إلى تعريف الإيمان التقليدي.. ولكن هذا هو لباب الأمر وحقيقته.. إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا بعنف - أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه. والذي لا يحض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته. فلو صدق بالدين حقا، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم، وما كان ليقعد عن الحض على طعام المسكين.
إن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان; إنما هي تحول في القلب يدفعه إلى الخير والبر بإخوانه في البشرية، المحتاجين إلى الرعاية والحماية. والله لا يريد من الناس كلمات. إنما يريد منهم معها أعمالا تصدقها، وإلا فهي هباء، لا وزن لها عنده ولا اعتبار.
وليس أصرح من هذه الآيات الثلاث في تقرير هذه الحقيقة التي تمثل روح هذه العقيدة وطبيعة هذا الدين أصدق تمثيل.
ولا نحب أن ندخل هنا في جدل فقهي حول حدود الإيمان وحدود الإسلام. فتلك الحدود الفقهية إنما تقوم عليها المعاملات الشرعية. فأما هنا فالسورة تقرر حقيقة الأمر في اعتبار الله وميزانه. وهذا أمر آخر غير الظواهر التي تقوم عليها المعاملات!!
ثم يرتب على هذه الحقيقة الأولى صورة تطبيقية من صورها:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين، nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون، nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7ويمنعون الماعون إنه دعاء أو وعيد بالهلاك للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون.. فمن هم هؤلاء الذين هم عن صلاتهم ساهون!
إنهم الذين هم يراءون ويمنعون الماعون ..
إنهم أولئك الذين يصلون، ولكنهم لا يقيمون الصلاة. الذين يؤدون حركات الصلاة، وينطقون بأدعيتها، ولكن قلوبهم لا تعيش معها، ولا تعيش بها، وأرواحهم لا تستحضر حقيقة الصلاة وحقيقة ما فيها من قراءات ودعوات وتسبيحات. إنهم يصلون رياء للناس لا إخلاصا لله. ومن ثم هم ساهون عن صلاتهم وهم يؤدونها.
[ ص: 3986 ] ساهون عنها لم يقيموها. والمطلوب هو إقامة الصلاة لا مجرد أدائها. وإقامتها لا تكون إلا باستحضار حقيقتها والقيام لله وحده بها.
ومن هنا لا تنشئ الصلاة آثارها في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. فهم يمنعون الماعون. يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشرية. يمنعون الماعون عن عباد الله. ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله..
وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة هذه العقيدة، وأمام طبيعة هذا الدين. ونجد نصا قرآنيا ينذر مصلين بالويل. لأنهم لم يقيموا الصلاة حقا. إنما أدوا حركات لا روح فيها. ولم يتجردوا لله فيها. إنما أدوها رياء. ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء. بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء!
وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه ...
إنه لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه - فهو الغني - إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم. يريد الخير لهم. يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم. يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف، والتكافل الجميل، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك.
فأين تذهب البشرية بعيدا عن هذا الخير؟ وهذه الرحمة؟ وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم؟ أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق؟
[ ص: 3984 ] (107)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْمَاعُونِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا سَبْعٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=32358_18705_19229_29468_28760_29078nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَمَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (الثَّلَاثُ الْآيَاتِ الْأُولَى مَكِّيَّةٌ وَالْبَاقِيَاتُ مَدَنِيَّةٌ) وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْأَرْجَحُ. وَإِنْ كَانَتِ السُّورَةُ كُلُّهَا وَحْدَةً مُتَمَاسِكَةً، ذَاتَ اتِّجَاهٍ وَاحِدٍ، لِتَقْرِيرِ حَقِيقَةٍ كُلِّيَّةٍ مِنْ حَقَائِقِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، مِمَّا يَكَادُ يَمِيلُ بِنَا إِلَى اعْتِبَارِهَا مَدَنِيَّةً كُلَّهَا، إِذْ إِنَّ الْمَوْضُوعَ الَّذِي تُعَالِجُهُ هُوَ مِنْ مَوْضُوعَاتِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ - وَهُوَ فِي جُمْلَتِهِ يَمُتُّ إِلَى النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ فِي
مَكَّةَ. وَلَكِنَّ قَبُولَ الرِّوَايَاتِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ لَا يَمْتَنِعُ لِاحْتِمَالِ تَنْزِيلِ الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ فِي
الْمَدِينَةِ وَإِلْحَاقِهَا بِالْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْأُولَى لِمُنَاسَبَةِ التَّشَابُهِ وَالِاتِّصَالِ فِي الْمَوْضُوعِ.. وَحَسْبُنَا هَذَا لِنَخْلُصَ إِلَى مَوْضُوعِ السُّورَةِ وَإِلَى الْحَقِيقَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تُعَالِجُهَا..
إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الصَّغِيرَةَ ذَاتَ الْآيَاتِ السَّبْعِ الْقَصِيرَةِ تُعَالِجُ حَقِيقَةً ضَخْمَةً تَكَادُ تُبَدِّلُ الْمَفْهُومَ السَّائِدَ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ تَبْدِيلًا كَامِلًا. فَوْقَ مَا تَطْلُعُ بِهِ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَقِيقَةٍ بَاهِرَةٍ لِطَبِيعَةِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَلِلْخَيْرِ الْهَائِلِ الْعَظِيمِ الْمَكْنُونِ فِيهَا لِهَذِهِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلِلرَّحْمَةِ السَّابِغَةِ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ لِلْبَشَرِ وَهُوَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ الْأَخِيرَةِ..
إِنَّ هَذَا الدِّينَ لَيْسَ دِينَ مَظَاهِرَ وَطُقُوسٍ وَلَا تُغْنِي فِيهِ مَظَاهِرُ الْعِبَادَاتِ وَالشَّعَائِرِ، مَا لَمْ تَكُنْ صَادِرَةً عَنْ إِخْلَاصٍ لِلَّهِ وَتَجَرُّدٍ، مُؤَدِّيَةً بِسَبَبِ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19694_19693الْإِخْلَاصِ إِلَى آثَارٍ فِي الْقَلْبِ تَدْفَعُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30495الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتَتَمَثَّلُ فِي سُلُوكٍ تَصْلُحُ بِهِ حَيَاةُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَتَرْقَى.
كَذَلِكَ لَيْسَ هَذَا الدِّينُ أَجْزَاءً وَتَفَارِيقَ مُوَزَّعَةً مُنْفَصِلَةً، يُؤَدِّي مِنْهَا الْإِنْسَانُ مَا يَشَاءُ، وَيَدَعُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ.. إِنَّمَا هُوَ مَنْهَجٌ مُتَكَامِلٌ، تَتَعَاوَنُ عِبَادَاتُهُ وَشَعَائِرُهُ، وَتَكَالِيفُهُ الْفَرْدِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ، حَيْثُ تَنْتَهِي كُلُّهَا إِلَى غَايَةٍ تَعُودُ
[ ص: 3985 ] كُلُّهَا عَلَى الْبَشَرِ.. غَايَةٌ تَتَطَهَّرُ مَعَهَا الْقُلُوبُ، وَتَصْلُحُ الْحَيَاةُ، وَيَتَعَاوَنُ النَّاسُ وَيَتَكَافَلُونَ فِي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَالنَّمَاءِ.. وَتَتَمَثَّلُ فِيهَا رَحْمَةُ اللَّهِ السَّابِغَةُ بِالْعِبَادِ.
وَلَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ: إِنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّهُ مُصَدِّقٌ بِهَذَا الدِّينِ وَقَضَايَاهُ. وَقَدْ يُصَلِّي، وَقَدْ يُؤَدِّي شَعَائِرَ أُخْرَى غَيْرَ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَةَ التَّصْدِيقِ بِالدِّينِ تَظَلُّ بَعِيدَةً عَنْهُ وَيَظَلُّ بَعِيدًا عَنْهَا، لِأَنَّ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ عَلَامَاتٍ تَدُلُّ عَلَى وُجُودِهَا وَتَحَقُّقِهَا. وَمَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ فَلَا إِيمَانَ وَلَا تَصْدِيقَ مَهْمَا قَالَ اللِّسَانُ، وَمَهْمَا تَعَبَّدَ الْإِنْسَانُ!
إِنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حِينَ تَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ تَتَحَرَّكُ مِنْ فَوْرِهَا (كَمَا قُلْنَا فِي سُورَةِ الْعَصْرِ) لِكَيْ تُحَقِّقَ ذَاتَهَا فِي عَمَلٍ صَالِحٍ. فَإِذَا لَمْ تُتَّخَذْ هَذِهِ الْحَرَكَةُ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا أَصْلًا. وَهَذَا مَا تُقَرِّرُهُ هَذِهِ السُّورَةُ نَصًّا..
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ..
إِنَّهَا تَبْدَأُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي يُوَجِّهُ كُلَّ مَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ لِيَرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؟ وَيَنْتَظِرُ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ لِيَرَى إِلَى أَيْنَ تَتَّجِهُ الْإِشَارَةُ وَإِلَى مَنْ تَتَّجِهُ؟ وَمَنْ هُوَ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، وَالَّذِي يُقَرِّرُ الْقُرْآنُ أَنَّهُ يُكَذِّبُ بِالدِّينِ.. وَإِذَا الْجَوَابُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ !
وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ مُفَاجَأَةً بِالْقِيَاسِ إِلَى تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ التَّقْلِيدِيِّ.. وَلَكِنَّ هَذَا هُوَ لُبَابُ الْأَمْرِ وَحَقِيقَتُهُ.. إِنَّ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ هُوَ الَّذِي يَدْفَعُ الْيَتِيمَ دَفْعًا بِعُنْفٍ - أَيِ الَّذِي يُهِينُ الْيَتِيمَ وَيُؤْذِيهِ. وَالَّذِي لَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَلَا يُوَصِّي بِرِعَايَتِهِ. فَلَوْ صَدَّقَ بِالدِّينِ حَقًّا، وَلَوِ اسْتَقَرَّتْ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ فِي قَلْبِهِ مَا كَانَ لِيَدُعَّ الْيَتِيمَ، وَمَا كَانَ لِيَقْعُدَ عَنِ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.
إِنَّ حَقِيقَةَ التَّصْدِيقِ بِالدِّينِ لَيْسَتْ كَلِمَةً تُقَالُ بِاللِّسَانِ; إِنَّمَا هِيَ تَحَوُّلٌ فِي الْقَلْبِ يَدْفَعُهُ إِلَى الْخَيْرِ وَالْبِرِّ بِإِخْوَانِهِ فِي الْبَشَرِيَّةِ، الْمُحْتَاجِينَ إِلَى الرِّعَايَةِ وَالْحِمَايَةِ. وَاللَّهُ لَا يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ كَلِمَاتٍ. إِنَّمَا يُرِيدُ مِنْهُمْ مَعَهَا أَعْمَالًا تُصَدِّقُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ هَبَاءٌ، لَا وَزْنَ لَهَا عِنْدَهُ وَلَا اعْتِبَارَ.
وَلَيْسَ أَصْرَحُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تُمَثِّلُ رُوحَ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَطَبِيعَةَ هَذَا الدِّينِ أَصْدَقَ تَمْثِيلٍ.
وَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدْخُلَ هُنَا فِي جَدَلٍ فِقْهِيٍّ حَوْلَ حُدُودِ الْإِيمَانِ وَحُدُودِ الْإِسْلَامِ. فَتِلْكَ الْحُدُودُ الْفِقْهِيَّةُ إِنَّمَا تَقُومُ عَلَيْهَا الْمُعَامَلَاتُ الشَّرْعِيَّةُ. فَأَمَّا هُنَا فَالسُّورَةُ تَقَرِّرُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي اعْتِبَارِ اللَّهِ وَمِيزَانِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ آخَرُ غَيْرُ الظَّوَاهِرِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْمُعَامَلَاتُ!!
ثُمَّ يُرَتِّبُ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْأُولَى صُورَةً تَطْبِيقِيَّةً مِنْ صُوَرِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ إِنَّهُ دُعَاءٌ أَوْ وَعِيدٌ بِالْهَلَاكِ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ.. فَمَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ!
إِنَّهُمُ الَّذِينَ هُمْ يُراءونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ..
إِنَّهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ. الَّذِينَ يُؤَدُّونَ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ، وَيَنْطِقُونَ بِأَدْعِيَتِهَا، وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ لَا تَعِيشُ مَعَهَا، وَلَا تَعِيشُ بِهَا، وَأَرْوَاحُهُمْ لَا تَسْتَحْضِرُ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ وَحَقِيقَةَ مَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَاتٍ وَدَعَوَاتٍ وَتَسْبِيحَاتٍ. إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ رِيَاءً لِلنَّاسِ لَا إِخْلَاصًا لِلَّهِ. وَمِنْ ثَمَّ هُمْ سَاهُونَ عَنْ صَلَاتِهِمْ وَهُمْ يُؤَدُّونَهَا.
[ ص: 3986 ] سَاهُونَ عَنْهَا لَمْ يُقِيمُوهَا. وَالْمَطْلُوبُ هُوَ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ لَا مُجَرَّدُ أَدَائِهَا. وَإِقَامَتُهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِاسْتِحْضَارِ حَقِيقَتِهَا وَالْقِيَامِ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِهَا.
وَمِنْ هُنَا لَا تُنْشِئُ الصَّلَاةُ آثَارَهَا فِي نُفُوسِ هَؤُلَاءِ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. فَهُمْ يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ. يَمْنَعُونَ الْمَعُونَةَ وَالْبِرَّ وَالْخَيْرَ عَنْ إِخْوَانِهِمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ. يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ. وَلَوْ كَانُوا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ حَقًّا لِلَّهِ مَا مَنَعُوا الْعَوْنَ عَنْ عِبَادِهِ، فَهَذَا هُوَ مَحَكُّ الْعِبَادَةِ الصَّادِقَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللَّهِ..
وَهَكَذَا نَجِدُ أَنْفُسَنَا مَرَّةً أُخْرَى أَمَامَ حَقِيقَةِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَأَمَامَ طَبِيعَةِ هَذَا الدِّينِ. وَنَجِدُ نَصًّا قُرْآنِيًّا يُنْذِرُ مُصَلِّينَ بِالْوَيْلِ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ حَقًّا. إِنَّمَا أَدَّوْا حَرَكَاتٍ لَا رُوحَ فِيهَا. وَلَمْ يَتَجَرَّدُوا لِلَّهِ فِيهَا. إِنَّمَا أَدَّوْهَا رِيَاءً. وَلَمْ تَتْرُكِ الصَّلَاةُ أَثَرَهَا فِي قُلُوبِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَهِيَ إِذَنْ هَبَاءٌ. بَلْ هِيَ إِذَنْ مَعْصِيَةٌ تَنْتَظِرُ سُوءَ الْجَزَاءِ!
وَنَنْظُرُ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ وَتِلْكَ إِلَى حَقِيقَةِ مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ، حِينَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِرِسَالَاتِهِ لِيُؤْمِنُوا بِهِ وَلِيَعْبُدُوهُ ...
إِنَّهُ لَا يُرِيدُ مِنْهُمْ شَيْئًا لِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ - فَهُوَ الْغَنِيُّ - إِنَّمَا يُرِيدُ صَلَاحَهُمْ هُمْ أَنْفُسِهِمْ. يُرِيدُ الْخَيْرَ لَهُمْ. يُرِيدُ طَهَارَةَ قُلُوبِهِمْ وَيُرِيدُ سَعَادَةَ حَيَاتِهِمْ. يُرِيدُ لَهُمْ حَيَاةً رَفِيعَةً قَائِمَةً عَلَى الشُّعُورِ النَّظِيفِ، وَالتَّكَافُلِ الْجَمِيلِ، وَالْأَرْيَحِيَّةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَبِّ وَالْإِخَاءِ وَنَظَافَةِ الْقَلْبِ وَالسُّلُوكِ.
فَأَيْنَ تَذْهَبُ الْبَشَرِيَّةُ بَعِيدًا عَنْ هَذَا الْخَيْرِ؟ وَهَذِهِ الرَّحْمَةِ؟ وَهَذَا الْمُرْتَقَى الْجَمِيلُ الرَّفِيعُ الْكَرِيمُ؟ أَيْنَ تَذْهَبُ لِتَخْبِطَ فِي مَتَاهَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُظْلِمَةِ النَّكِدَةِ وَأَمَامَهَا هَذَا النُّورُ فِي مَفْرِقِ الطَّرِيقِ؟