[ ص: 2157 ] (16)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة النحل مكية
وآياتها ثمان وعشرون ومائة
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=28678_28723_30292_33143_32414_29485_31753_32409_32688_29747_30362_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=5والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=6ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه [ ص: 2158 ] ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور .رحيم (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19والله يعلم ما تسرون وما تعلنون (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون (21)
هذه السورة هادئة الإيقاع، عادية الجرس، ولكنها مليئة حافلة. موضوعاتها الرئيسية كثيرة منوعة، والإطار الذي تعرض فيه واسع شامل، والأوتار التي توقع عليها متعددة مؤثرة، والظلال التي تلونها عميقة الخطوط.
وهي كسائر السور المكية تعالج موضوعات العقيدة الكبرى: الألوهية. والوحي. والبعث. ولكنها تلم بموضوعات جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسية. تلم بحقيقة الوحدانية الكبرى التي تصل بين دين
إبراهيم - عليه السلام - ودين
محمد - صلى الله عليه وسلم - وتلم بحقيقة الإرادة الإلهية والإرادة البشرية فيما يختص بالإيمان والكفر والهدى والضلال. وتلم بوظيفة الرسل، وسنة الله في المكذبين لهم. وتلم بموضوع التحليل والتحريم وأوهام الوثنية حول هذا الموضوع. وتلم بالهجرة في سبيل الله، وفتنة المسلمين في دينهم، والكفر بعد الإيمان وجزاء هذا كله عند الله.. ثم تضيف إلى موضوعات العقيدة موضوعات المعاملة: العدل والإحسان والإنفاق والوفاء بالعهد، وغيرها من موضوعات السلوك القائم على العقيدة.. وهكذا هي مليئة حافلة من ناحية الموضوعات التي تعالجها.
فأما الإطار الذي تعرض فيه هذه الموضوعات، والمجال الذي تجري فيه الأحداث، فهو فسيح شامل.. هو السماوات والأرض. والماء الهاطل والشجر النامي. والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم. والبحار والجبال والمعالم والسبل والأنهار. وهو الدنيا بأحداثها ومصائرها، والأخرى بأقدارها ومشاهدها. وهو الغيب بألوانه وأعماقه في الأنفس والآفاق.
في هذا المجال الفسيح يبدو سياق السورة وكأنه حملة ضخمة للتوجيه والتأثير واستجاشة العقل والضمير. حملة هادئة الإيقاع، ولكنها متعددة الأوتار. ليست في جلجلة الأنعام والرعد، ولكنها في هدوئها تخاطب كل حاسة وكل جارحة في الكيان البشري، وتتجه إلى العقل الواعي كما تتجه إلى الوجدان الحساس. إنها تخاطب العين لترى، والأذن لتسمع، واللمس ليستشعر، والوجدان ليتأثر، والعقل ليتدبر. وتحشد الكون كله: سماءه وأرضه، وشمسه وقمره، وليله ونهاره، وجباله وبحاره وفجاجه وأنهاره وظلاله وأكنانه نبته وثماره، وحيوانه وطيوره. كما تحشد دنياه وآخرته، وأسراره وغيوبه.. كلها أدوات توقع بها على أوتار الحواس والجوارح والعقول والقلوب، مختلف الإيقاعات التي لا يصمد لها، فلا يتأثر بها إلا العقل المغلق والقلب الميت، والحس المطموس.
[ ص: 2159 ] هذه الإيقاعات تتناول التوجيه إلى آيات الله في الكون، وآلائه على الناس كما تتناول مشاهد القيامة، وصور الاحتضار، ومصارع الغابرين، تصاحبها اللمسات الوجدانية التي تتدسس إلى أسرار الأنفس، وإلى أحوال البشر وهم أجنة في البطون، وهم في الشباب والهرم والشيخوخة، وهم في حالات الضعف والقوة، وهم في أحوال النعمة والنقمة. كذلك يتخذ الأمثال والمشاهد والحوار والقصص الخفيف أدوات للعرض والإيضاح.
فأما الظلال العميقة التي تلون جو السورة كله فهي الآيات الكونية تتجلى فيها عظمة الخلق، وعظمة النعمة، وعظمة العلم والتدبير.. كلها متداخلة.. فهذا الخلق الهائل العظيم المدبر عن علم وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر، لا تلبي ضروراتهم وحدها، ولكن تلبي أشواقهم كذلك، فتسد الضرورة. وتتخذ للزينة، وترتاح بها أبدانهم وتستروح لها نفوسهم، لعلهم يشكرون..
ومن ثم تتراءى في السورة ظلال النعمة وظلال الشكر، والتوجيهات إليها، والتعقيب بها في مقاطع السورة، وتضرب عليها الأمثال، وتعرض لها النماذج، وأظهرها نموذج
إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم .
كل أولئك في تناسق ملحوظ بين الصور والظلال والعبارات والإيقاعات، والقضايا والموضوعات نرجو أن نقف على نماذج منه في أثناء استعراضنا للسياق.
