[ ص: 2717 ] (29)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة العنكبوت مكية وآياتها تسع وستون
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=29000_32450nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم (1) nindex.php?page=treesubj&link=29000_34308nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=7والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون (13)
[ ص: 2718 ] سورة العنكبوت مكية. وقد ذكرت بعض الروايات أن الإحدى عشرة آية الأولى مدنية. وذلك لذكر "الجهاد" فيها وذكر "المنافقين". ولكننا نرجح أن السورة كلها مكية، وقد ورد في سبب نزول الآية الثامنة أنها نزلت في إسلام
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص كما سيجيء، وإسلام سعد كان في
مكة بلا جدال، وهذه الآية ضمن الآيات الإحدى عشرة التي قيل: إنها مدنية، لذلك نرجح مكية الآيات كلها، أما تفسير ذكر الجهاد فيها فيسير؛ لأنها واردة بصدد الجهاد ضد الفتنة، أي: جهاد النفس لتصبر ولا تفتن، وهذا واضح في السياق، وكذلك ذكر النفاق فقد جاء بصدد تصوير حالة نموذج من الناس.
والسورة كلها متماسكة في خط واحد منذ البدء إلى الختام.
إنها تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان والفتنة; وعن تكاليف الإيمان الحقة التي تكشف عن معدنه في النفوس، فليس الإيمان كلمة تقال باللسان، إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف في طريق هذه الكلمة المحفوفة بالمكاره والتكاليف.
ويكاد هذا أن يكون محور السورة وموضوعها; فإن سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص
نوح وإبراهيم ولوطا وشعيب، وقصص
عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان، استعراضا سريعا يصور ألوانا من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان، على امتداد الأجيال.
ثم يعقب على هذا القصص وما تكشف فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى، بالتصغير من قيمة هذه القوى والتهوين من شأنها، وقد أخذها الله جميعا:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا ..
ويضرب لهذه القوى كلها مثلا مصورا يجسم وهنهنا وتفاهتها:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون .
ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض; ثم يوحد بين تلك الدعوات جميعا ودعوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - فكلها من عند الله، وكلها دعوة واحدة إلى الله، ومن ثم يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال المشركين له; وهم يطلبون الخوارق غير مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون، ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، ويتناقضون في منطقهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ... ليقولن الله! ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله! ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين .. ولكنهم مع هذا كله يشركون بالله ويفتنون المؤمنين.
وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة، غير خائفين من الموت، إذ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=57كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون . غير خائفين من فوات الرزق:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ..
ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين .. فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة، وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام، حول محورها الأول وموضوعها الأصيل.
[ ص: 2719 ] ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور الواحد في ثلاثة أشواط:
الشوط الأول: يتناول حقيقة الإيمان، وسنة الابتلاء والفتنة، ومصير المؤمنين والمنافقين والكافرين، ثم فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئا يوم القيامة:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ..
والشوط الثاني: يتناول القصص الذي أشرنا إليه، وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة، والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله، ويتحدث عن الحق الكامن في دعوة الرسل، وهو ذاته لحق الكامن في خلق السماوات والأرض، وكله من عند الله.
والشوط الثالث: يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى، إلا الذين ظلموا منهم، وعن وحدة الدين كله، واتحاده مع هذا الدين الأخير الذي يجحد به الكافرون، ويجادل فيه المشركون، ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله المهديين إلى سبل الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وإن الله لمع المحسنين ..
ويتخلل السورة من المطلع إلى الختام إيقاعات قوية عميقة حول معنى الإيمان وحقيقته، تهز الوجدان هزا، وتقفه أمام تكاليف الإيمان وقفة جد صارم; فإما النهوض بها وإما النكوص عنها، وإلا فهو النفاق الذي يفضحه الله.
وهي إيقاعات لا سبيل إلى تصويرها بغير النصوص القرآنية التي وردت فيها، فنكتفي بالإشارة إليها هنا حتى نستعرضها في موضعها مع السياق.
"ألف. لام. ميم" ..
الحروف المقطعة التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أنها مادة الكتاب الذي أنزله الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مؤلفا من مثل هذه الحروف، المألوفة للقوم، الميسرة لهم ليؤلفوا منها ما يشاؤون من القول; ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب؛ لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان.
وقد قلنا من قبل: إن السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثا عن القرآن، إما مباشرة بعد هذه الحروف، وإما في ثنايا السورة، كما هو الحال في هذه السورة، فقد ورد فيها:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45اتل ما أوحي إليك من الكتاب ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=47وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم .. مما يتمشى مع القاعدة التي اخترناها لتفسير هذه الأحرف في افتتاح السور.
[ ص: 2717 ] (29)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَسِتُّونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=29000_32450nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم (1) nindex.php?page=treesubj&link=29000_34308nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=7وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مَنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهِ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالَهُمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
[ ص: 2718 ] سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرَتْ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً الْأُولَى مَدَنِيَّةٌ. وَذَلِكَ لِذِكْرِ "الْجِهَادِ" فِيهَا وَذِكْرُ "الْمُنَافِقِينَ". وَلَكِنَّنَا نُرَجِّحُ أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي إِسْلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍ كَمَا سَيَجِيءُ، وَإِسْلَامُ سَعْدٍ كَانَ فِي
مَكَّةَ بِلَا جِدَالٍ، وَهَذِهِ الْآيَةُ ضِمْنَ الْآيَاتِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ الَّتِي قِيلَ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، لِذَلِكَ نُرَجِّحُ مَكِّيَّةَ الْآيَاتِ كُلَّهَا، أَمَّا تَفْسِيرُ ذُكِرِ الْجِهَادِ فِيهَا فَيَسِيرٌ؛ لِأَنَّهَا وَارِدَةٌ بِصَدَدِ الْجِهَادِ ضِدَّ الْفِتْنَةِ، أَيْ: جِهَادُ النَّفْسِ لِتَصْبِرَ وَلَا تُفْتَنَ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي السِّيَاقِ، وَكَذَلِكَ ذِكْرُ النِّفَاقِ فَقَدْ جَاءَ بِصَدَدِ تَصْوِيرِ حَالَةِ نَمُوذَجٍ مِنَ النَّاسِ.
وَالسُّورَةُ كُلُّهَا مُتَمَاسِكَةٌ فِي خَطٍّ وَاحِدٍ مُنْذُ الْبَدْءِ إِلَى الْخِتَامِ.
إِنَّهَا تَبْدَأُ بَعْدَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ بِالْحَدِيثِ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْفِتْنَةِ; وَعَنْ تَكَالِيفِ الْإِيمَانِ الْحَقَّةِ الَّتِي تَكْشِفُ عَنْ مَعْدِنِهِ فِي النُّفُوسِ، فَلَيْسَ الْإِيمَانُ كَلِمَةٌ تُقَالُ بِاللِّسَانِ، إِنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمَكَارِهِ وَالتَّكَالِيفِ فِي طَرِيقِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَحْفُوفَةِ بِالْمَكَارِهِ وَالتَّكَالِيفِ.
وَيَكَادُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مِحْوَرُ السُّورَةِ وَمَوْضُوعُهَا; فَإِنَّ سِيَاقَهَا يَمْضِي بَعْدَ ذَلِكَ الْمَطْلَعِ يَسْتَعْرِضُ قَصَصَ
نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا وَشُعَيْبَ، وَقَصَصَ
عَادٍ وَثَمُودَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ، اسْتِعْرَاضًا سَرِيعًا يُصَوِّرُ أَلْوَانًا مِنَ الْعَقَبَاتِ وَالْفِتَنِ فِي طَرِيقِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ، عَلَى امْتِدَادِ الْأَجْيَالِ.
ثُمَّ يُعَقِّبُ عَلَى هَذَا الْقَصَصِ وَمَا تَكْشِفُ فِيهِ مِنْ قُوَى مَرْصُودَةٍ فِي وَجْهِ الْحَقِّ وَالْهُدَى، بِالتَّصْغِيرِ مِنْ قِيمَةِ هَذِهِ الْقُوَى وَالتَّهْوِينِ مِنْ شَأْنِهَا، وَقَدْ أَخَذَهَا اللَّهُ جَمِيعًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ..
وَيَضْرِبُ لِهَذِهِ الْقُوَى كُلِّهَا مَثَلًا مُصَوَّرًا يُجَسِّمُ وَهَنَهَنَا وَتَفَاهَتِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .
وَيَرْبِطُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ الْحَقِّ الَّذِي فِي تِلْكَ الدَّعَوَاتِ وَالْحَقِّ الَّذِي فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ; ثُمَّ يُوَحِّدُ بَيْنَ تِلْكَ الدَّعَوَاتِ جَمِيعًا وَدَعْوَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكُلُّهَا دَعْوَةٌ وَاحِدَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَمْضِي فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْكِتَابِ الْأَخِيرِ وَعَنِ اسْتِقْبَالِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ; وَهُمْ يَطْلُبُونَ الْخَوَارِقَ غَيْرَ مُكْتَفِينَ بِهَذَا الْكِتَابِ وَمَا فِيهِ مِنْ رَحْمَةٍ وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، وَيَسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لِمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ، وَيَتَنَاقَضُونَ فِي مَنْطِقِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ... لَيَقُولُنَّ اللَّهُ! ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مَنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مَنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ! ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .. وَلَكِنَّهُمْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَيَفْتِنُونَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي ثَنَايَا هَذَا الْجَدَلِ يَدْعُو الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْهِجْرَةِ فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ، غَيْرُ خَائِفِينَ مِنَ الْمَوْتِ، إِذْ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=57كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ . غَيْرُ خَائِفِينَ مِنْ فَوَاتِ الرِّزْقِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ..
