nindex.php?page=treesubj&link=28987_28678_28723_30292_33143nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون. nindex.php?page=treesubj&link=28987_28662_29747_32026_34092_34163_34189nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده: أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ..
لقد كان مشركو
مكة يستعجلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. وكلما امتد بهم الأجل ولم ينزل بهم العذاب زادوا استعجالا، وزادوا استهزاء، وزادوا استهتارا، وحسبوا أن
محمدا يخوفهم ما لا وجود له ولا حقيقة، ليؤمنوا له ويستسلموا. ولم يدركوا حكمة الله في إمهالهم ورحمته في إنظارهم، ولم يحاولوا تدبر آياته في الكون، وآياته في القرآن. هذه الآيات التي تخاطب العقول والقلوب، خيرا من خطابها بالعذاب! والتي تليق بالإنسان الذي أكرمه الله بالعقل والشعور، وحرية الإرادة والتفكير.
وجاء مطلع السورة حاسما جازما:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله .. يوحي بصدور الأمر وتوجه الإرادة، وهذا يكفي لتحققه في الموعد الذي قدره الله لوقوعه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فلا تستعجلوه فإن سنة الله تمضي وفق مشيئته، لا يقدمها استعجال، ولا يؤخرها رجاء. فأمر الله بالعذاب أو بالساعة قد قضي وانتهى، أما وقوعه ونفاذه فسيكون في حينه المقدر، لا يستقدم ساعة ولا يتأخر.
وهذه الصيغة الحاسمة الجازمة ذات وقع في النفس مهما تتماسك أو تكابر، وذلك فوق مطابقتها لحقيقة الواقع، فأمر الله لا بد واقع، ومجرد قضائه يعد في حكم نفاذه، ويتحقق به وجوده، فلا مبالغة في الصيغة ولا مجانبة للحقيقة، في الوقت الذي تؤدي غايتها من التأثير العميق في الشعور.
فأما ما هم عليه من شرك بالله الواحد، وتصورات مستمدة من هذا الشرك فقد تنزه الله عنه وتعالى:
[ ص: 2160 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1سبحانه وتعالى عما يشركون بكل صوره وأشكاله، الناشئة عن هبوط في التصور والتفكير.
أتى أمر الله المنزه عن الشرك المتعالي عما يشركون. الله الذي لا يدع الناس إلى ضلالهم وأوهامهم، إنما هو ينزل عليهم من السماء ما يحييهم وينجيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده .. وهذا أولى نعمه وكبراها. فهو لا ينزل من السماء ماء يحيي الأرض والأجسام وحدها - كما سيجيء - إنما ينزل الملائكة بالروح من أمره. وللتعبير بالروح ظله ومعناه. فهو حياة ومبعث حياة: حياة في النفوس والضمائر والعقول والمشاعر. وحياة في المجتمع تحفظه من الفساد والتحلل والانهيار. وهو أول ما ينزله الله من السماء للناس، وأول النعم التي يمن الله بها على العباد. تنزل به الملائكة أطهر خلق الله على المختارين من عباده - الأنبياء - خلاصته وفحواه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون.
إنها الوحدانية في الألوهية. روح العقيدة. وحياة النفس. ومفرق الطريق بين الاتجاه المحيي والاتجاه المدمر. فالنفس التي لا توحد المعبود نفس حائرة هالكة تتجاذبها السبل وتخايل لها الأوهام وتمزقها التصورات المتناقضة، وتناوشها الوساوس، فلا تنطلق مجتمعة لهدف من الأهداف!
والتعبير بالروح يشمل هذه المعاني كلها ويشير إليها في مطلع السورة المشتملة على شتى النعم، فيصدر بها نعمه جميعا; وهي النعمة الكبرى التي لا قيمة لغيرها بدونها; ولا تحسن النفس البشرية الانتفاع بنعم الأرض كلها إن لم توهب نعمة العقيدة التي تحييها.
ويفرد الإنذار، فيجعله فحوى الوحي والرسالة؛ لأن معظم سياق السورة يدور حول المكذبين والمشركين والجاحدين لنعمة الله، والمحرمين ما أحله الله، والناقضين لعهد الله، والمرتدين عن الإيمان، ومن ثم يكون إظهار الإنذار أليق في هذا السياق، وتكون الدعوة إلى التقوى والحذر والخوف أولى في هذا المقام.
ثم يأخذ في عرض الآيات. آيات الخلق الدالة على وحدانية الخالق، وآيات النعمة الدالة على وحدانية المنعم; يعرضها فوجا فوجا، ومجموعة مجموعة. بادئا بخلق السماوات والأرض وخلق الإنسان.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خلق السماوات والأرض بالحق، تعالى عما يشركون. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خلق السماوات والأرض بالحق .. الحق قوام خلقهما، والحق قوام تدبيرهما، والحق عنصر أصيل في تصريفهما وتصريف من فيهما وما فيهما. فما شيء من ذلك كله عبثا ولا جزافا. إنما كل شيء قائم على الحق، ومتلبس به ومفض له وصائر في النهاية إليه..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3تعالى عما يشركون .. تعالى عن شركهم، وتعالى عما يشركون به من خلق الله الذي خلق السماوات والأرض، وخلق من فيهما وما فيهما، فليس أحد وليس شيء شريكا له وهو الخالق الواحد بلا شريك.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ويا لها من نقلة ضخمة بين المبدإ والمصير، بين النطفة الساذجة والإنسان المخاصم المجادل الذي يخاصم خالقه فيكفر به ويجادل في وجوده أو في وحدانيته. وليس بين مبدئه من نطفة وصيرورته إلى الجدل والخصومة فارق ولا مهلة. فهكذا يصوره التعبير، ويختصر المسافة بين المبدإ والمصير؛ لتبدو المفارقة كاملة، والنقلة بعيدة، ويقف الإنسان بين مشهدين وعهدين متواجهين: مشهد النطفة المهينة الساذجة، ومشهد الإنسان الخصيم المبين.. وهو إيجاز مقصود في التصوير.
وفي هذا المجال الواسع - مجال الكون: السماوات والأرض - الذي يقف فيه الإنسان، يأخذ السياق
[ ص: 2161 ] في استعراض خلق الله الذي سخره للإنسان، ويبدأ بالأنعام:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=5والأنعام خلقها، لكم فيها دفء ومنافع. ومنها تأكلون. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=6ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون ...
وفي بيئة كالبيئة التي نزل فيها القرآن أول مرة، وأشباهها كثير. وفي كل بيئة زراعية، والبيئات الزراعية هي الغالبة حتى اليوم في العالم.. في هذه البيئة تبرز نعمة الأنعام، التي لا حياة بدونها لبني الإنسان. والأنعام المتعارف عليها في الجزيرة كانت هي الإبل والبقر والضأن والمعز. أما الخيل والبغال والحمير فللركوب والزينة ولا تؤكل. والقرآن إذ يعرض هذه النعمة هنا ينبه إلى ما فيها من تلبية لضرورات البشر وتلبية لأشواقهم كذلك:
ففي الأنعام دفء من الجلود والأصواف والأوبار والأشعار، ومنافع في هذه، وفي اللبن واللحم وما إليها. ومنها تأكلون لحما ولبنا وسمنا، وفي حمل الأثقال إلى البلد البعيد لا يبلغونه إلا بشق الأنفس. وفيها كذلك جمال عند الإراحة في المساء وعند السرح في الصباح: جمال الاستمتاع بمنظرها فارهة رائعة صحيحة سمينة. وأهل الريف يدركون هذا المعنى بأعماق نفوسهم ومشاعرهم أكثر مما يدركه أهل المدينة.
وفي الخيل والبغال والحمير تلبية للضرورة في الركوب. وتلبية لحاسة الجمال في الزينة:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8لتركبوها وزينة .
وهذه اللفتة لها قيمتها في بيان نظرة القرآن ونظرة الإسلام للحياة. فالجمال عنصر أصيل في هذه النظرة، وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات.
تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني المرتفع على ميل الحيوان وحاجة الحيوان.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7إن ربكم لرءوف رحيم يعقب بها على حمل الأثقال إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس؛ توجيها إلى ما في خلق الأنعام من نعمة، وما في هذه النعمة من رحمة.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8ويخلق ما لا تعلمون .. يعقب بها على خلق الأنعام للأكل والحمل والجمال، وخلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة.. ليظل المجال مفتوحا في التصور البشري لتقبل أنماطا جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، فلا يغلق تصورهم خارج حدود البيئة، وخارج حدود الزمان الذي يظلهم. فوراء الموجود في كل مكان وزمان صور أخرى، يريد الله للناس أن يتوقعوها فيتسع تصورهم وإدراكهم، ويريد لهم أن يأنسوا بها حين توجد أو حين تكشف فلا يعادوها ولا يجمدوا دون استخدامها والانتفاع بها. ولا يقولوا: إنما استخدم آباؤنا الأنعام والخيل والبغال والحمير فلا نستخدم سواها. وإنما نص القرآن على هذه الأصناف فلا نستخدم ما عداها!.
إن الإسلام عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها، ومقدرات الحياة كلها، ومن ثم يهيئ القرآن الأذهان والقلوب لاستقبال كل ما تتمخض عنه القدرة، ويتمخض عنه العلم، ويتمخض عنه المستقبل. استقباله بالوجدان الديني المتفتح المستعد لتلقي كل جديد في عجائب الخلق والعلم والحياة.
ولقد جدت وسائل للحمل والنقل والركوب والزينة لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان. وستجد وسائل
[ ص: 2162 ] أخرى لا يعلمها أهل هذا الزمان. والقرآن يهيئ لها القلوب والأذهان، بلا جمود ولا تحجر
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8ويخلق ما لا تعلمون ..
وفي معرض النقل والحمل والركوب والسير لبلوغ غايات محسوسة في عالم الأرض، يدخل السياق غايات معنوية وسيرا معنويا وطرقا معنوية. فثمة الطريق إلى الله. وهو طريق قاصد مستقيم لا يلتوي ولا يتجاوز الغاية. وثمة طرق أخرى لا توصل ولا تهدي. فأما الطريق إلى الله فقد كتب على نفسه كشفها وبيانها: بآياته في الكون وبرسله إلى الناس:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وعلى الله قصد السبيل. ومنها جائر. ولو شاء لهداكم أجمعين ..
والسبيل القاصد هو الطريق المستقيم الذي لا يلتوي كأنه يقصد قصدا إلى غايته فلا يحيد عنها. والسبيل الجائر هو السبيل المنحرف المجاوز للغاية لا يوصل إليها، أو لا يقف عندها!
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9ولو شاء لهداكم أجمعين .. ولكنه شاء أن يخلق الإنسان مستعدا للهدى والضلال، وأن يدع لإرادته اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال، فكان منهم من يسلك السبيل القاصد، ومنهم من يسلك السبيل الجائر.
وكلاهما لا يخرج على مشيئة الله، التي قضت بأن تدع للإنسان حرية الاختيار.
والفوج الثاني من آيات الخلق والنعمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب، ومنه شجر فيه تسيمون، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب، ومن كل الثمرات. إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ..
والماء ينزل من السماء وفق النواميس التي خلقها الله في هذا الكون، والتي تدبر حركاته، وتنشئ نتائجها وفق إرادة الخالق وتدبيره. بقدر خاص من أقداره ينشئ كل حركة وكل نتيجة. هذا الماء يذكر هنا نعمة من نعم الله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10لكم منه شراب فهي خصوصية الشراب التي تبرز في هذا المجال ثم خصوصية المرعى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10ومنه شجر فيه تسيمون وهي المراعي التي تربون فيها السوائم. ذلك بمناسبة ذكر الأنعام قبلها وتنسيقا للجو العام بين المراعي والأنعام. ثم الزروع التي يأكل منها الإنسان مع الزيتون والنخيل والأعناب وغيرها من أشجار الثمار..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون .. في تدبير الله لهذا الكون، ونواميسه المواتية لحياة البشر، وما كان الإنسان ليستطيع الحياة على هذا الكوكب لو لم تكن نواميس الكون مواتية لحياته، موافقة لفطرته، ملبية لحاجاته. وما هي بالمصادفة العابرة أن يخلق الإنسان في هذا الكوكب الأرضي، وأن تكون النسب بين هذا الكوكب وغيره من النجوم والكواكب هي هذه النسب، وأن تكون الظواهر الجوية والفلكية على ما هي عليه، ممكنة للإنسان من الحياة، ملبية هكذا لحاجاته على النحو الذي نراه.
والذين يتفكرون هم الذين يدركون حكمة التدبير، وهم الذين يربطون بين ظاهرة كظاهرة المطر وما ينشئه على الأرض من حياة وشجر وزروع وثمار، وبين النواميس العليا للوجود، ودلالتها على الخالق، وعلى وحدانية ذاته، ووحدانية إرادته، ووحدانية تدبيره. أما الغافلون فيمرون على مثل هذه الآية في الصباح والمساء، في الصيف والشتاء، فلا توقظ تطلعهم، ولا تثير استطلاعهم، ولا تستجيش ضمائرهم إلى البحث عن صاحب هذا النظام الفريد.
والفوج الثالث من أفواج الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، والنجوم مسخرات بأمره. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ..
[ ص: 2163 ] ومن مظاهر التدبير في الخلق، وظواهر النعمة على البشر في آن: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم.
فكلها مما يلبي حاجة الإنسان في الأرض. وهي لم تخلق له ولكنها مسخرة لمنفعته. فظاهرة الليل والنهار ذات أثر حاسم في حياة هذا المخلوق البشري. ومن شاء فليتصور نهارا بلا ليل أو ليلا بلا نهار، ثم يتصور مع هذا حياة الإنسان والحيوان والنبات في هذه الأرض كيف تكون.
كذلك الشمس والقمر، وعلاقتهما بالحياة على الكوكب الأرضي، وعلاقة الحياة بهما في أصلها وفي نموها،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12والنجوم مسخرات بأمره للإنسان ولغير الإنسان مما يعلم الله..
وكل أولئك طرف من حكمة التدبير، وتناسق النواميس في الكون كله، يدركه أصحاب العقول التي تتدبر وتعقل وتدرك ما وراء الظواهر من سنن وقوانين:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ..
والفوج الرابع من أفواج النعمة فيما خلق الله للإنسان:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه. إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ..
وما خلق الله في الأرض وما أودع فيها للبشر من مختلف المعادن التي تقوم بها حياتهم في بعض الجهات وفي بعض الأزمان. ونظرة إلى هذه الذخائر المخبوءة في الأرض، المودعة للناس حتى يبلغوا رشدهم يوما بعد يوم، ويستخرجوا كنوزهم في حينها ووقت الحاجة إليها. وكلما قيل: إن كنزا منها قد نفد أعقبه كنز آخر غني، من رزق الله المدخر للعباد..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ولا ينسون أن يد القدرة هي التي خبأت لهم هذه الكنوز.
والفوج الخامس من أفواج الخلق والأنعام في البحر الملح الذي لا يشرب ولا يسقي، ولكنه يشتمل على صنوف من آلاء الله على الإنسان:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون ..
ونعمة البحر وأحيائه تلبي كذلك ضرورات الإنسان وأشواقه. فمنه اللحم الطري من السمك وغيره للطعام. وإلى جواره الحلية من اللؤلؤ و من المرجان، وغيرهما من الأصداف والقواقع التي يتحلى بها أقوام ما يزالون حتى الآن. والتعبير كذلك عن الفلك يشي بتلبية حاسة الجمال لا بمجرد الركوب والانتقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وترى الفلك مواخر فيه فهي لفتة إلى متاع الرؤية وروعتها: رؤية الفلك
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14مواخر تشق الماء وتفرق العباب.. ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام التوجيه القرآني العالي إلى الجمال في مظاهر الكون، بجانب الضرورة والحاجة، لنتملى هذا الجمال ونستمتع به، ولا نحبس أنفسنا داخل حدود الضرورات والحاجات.
كذلك يوجهنا السياق - أمام مشهد البحر والفلك تشق عبابه - إلى ابتغاء فضل الله ورزقه، وإلى شكره على ما سخر من الطعام والزينة والجمال في ذلك الملح الأجاج:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون .
والفوج الأخير في هذا المقطع من السورة:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم، وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وعلامات وبالنجم هم يهتدون .
فأما الجبال الرواسي: فالعلم الحديث يعلل وجودها ولكنه لا يذكر وظيفتها التي يذكرها القرآن هنا. يعلل وجودها بنظريات كثيرة متعارضة، أهمها أن جوف الأرض الملتهب يبرد فينكمش، فتتقلص القشرة الأرضية من فوقه وتتجعد فتكون الجبال والمرتفعات والمنخفضات. ولكن القرآن يذكر أنها تحفظ توازن الأرض. وهذه الوظيفة لم يتعرض لها العلم الحديث.
[ ص: 2164 ] وفي مقابل الجبال الرواسي يوجه النظر إلى الأنهار الجواري، والسبل السوالك. والأنهار ذات علاقة طبيعية في المشهد بالجبال، ففي الجبال في الغالب تكون منابع الأنهار; حيث مساقط الأمطار. والسبل ذات علاقة بالجبال والأنهار. وذات علاقة كذلك بجو الأنعام والأحمال والانتقال. وإلى جوار ذلك معالم الطرق التي يهتدي بها السالكون في الأرض من جبال ومرتفعات ومنفرجات، وفي السماء من النجم الذي يهدي السالكين في البر والبحر سواء.
وعندما ينتهي استعراض آيات الخلق، وآيات النعمة، وآيات التدبير في هذا المقطع من السورة يعقب السياق عليه بما سيق هذا الاستعراض من أجله. فقد ساقه في صدد قضية التعريف بالله سبحانه وتوحيده وتنزيهه عما يشركون:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ أفلا تذكرون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19والله يعلم ما تسرون وما تعلنون، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ..
وهو تعقيب يجيء في أوانه، والنفس متهيئة للإقرار بمضمونه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ .. فهل هنالك إلا جواب واحد: لا. وكلا: أفيجوز أن يسوي إنسان في حسه وتقديره.. بين من يخلق ذلك الخلق كله، ومن لا يخلق لا كبيرا ولا صغيرا؟
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفلا تذكرون فما يحتاج الأمر إلى أكثر من التذكر، فيتضح الأمر ويتجلى اليقين.
ولقد استعرض ألوانا من النعمة. فهو يعقب عليها:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها .. فضلا على أن تشكروها. وأكثر النعم لا يدريها الإنسان، لأنه يألفها فلا يشعر بها إلا حين يفتقدها.. وهذا تركيب جسده ووظائفه متى يشعر بما فيه من إنعام إلا حين يدركه المرض فيحس بالاختلال؟ إنما يسعه غفران الله للتقصير ورحمته بالإنسان الضعيف
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18إن الله لغفور رحيم ..
والخالق يعلم ما خلق. يعلم الخافي والظاهر:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19والله يعلم ما تسرون وما تعلنون فكيف يسوونه في حسهم وتقديرهم بتلك الآلهة المدعاة وهم لا يخلقون شيئا ولا يعلمون شيئا، بل إنهم لأموات غير قابلين للحياة على الإطلاق. ومن ثم فهم لا يشعرون:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ..
والإشارة هنا إلى البعث وموعده فيها تقرير أن الخالق لا بد أن يعلم موعد البعث. لأن البعث تكملة للخلق. وعنده يستوفي الأحياء جزاءهم على ما قدموا. فالآلهة التي لا تعلم متى يبعث عبادها هي آلهة لا تستحق التأليه، بل هي سخرية الساخرين. فالخالق يبعث مخاليقه ويعلم متى يبعثهم على التحقيق!
nindex.php?page=treesubj&link=28987_28678_28723_30292_33143nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. nindex.php?page=treesubj&link=28987_28662_29747_32026_34092_34163_34189nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ: أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ ..
لَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو
مَكَّةَ يَسْتَعْجِلُونَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا أَوْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. وَكُلَّمَا امْتَدَّ بِهِمُ الْأَجَلُ وَلَمْ يَنْزِلْ بِهِمُ الْعَذَابُ زَادُوا اسْتِعْجَالًا، وَزَادُوا اسْتِهْزَاءً، وَزَادُوا اسْتِهْتَارًا، وَحَسِبُوا أَنَّ
مُحَمَّدًا يُخَوِّفُهُمْ مَا لَا وُجُودَ لَهُ وَلَا حَقِيقَةَ، لِيُؤْمِنُوا لَهُ وَيَسْتَسْلِمُوا. وَلَمْ يُدْرِكُوا حِكْمَةَ اللَّهِ فِي إِمْهَالِهِمْ وَرَحْمَتَهُ فِي إِنْظَارِهِمْ، وَلَمْ يُحَاوِلُوا تَدَبُّرَ آيَاتِهِ فِي الْكَوْنِ، وَآيَاتِهِ فِي الْقُرْآنِ. هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي تُخَاطِبُ الْعُقُولَ وَالْقُلُوبَ، خَيْرًا مِنْ خِطَابِهَا بِالْعَذَابِ! وَالَّتِي تَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْعَقْلِ وَالشُّعُورِ، وَحُرِّيَّةِ الْإِرَادَةِ وَالتَّفْكِيرِ.
وَجَاءَ مَطْلَعُ السُّورَةِ حَاسِمًا جَازِمًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ .. يُوحِي بِصُدُورِ الْأَمْرِ وَتَوَجُّهِ الْإِرَادَةِ، وَهَذَا يَكْفِي لِتَحَقُّقِهِ فِي الْمَوْعِدِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِوُقُوعِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فَإِنَّ سُنَّةَ اللَّهِ تَمْضِي وَفْقَ مَشِيئَتِهِ، لَا يُقَدِّمُهَا اسْتِعْجَالٌ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا رَجَاءٌ. فَأَمْرُ اللَّهِ بِالْعَذَابِ أَوْ بِالسَّاعَةِ قَدْ قُضِيَ وَانْتَهَى، أَمَّا وُقُوعُهُ وَنَفَاذُهُ فَسَيَكُونُ فِي حِينِهِ الْمُقَدَّرِ، لَا يَسْتَقْدِمُ سَاعَةً وَلَا يَتَأَخَّرُ.
وَهَذِهِ الصِّيغَةُ الْحَاسِمَةُ الْجَازِمَةُ ذَاتُ وَقْعٍ فِي النَّفْسِ مَهْمَا تَتَمَاسَكْ أَوْ تُكَابِرْ، وَذَلِكَ فَوْقَ مُطَابَقَتِهَا لِحَقِيقَةِ الْوَاقِعِ، فَأَمْرُ اللَّهِ لَا بُدَّ وَاقِعٌ، وَمُجَرَّدُ قَضَائِهِ يُعَدُّ فِي حِكَمِ نَفَاذِهِ، وَيَتَحَقَّقُ بِهِ وَجُودُهُ، فَلَا مُبَالَغَةَ فِي الصِّيغَةِ وَلَا مُجَانَبَةَ لِلْحَقِيقَةِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُؤَدِّي غَايَتَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ الْعَمِيقِ فِي الشُّعُورِ.
فَأْمَّا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شِرْكٍ بِاللَّهِ الْوَاحِدِ، وَتَصَوُّرَاتٍ مُسْتَمَدَّةٍ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ فَقَدْ تَنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ وَتَعَالَى:
[ ص: 2160 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ، النَّاشِئَةِ عَنْ هُبُوطٍ فِي التَّصَوُّرِ وَالتَّفْكِيرِ.
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ الْمُنَزَّهِ عَنِ الشِّرْكِ الْمُتَعَالِي عَمَّا يُشْرِكُونَ. اللَّهُ الَّذِي لَا يَدَعُ النَّاسَ إِلَى ضَلَالِهِمْ وَأَوْهَامِهِمْ، إِنَّمَا هُوَ يُنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَا يُحْيِيهِمْ وَيُنْجِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .. وَهَذَا أُولَى نِعَمِهِ وَكُبْرَاهَا. فَهُوَ لَا يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً يُحْيِي الْأَرْضَ وَالْأَجْسَامَ وَحْدَهَا - كَمَا سَيَجِيءُ - إِنَّمَا يُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ. وَلِلتَّعْبِيرِ بِالرُّوحِ ظِلُّهُ وَمَعْنَاهُ. فَهُوَ حَيَاةٌ وَمَبْعَثُ حَيَاةٍ: حَيَاةٌ فِي النُّفُوسِ وَالضَّمَائِرِ وَالْعُقُولِ وَالْمَشَاعِرِ. وَحَيَاةٌ فِي الْمُجْتَمَعِ تَحْفَظُهُ مِنَ الْفَسَادِ وَالتَّحَلُّلِ وَالِانْهِيَارِ. وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ لِلنَّاسِ، وَأَوَّلُ النِّعَمِ الَّتِي يَمُنُّ اللَّهُ بِهَا عَلَى الْعِبَادِ. تَنْزِلُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ أَطْهَرُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ مِنْ عِبَادِهِ - الْأَنْبِيَاءِ - خُلَاصَتُهُ وَفَحْوَاهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ.
إِنَّهَا الْوَحْدَانِيَّةُ فِي الْأُلُوهِيَّةِ. رُوحُ الْعَقِيدَةِ. وَحَيَاةُ النَّفْسِ. وَمَفْرِقُ الطَّرِيقِ بَيْنَ الِاتِّجَاهِ الْمُحْيِي وَالِاتِّجَاهِ الْمُدَمِّرِ. فَالنَّفْسُ الَّتِي لَا تُوَحِّدُ الْمَعْبُودَ نَفْسٌ حَائِرَةٌ هَالِكَةٌ تَتَجَاذَبُهَا السُّبُلُ وَتُخَايِلُ لَهَا الْأَوْهَامُ وَتُمَزِّقُهَا التَّصَوُّرَاتُ الْمُتَنَاقِضَةُ، وَتَنَاوَشُهَا الْوَسَاوِسُ، فَلَا تَنْطَلِقُ مُجْتَمِعَةً لِهَدَفٍ مِنَ الْأَهْدَافِ!
وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّوحِ يَشْمَلُ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا وَيُشِيرُ إِلَيْهَا فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شَتَّى النِّعَمِ، فَيُصَدِّرُ بِهَا نِعَمَهُ جَمِيعًا; وَهِيَ النِّعْمَةُ الْكُبْرَى الَّتِي لَا قِيمَةَ لِغَيْرِهَا بِدُونِهَا; وَلَا تُحْسِنُ النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ الِانْتِفَاعَ بِنِعَمِ الْأَرْضِ كُلِّهَا إِنْ لَمْ تُوهَبْ نِعْمَةَ الْعَقِيدَةِ الَّتِي تُحْيِيهَا.
وَيُفْرِدُ الْإِنْذَارَ، فَيَجْعَلُهُ فَحْوَى الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ سِيَاقِ السُّورَةِ يَدُورُ حَوْلَ الْمُكَذِّبِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْجَاحِدِينَ لِنِعْمَةِ اللَّهِ، وَالْمُحَرِّمِينَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَالنَّاقِضِينَ لِعَهْدِ اللَّهِ، وَالْمُرْتَدِّينَ عَنِ الْإِيمَانِ، وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ إِظْهَارُ الْإِنْذَارِ أَلْيَقَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، وَتَكُونُ الدَّعْوَةُ إِلَى التَّقْوَى وَالْحَذَرِ وَالْخَوْفِ أَوْلَى فِي هَذَا الْمَقَامِ.
ثُمَّ يَأْخُذُ فِي عَرْضِ الْآيَاتِ. آيَاتُ الْخَلْقِ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ الْخَالِقِ، وَآيَاتُ النِّعْمَةِ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ الْمُنْعِمِ; يَعْرِضُهَا فَوْجًا فَوْجًا، وَمَجْمُوعَةً مَجْمُوعَةً. بَادِئًا بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ، تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ .. الْحَقُّ قِوَامُ خَلْقِهِمَا، وَالْحَقُّ قِوَامُ تَدْبِيرِهِمَا، وَالْحَقُّ عُنْصُرٌ أَصِيلٌ فِي تَصْرِيفِهِمَا وَتَصْرِيفِ مِنْ فِيهِمَا وَمَا فِيهِمَا. فَمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَبَثًا وَلَا جُزَافًا. إِنَّمَا كُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ عَلَى الْحَقِّ، وَمُتَلَبِّسٌ بِهِ وَمُفْضٍ لَهُ وَصَائِرٌ فِي النِّهَايَةِ إِلَيْهِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .. تَعَالَى عَنْ شِرْكِهِمْ، وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَخَلَقَ مَنْ فِيهِمَا وَمَا فِيهِمَا، فَلَيْسَ أَحَدٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ شَرِيكًا لَهُ وَهُوَ الْخَالِقُ الْوَاحِدُ بِلَا شَرِيكٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَيَا لَهَا مِنْ نَقْلَةٍ ضَخْمَةٍ بَيْنَ الْمَبْدَإِ وَالْمَصِيرِ، بَيْنَ النُّطْفَةِ السَّاذَجَةِ وَالْإِنْسَانِ الْمُخَاصِمِ الْمُجَادِلِ الَّذِي يُخَاصِمُ خَالِقَهُ فَيَكْفُرُ بِهِ وَيُجَادِلُ فِي وُجُودِهِ أَوْ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ. وَلَيْسَ بَيْنَ مَبْدَئِهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْجَدَلِ وَالْخُصُومَةِ فَارِقٌ وَلَا مُهْلَةٌ. فَهَكَذَا يُصَوِّرُهُ التَّعْبِيرُ، وَيَخْتَصِرُ الْمَسَافَةَ بَيْنَ الْمَبْدَإِ وَالْمَصِيرِ؛ لِتَبْدُوَ الْمُفَارَقَةُ كَامِلَةً، وَالنَّقْلَةُ بَعِيدَةً، وَيَقِفَ الْإِنْسَانُ بَيْنَ مَشْهَدَيْنِ وَعَهْدَيْنِ مُتَوَاجِهَيْنِ: مَشْهَدُ النُّطْفَةِ الْمَهِينَةِ السَّاذَجَةِ، وَمَشْهَدُ الْإِنْسَانِ الْخَصِيمِ الْمُبِينِ.. وَهُوَ إِيجَازٌ مَقْصُودٌ فِي التَّصْوِيرِ.
وَفِي هَذَا الْمَجَالِ الْوَاسِعِ - مَجَالِ الْكَوْنِ: السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ - الَّذِي يَقِفُ فِيهِ الْإِنْسَانُ، يَأْخُذُ السِّيَاقُ
[ ص: 2161 ] فِي اِسْتِعْرَاضِ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي سَخَّرَهُ لِلْإِنْسَانِ، وَيَبْدَأُ بِالْأَنْعَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=5وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا، لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ. وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=6وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ...
وَفِي بِيئَةٍ كَالْبِيئَةِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَأَشْبَاهُهَا كَثِيرٌ. وَفِي كُلِّ بِيئَةٍ زِرَاعِيَّةٍ، وَالْبِيئَاتُ الزِّرَاعِيَّةُ هِيَ الْغَالِبَةُ حَتَّى الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ.. فِي هَذِهِ الْبِيئَةِ تَبْرُزُ نِعْمَةُ الْأَنْعَامِ، الَّتِي لَا حَيَاةَ بِدُونِهَا لِبَنِي الْإِنْسَانِ. وَالْأَنْعَامُ الْمُتَعَارَفُ عَلَيْهَا فِي الْجَزِيرَةِ كَانَتْ هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعِزُ. أَمَّا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَلِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَلَا تُؤْكَلُ. وَالْقُرْآنُ إِذْ يَعْرِضُ هَذِهِ النِّعْمَةَ هُنَا يُنَبِّهُ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ تَلْبِيَةٍ لِضَرُورَاتِ الْبَشَرُ وَتَلْبِيَةً لِأَشْوَاقِهِمْ كَذَلِكَ:
فَفِي الْأَنْعَامِ دِفْءٌ مِنَ الْجُلُودِ وَالْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ وَالْأَشْعَارِ، وَمَنَافِعُ فِي هَذِهِ، وَفِي اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَمَا إِلَيْهَا. وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ لَحْمًا وَلَبَنًا وَسَمْنًا، وَفِي حَمْلِ الْأَثْقَالِ إِلَى الْبَلَدِ الْبَعِيدِ لَا يَبْلُغُونَهُ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ. وَفِيهَا كَذَلِكَ جَمَالٌ عِنْدَ الْإِرَاحَةِ فِي الْمَسَاءِ وَعِنْدَ السَّرْحِ فِي الصَّبَاحِ: جَمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَنْظَرِهَا فَارِهَةً رَائِعَةً صَحِيحَةً سَمِينَةً. وَأَهْلُ الرِّيفِ يُدْرِكُونَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَعْمَاقِ نُفُوسِهِمْ وَمَشَاعِرِهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يُدْرِكُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ.
وَفِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ تَلْبِيَةً لِلضَّرُورَةِ فِي الرُّكُوبِ. وَتَلْبِيَةً لِحَاسَّةِ الْجَمَالِ فِي الزِّينَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً .
وَهَذِهِ اللَّفْتَةُ لَهَا قِيمَتُهَا فِي بَيَانِ نَظْرَةِ الْقُرْآنِ وَنَظْرَةِ الْإِسْلَامِ لِلْحَيَاةِ. فَالْجَمَالُ عُنْصُرٌ أَصِيلٌ فِي هَذِهِ النَّظْرَةِ، وَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ هِيَ مُجَرَّدُ تَلْبِيَةِ الضَّرُورَاتِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَرُكُوبٍ بَلْ تَلْبِيَةُ الْأَشْوَاقِ الزَّائِدَةِ عَلَى الضَّرُورَاتِ.
تَلْبِيَةُ حَاسَّةِ الْجَمَالِ وَوِجْدَانِ الْفَرَحِ وَالشُّعُورِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَيْلِ الْحَيَوَانِ وَحَاجَةِ الْحَيَوَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ يُعَقِّبُ بِهَا عَلَى حَمْلِ الْأَثْقَالِ إِلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ؛ تَوْجِيهًا إِلَى مَا فِي خَلْقِ الْأَنْعَامِ مِنْ نِعْمَةٍ، وَمَا فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ مِنْ رَحْمَةٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ .. يُعَقِّبُ بِهَا عَلَى خَلْقِ الْأَنْعَامِ لِلْأَكْلِ وَالْحَمْلِ وَالْجَمَالِ، وَخَلْقِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ.. لِيَظَلَّ الْمَجَالُ مَفْتُوحًا فِي التَّصَوُّرِ الْبَشَرِيِّ لِتَقْبَلَ أَنْمَاطًا جَدِيدَةً مِنْ أَدَوَاتِ الْحَمْلِ وَالنَّقْلِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، فَلَا يُغْلِقُ تَصَوُّرَهُمْ خَارِجَ حُدُودِ الْبِيئَةِ، وَخَارِجَ حُدُودِ الزَّمَانِ الَّذِي يُظِلُّهُمْ. فَوَرَاءَ الْمَوْجُودِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ صُوَرٌ أُخْرَى، يُرِيدُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَنْ يَتَوَقَّعُوهَا فَيَتَّسِعُ تَصَوُّرُهُمْ وَإِدْرَاكُهُمْ، وَيُرِيدُ لَهُمْ أَنْ يَأْنَسُوا بِهَا حِينَ تُوجَدُ أَوْ حِينَ تُكْشَفُ فَلَا يُعَادُوهَا وَلَا يَجْمُدُوا دُونَ اسْتِخْدَامِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا. وَلَا يَقُولُوا: إِنَّمَا اسْتَخْدَمَ آبَاؤُنَا الْأَنْعَامَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَلَا نَسْتَخْدِمُ سِوَاهَا. وَإِنَّمَا نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ فَلَا نَسْتَخْدِمُ مَا عَدَاهَا!.
إِنَّ الْإِسْلَامَ عَقِيدَةٌ مَفْتُوحَةٌ مَرِنَةٌ قَابِلَةٌ لِاسْتِقْبَالِ طَاقَاتِ الْحَيَاةِ كُلِّهَا، وَمُقَدَّرَاتِ الْحَيَاةِ كُلِّهَا، وَمِنْ ثَمَّ يُهَيِّئُ الْقُرْآنُ الْأَذْهَانَ وَالْقُلُوبَ لِاسْتِقْبَالِ كُلِّ مَا تَتَمَخَّضُ عَنْهُ الْقُدْرَةُ، وَيَتَمَخَّضُ عَنْهُ الْعِلْمُ، وَيَتَمَخَّضُ عَنْهُ الْمُسْتَقْبَلُ. اسْتِقْبَالُهُ بِالْوِجْدَانِ الدِّينِيِّ الْمُتَفَتِّحِ الْمُسْتَعِدِّ لِتَلَقِّي كُلِّ جَدِيدٍ فِي عَجَائِبِ الْخَلْقِ وَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ.
وَلَقَدْ جَدَّتْ وَسَائِلُ لِلْحَمْلِ وَالنَّقْلِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَسَتَجِدُّ وَسَائِلُ
[ ص: 2162 ] أُخْرَى لَا يَعْلَمُهَا أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ. وَالْقُرْآنُ يُهَيِّئُ لَهَا الْقُلُوبَ وَالْأَذْهَانَ، بِلَا جُمُودٍ وَلَا تَحَجُّرٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ..
وَفِي مَعْرِضِ النَّقْلِ وَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالسَّيْرِ لِبُلُوغِ غَايَاتٍ مَحْسُوسَةٍ فِي عَالَمِ الْأَرْضِ، يَدْخُلُ السِّيَاقُ غَايَاتٍ مَعْنَوِيَّةً وَسَيْرًا مَعْنَوِيًّا وَطُرُقًا مَعْنَوِيَّةً. فَثَمَّةَ الطَّرِيقُ إِلَى اللَّهِ. وَهُوَ طَرِيقٌ قَاصِدٌ مُسْتَقِيمٌ لَا يَلْتَوِي وَلَا يَتَجَاوَزُ الْغَايَةَ. وَثَمَّةَ طَرْقٌ أُخْرَى لَا تُوَصِّلُ وَلَا تَهْدِي. فَأَمَّا الطَّرِيقُ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كَشْفَهَا وَبَيَانَهَا: بِآيَاتِهِ فِي الْكَوْنِ وَبِرُسُلِهِ إِلَى النَّاسِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ. وَمِنْهَا جَائِرٌ. وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ..
وَالسَّبِيلُ الْقَاصِدُ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا يَلْتَوِي كَأَنَّهُ يَقْصِدُ قَصْدًا إِلَى غَايَتِهِ فَلَا يَحِيدُ عَنْهَا. وَالسَّبِيلُ الْجَائِرُ هُوَ السَّبِيلُ الْمُنْحَرِفُ الْمُجَاوِزُ لِلْغَايَةِ لَا يُوَصِّلُ إِلَيْهَا، أَوْ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا!
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ .. وَلَكِنَّهُ شَاءَ أَنْ يَخْلُقَ الْإِنْسَانَ مُسْتَعِدًّا لِلْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَأَنْ يَدَعَ لِإِرَادَتِهِ اخْتِيَارَ طَرِيقِ الْهُدَى أَوْ طَرِيقِ الضَّلَالِ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْلُكُ السَّبِيلَ الْقَاصِدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْلُكُ السَّبِيلَ الْجَائِرَ.
وَكِلَاهُمَا لَا يَخْرُجُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، الَّتِي قَضَتْ بِأَنْ تَدَعَ لِلْإِنْسَانِ حُرِّيَّةَ الِاخْتِيَارِ.
وَالْفَوْجُ الثَّانِي مِنْ آيَاتِ الْخَلْقِ وَالنِّعْمَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ، وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ..
وَالْمَاءُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَفْقَ النَّوَامِيسِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْكَوْنِ، وَالَّتِي تُدَبِّرُ حَرَكَاتِهِ، وَتُنْشِئُ نَتَائِجَهَا وَفْقَ إِرَادَةِ الْخَالِقِ وَتَدْبِيرِهِ. بِقَدْرٍ خَاصٍّ مِنْ أَقْدَارِهِ يُنْشِئُ كُلَّ حَرَكَةٍ وَكُلَّ نَتِيجَةٍ. هَذَا الْمَاءُ يُذْكَرُ هُنَا نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ فَهِيَ خُصُوصِيَّةُ الشَّرَابِ الَّتِي تَبْرُزُ فِي هَذَا الْمَجَالِ ثُمَّ خُصُوصِيَّةُ الْمَرْعَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ وَهِيَ الْمَرَاعِي الَّتِي تُرَبُّونَ فِيهَا السَّوَائِمَ. ذَلِكَ بِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْأَنْعَامِ قَبْلَهَا وَتَنْسِيقًا لِلْجَوِّ الْعَامِّ بَيْنَ الْمَرَاعِي وَالْأَنْعَامِ. ثُمَّ الزُّرُوعُ الَّتِي يَأْكُلُ مِنْهَا الْإِنْسَانُ مَعَ الزَّيْتُونِ وَالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَشْجَارِ الثِّمَارِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .. فِي تَدْبِيرِ اللَّهِ لِهَذَا الْكَوْنِ، وَنَوَامِيسِهِ الْمُوَاتِيَةِ لِحَيَاةِ الْبَشَرِ، وَمَا كَانَ الْإِنْسَانُ لِيَسْتَطِيعَ الْحَيَاةَ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ لَوْ لَمْ تَكُنْ نَوَامِيسُ الْكَوْنِ مُوَاتِيَةً لِحَيَاتِهِ، مُوَافِقَةً لِفِطْرَتِهِ، مُلَبِّيَةً لِحَاجَاتِهِ. وَمَا هِيَ بِالْمُصَادَفَةِ الْعَابِرَةِ أَنْ يُخْلَقَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْكَوْكَبِ الْأَرْضِيِّ، وَأَنْ تَكُونَ النِّسَبُ بَيْنَ هَذَا الْكَوْكَبِ وَغَيْرِهِ مِنَ النُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ هِيَ هَذِهِ النِّسَبُ، وَأَنْ تَكُونَ الظَّوَاهِرُ الْجَوِّيَّةُ وَالْفَلَكِيَّةُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، مُمَكِّنَةً لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْحَيَاةِ، مُلَبِّيَةً هَكَذَا لِحَاجَاتِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي نَرَاهُ.
وَالَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ هُمُ الَّذِينَ يُدْرِكُونَ حِكْمَةَ التَّدْبِيرِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَرْبُطُونَ بَيْنَ ظَاهِرَةٍ كَظَاهِرَةِ الْمَطَرِ وَمَا يُنْشِئُهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حَيَاةٍ وَشَجَرٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ، وَبَيْنَ النَّوَامِيسِ الْعُلْيَا لِلْوُجُودِ، وَدَلَالَتِهَا عَلَى الْخَالِقِ، وَعَلَى وَحْدَانِيَّةِ ذَاتِهِ، وَوَحْدَانِيَّةِ إِرَادَتِهِ، وَوَحْدَانِيَّةِ تَدْبِيرِهِ. أَمَّا الْغَافِلُونَ فَيَمُرُّونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، فَلَا تُوقِظُ تَطَلُّعَهُمْ، وَلَا تُثِيرُ اسْتِطْلَاعَهُمْ، وَلَا تَسْتَجِيشُ ضَمَائِرَهُمْ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ صَاحِبِ هَذَا النِّظَامِ الْفَرِيدِ.
وَالْفَوْجُ الثَّالِثُ مِنْ أَفْوَاجِ الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ..
[ ص: 2163 ] وَمِنْ مَظَاهِرَ التَّدْبِيرِ فِي الْخَلْقِ، وَظَوَاهِرِ النِّعْمَةِ عَلَى الْبَشَرِ فِي آنٍ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ.
فَكُلُّهَا مِمَّا يُلَبِّي حَاجَةَ الْإِنْسَانِ فِي الْأَرْضِ. وَهِيَ لَمْ تُخْلَقْ لَهُ وَلَكِنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لِمَنْفَعَتِهِ. فَظَاهِرَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَاتُ أَثَرٍ حَاسِمٍ فِي حَيَاةِ هَذَا الْمَخْلُوقِ الْبَشَرِيِّ. وَمَنْ شَاءَ فَلْيَتَصَوَّرْ نَهَارًا بِلَا لَيْلٍ أَوْ لَيْلًا بِلَا نَهَارٍ، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ مَعَ هَذَا حَيَاةَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ كَيْفَ تَكُونُ.
كَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَعَلَاقَتُهُمَا بِالْحَيَاةِ عَلَى الْكَوْكَبِ الْأَرْضِيِّ، وَعَلَاقَةُ الْحَيَاةِ بِهِمَا فِي أَصْلِهَا وَفِي نُمُوِّهَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ لِلْإِنْسَانِ وَلِغَيْرِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ..
وَكُلُّ أُولَئِكَ طَرَفٌ مِنْ حِكْمَةِ التَّدْبِيرِ، وَتَنَاسُقِ النَّوَامِيسِ فِي الْكَوْنِ كُلِّهِ، يُدْرِكُهُ أَصْحَابُ الْعُقُولِ الَّتِي تَتَدَبَّرُ وَتَعْقِلُ وَتُدْرِكُ مَا وَرَاءَ الظَّوَاهِرِ مِنْ سُنَنٍ وَقَوَانِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ..
وَالْفَوْجُ الرَّابِعُ مِنْ أَفْوَاجِ النِّعْمَةِ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ..
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَمَا أَوْدَعَ فِيهَا لِلْبَشَرِ مِنْ مُخْتَلِفِ الْمَعَادِنِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا حَيَاتُهُمْ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ وَفِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ. وَنَظْرَةٌ إِلَى هَذِهِ الذَّخَائِرِ الْمَخْبُوءَةِ فِي الْأَرْضِ، الْمُودَعَةِ لِلنَّاسِ حَتَّى يَبْلُغُوا رُشْدَهُمْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَيَسْتَخْرِجُوا كُنُوزَهُمْ فِي حِينِهَا وَوَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا. وَكُلَّمَا قِيلَ: إِنَّ كَنْزًا مِنْهَا قَدْ نَفِدَ أَعْقَبَهُ كَنْزٌ آخَرُ غَنِيٌّ، مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الْمُدَّخَرِ لِلْعِبَادِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَلَا يَنْسَوْنَ أَنَّ يَدَ الْقُدْرَةِ هِيَ الَّتِي خَبَّأَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْكُنُوزَ.
وَالْفَوْجُ الْخَامِسُ مِنْ أَفْوَاجِ الْخَلْقِ وَالْأَنْعَامِ فِي الْبَحْرِ الْمَلِحِ الَّذِي لَا يُشْرَبُ وَلَا يَسْقِي، وَلَكِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى صُنُوفٍ مِنْ آلَاءِ اللَّهِ عَلَى الْإِنْسَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا، وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا، وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ..
وَنِعْمَةُ الْبَحْرِ وَأَحْيَائِهِ تُلَبِّي كَذَلِكَ ضَرُورَاتِ الْإِنْسَانِ وَأَشْوَاقَهُ. فَمِنْهُ اللَّحْمُ الطَّرِيُّ مِنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ لِلطَّعَامِ. وَإِلَى جِوَارِهِ الْحِلْيَةُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَ مِنَ الْمَرْجَانِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَصْدَافِ وَالْقَوَاقِعِ الَّتِي يَتَحَلَّى بِهَا أَقْوَامٌ مَا يَزَالُونَ حَتَّى الْآنَ. وَالتَّعْبِيرُ كَذَلِكَ عَنِ الْفَلَكِ يَشِي بِتَلْبِيَةِ حَاسَّةِ الْجَمَالِ لَا بِمُجَرَّدِ الرُّكُوبِ وَالِانْتِقَالِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ فَهِيَ لَفْتَةٌ إِلَى مَتَاعِ الرُّؤْيَةِ وَرَوْعَتِهَا: رُؤْيَةُ الْفُلْكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14مَوَاخِرَ تَشُقُّ الْمَاءَ وَتُفَرِّقُ الْعُبَابَ.. وَمَرَّةً أُخْرَى نُجِدُ أَنْفُسَنَا أَمَامَ التَّوْجِيهِ الْقُرْآنِيِّ الْعَالِي إِلَى الْجِمَالِ فِي مَظَاهِرِ الْكَوْنِ، بِجَانِبِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ، لِنَتَمَلَّى هَذَا الْجَمَالَ وَنَسْتَمْتِعَ بِهِ، وَلَا نَحْبِسُ أَنْفُسَنَا دَاخِلَ حُدُودِ الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ.
كَذَلِكَ يُوَجِّهُنَا السِّيَاقُ - أَمَامَ مَشْهَدِ الْبَحْرِ وَالْفُلْكِ تَشُقُّ عُبَابَهُ - إِلَى ابْتِغَاءِ فَضْلِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ، وَإِلَى شُكْرِهِ عَلَى مَا سَخَّرَ مِنَ الطَّعَامِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ فِي ذَلِكَ الْمِلْحِ الْأُجَاجِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
وَالْفَوْجُ الْأَخِيرُ فِي هَذَا الْمَقْطَعِ مِنَ السُّورَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ، وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ .
فَأَمَّا الْجِبَالُ الرَّوَاسِي: فَالْعِلْمُ الْحَدِيثُ يُعَلِّلُ وَجُودَهَا وَلَكِنَّهُ لَا يَذْكُرُ وَظِيفَتَهَا الَّتِي يَذْكُرُهَا الْقُرْآنُ هُنَا. يُعَلِّلُ وَجُودَهَا بِنَظَرِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ مُتَعَارِضَةٍ، أَهَمُّهَا أَنَّ جَوْفَ الْأَرْضِ الْمُلْتَهِبَ يَبْرُدُ فَيَنْكَمِشُ، فَتَتَقَلَّصُ الْقِشْرَةُ الْأَرْضِيَّةُ مِنْ فَوْقِهِ وَتَتَجَعَّدُ فَتَكُونُ الْجِبَالُ وَالْمُرْتَفَعَاتُ وَالْمُنْخَفَضَاتُ. وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يَذْكُرُ أَنَّهَا تَحْفَظُ تَوَازُنَ الْأَرْضِ. وَهَذِهِ الْوَظِيفَةُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْعِلْمُ الْحَدِيثُ.
[ ص: 2164 ] وَفِي مُقَابِلِ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي يُوَجِّهُ النَّظَرَ إِلَى الْأَنْهَارِ الْجَوَارِي، وَالسُّبُلِ السَّوَالِكِ. وَالْأَنْهَارُ ذَاتُ عَلَاقَةٍ طَبِيعِيَّةٍ فِي الْمَشْهَدِ بِالْجِبَالِ، فَفِي الْجِبَالِ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ مَنَابِعُ الْأَنْهَارِ; حَيْثُ مَسَاقِطُ الْأَمْطَارِ. وَالسُّبُلُ ذَاتُ عَلَاقَةٍ بِالْجِبَالِ وَالْأَنْهَارِ. وَذَاتُ عَلَاقَةٍ كَذَلِكَ بِجَوِّ الْأَنْعَامِ وَالْأَحْمَالِ وَالِانْتِقَالِ. وَإِلَى جِوَارِ ذَلِكَ مَعَالِمُ الطُّرُقِ الَّتِي يَهْتَدِي بِهَا السَّالِكُونَ فِي الْأَرْضِ مِنْ جِبَالٍ وَمُرْتَفِعَاتٍ وَمُنْفَرَجَاتٍ، وَفِي السَّمَاءِ مِنَ النَّجْمِ الَّذِي يَهْدِي السَّالِكِينَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ سَوَاءً.
وَعِنْدَمَا يَنْتَهِي اسْتِعْرَاضُ آيَاتِ الْخَلْقِ، وَآيَاتِ النِّعْمَةِ، وَآيَاتِ التَّدْبِيرِ فِي هَذَا الْمَقْطَعِ مِنَ السُّورَةِ يُعَقِّبُ السِّيَاقُ عَلَيْهِ بِمَا سِيقَ هَذَا الِاسْتِعْرَاضُ مِنْ أَجْلِهِ. فَقَدْ سَاقَهُ فِي صَدَدِ قَضِيَّةِ التَّعْرِيفِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهِ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ..
وَهُوَ تَعْقِيبٌ يَجِيءُ فِي أَوَانِهِ، وَالنَّفْسُ مُتَهَيِّئَةٌ لِلْإِقْرَارِ بِمَضْمُونِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ؟ .. فَهَلْ هُنَالِكَ إِلَّا جَوَابٌ وَاحِدٌ: لَا. وَكَلَّا: أَفَيَجُوزُ أَنْ يُسَوِّيَ إِنْسَانٌ فِي حِسِّهِ وَتَقْدِيرِهِ.. بَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْخَلْقَ كُلَّهُ، وَمَنْ لَا يَخْلُقُ لَا كَبِيرًا وَلَا صَغِيرًا؟
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَلا تَذَكَّرُونَ فَمَا يَحْتَاجُ الْأَمْرُ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ التَّذَكُّرِ، فَيَتَّضِحُ الْأَمْرُ وَيَتَجَلَّى الْيَقِينُ.
وَلَقَدِ اسْتَعْرَضَ أَلْوَانًا مِنَ النِّعْمَةِ. فَهُوَ يُعَقِّبُ عَلَيْهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا .. فَضْلًا عَلَى أَنْ تَشْكُرُوهَا. وَأَكْثَرُ النِّعَمِ لَا يَدْرِيهَا الْإِنْسَانُ، لِأَنَّهُ يَأْلَفُهَا فَلَا يَشْعُرُ بِهَا إِلَّا حِينَ يَفْتَقِدُهَا.. وَهَذَا تَرْكِيبُ جَسَدِهِ وَوَظَائِفِهِ مَتَى يَشْعُرُ بِمَا فِيهِ مِنْ إِنْعَامٍ إِلَّا حِينَ يُدْرِكُهُ الْمَرَضُ فَيُحِسُّ بِالِاخْتِلَالِ؟ إِنَّمَا يَسَعُهُ غُفْرَانُ اللَّهِ لِلتَّقْصِيرِ وَرَحْمَتُهُ بِالْإِنْسَانِ الضَّعِيفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ..
وَالْخَالِقُ يَعْلَمُ مَا خَلَقَ. يَعْلَمُ الْخَافِي وَالظَّاهِرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ فَكَيْفَ يُسَوُّونَهُ فِي حِسِّهِمْ وَتَقْدِيرِهِمْ بِتِلْكَ الْآلِهَةِ الْمُدَّعَاةِ وَهُمْ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، بَلْ إِنَّهُمْ لَأَمْوَاتٌ غَيْرُ قَابِلَيْنِ لِلْحَيَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَمِنْ ثَمَّ فَهِمَ لَا يَشْعُرُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ..
وَالْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الْبَعْثِ وَمَوْعِدِهِ فِيهَا تَقْرِيرٌ أَنَّ الْخَالِقَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ مَوْعِدَ الْبَعْثِ. لِأَنَّ الْبَعْثَ تَكْمِلَةٌ لِلْخَلْقِ. وَعِنْدَهُ يَسْتَوْفِي الْأَحْيَاءُ جَزَاءَهُمْ عَلَى مَا قَدَّمُوا. فَالْآلِهَةُ الَّتِي لَا تَعْلَمُ مَتَى يُبْعَثُ عِبَادُهَا هِيَ آلِهَةٌ لَا تَسْتَحِقُّ التَّأْلِيهَ، بَلْ هِيَ سُخْرِيَةُ السَّاخِرِينَ. فَالْخَالِقُ يَبْعَثُ مَخَالِيقَهُ وَيَعْلَمُ مَتَى يَبْعَثُهُمْ عَلَى التَّحْقِيقِ!