ونبدأ الشوط الأول، وموضوعه هو التوحيد; وأدواته هي آيات الله في الخلق، وأياديه في النعمة، وعلمه الشامل في السر والعلانية، والدنيا والآخرة. فلنأخذ في التفصيل:
[ ص: 2157 ] (16)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28678_28723_30292_33143_32414_29485_31753_32409_32688_29747_30362_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=5وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=6وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ [ ص: 2158 ] وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهِ لَغَفُورٌ .رَحِيمٌ (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
هَذِهِ السُّورَةُ هَادِئَةُ الْإِيقَاعِ، عَادِيَّةُ الْجَرَسِ، وَلَكِنَّهَا مَلِيئَةٌ حَافِلَةٌ. مَوْضُوعَاتُهَا الرَّئِيسِيَّةُ كَثِيرَةٌ مُنَوَّعَةٌ، وَالْإِطَارُ الَّذِي تُعْرَضُ فِيهِ وَاسِعٌ شَامِلٌ، وَالْأَوْتَارُ الَّتِي تُوَقِّعُ عَلَيْهَا مُتَعَدِّدَةٌ مُؤَثِّرَةٌ، وَالظِّلَالُ الَّتِي تُلَوِّنُهَا عَمِيقَةُ الْخُطُوطِ.
وَهِيَ كَسَائِرِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ تُعَالِجُ مَوْضُوعَاتِ الْعَقِيدَةِ الْكُبْرَى: الْأُلُوهِيَّةَ. وَالْوَحْيَ. وَالْبَعْثَ. وَلَكِنَّهَا تُلِمُّ بِمَوْضُوعَاتٍ جَانِبِيَّةٍ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَوْضُوعَاتِ الرَّئِيسِيَّةِ. تُلِمُّ بِحَقِيقَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ الْكُبْرَى الَّتِي تَصِلُ بَيْنَ دِينِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَدِينِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُلِمُّ بِحَقِيقَةِ الْإِرَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ الْبَشَرِيَّةِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ. وَتُلِمُّ بِوَظِيفَةِ الرُّسُلِ، وَسُنَّةِ اللَّهِ فِي الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ. وَتُلِمُّ بِمَوْضُوعِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَأَوْهَامِ الْوَثَنِيَّةِ حَوْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ. وَتُلِمُّ بِالْهِجْرَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِتْنَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ، وَالْكَفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَجَزَاءِ هَذَا كُلِّهِ عِنْدَ اللَّهِ.. ثُمَّ تُضِيفُ إِلَى مَوْضُوعَاتِ الْعَقِيدَةِ مَوْضُوعَاتِ الْمُعَامَلَةِ: الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ وَالْإِنْفَاقَ وَالْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ، وَغَيْرَهَا مِنْ مَوْضُوعَاتِ السُّلُوكِ الْقَائِمِ عَلَى الْعَقِيدَةِ.. وَهَكَذَا هِيَ مَلِيئَةٌ حَافِلَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي تُعَالِجُهَا.
فَأَمَّا الْإِطَارُ الَّذِي تُعْرَضُ فِيهِ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتُ، وَالْمَجَالُ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَحْدَاثُ، فَهُوَ فَسِيحٌ شَامِلٌ.. هُوَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَالْمَاءُ الْهَاطِلُ وَالشَّجَرُ النَّامِي. وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ. وَالْبِحَارُ وَالْجِبَالُ وَالْمَعَالِمُ وَالسُّبُلُ وَالْأَنْهَارُ. وَهُوَ الدُّنْيَا بِأَحْدَاثِهَا وَمَصَائِرِهَا، وَالْأُخْرَى بِأَقْدَارِهَا وَمَشَاهِدِهَا. وَهُوَ الْغَيْبُ بِأَلْوَانِهِ وَأَعْمَاقِهِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ.
فِي هَذَا الْمَجَالِ الْفَسِيحِ يَبْدُو سِيَاقُ السُّورَةِ وَكَأَنَّهُ حَمْلَةٌ ضَخْمَةٌ لِلتَّوْجِيهِ وَالتَّأْثِيرِ وَاسْتِجَاشَةِ الْعَقْلِ وَالضَّمِيرِ. حَمْلَةٌ هَادِئَةُ الْإِيقَاعِ، وَلَكِنَّهَا مُتَعَدِّدَةُ الْأَوْتَارِ. لَيْسَتْ فِي جَلْجَلَةِ الْأَنْعَامِ وَالرَّعْدِ، وَلَكِنَّهَا فِي هُدُوئِهَا تُخَاطِبُ كُلَّ حَاسَّةٍ وَكُلَّ جَارِحَةٍ فِي الْكِيَانِ الْبَشَرِيِّ، وَتَتَّجِهُ إِلَى الْعَقْلِ الْوَاعِي كَمَا تَتَّجِهُ إِلَى الْوِجْدَانِ الْحَسَّاسِ. إِنَّهَا تُخَاطِبُ الْعَيْنَ لِتَرَى، وَالْأُذُنَ لِتَسْمَعَ، وَاللَّمْسَ لِيَسْتَشْعِرَ، وَالْوِجْدَانَ لِيَتَأَثَّرَ، وَالْعَقْلَ لِيَتَدَبَّرَ. وَتَحْشُدُ الْكَوْنَ كُلَّهُ: سَمَاءَهُ وَأَرْضَهُ، وَشَمْسَهُ وَقَمَرَهُ، وَلَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَجِبَالَهُ وَبِحَارَهُ وَفِجَاجَهُ وَأَنْهَارَهُ وَظِلَالَهُ وَأَكْنَانَهُ نَبْتَهُ وَثِمَارَهُ، وَحَيَوَانَهُ وَطُيُورَهُ. كَمَا تَحْشُدُ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ، وَأَسْرَارَهُ وَغُيُوبَهُ.. كُلُّهَا أَدَوَاتٌ تُوَقِّعُ بِهَا عَلَى أَوْتَارِ الْحَوَاسِّ وَالْجَوَارِحِ وَالْعُقُولِ وَالْقُلُوبِ، مُخْتَلِفَ الْإِيقَاعَاتِ الَّتِي لَا يَصْمُدُ لَهَا، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِهَا إِلَّا الْعَقْلُ الْمُغْلَقُ وَالْقَلْبُ الْمَيِّتُ، وَالْحِسُّ الْمَطْمُوسُ.
[ ص: 2159 ] هَذِهِ الْإِيقَاعَاتُ تَتَنَاوَلُ التَّوْجِيهَ إِلَى آيَاتِ اللَّهِ فِي الْكَوْنِ، وَآلَائِهِ عَلَى النَّاسِ كَمَا تَتَنَاوَلُ مَشَاهِدَ الْقِيَامَةِ، وَصُوَرَ الِاحْتِضَارِ، وَمُصَارِعَ الْغَابِرِينَ، تُصَاحِبُهَا اللَّمَسَاتُ الْوِجْدَانِيَّةُ الَّتِي تَتَدَسَّسُ إِلَى أَسْرَارِ الْأَنْفُسِ، وَإِلَى أَحْوَالِ الْبَشَرِ وَهُمْ أَجِنَّةٌ فِي الْبُطُونِ، وَهُمْ فِي الشَّبَابِ وَالْهَرَمِ وَالشَّيْخُوخَةِ، وَهُمْ فِي حَالَاتِ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَهُمْ فِي أَحْوَالِ النِّعْمَةِ وَالنِّقْمَةِ. كَذَلِكَ يَتَّخِذُ الْأَمْثَالَ وَالْمَشَاهِدَ وَالْحِوَارَ وَالْقَصَصَ الْخَفِيفَ أَدَوَاتٍ لِلْعَرْضِ وَالْإِيضَاحِ.
فَأَمَّا الظِّلَالُ الْعَمِيقَةُ الَّتِي تُلَوِّنُ جَوَّ السُّورَةِ كُلَّهُ فَهِيَ الْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ تَتَجَلَّى فِيهَا عَظَمَةُ الْخَلْقِ، وَعَظَمَةُ النِّعْمَةِ، وَعَظَمَةُ الْعِلْمِ وَالتَّدْبِيرِ.. كُلُّهَا مُتَدَاخِلَةٌ.. فَهَذَا الْخَلْقُ الْهَائِلُ الْعَظِيمُ الْمُدَبَّرُ عَنْ عِلْمٍ وَتَقْدِيرٍ، مَلْحُوظٌ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نِعْمَةً عَلَى الْبَشَرِ، لَا تُلَبِّي ضَرُورَاتِهِمْ وَحْدَهَا، وَلَكِنْ تُلَبِّي أَشْوَاقَهُمْ كَذَلِكَ، فَتَسُدُّ الضَّرُورَةَ. وَتُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ، وَتَرْتَاحُ بِهَا أَبْدَانُهُمْ وَتَسْتَرْوِحُ لَهَا نُفُوسُهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ..
وَمِنْ ثَمَّ تَتَرَاءَى فِي السُّورَةِ ظِلَالُ النِّعْمَةِ وَظِلَالُ الشُّكْرِ، وَالتَّوْجِيهَاتُ إِلَيْهَا، وَالتَّعْقِيبُ بِهَا فِي مَقَاطِعِ السُّورَةِ، وَتَضْرِبُ عَلَيْهَا الْأَمْثَالَ، وَتَعْرِضُ لَهَا النَّمَاذِجَ، وَأَظْهَرُهَا نَمُوذَجُ
إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
كُلُّ أُولَئِكَ فِي تَنَاسُقٍ مَلْحُوظٍ بَيْنَ الصُّوَرِ وَالظِّلَالِ وَالْعِبَارَاتِ وَالْإِيقَاعَاتِ، وَالْقَضَايَا وَالْمَوْضُوعَاتِ نَرْجُو أَنْ نَقِفَ عَلَى نَمَاذِجَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ اسْتِعْرَاضِنَا لِلسِّيَاقِ.
وَنَبْدَأُ الشَّوْطَ الْأَوَّلَ، وَمَوْضُوعُهُ هُوَ التَّوْحِيدُ; وَأَدَوَاتُهُ هِيَ آيَاتُ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ، وَأَيَادِيهِ فِي النِّعْمَةِ، وَعِلْمُهُ الشَّامِلُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَلْنَأْخُذْ فِي التَّفْصِيلِ: