nindex.php?page=treesubj&link=28980_1926_1957_25510_30431_30437_30515_30539_30551_3295nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون. nindex.php?page=treesubj&link=28980_1926_19995_2646_2649_28633_28662_30179_34148_842_844nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. nindex.php?page=treesubj&link=28980_19881_30179_30454_30483_30502_30554_30579_32379_33026_34135_34370nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله؟ لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين. nindex.php?page=treesubj&link=28980_23465_29680_30483_30502_30658_31104_34134_34135_34148_34290_34475_34478_7920nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون. nindex.php?page=treesubj&link=28980_30386_30387_30415_31104_34513nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم، nindex.php?page=treesubj&link=28980_30386_30387_34141nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=22خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم .
وبعد البراءة والإعلان لم يبق عذر ولا حجة لمن لا يقاتل المشركين; ولم يعد هنالك تردد في حرمانهم زيارة
البيت أو عمارته، وقد كانوا يقومون بهما في الجاهلية، وهنا ينكر السياق على المشركين أن يكون لهم الحق في أن يعمروا بيوت الله، فهو حق خالص للمؤمنين بالله القائمين بفرائضه; وما كانت عمارة
البيت في الجاهلية وسقاية الحاج لتغير من هذه القاعدة.. وهذه الآيات كانت تواجه ما يحيك في نفوس بعض المسلمين الذين لم تتضح لهم قاعدة هذا الدين.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ..
فهو أمر مستنكر منذ الابتداء، ليس له مبرر لأنه مخالف لطبائع الأشياء. إن بيوت الله خالصة لله، لا يذكر فيها إلا اسمه، ولا يدعى معه فيها أحد غيره، فكيف يعمرها من لا يعمر التوحيد قلوبهم، ومن يدعون مع الله شركاء، ومن يشهدون على أنفسهم بالكفر شهادة الواقع الذي لا يملكون إنكاره، ولا يسعهم إلا إقراره؟ إقراره؟
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17أولئك حبطت أعمالهم ..
[ ص: 1614 ] فهي باطلة أصلا، ومنها عمارة بيت الله التي لا تقوم إلا على قاعدة من توحيد الله.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17وفي النار هم خالدون ..
بما قدموا من الكفر الواضح الصريح.
إن العبادة تعبير عن العقيدة; فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة; وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح، وبالعمل الواقع الصريح، وبالتجرد لله في العمل والعبادة على السواء:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ..
والنص على خشية الله وحده دون سواه بعد شرطي الإيمان الباطن والعمل الظاهر، لا يجيء نافلة. فلا بد من التجرد لله; ولا بد من التخلص من كل ظل للشرك في الشعور أو السلوك; وخشية أحد غير الله لون من الشرك الخفي ينبه إليه النص قصدا في هذا الموضع ليتمحض الاعتقاد والعمل كله لله. وعندئذ يستحق المؤمنون أن يعمروا مساجد الله، ويستحقون أن يرجوا الهداية من الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ..
فإنما يتوجه القلب وتعمل الجوارح، ثم يكافئ الله على التوجه والعمل بالهداية والوصول والنجاح.
هذه هي القاعدة في استحقاق عمارة بيوت الله; وفي تقويم العبادات والشعائر على السواء يبينها الله للمسلمين والمشركين، فما يجوز أن يسوى الذين كانوا يعمرون الكعبة ويسقون الحجيج في الجاهلية، وعقيدتهم ليست خالصة لله، ولا نصيب لهم من عمل أو جهاد، لا يجوز أن يسوى هؤلاء - لمجرد عمارتهم للبيت وخدمتهم للحجيج - بالذين آمنوا إيمانا صحيحا وجاهدوا في سبيل الله وإعلاء كلمته:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19لا يستوون عند الله .
وميزان الله هو الميزان وتقديره هو التقدير.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19والله لا يهدي القوم الظالمين .
المشركين الذين لا يدينون دين الحق، ولا يخلصون عقيدتهم من الشرك، ولو كانوا يعمرون
البيت ويسقون الحجيج.
وينتهي هذا المعنى بتقرير فضل المؤمنين
المهاجرين المجاهدين، وما ينتظرهم من رحمة ورضوان، ومن نعيم مقيم وأجر عظيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون. nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=22خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم ..
وأفعل التفضيل هنا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20أعظم درجة عند الله ليس على وجهه، فهو لا يعني أن للآخرين درجة أقل، إنما هو التفضيل المطلق. فالآخرون
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون فلا مفاضلة بينهم وبين المؤمنين المهاجرين المجاهدين في درجة ولا في نعيم.
[ ص: 1615 ] ثم يمضي السياق في تجريد المشاعر والصلات في قلوب الجماعة المؤمنة، وتمحيصها لله; ولدين الله فيدعو إلى تخليصها من وشائج القربى والمصلحة واللذة، ويجمع كل لذائذ البشر، وكل وشائج الحياة، فيضمها في كفة، ويضع حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله في الكفة الأخرى، ويدع للمسلمين الخيار.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء - إن استحبوا الكفر على الإيمان - ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قل: إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم، وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها.. أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره. والله لا يهدي القوم الفاسقين ..
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا; فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها. وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة; ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة.. كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة. فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة; على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة.
ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع; وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض. فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والأخوة وبالزوج والعشيرة; ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن; ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق - في غير سرف ولا مخيلة - بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده، وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء - إن استحبوا الكفر على الإيمان - ..
وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب، إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة. وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله. فلله الولاية الأولى، وفيها ترتبط البشرية جميعا، فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك، والحبل مقطوع والعروة منقوضة.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ..
و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23الظالمون هنا تعني المشركين. فولاية الأهل والقوم - إن استحبوا الكفر على الإيمان - شرك لا يتفق مع الإيمان.
ولا يكتفي السياق بتقرير المبدأ، بل يأخذ في استعراض ألوان الوشائج والمطامع واللذائذ ليضعها كلها في كفة ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الأخرى: الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة (وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج) والأموال والتجارة (مطمع الفطرة ورغبتها) والمساكن المريحة (متاع الحياة ولذتها).. وفي الكفة الأخرى: حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله. الجهاد بكل مقتضياته وبكل مشقاته. الجهاد وما يتبعه من تعب ونصب، وما يتبعه من تضييق وحرمان، وما يتبعه من ألم وتضحية، وما يتبعه من جراح واستشهاد.. وهو - بعد هذا كله - "الجهاد في سبيل الله" مجردا من الصيت والذكر
[ ص: 1616 ] والظهور. مجردا من المباهاة، والفخر والخيلاء. مجردا من إحساس أهل الأرض به وإشارتهم إليه وإشادتهم بصاحبه. وإلا فلا أجر عليه ولا ثواب..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قل: إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله.. فتربصوا حتى يأتي الله بأمره...
ألا إنها لشاقة. ألا وإنها لكبيرة. ولكنها هي ذاك.. وإلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24فتربصوا حتى يأتي الله بأمره .
وإلا فتعرضوا لمصير الفاسقين:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24والله لا يهدي القوم الفاسقين ..
وهذا التجرد لا يطالب به الفرد وحده، إنما تطالب به الجماعة المسلمة، والدولة المسلمة. فما يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة يرتفع على مقتضيات العقيدة في الله ومقتضيات الجهاد في سبيل الله.
وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف، إلا وهو يعلم أن فطرتها تطيقه - فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها - وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال; وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها.. لذة الشعور بالاتصال بالله، ولذة الرجاء في رضوان الله، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط، والخلاص من ثقلة اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء. فإذا غلبتها ثقلة الأرض ففي التطلع إلى الأفق ما يجدد الرغبة الطامعة في الخلاص والفكاك.
ثم لمسة للمشاعر بالذكرى، وباستعراض صفحة من الواقع الذي عاشه المسلمون إذ ذاك منذ قريب.. المواطن التي نصرهم الله فيها، ولم تكن لهم قوة ولا عدة. ويوم
حنين الذي هزموا فيه بكثرتهم ثم نصرهم الله بقوته. يوم أن انضم إلى جيش الفتح ألفان فقط من الطلقاء! يوم أن غفلت قلوب المسلمين لحظات عن الله مأخوذة بالكثرة في العدد والعتاد. ليعلم المؤمنون أن التجرد لله، وتوثيق الصلة به هي عدة النصر التي لا تخذلهم حين تخذلهم الكثرة في العدد والعتاد وحين يخذلهم المال والإخوان والأولاد:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=25لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت، ثم وليتم مدبرين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا لم تروها، وعذب الذين كفروا، وذلك جزاء الكافرين. nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=27ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء، والله غفور رحيم .
ولقد كان نصر الله لهم في المواطن الكثيرة قريبا من ذاكرتهم لا يحتاج إلى أكثر من الإشارة. فأما وقعة
حنين فكانت بعد فتح
مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة. وذلك لما فرغ - صلى الله عليه وسلم - من فتح
مكة، وتمهدت أمورها، وأسلم عامة أهلها، وأطلقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغه أن
هوازن جمعوا له ليقاتلوه، وأن أميرهم
مالك بن عوف النضري، ومعه
ثقيف بكمالها،
وبنو جشم، وبنو سعد ابن بكر، وأوزاع من
بني هلال - وهم قليل - وناس من
بني عمرو بن عامر; وعوف بن عامر وقد أقبلوا
[ ص: 1617 ] ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم; وجاءوا بقضهم وقضيضهم. فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جيشه الذي جاء معه للفتح وهو عشرة آلاف من
المهاجرين والأنصار وقبائل
العرب، ومعه الذين أسلموا من أهل
مكة، وهم الطلقاء، في ألفين; فسار بهم إلى العدو; فالتقوا بواد بين
مكة والطائف يقال له
"حنين" فكانت فيه الواقعة في أول النهار في غلس الصبح. انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه
هوازن، فلما توجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد بادروهم، ورشقوا بالنبال، وأصلتوا السيوف، وحملوا حملة رجل واحد كما أمرهم ملكهم. فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين - كما قال الله عز وجل - وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ وهو راكب بغلته الشهباء، يسوقها إلى نحو العدو،
nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس آخذ بركابها الأيمن،
nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر، يثقلانها لئلا تسرع السير، وهو ينوه باسمه - عليه الصلاة والسلام - ويدعو المسلمين إلى الرجعة، ويقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652662 "إلي يا عباد الله. إلي أنا رسول الله" ويقول في تلك الحال:
"أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب"
وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، ومنهم من قال ثمانون; فمنهم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر - رضي الله عنهما -
nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي والفضل بن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد، وغيرهم - رضي الله عنهم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=660332ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه nindex.php?page=showalam&ids=18العباس وكان جهير الصوت أن ينادي بأعلى صوته: يا أصحاب الشجرة - يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها على ألا يفروا عنه - فجعل ينادي بهم: يا أصحاب السمرة، ويقول تارة: يا أصحاب سورة البقرة. فجعلوا يقولون: يا لبيك، يا لبيك. وانعطف الناس فتراجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع لبس درعه ثم انحدر عنه وأرسله، ورجع بنفسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما اجتمعت شرذمة منهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصدقوا الحملة... وانهزم المشركون فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون; وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذه هي المعركة التي اجتمع فيها للمسلمين - للمرة الأولى - جيش عدته اثنا عشر ألفا فأعجبتهم كثرتهم، وغفلوا بها عن سبب النصر الأول، فردهم الله بالهزيمة في أول المعركة إليه; ثم نصرهم بالقلة المؤمنة التي ثبتت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتصقت به.
والنص يعيد عرض المعركة بمشاهدها المادية، وبانفعالاتها الشعورية:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=25إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ..
فمن انفعال الإعجاب بالكثرة، إلى زلزلة الهزيمة الروحية، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم. إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ..
وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة ويهدئ الانفعالات الثائرة.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وأنزل جنودا لم تروها ..
فلا نعلم ماهيتها وطبيعتها.. وما يعلم جنود ربك إلا هو..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وعذب الذين كفروا .
[ ص: 1618 ] بالقتل والأسر والسلب والهزيمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وذلك جزاء الكافرين ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=27ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء، والله غفور رحيم ..
فباب المغفرة دائما مفتوح لمن يخطئ ثم يتوب.
إن معركة
حنين التي يذكرها السياق هنا ليعرض نتائج الانشغال عن الله، والاعتماد على قوة غير قوته، لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية. حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة. إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنما هي القلة العارفة المتصلة الثابتة المتجردة للعقيدة. وإن الكثرة لتكون أحيانا سببا في الهزيمة، لأن بعض الداخلين فيها، التائهين في غمارها، ممن لم يدركوا حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها، تتزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة; فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصفوف فوق ما تخدع الكثرة أصحابها فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم بالله، انشغالا بهذه الكثرة الظاهرة عن اليقظة لسر النصر في الحياة.
لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة، لا بالزبد الذي يذهب جفاء، ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح!
nindex.php?page=treesubj&link=28980_1926_1957_25510_30431_30437_30515_30539_30551_3295nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ. nindex.php?page=treesubj&link=28980_1926_19995_2646_2649_28633_28662_30179_34148_842_844nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ، وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهِ، فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مَنْ الْمُهْتَدِينَ. nindex.php?page=treesubj&link=28980_19881_30179_30454_30483_30502_30554_30579_32379_33026_34135_34370nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. nindex.php?page=treesubj&link=28980_23465_29680_30483_30502_30658_31104_34134_34135_34148_34290_34475_34478_7920nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. nindex.php?page=treesubj&link=28980_30386_30387_30415_31104_34513nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ، وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ، nindex.php?page=treesubj&link=28980_30386_30387_34141nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=22خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .
وَبَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَالْإِعْلَانِ لَمْ يَبْقَ عُذْرٌ وَلَا حُجَّةٌ لِمَنْ لَا يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ; وَلَمْ يَعُدْ هُنَالِكَ تَرَدُّدٌ فِي حِرْمَانِهِمْ زِيَارَةَ
الْبَيْتِ أَوْ عِمَارَتَهُ، وَقَدْ كَانُوا يَقُومُونَ بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُنَا يُنْكِرُ السِّيَاقُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْحَقُّ فِي أَنْ يَعْمُرُوا بُيُوتَ اللَّهِ، فَهُوَ حُقٌّ خَالِصٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ الْقَائِمِينَ بِفَرَائِضِهِ; وَمَا كَانَتْ عِمَارَةُ
الْبَيْتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِقَايَةُ الْحَاجِّ لِتُغَيِّرَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.. وَهَذِهِ الْآيَاتُ كَانَتْ تُوَاجِهُ مَا يَحِيكُ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ تَتَّضِحْ لَهُمْ قَاعِدَةُ هَذَا الدِّينِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ..
فَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَنْكَرٌ مُنْذُ الِابْتِدَاءِ، لَيْسَ لَهُ مُبَرِّرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِطَبَائِعِ الْأَشْيَاءِ. إِنَّ بُيُوتَ اللَّهِ خَالِصَةٌ لِلَّهِ، لَا يُذْكْرُ فِيهَا إِلَّا اسْمُهُ، وَلَا يُدْعَى مَعَهُ فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ يُعَمِّرُهَا مَنْ لَا يُعَمِّرُ التَّوْحِيدُ قُلُوبَهُمْ، وَمَنْ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ شُرَكَاءَ، وَمَنْ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ شَهَادَةَ الْوَاقِعِ الَّذِي لَا يَمْلِكُونَ إِنْكَارَهُ، وَلَا يَسَعُهُمْ إِلَّا إِقْرَارُهُ؟ إِقْرَارُهُ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ..
[ ص: 1614 ] فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَصْلًا، وَمِنْهَا عِمَارَةُ بَيْتِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى قَاعِدَةٍ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ..
بِمَا قَدَّمُوا مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ الصَّرِيحِ.
إِنَّ الْعِبَادَةَ تَعْبِيرٌ عَنِ الْعَقِيدَةِ; فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْعَقِيدَةُ لَمْ تَصِحَّ الْعِبَادَةُ; وَأَدَاءُ الشَّعَائِرِ وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ مَا لَمْ تُعَمِّرَ الْقُلُوبَ بِالِاعْتِقَادِ الْإِيمَانِيِّ الصَّحِيحِ، وَبِالْعَمَلِ الْوَاقِعِ الصَّرِيحِ، وَبِالتَّجَرُّدِ لِلَّهِ فِي الْعَمَلِ وَالْعِبَادَةِ عَلَى السَّوَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهِ ..
وَالنَّصُّ عَلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ بَعْدَ شَرْطَيِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ وَالْعَمَلِ الظَّاهِرِ، لَا يَجِيءُ نَافِلَةً. فَلَا بُدَّ مِنَ التَّجَرُّدِ لِلَّهِ; وَلَا بُدَّ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنْ كُلِّ ظِلٍّ لِلشِّرْكِ فِي الشُّعُورِ أَوِ السُّلُوكِ; وَخَشْيَةُ أَحَدٍ غَيْرُ اللَّهِ لَوْنٌ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ يُنَبِّهُ إِلَيْهِ النَّصُّ قَصْدًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِيَتَمَحَّضَ الِاعْتِقَادُ وَالْعَمَلُ كُلُّهُ لِلَّهِ. وَعِنْدَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُعَمِّرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَيَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَرْجُوَا الْهِدَايَةَ مِنَ اللَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ..
فَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ الْقَلْبُ وَتَعْمَلُ الْجَوَارِحُ، ثُمَّ يُكَافِئُ اللَّهُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَالْعَمَلِ بِالْهِدَايَةِ وَالْوُصُولِ وَالنَّجَاحِ.
هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ عِمَارَةِ بُيُوتِ اللَّهِ; وَفِي تَقْوِيمِ الْعِبَادَاتِ وَالشَّعَائِرِ عَلَى السَّوَاءِ يُبَيِّنُهَا اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَمَا يَجُوزُ أَنْ يُسَوَّى الَّذِينَ كَانُوا يُعَمِّرُونَ الْكَعْبَةَ وَيَسْقُونَ الْحَجِيجَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَقِيدَتُهُمْ لَيْسَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ، وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنْ عَمَلٍ أَوْ جِهَادٍ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَوَّى هَؤُلَاءِ - لِمُجَرَّدِ عِمَارَتِهِمْ لِلْبَيْتِ وَخِدْمَتِهِمْ لِلْحَجِيجِ - بِالَّذِينِ آمَنُوا إِيمَانًا صَحِيحًا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ .
وَمِيزَانُ اللَّهِ هُوَ الْمِيزَانُ وَتَقْدِيرُهُ هُوَ التَّقْدِيرُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ، وَلَا يُخْلِصُونَ عَقِيدَتَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَلَوْ كَانُوا يَعْمُرُونَ
الْبَيْتَ وَيَسْقُونَ الْحَجِيجَ.
وَيَنْتَهِي هَذَا الْمَعْنَى بِتَقْرِيرِ فَضْلِ الْمُؤْمِنِينَ
الْمُهَاجِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ، وَمَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنْ رَحْمَةٍ وَرِضْوَانٍ، وَمِنْ نَعِيمٍ مُقِيمٍ وَأَجْرٍ عَظِيمٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=22خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ..
وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ هُنَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ، فَهُوَ لَا يَعْنِي أَنَّ لِلْآخَرِينَ دَرَجَةٌ أَقَلُّ، إِنَّمَا هُوَ التَّفْضِيلُ الْمُطْلَقُ. فَالْآخَرُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ فَلَا مُفَاضَلَةَ بَيْنِهِمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ فِي دَرَجَةٍ وَلَا فِي نَعِيمٍ.
[ ص: 1615 ] ثُمَّ يَمْضِي السِّيَاقُ فِي تَجْرِيدِ الْمَشَاعِرِ وَالصِّلَاتِ فِي قُلُوبِ الْجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنَةِ، وَتَمْحِيصِهَا لِلَّهِ; وَلِدِينِ اللَّهِ فَيَدْعُو إِلَى تَخْلِيصِهَا مِنْ وَشَائِجِ الْقُرْبَى وَالْمَصْلَحَةِ وَاللَّذَّةِ، وَيَجْمَعُ كُلَّ لَذَائِذِ الْبَشَرِ، وَكُلَّ وَشَائِجِ الْحَيَاةِ، فَيَضُمُّهَا فِي كِفَّةٍ، وَيَضَعُ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحُبِّ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، وَيَدَعُ لِلْمُسْلِمِينَ الْخِيَارَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ - إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ - وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قُلْ: إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ، وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا، وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا، وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا.. أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهِ بِأَمْرِهِ. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ..
إِنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ لَا تَحْتَمِلُ لَهَا فِي الْقَلْبِ شَرِيكًا; فَإِمَّا تَجَرُّدٌ لَهَا، وَإِمَّا انْسِلَاخٌ مِنْهَا. وَلَيْسَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَنْقَطِعَ الْمُسْلِمُ عَنِ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ وَالْعَمَلِ وَالْمَتَاعِ وَاللَّذَّةِ; وَلَا أَنْ يَتَرَهْبَنَ وَيَزْهَدَ فِي طَيِّبَاتِ الْحَيَاةِ.. كَلَّا إِنَّمَا تُرِيدُ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ أَنْ يُخْلِصَ لَهَا الْقَلْبُ، وَيُخْلِصَ لَهَا الْحُبُّ، وَأَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُسَيْطِرَةُ وَالْحَاكِمَةُ، وَهِيَ الْمُحَرِّكَةُ وَالدَّافِعَةُ. فَإِذَا تَمَّ لَهَا هَذَا فَلَا حَرَجَ عِنْدَئِذٍ أَنْ يَسْتَمْتِعَ الْمُسْلِمُ بِكُلِّ طَيِّبَاتِ الْحَيَاةِ; عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِنَبْذِهَا كُلِّهَا فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي تَتَعَارَضُ مَعَ مَطَالِبِ الْعَقِيدَةِ.
وَمَفْرِقِ الطَّرِيقِ هُوَ أَنْ تُسَيْطِرَ الْعَقِيدَةُ أَوْ يُسَيْطِرَ الْمَتَاعُ; وَأَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ الْأَوْلَى لِلْعَقِيدَةِ أَوْ لِعَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ هَذِهِ الْأَرْضِ. فَإِذَا اطْمَأَنَّ الْمُسْلِمُ إِلَى أَنَّ قَلْبَهُ خَالِصٌ لِعَقِيدَتِهِ فَلَا عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِالْأَبْنَاءِ وَالْأُخْوَّةِ وَبِالزَّوْجِ وَالْعَشِيرَةِ; وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَ الْأَمْوَالَ وَالْمَتَاجِرَ وَالْمَسَاكِنَ; وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِزِينَةِ اللَّهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ - فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مُخَيِّلَةٍ - بَلْ إِنَّ الْمَتَاعَ بِهَا حِينَئِذٍ لَمُسْتَحَبٌّ بِاعْتِبَارِهِ لَوْنًا مِنْ أَلْوَانِ الشُّكْرِ لِلَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ بِهَا لِيَتَمَتَّعَ بِهَا عِبَادُهُ، وَهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ الرَّازِقُ الْمُنْعِمُ الْوَهَّابُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ - إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ - ..
وَهَكَذَا تَتَقَطَّعُ أَوَاصِرُ الدَّمِ وَالنَّسَبِ، إِذَا انْقَطَعَتْ آصِرَةُ الْقَلْبِ وَالْعَقِيدَةِ. وَتَبْطُلُ وِلَايَةُ الْقَرَابَةِ فِي الْأُسْرَةِ إِذَا بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْقَرَابَةِ فِي اللَّهِ. فَلِلَّهِ الْوِلَايَةُ الْأُولَى، وَفِيهَا تَرْتَبِطُ الْبَشَرِيَّةُ جَمِيعًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا وِلَايَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْحَبْلُ مَقْطُوعٌ وَالْعُرْوَةُ مَنْقُوضَةٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ..
و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=23الظَّالِمُونَ هُنَا تَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. فَوِلَايَةُ الْأَهْلِ وَالْقَوْمِ - إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ - شِرْكٌ لَا يَتَّفِقُ مَعَ الْإِيمَانِ.
وَلَا يَكْتَفِي السِّيَاقُ بِتَقْرِيرِ الْمَبْدَأِ، بَلْ يَأْخُذُ فِي اسْتِعْرَاضِ أَلْوَانِ الْوَشَائِجِ وَالْمَطَامِعِ وَاللَّذَائِذِ لِيَضَعَهَا كُلَّهَا فِي كِفَّةٍ وَيَضَعَ الْعَقِيدَةَ وَمُقْتَضَيَاتِهَا فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى: الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْإِخْوَانُ وَالْأَزْوَاجُ وَالْعَشِيرَةُ (وَشِيجَةُ الدَّمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَرَابَةِ وَالزَّوَاجِ) وَالْأَمْوَالُ وَالتِّجَارَةُ (مَطْمَعُ الْفِطْرَةِ وَرَغْبَتُهَا) وَالْمَسَاكِنُ الْمُرِيحَةُ (مَتَاعُ الْحَيَاةِ وَلَذَّتُهَا).. وَفِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى: حَبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحَبُّ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ. الْجِهَادُ بِكُلِّ مُقْتَضَيَاتِهِ وَبِكُلِّ مَشَقَّاتِهِ. الْجِهَادُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ تَعَبٍ وَنَصَبٍ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ تَضْيِيقٍ وَحِرْمَانٍ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ أَلَمٍ وَتَضْحِيَةٍ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ جِرَاحٍ وَاسْتِشْهَادٍ.. وَهُوَ - بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ - "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" مُجَرَّدًا مِنَ الصِّيتِ وَالذِّكْرِ
[ ص: 1616 ] وَالظُّهُورِ. مُجَرَّدًا مِنَ الْمُبَاهَاةِ، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ. مُجَرَّدًا مِنْ إِحْسَاسِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِهِ وَإِشَارَتِهِمْ إِلَيْهِ وَإِشَادَتِهِمْ بِصَاحِبِهِ. وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا ثَوَابَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قُلْ: إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا، وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا، وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا، أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ.. فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهِ بِأَمْرِهِ...
أَلَا إِنَّهَا لَشَاقَّةٌ. أَلَا وَإِنَّهَا لِكَبِيرَةٌ. وَلَكِنَّهَا هِيَ ذَاكَ.. وَإِلَّا:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ .
وَإِلَّا فَتَعَرَّضُوا لِمَصِيرِ الْفَاسِقِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ..
وَهَذَا التَّجَرُّدُ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْفَرْدُ وَحْدَهُ، إِنَّمَا تُطَالَبُ بِهِ الْجَمَاعَةُ الْمُسْلِمَةُ، وَالدَّوْلَةُ الْمُسْلِمَةُ. فَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ اعْتِبَارٌ لِعَلَاقَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ يَرْتَفِعُ عَلَى مُقْتَضَيَاتِ الْعَقِيدَةِ فِي اللَّهِ وَمُقْتَضَيَاتِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَمَا يُكَلِّفُ اللَّهُ الْفِئَةَ الْمُؤْمِنَةَ هَذَا التَّكْلِيفَ، إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِطْرَتَهَا تُطِيقُهُ - فَاللَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا - وَإِنَّهُ لَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ أَنْ أَوْدَعَ فِطْرَتَهُمْ هَذِهِ الطَّاقَةَ الْعَالِيَةَ مِنَ التَّجَرُّدِ وَالِاحْتِمَالِ; وَأَوْدَعَ فِيهَا الشُّعُورَ بِلَذَّةٍ عُلْوِيَّةٍ لِذَلِكَ التَّجَرُّدِ لَا تَعْدِلُهَا لَذَائِذُ الْأَرْضِ كُلِّهَا.. لَذَّةُ الشُّعُورِ بِالِاتِّصَالِ بِاللَّهِ، وَلَذَّةُ الرَّجَاءِ فِي رِضْوَانِ اللَّهِ، وَلَذَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الضَّعْفِ وَالْهُبُوطِ، وَالْخَلَاصِ مِنْ ثَقْلَةِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، وَالِارْتِفَاعِ إِلَى الْأُفُقِ الْمَشْرِقِ الْوَضِيءِ. فَإِذَا غَلَبَتْهَا ثَقْلَةُ الْأَرْضِ فَفِي التَّطَلُّعِ إِلَى الْأُفُقِ مَا يُجَدِّدُ الرَّغْبَةَ الطَّامِعَةَ فِي الْخَلَاصِ وَالْفِكَاكِ.
ثُمَّ لَمْسَةٌ لِلْمَشَاعِرِ بِالذِّكْرَى، وَبِاسْتِعْرَاضِ صَفْحَةٍ مِنَ الْوَاقِعِ الَّذِي عَاشَهُ الْمُسْلِمُونَ إِذْ ذَاكَ مُنْذُ قَرِيبٍ.. الْمَوَاطِنُ الَّتِي نَصَرَهُمُ اللَّهُ فِيهَا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَا عُدَّةٌ. وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ الَّذِي هُزِمُوا فِيهِ بِكَثْرَتِهِمْ ثُمَّ نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِقُوَّتِهِ. يَوْمَ أَنِ انْضَمَّ إِلَى جَيْشِ الْفَتْحِ أَلْفَانِ فَقَطْ مِنَ الطُّلَقَاءِ! يَوْمَ أَنْ غَفَلَتْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ لَحَظَاتٍ عَنِ اللَّهِ مَأْخُوذَةٍ بِالْكَثْرَةِ فِي الْعَدَدِ وَالْعَتَادِ. لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ التَّجَرُّدَ لِلَّهِ، وَتَوْثِيقَ الصِّلَةِ بِهِ هِيَ عِدَّةُ النَّصْرِ الَّتِي لَا تَخْذُلُهُمْ حِينَ تَخْذُلُهُمُ الْكَثْرَةُ فِي الْعَدَدِ وَالْعَتَادِ وَحِينَ يَخْذُلُهُمُ الْمَالُ وَالْإِخْوَانُ وَالْأَوْلَادُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=25لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=27ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مِنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَلَقَدْ كَانَ نَصْرُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْمَوَاطِنِ الْكَثِيرَةِ قَرِيبًا مِنْ ذَاكِرَتِهِمْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ الْإِشَارَةِ. فَأَمَّا وَقْعَةُ
حُنَيْنٍ فَكَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ فِي شَوَّالَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَذَلِكَ لَمَّا فَرَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَتْحِ
مَكَّةَ، وَتَمَهَّدَتْ أُمُورُهَا، وَأَسْلَمَ عَامَّةُ أَهْلِهَا، وَأَطْلَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَهُ أَنَّ
هَوَازِنَ جَمَعُوا لَهُ لِيُقَاتِلُوهُ، وَأَنَّ أَمِيرَهُمْ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ، وَمَعَهُ
ثَقِيفٌ بِكَمَالِهَا،
وَبَنُو جُشَمٍ، وَبَنُو سَعْدٍ ابْنِ بِكْرٍ، وَأَوْزَاعٍ مَنْ
بَنِي هِلَالٍ - وَهُمْ قَلِيلٌ - وَنَاسٌ مَنْ
بَنِي عَمْرٍو بْنِ عَامِرٍ; وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ وَقَدْ أَقْبَلُوا
[ ص: 1617 ] وَمَعَهُمُ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ وَالشَّاءُ وَالنِّعَمُ; وَجَاءُوا بِقَضِّهِمْ وَقَضِيضِهِمْ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشِهِ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ لِلْفَتْحِ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَبَائِلِ
الْعَرَبِ، وَمَعَهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ، وَهُمُ الطُّلَقَاءُ، فِي أَلْفَيْنِ; فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْعَدُوِّ; فَالْتَقَوْا بِوَادٍ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ
"حُنَيْنٌ" فَكَانَتْ فِيهِ الْوَاقِعَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فِي غَلَسِ الصُّبْحِ. انْحَدَرُوا فِي الْوَادِي وَقَدْ كَمَنَتْ فِيهِ
هَوَازِنُ، فَلَمَّا تَوَجَّهُوا لَمْ يَشْعُرِ الْمُسْلِمُونَ إِلَّا بِهِمْ قَدْ بَادَرُوهُمْ، وَرُشِقُوا بِالنِّبَالِ، وَأَصْلَتُوا السُّيُوفَ، وَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَمَا أَمَرَهُمْ مَلِكُهُمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ - كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ وَهُوَ رَاكِبٌ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ، يَسُوقُهَا إِلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ،
nindex.php?page=showalam&ids=18وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِرِكَابِهَا الْأَيْمَنِ،
nindex.php?page=showalam&ids=9809وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِرِكَابِهَا الْأَيْسَرِ، يُثْقِلَانِهَا لِئَلَّا تُسْرِعَ السَّيْرَ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَدْعُو الْمُسْلِمِينَ إِلَى الرَّجْعَةِ، وَيَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652662 "إِلَيَّ يَا عِبَادَ اللَّهِ. إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ" وَيَقُولُ فِي تِلْكَ الْحَالِ:
"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ. أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ"
وَثَبَتَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثَمَانُونَ; فَمِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
nindex.php?page=showalam&ids=18وَالْعَبَّاسُ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، nindex.php?page=showalam&ids=9809وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، nindex.php?page=showalam&ids=111وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=660332ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّهُ nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسَ وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ أَنْ يُنَادِيَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي شَجَرَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّتِي بَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ تَحْتَهَا عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا عَنْهُ - فَجَعَلَ يُنَادِي بِهِمْ: يَا أَصْحَابَ السُّمْرَةِ، وَيَقُولُ تَارَةً: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ. وَانْعَطَفَ النَّاسُ فَتَرَاجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يُطَاوِعُهُ بَعِيرُهُ عَلَى الرُّجُوعِ لَبِسَ دِرْعَهُ ثُمَّ انْحَدَرَ عَنْهُ وَأَرْسَلَهُ، وَرَجَعَ بِنَفْسِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ شِرْذِمَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَدِّقُوا الْحَمْلَةَ... وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ أَقْفَاءَهُمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ; وَمَا تَرَاجَعَ بَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَّا وَالْأَسْرَى مُجَنْدَلَةٌ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
هَذِهِ هِيَ الْمَعْرَكَةُ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ - لِلْمَرَّةِ الْأُولَى - جَيْشٌ عُدَّتُهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَأَعْجَبَتْهُمْ كَثْرَتُهُمْ، وَغَفَلُوا بِهَا عَنْ سَبَبِ النَّصْرِ الْأَوَّلِ، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِالْهَزِيمَةِ فِي أَوَّلِ الْمَعْرَكَةِ إِلَيْهِ; ثُمَّ نَصَرَهُمْ بِالْقِلَّةِ الْمُؤْمِنَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْتَصَقَتْ بِهِ.
وَالنَّصُّ يُعِيدُ عَرْضَ الْمَعْرَكَةِ بِمَشَاهِدِهَا الْمَادِّيَّةِ، وَبِانْفِعَالَاتِهَا الشُّعُورِيَّةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=25إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ..
فَمِنِ انْفِعَالِ الْإِعْجَابِ بِالْكَثْرَةِ، إِلَى زَلْزَلَةِ الْهَزِيمَةِ الرُّوحِيَّةِ، إِلَى انْفِعَالِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ حَتَّى لَكَأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا تَضِيقُ بِهِمْ وَتَشُدُّ عَلَيْهِمْ. إِلَى حَرَكَةِ الْهَزِيمَةِ الْحِسِّيَّةِ، وَتَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ وَالنُّكُوصِ عَلَى الْأَعْقَابِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ..
وَكَأَنَّمَا السَّكِينَةُ رِدَاءٌ يَنْزِلُ فَيُثَبِّتُ الْقُلُوبَ الطَّائِرَةَ وَيُهَدِّئُ الِانْفِعَالَاتِ الثَّائِرَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ..
فَلَا نَعْلَمُ مَاهِيَتَهَا وَطَبِيعَتَهَا.. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا .
[ ص: 1618 ] بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالسَّلْبِ وَالْهَزِيمَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=27ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مِنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ..
فَبَابُ الْمَغْفِرَةِ دَائِمًا مَفْتُوحٌ لِمَنْ يُخْطِئُ ثُمَّ يَتُوبُ.
إِنَّ مَعْرَكَةَ
حُنَيْنٍ الَّتِي يَذْكُرُهَا السِّيَاقُ هُنَا لِيَعْرِضَ نَتَائِجَ الِانْشِغَالِ عَنِ اللَّهِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى قُوَّةٍ غَيْرِ قُوَّتِهِ، لِتَكْشِفَ لَنَا عَنْ حَقِيقَةٍ أُخْرَى ضِمْنِيَّةٍ. حَقِيقَةُ الْقُوَى الَّتِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهَا كُلُّ عَقِيدَةٍ. إِنَّ الْكَثْرَةَ الْعَدَدِيَّةَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هِيَ الْقِلَّةُ الْعَارِفَةُ الْمُتَّصِلَةُ الثَّابِتَةُ الْمُتَجَرِّدَةُ لِلْعَقِيدَةِ. وَإِنَّ الْكَثْرَةَ لَتَكُونَ أَحْيَانًا سَبَبًا فِي الْهَزِيمَةِ، لِأَنَّ بَعْضَ الدَّاخِلِينَ فِيهَا، التَّائِهِينَ فِي غِمَارِهَا، مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكُوا حَقِيقَةَ الْعَقِيدَةِ الَّتِي يَنْسَاقُونَ فِي تَيَّارِهَا، تَتَزَلْزَلُ أَقْدَامُهُمْ وَتَرْتَجِفُ فِي سَاعَةِ الشِّدَّةِ; فَيُشِيعُونَ الِاضْطِرَابَ وَالْهَزِيمَةَ فِي الصُّفُوفِ فَوْقَ مَا تَخْدَعُ الْكَثْرَةُ أَصْحَابَهَا فَتَجْعَلُهُمْ يَتَهَاوَنُونَ فِي تَوْثِيقِ صِلَتِهِمْ بِاللَّهِ، انْشِغَالًا بِهَذِهِ الْكَثْرَةِ الظَّاهِرَةِ عَنِ الْيَقَظَةِ لِسِرِّ النَّصْرِ فِي الْحَيَاةِ.
لَقَدْ قَامَتْ كُلُّ عَقِيدَةٍ بِالصَّفْوَةِ الْمُخْتَارَةِ، لَا بِالزَّبَدِ الَّذِي يَذْهَبُ جُفَاءً، وَلَا بِالْهَشِيمِ الَّذِي تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ!