nindex.php?page=treesubj&link=28723_30292_34091_19324_19790_31747_28658_29485_28661_33679_29692_30295_30250_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير (77)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون (78)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (79)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين (80)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (81)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين (82)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون (83)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=84ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون (84)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=85وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون (85)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=86وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون (86)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=87وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون (87)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89)
[ ص: 2185 ] يستمر السياق في هذا الدرس في استعراض دلائل الألوهية. الواحدة التي يتكئ عليها في هذه السورة: عظمة الخلق، وفيض النعمة وإحاطة العلم. غير أنه يركز في هذا الشوط على قضية البعث. والساعة أحد أسرار الغيب الذي يختص الله بعلمه فلا يطلع عليه أحدا.
وموضوعات هذا الدرس تشمل ألوانا من أسرار غيب الله في السماوات والأرض، وفي الأنفس والآفاق غيب الساعة، التي لا يعلمها إلا الله وهو عليها قادر وهي عليه هينة:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب .. وغيب الأرحام، والله وحده هو الذي يخرج الأجنة من هذا الغيب. لا تعلم شيئا، ثم ينعم على الناس بالسمع والأبصار والأفئدة لعلهم يشكرون نعمته.. وغيب أسرار الخلق، يعرض منها تسخير الطير في جو السماء ما يمسكهن إلا الله.
يلي هذا في الدرس استعراض لبعض نعم الله المادية على الناس وهي بجانب تلك الأسرار وفي جوها، نعم السكن والهدوء والاستظلال. في البيوت المبنية والبيوت المتخذة من جلود الأنعام للظعن والإقامة، والأثاث والمتاع من الأصواف والأوبار والأشعار. وهي كذلك الظلال والأكنان والسرابيل تقي الحر وتقي البأس في الحرب:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون .
ثم تفصيل لأمر البعث في مشاهد يعرض فيها المشركين وشركاءهم، والرسل شهداء عليهم. والرسول - صلى الله عليه وسلم - شهيدا على قومه. وبذلك تتم هذه الجولة في جو البعث والقيامة.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77ولله غيب السماوات والأرض. وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب. إن الله على كل شيء قدير ..
وقضية البعث إحدى قضايا العقيدة التي لقيت جدلا شديدا في كل عصر، ومع كل رسول. وهي غيب من غيب الله الذي يختص بعلمه.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77ولله غيب السماوات والأرض وإن البشر ليقفون أمام أستار الغيب عاجزين قاصرين، مهما يبلغ علمهم الأرضي، ومهما تتفتح لهم كنوز الأرض وقواها المذخورة. وإن أعلم العلماء من بني البشر ليقف مكانه لا يدري ماذا سيكون اللحظة التالية في ذات نفسه. أيرتد نفسه الذي خرج أم يذهب فلا يعود! وتذهب الآمال بالإنسان كل مذهب، وقدره كامن خلف ستار الغيب لا يدري متى يفجؤه، وقد يفجؤه اللحظة. وإنه لمن رحمة الله بالناس أن يجهلوا ما وراء اللحظة الحاضرة ليؤملوا ويعملوا وينتجوا وينشئوا، ويخلفوا وراءهم ما بدؤوه يتمه الخلف حتى يأتيهم ما خبئ لهم خلف الستار الرهيب.
والساعة من هذا الغيب المستور. ولو علم الناس موعدها لتوقفت عجلة الحياة، أو اختلت، ولما سارت الحياة وفق الخط الذي رسمته لها القدرة. والناس يعدون السنين والأيام والشهور والساعات واللحظات لليوم الموعود!
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب .. فهي قريب. ولكن في حساب غير حساب البشر المعلوم. وتدبير أمرها لا يحتاج إلى وقت. طرفة عين. فإذا هي حاضرة مهيأة بكل أسبابها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77إن الله على كل شيء قدير وبعث هذه الحشود التي يخطئها الحصر والعد من الخلق، وانتفاضها، وجمعها، وحسابها، وجزاؤها.. كله هين على تلك القدرة التي تقول للشيء: كن. فيكون. إنما يستهول الأمر ويستصعبه من يحسبون بحساب البشر، وينظرون بعين البشر، ويقيسون بمقاييس البشر.. ومن هنا يخطئون التصور والتقدير!
ويقرب القرآن الأمر بعرض مثل صغير من حياة البشر، تعجز عنه قواهم ويعجز عنه تصورهم، وهو يقع في كل لحظة من ليل أو نهار:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ..
[ ص: 2186 ] وهو غيب قريب، ولكنه موغل بعيد. وأطوار الجنين قد يراها الناس، ولكنهم لا يعلمون كيف تتم، لأن سرها هو سر الحياة المكنون. والعلم الذي يدعيه الإنسان ويتطاول به ويريد أن يختبر به أمر الساعة وأمر الغيب، علم حادث مكسوب:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ومولد كل عالم وكل باحث، ومخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا قريب قريب! وما كسبه بعد ذلك من علم هبة من الله بالقدر الذي أراده للبشر، وجعل فيه كفاية حياتهم على هذا الكوكب، في المحيط المكشوف لهم من هذا الوجود:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة والقرآن يعبر بالقلب ويعبر بالفؤاد عن مجموع مدارك الإنسان الواعية; وهي تشمل ما اصطلح على أنه العقل، وتشمل كذلك قوى الإلهام الكامنة المجهولة الكنه والعمل. جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78لعلكم تشكرون حين تدركون قيمة النعمة في هذه وفي سواها من آلاء الله عليكم. وأول الشكر: الإيمان بالله الواحد المعبود.
وعجيبة أخرى من آثار القدرة الإلهية يرونها فلا يتدبرونها، وهي مشهد عجيب معروض للعيون:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء. ما يمسكهن إلا الله. إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ..
ومشهد الطير مسخرات في جو السماء مشهد مكرور، قد ذهبت الألفة بما فيه من عجب، وما يتلفت القلب البشري عليه إلا حين يستيقظ، ويلحظ الكون بعين الشاعر الموهوب. وإن تحليقة طائر في جو السماء لتستجيش الحس الشاعر إلى القصيدة حين تلمسه. فينتفض للمشهد القديم الجديد..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ما يمسكهن إلا الله بنواميسه التي أودعها فطرة الطير وفطرة الكون من حولها، وجعل الطير قادرة على الطيران، وجعل الجو من حولها مناسبا لهذا الطيران، وأمسك بها الطير لا تسقط وهي في جو السماء:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون .. فالقلب المؤمن هو القلب الشاعر ببدائع الخلق والتكوين، المدرك لما فيها من روعة باهرة تهز المشاعر وتستجيش الضمائر. وهو يعبر عن إحساسه بروعة الخلق، بالإيمان والعبادة والتسبيح. والموهوبون من المؤمنين هبة التعبير، قادرون على إبداع ألوان من رائع القول في بدائع الخلق والتكوين، لا يبلغ إليها شاعر لم تمس قلبه شرارة الإيمان المشرق الوضيء.
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30292_34091_19324_19790_31747_28658_29485_28661_33679_29692_30295_30250_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمُ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=84وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=85وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=86وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=87وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
[ ص: 2185 ] يَسْتَمِرُّ السِّيَاقُ فِي هَذَا الدَّرْسِ فِي اسْتِعْرَاضِ دَلَائِلِ الْأُلُوهِيَّةِ. الْوَاحِدَةُ الَّتِي يَتَّكِئُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ: عَظَمَةُ الْخَلْقِ، وَفَيْضُ النِّعْمَةِ وَإِحَاطَةُ الْعِلْمِ. غَيْرَ أَنَّهُ يُرَكِّزُ فِي هَذَا الشَّوْطِ عَلَى قَضِيَّةِ الْبَعْثِ. وَالسَّاعَةُ أَحَدُ أَسْرَارِ الْغَيْبِ الَّذِي يَخْتَصُّ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدًا.
وَمَوْضُوعَاتُ هَذَا الدَّرْسِ تَشْمَلُ أَلْوَانًا مِنْ أَسْرَارِ غَيْبِ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَفِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ غَيْبُ السَّاعَةِ، الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ عَلَيْهَا قَادِرٌ وَهِيَ عَلَيْهِ هَيِّنَةٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ .. وَغَيَّبَ الْأَرْحَامِ، وَاللَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ الْأَجِنَّةَ مِنْ هَذَا الْغَيْبِ. لَا تَعْلَمُ شَيْئًا، ثُمَّ يُنْعِمُ عَلَى النَّاسِ بِالسَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ نِعْمَتَهُ.. وَغَيْبَ أَسْرَارِ الْخَلْقِ، يَعْرِضُ مِنْهَا تَسْخِيرَ الطَّيْرِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ.
يَلِي هَذَا فِي الدَّرْسِ اسْتِعْرَاضٌ لِبَعْضِ نِعَمِ اللَّهِ الْمَادِّيَّةِ عَلَى النَّاسِ وَهِيَ بِجَانِبِ تِلْكَ الْأَسْرَارِ وَفِي جَوِّهَا، نَعِمَ السَّكَنُ وَالْهُدُوءُ وَالِاسْتِظْلَالُ. فِي الْبُيُوتِ الْمَبْنِيَّةِ وَالْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ لِلظَّعْنِ وَالْإِقَامَةِ، وَالْأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ مِنَ الْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ وَالْأَشْعَارِ. وَهِيَ كَذَلِكَ الظِّلَالُ وَالْأَكْنَانُ وَالسَّرَابِيلُ تَقِي الْحَرَّ وَتَقِي الْبَأْسَ فِي الْحَرْبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ .
ثُمَّ تَفْصِيلٌ لِأَمْرِ الْبَعْثِ فِي مَشَاهِدَ يَعْرِضُ فِيهَا الْمُشْرِكِينَ وَشُرَكَاءَهُمْ، وَالرُّسُلُ شُهَدَاءٌ عَلَيْهِمْ. وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِيدًا عَلَى قَوْمِهِ. وَبِذَلِكَ تَتِمُّ هَذِهِ الْجَوْلَةُ فِي جَوِّ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ. إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..
وَقَضِيَّةُ الْبَعْثِ إِحْدَى قَضَايَا الْعَقِيدَةِ الَّتِي لَقِيَتْ جَدَلًا شَدِيدًا فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَمَعَ كُلِّ رَسُولٍ. وَهِيَ غَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اللَّهِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِعِلْمِهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِنَّ الْبَشَرَ لِيَقِفُونَ أَمَامَ أَسْتَارِ الْغَيْبِ عَاجِزِينَ قَاصِرِينَ، مَهْمَا يَبْلُغْ عِلْمُهُمُ الْأَرْضِيُّ، وَمَهْمَا تَتَفَتَّحْ لَهُمْ كُنُوزُ الْأَرْضِ وَقُوَاهَا الْمَذْخُورَةُ. وَإِنَّ أَعْلَمَ الْعُلَمَاءِ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ لِيَقِفُ مَكَانَهُ لَا يَدْرِي مَاذَا سَيَكُونُ اللَّحْظَةَ التَّالِيَةَ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ. أَيَرْتَدُّ نَفَسُهُ الَّذِي خَرَجَ أَمْ يَذْهَبُ فَلَا يَعُودُ! وَتَذْهَبُ الْآمَالُ بِالْإِنْسَانِ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَقَدَرُهُ كَامِنٌ خَلْفَ سِتَارِ الْغَيْبِ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ، وَقَدْ يَفْجَؤُهُ اللَّحْظَةَ. وَإِنَّهُ لِمَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِالنَّاسِ أَنْ يَجْهَلُوا مَا وَرَاءَ اللَّحْظَةِ الْحَاضِرَةِ لِيُؤَمِّلُوا وَيَعْمَلُوا وَيُنْتِجُوا وَيُنْشِئُوا، وَيَخْلُفُوا وَرَاءَهُمْ مَا بَدَؤُوهُ يُتِمُّهُ الْخَلَفُ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ مَا خُبِّئَ لَهُمْ خَلْفَ السِّتَارِ الرَّهِيبِ.
وَالسَّاعَةُ مِنْ هَذَا الْغَيْبِ الْمَسْتُورِ. وَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَوْعِدَهَا لَتَوَقَّفَتْ عَجَلَةُ الْحَيَاةِ، أَوِ اخْتَلَّتْ، وَلِمَا سَارَتِ الْحَيَاةُ وَفْقَ الْخَطِّ الَّذِي رَسَمَتْهُ لَهَا الْقُدْرَةُ. وَالنَّاسُ يَعُدُّونَ السِّنِينَ وَالْأَيَّامَ وَالشُّهُورَ وَالسَّاعَاتِ وَاللَّحَظَاتِ لِلْيَوْمِ الْمَوْعُودِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ .. فَهِيَ قَرِيبٌ. وَلَكِنْ فِي حِسَابٍ غَيْرِ حِسَابِ الْبَشَرِ الْمَعْلُومِ. وَتَدْبِيرُ أَمْرِهَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ. طَرْفَةُ عَيْنٍ. فَإِذَا هِيَ حَاضِرَةٌ مُهَيَّأَةٌ بِكُلِّ أَسْبَابِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبَعْثُ هَذِهِ الْحُشُودِ الَّتِي يُخْطِئُهَا الْحَصْرُ وَالْعَدُّ مِنَ الْخَلْقِ، وَانْتِفَاضُهَا، وَجَمْعُهَا، وَحِسَابُهَا، وَجَزَاؤُهَا.. كُلُّهُ هَيِّنٌ عَلَى تِلْكَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ. فَيَكُونُ. إِنَّمَا يَسْتَهْوِلُ الْأَمْرَ وَيَسْتَصْعِبُهُ مَنْ يَحْسِبُونَ بِحِسَابِ الْبَشَرِ، وَيَنْظُرُونَ بِعَيْنِ الْبَشَرِ، وَيَقِيسُونَ بِمَقَايِيسَ الْبَشَرِ.. وَمِنْ هُنَا يُخْطِئُونَ التَّصَوُّرَ وَالتَّقْدِيرَ!
وَيُقَرِّبُ الْقُرْآنُ الْأَمْرَ بِعَرْضِ مَثَلٍ صَغِيرٍ مِنْ حَيَاةِ الْبَشَرِ، تَعْجِزُ عَنْهُ قُوَاهُمْ وَيَعْجِزُ عَنْهُ تَصَوُّرُهُمْ، وَهُوَ يَقَعُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ..
