[ ص: 2448 ] [ ص: 2449 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورتا
المؤمنون والنور
الجزء الثامن عشر
[ ص: 2451 ] (23)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة المؤمنون مكية
وآياتها ثماني عشرة ومائة
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=34135_19080_27140_19137_24589_25353_30415_29680_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=3والذين هم عن اللغو معرضون (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4والذين هم للزكاة فاعلون (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=7فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=8والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=9والذين هم على صلواتهم يحافظون (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=10أولئك هم الوارثون (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=11الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=13ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=15ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=16ثم إنكم يوم القيامة تبعثون (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=17ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=19فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=21وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=22وعليها وعلى الفلك تحملون (22)
.
[ ص: 2452 ] هذه سورة "المؤمنون".. اسمها يدل عليها. ويحدد موضوعها.. فهي تبدأ بصفة المؤمنين، ثم يستطرد السياق فيها إلى دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق. ثم إلى حقيقة الإيمان كما عرضها رسل الله - صلوات الله عليهم - من لدن
نوح - عليه السلام - إلى
محمد خاتم الرسل والنبيين; وشبهات المكذبين حول هذه الحقيقة واعتراضاتهم عليها، ووقوفهم في وجهها، حتى يستنصر الرسل بربهم، فيهلك المكذبين، وينجي المؤمنين..
ثم يستطرد إلى اختلاف الناس - بعد الرسل - في تلك الحقيقة الواحدة التي لا تتعدد.. ومن هنا يتحدث عن موقف المشركين من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويستنكر هذا الموقف الذي ليس له مبرر.. وتنتهي السورة بمشهد من مشاهد القيامة يلقون فيه عاقبة التكذيب، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب، يختم بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران..
فهي سورة "المؤمنون" أو هي سورة الإيمان، بكل قضاياه ودلائله وصفاته. وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل.
ويمضي سياق السورة في أربعة أشواط:
يبدأ الشوط الأول بتقرير الفلاح للمؤمنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون .. ويبين صفات المؤمنين هؤلاء الذين كتب لهم الفلاح.. ويثني بدلائل الإيمان في الأنفس والآفاق، فيعرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا متوسعا في عرض أطوار الجنين، مجملا في عرض المراحل الأخرى.. ثم يتابع خط الحياة البشرية إلى البعث يوم القيامة.. وبعد ذلك ينتقل من الحياة الإنسانية إلى الدلائل الكونية:
في خلق السماء، وفي إنزال الماء، وفي إنبات الزرع والثمار. ثم إلى الأنعام المسخرة للإنسان; والفلك التي يحمل عليها وعلى الحيوان.
فأما الشوط الثاني فينتقل من دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق إلى حقيقة الإيمان. حقيقته الواحدة التي توافق عليها الرسل دون استثناء:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .. قالها
نوح - عليه السلام - وقالها كل من جاء بعده من الرسل، حتى انتهت إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان اعتراض المكذبين دائما:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24ما هذا إلا بشر مثلكم! ..
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24ولو شاء الله لأنزل ملائكة .. وكان اعتراضهم كذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون؟ .. وكانت العاقبة دائما أن يلجأ الرسل إلى ربهم يطلبون نصره، وأن يستجيب الله لرسله، فيهلك المكذبين.. وينتهي الشوط بنداء للرسل جميعا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم، nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون .
والشوط الثالث يتحدث عن تفرق الناس - بعد الرسل - وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة. التي جاءوا بها:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون . وعن غفلتهم عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع. بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم، يعبدونه ولا يشركون به، وهم مع ذلك دائموا الخوف والحذر
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=60وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون .. وهنا يرسم مشهدا لأولئك الغافلين المغرورين يوم يأخذهم العذاب فإذا هم يجأرون; فيأخذهم التوبيخ والتأنيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=66قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون، nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مستكبرين به سامرا تهجرون .. ويستنكر السياق موقفهم العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه; وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجرا. فماذا ينكرون منه ومن
[ ص: 2453 ] الحق الذي جاءهم به؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض. وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث، ويزعمون لله ولدا سبحانه! ويشركون به آلهة أخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92فتعالى عما يشركون .
والشوط الأخير يدعهم وشركهم وزعمهم; ويتوجه بالخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع السيئة بالتي هي أحسن ، وأن يستعيذ بالله من الشياطين، فلا يغضب ولا يضيق صدره بما يقولون..
وإلى جوار هذا مشهد من مشاهد القيامة يصور ما ينتظرهم هناك من عذاب ومهانة وتأنيب.. وتختم السورة بتنزيه الله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم . وبنفي الفلاح عن الكافرين في مقابل تقرير الفلاح في أول السورة للمؤمنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه، إنه لا يفلح الكافرون . وبالتوجه إلى الله طلبا للرحمة والغفران:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=118وقل: رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين .
جو السورة كلها هو جو البيان والتقرير، وجو الجدل الهادئ، والمنطق الوجداني، واللمسات الموحية للفكر والضمير. والظل الذي يغلب عليها هو الظل الذي يلقيه موضوعها.. الإيمان.. ففي مطلعها مشهد الخشوع في الصلاة:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون . وفي صفات المؤمنين في وسطها:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=60والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون .. وفي اللمسات الوجدانية:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=78وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون .
وكلها مظللة بذلك الظل الإيماني اللطيف.
[ ص: 2448 ] [ ص: 2449 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَتَا
الْمُؤْمِنُونَ وَالنُّورِ
الْجُزْءُ الثَّامِنَ عَشَرَ
[ ص: 2451 ] (23)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٌ
بِسْمَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=34135_19080_27140_19137_24589_25353_30415_29680_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=3وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=7فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=8وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=9وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=10أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=11الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=13ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=15ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=16ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=17وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=19فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=21وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=22وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)
.
[ ص: 2452 ] هَذِهِ سُورَةُ "الْمُؤْمِنُونَ".. اسْمُهَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَيُحَدِّدُ مَوْضُوعَهَا.. فَهِيَ تَبْدَأُ بِصِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ السِّيَاقُ فِيهَا إِلَى دَلَائِلِ الْإِيمَانِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ. ثُمَّ إِلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ كَمَا عَرَضَهَا رُسُلُ اللَّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِنْ لَدُنْ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى
مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَالنَّبِيِّينَ; وَشُبَهَاتِ الْمُكَذِّبِينَ حَوْلَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَاعْتِرَاضَاتِهِمْ عَلَيْهَا، وَوُقُوفِهِمْ فِي وَجْهِهَا، حَتَّى يَسْتَنْصِرَ الرُّسُلُ بِرَبِّهِمْ، فَيُهْلِكُ الْمُكَذِّبِينَ، وَيُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ..
ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ إِلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ - بَعْدَ الرُّسُلِ - فِي تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي لَا تَتَعَدَّدُ.. وَمِنْ هُنَا يَتَحَدَّثُ عَنْ مَوْقِفِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْتَنْكِرُ هَذَا الْمَوْقِفَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُبَرِّرٌ.. وَتَنْتَهِي السُّورَةُ بِمَشْهَدٍ مِنْ مَشَاهِدِ الْقِيَامَةِ يَلْقَوْنَ فِيهِ عَاقِبَةَ التَّكْذِيبِ، وَيُؤَنَّبُونَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْمُرِيبِ، يَخْتِمُ بِتَعْقِيبٍ يُقَرِّرُ التَّوْحِيدَ الْمُطْلَقَ وَالتَّوَجُّهَ إِلَى اللَّهِ بِطَلَبِ الرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ..
فَهِيَ سُورَةُ "الْمُؤْمِنُونَ" أَوْ هِيَ سُورَةُ الْإِيمَانِ، بِكُلِّ قَضَايَاهُ وَدَلَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ. وَهُوَ مَوْضُوعُ السُّورَةِ وَمِحْوَرِهَا الْأَصِيلِ.
وَيَمْضِي سِيَاقُ السُّورَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ:
يَبْدَأُ الشَّوْطُ الْأَوَّلُ بِتَقْرِيرِ الْفَلَّاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ .. وَيُبَيِّنُ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كُتِبَ لَهُمُ الْفَلَاحُ.. وَيُثَنِّي بِدَلَائِلِ الْإِيمَانِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ، فَيَعْرِضُ أَطْوَارَ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مُنْذُ نَشْأَتِهَا الْأُولَى إِلَى نِهَايَتِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مُتَوَسِّعًا فِي عَرْضِ أَطْوَارِ الْجَنِينِ، مُجْمِلًا فِي عَرْضِ الْمَرَاحِلِ الْأُخْرَى.. ثُمَّ يُتَابِعُ خَطَّ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ مِنَ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى الدَّلَائِلِ الْكَوْنِيَّةِ:
فِي خَلْقِ السَّمَاءِ، وَفِي إِنْزَالِ الْمَاءِ، وَفِي إِنْبَاتِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ. ثُمَّ إِلَى الْأَنْعَامِ الْمُسَخَّرَةِ لِلْإِنْسَانِ; وَالْفُلْكِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحَيَوَانِ.
فَأَمَّا الشَّوْطُ الثَّانِي فَيَنْتَقِلُ مِنْ دَلَائِلَ الْإِيمَانِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ إِلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ. حَقِيقَتُهُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي تُوَافِقُ عَلَيْهَا الرُّسُلُ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59يَا قَوْمٍ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إله غَيْرُهُ .. قَالَهَا
نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَهَا كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الرُّسُلِ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ اعْتِرَاضُ الْمُكَذِّبِينَ دَائِمًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ! ..
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً .. وَكَانَ اعْتِرَاضُهُمْ كَذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ؟ .. وَكَانَتِ الْعَاقِبَةُ دَائِمًا أَنْ يَلْجَأَ الرُّسُلُ إِلَى رَبِّهِمْ يَطْلُبُونَ نَصْرَهُ، وَأَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لِرُسُلِهِ، فَيُهْلِكُ الْمُكَذِّبِينَ.. وَيَنْتَهِي الشَّوْطُ بِنِدَاءٍ لِلرُّسُلِ جَمِيعًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ .
وَالشَّوْطُ الثَّالِثُ يَتَحَدَّثُ عَنْ تَفَرُّقِ النَّاسِ - بَعْدَ الرُّسُلِ - وَتَنَازُعِهِمْ حَوْلَ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ. الَّتِي جَاءُوا بِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . وَعَنْ غَفْلَتِهِمْ عَنِ ابْتِلَاءِ اللَّهِ لَهُمْ بِالنِّعْمَةِ، وَاغْتِرَارِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ مَتَاعٍ. بَيْنَمَا الْمُؤْمِنُونَ مُشْفِقُونَ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ، يَعْبُدُونَهُ وَلَا يُشْرِكُونَ بِهِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ دَائِمُوا الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=60وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ .. وَهُنَا يَرْسُمُ مَشْهَدًا لِأُولَئِكَ الْغَافِلِينَ الْمَغْرُورِينَ يَوْمَ يَأْخُذُهُمُ الْعَذَابُ فَإِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ; فَيَأْخُذُهُمُ التَّوْبِيخُ وَالتَّأْنِيبُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=66قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ .. وَيَسْتَنْكِرُ السِّيَاقُ مَوْقِفَهُمُ الْعَجِيبُ مِنْ رَسُولِهِمُ الْأَمِينِ، وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ وَلَا يُنْكِرُونَهُ; وَقَدْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ لَا يَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا. فَمَاذَا يُنْكِرُونَ مِنْهُ وَمِنَ
[ ص: 2453 ] الْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ؟ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ بِمَلَكِيَّةِ اللَّهِ لِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَسَيْطَرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَبَعْدَ هَذَا التَّسْلِيمِ هُمْ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ، وَيَزْعُمُونَ لِلَّهِ وَلَدًا سُبْحَانَهُ! وَيُشْرِكُونَ بِهِ آلِهَةً أُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
وَالشَّوْطُ الْأَخِيرُ يَدَعُهُمْ وَشِرْكَهُمْ وَزَعْمَهُمْ; وَيُتَوَّجُهُ بِالْخِطَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْفَعَ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَغْضَبُ وَلَا يَضِيقُ صَدْرُهُ بِمَا يَقُولُونَ..
وَإِلَى جِوَارِ هَذَا مَشْهَدٌ مِنْ مَشَاهِدِ الْقِيَامَةِ يُصَوِّرُ مَا يَنْتَظِرُهُمْ هُنَاكَ مِنْ عَذَابٍ وَمَهَانَةٍ وَتَأْنِيبٍ.. وَتُخْتَمُ السُّورَةُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ . وَبِنَفْيِ الْفَلَاحِ عَنِ الْكَافِرِينَ فِي مُقَابِلِ تَقْرِيرِ الْفَلَاحِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ . وَبِالتَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ طَلَبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=118وَقُلْ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ .
جَوُّ السُّورَةِ كُلُّهَا هُوَ جَوُّ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيرِ، وَجَوُّ الْجَدَلِ الْهَادِئِ، وَالْمَنْطِقِ الْوِجْدَانِيِّ، وَاللَّمَسَاتِ الْمُوحِيَةِ لِلْفِكْرِ وَالضَّمِيرِ. وَالظِّلُّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يُلْقِيهِ مَوْضُوعُهَا.. الْإِيمَانُ.. فَفِي مَطْلَعِهَا مَشْهَدُ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَفِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي وَسَطِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=60وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ .. وَفِي اللَّمَسَاتِ الْوِجْدَانِيَّةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=78وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ .
وَكُلُّهَا مُظَلَّلَةٌ بِذَلِكَ الظِّلِّ الْإِيمَانِيِّ اللَّطِيفِ.