[ ص: 2186 ] وَهُوَ غَيْبٌ قَرِيبٌ، وَلَكِنَّهُ مُوغِلٌ بَعِيدٌ. وَأَطْوَارُ الْجَنِينِ قَدْ يَرَاهَا النَّاسُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَيْفَ تَتِمُّ، لِأَنَّ سِرَّهَا هُوَ سِرُّ الْحَيَاةِ الْمَكْنُونُ. وَالْعِلْمُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْإِنْسَانُ وَيَتَطَاوَلُ بِهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَخْتَبِرَ بِهِ أَمْرَ السَّاعَةِ وَأَمَرَ الْغَيْبِ، عِلْمٌ حَادِثٌ مَكْسُوبٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَمَوْلِّدُ كُلِّ عَالَمٍ وَكُلِّ بَاحِثٍ، وَمُخْرِجُهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا قَرِيبٌ قَرِيبٌ! وَمَا كَسَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ بِالْقَدْرِ الَّذِي أَرَادَهُ لِلْبَشَرِ، وَجَعَلَ فِيهِ كِفَايَةَ حَيَاتِهِمْ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ، فِي الْمُحِيطِ الْمَكْشُوفِ لَهُمْ مِنْ هَذَا الْوُجُودِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ وَالْقُرْآنَ يُعَبِّرُ بِالْقَلْبِ وَيُعَبِّرُ بِالْفُؤَادِ عَنْ مَجْمُوعِ مَدَارِكِ الْإِنْسَانِ الْوَاعِيَةِ; وَهِيَ تَشْمَلُ مَا اصْطُلِحَ عَلَى أَنَّهُ الْعَقْلُ، وَتَشْمَلُ كَذَلِكَ قُوَى الْإِلْهَامِ الْكَامِنَةِ الْمَجْهُولَةِ الْكُنْهَ وَالْعَمَلَ. جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ حِينَ تُدْرِكُونَ قِيمَةَ النِّعْمَةِ فِي هَذِهِ وَفِي سِوَاهَا مِنْ آلَاءِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وَأَوَّلُ الشُّكْرِ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ الْوَاحِدِ الْمَعْبُودِ.
وَعَجِيبَةٌ أُخْرَى مِنْ آثَارِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ يَرَوْنَهَا فَلَا يَتَدَبَّرُونَهَا، وَهِيَ مَشْهَدٌ عَجِيبٌ مَعْرُوضٌ لِلْعُيُونِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ. مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ..
وَمَشْهَدُ الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَشْهَدٌ مَكْرُورٌ، قَدْ ذَهَبَتِ الْأُلْفَةُ بِمَا فِيهِ مِنْ عَجَبٍ، وَمَا يَتَلَفَّتُ الْقَلْبُ الْبَشَرِيُّ عَلَيْهِ إِلَّا حِينَ يَسْتَيْقِظُ، وَيَلْحَظُ الْكَوْنَ بِعَيْنِ الشَّاعِرِ الْمَوْهُوبِ. وَإِنَّ تَحْلِيقَةَ طَائِرٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ لَتَسْتَجِيشُ الْحِسَّ الشَّاعِرَ إِلَى الْقَصِيدَةِ حِينَ تَلْمِسُهُ. فَيَنْتَفِضُ لِلْمَشْهَدِ الْقَدِيمِ الْجَدِيدِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ بِنَوَامِيسِهِ الَّتِي أَوْدَعَهَا فِطْرَةَ الطَّيْرِ وَفِطْرَةَ الْكَوْنِ مِنْ حَوْلِهَا، وَجَعَلَ الطَّيْرَ قَادِرَةً عَلَى الطَّيَرَانِ، وَجَعَلَ الْجَوَّ مِنْ حَوْلِهَا مُنَاسِبًا لِهَذَا الطَّيَرَانِ، وَأَمْسَكَ بِهَا الطَّيْرَ لَا تَسْقُطُ وَهِيَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .. فَالْقَلْبُ الْمُؤْمِنُ هُوَ الْقَلْبُ الشَّاعِرُ بِبَدَائِعِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينُ، الْمُدْرِكُ لِمَا فِيهَا مِنْ رَوْعَةٍ بَاهِرَةٍ تَهُزُّ الْمَشَاعِرَ وَتَسْتَجِيشُ الضَّمَائِرَ. وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ إِحْسَاسِهِ بِرَوْعَةِ الْخَلْقِ، بِالْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ وَالتَّسْبِيحِ. وَالْمَوْهُوبُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هِبَةَ التَّعْبِيرِ، قَادِرُونَ عَلَى إِبْدَاعِ أَلْوَانٍ مِنْ رَائِعِ الْقَوْلِ فِي بَدَائِعِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ، لَا يَبْلُغُ إِلَيْهَا شَاعِرٌ لَمْ تَمَسَّ قَلْبَهُ شَرَارَةُ الْإِيمَانِ الْمَشْرِقِ الْوَضِيءِ.