وَيَخْتِمُ السُّورَةَ بِتَمْجِيدِ الْمُجَاهِدِينَ فِي اللَّهِ وَطَمْأَنَتِهِمْ عَلَى الْهُدَى وَتَثْبِيتِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .. فَيَلْتَئِمُ الْخِتَامُ مَعَ الْمَطْلَعِ وَتَتَّضِحُ حِكْمَةُ السِّيَاقُ فِي السُّورَةِ، وَتَمَاسُكِ حَلَقَاتِهَا بَيْنَ الْمَطْلَعِ وَالْخِتَامِ، حَوْلَ مِحْوَرِهَا الْأَوَّلِ وَمَوْضُوعِهَا الْأَصِيلِ.
[ ص: 2719 ] وَيَمْضِي سِيَاقُ السُّورَةِ حَوْلَ ذَلِكَ الْمِحْوَرِ الْوَاحِدِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ:
الشَّوْطُ الْأَوَّلُ: يَتَنَاوَلُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ، وَسُنَّةَ الِابْتِلَاءِ وَالْفِتْنَةِ، وَمَصِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، ثُمَّ فَرْدِيَّةَ التَّبِعَةِ فَلَا يَحْمِلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ..
وَالشَّوْطُ الثَّانِي: يَتَنَاوَلُ الْقَصَصُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَمَا يُصَوِّرُهُ مِنْ فِتَنٍ وَعَقَبَاتٍ فِي طَرِيقِ الدَّعَوَاتِ وَالدُّعَاةِ، وَالتَّهْوِينِ مِنْ شَأْنِهَا فِي النِّهَايَةِ حِينَ تُقَاسُ إِلَى قُوَّةِ اللَّهِ، وَيَتَحَدَّثُ عَنِ الْحَقِّ الْكَامِنِ فِي دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَهُوَ ذَاتُهُ لْحَقُّ الْكَامِنُ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَالشَّوْطُ الثَّالِثُ: يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنْ مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِالْحُسْنَى، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، وَعَنْ وَحْدَةِ الدِّينِ كُلِّهِ، وَاتِّحَادِهِ مَعَ هَذَا الدِّينِ الْأَخِيرِ الَّذِي يَجْحَدُ بِهِ الْكَافِرُونَ، وَيُجَادِلُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ، وَيَخْتِمُ بِالتَّثْبِيتِ وَالْبُشْرَى وَالطُّمَأْنِينَةِ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي اللَّهِ الْمَهْدِيِّينَ إِلَى سُبُلِ اللَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ..
وَيَتَخَلَّلُ السُّورَةَ مِنَ الْمَطْلَعِ إِلَى الْخِتَامِ إِيقَاعَاتٌ قَوِيَّةٌ عَمِيقَةٌ حَوْلَ مَعْنَى الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتِهِ، تَهُزُّ الْوِجْدَانَ هَزًّا، وَتَقِفُهُ أَمَامَ تَكَالِيفِ الْإِيمَانِ وَقْفَةٌ جَدُّ صَارِمٌ; فَإِمَّا النُّهُوضَ بِهَا وَإِمَّا النُّكُوصَ عَنْهَا، وَإِلَّا فَهُوَ النِّفَاقُ الَّذِي يَفْضَحُهُ اللَّهُ.
وَهِيَ إِيقَاعَاتٌ لَا سَبِيلَ إِلَى تَصْوِيرِهَا بِغَيْرِ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا، فَنَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا هُنَا حَتَّى نَسْتَعْرِضَهَا فِي مَوْضِعِهَا مَعَ السِّيَاقِ.
"أَلِف. لَام. مِيم" ..
الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ الَّتِي اخْتَرْنَا فِي تَفْسِيرِهَا أَنَّهَا لِلتَّنْبِيهِ إِلَى أَنَّهَا مَادَّةُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَلَّفًا مِنْ مَثَلِ هَذِهِ الْحُرُوفِ، الْمَأْلُوفَةِ لِلْقَوْمِ، الْمُيَسَّرَةُ لَهُمْ لِيُؤَلِّفُوا مِنْهَا مَا يَشَاؤُونَ مِنَ الْقَوْلِ; وَلَكِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يُؤَلِّفُوا مِنْهَا مِثْلَ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ لَا مِنْ صُنْعِ إِنْسَانٍ.
وَقَدْ قُلْنَا مِنْ قَبْلِ: إِنَّ السُّوَرَ الَّتِي صُدِّرَتْ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ تَتَضَمَّنُ حَدِيثًا عَنِ الْقُرْآنِ، إِمَّا مُبَاشَرَةً بَعْدَ هَذِهِ الْحُرُوفِ، وَإِمَّا فِي ثَنَايَا السُّورَةِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَدْ وَرَدَ فِيهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=47وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ .. مِمَّا يَتَمَشَّى مَعَ الْقَاعِدَةِ الَّتِي اخْتَرْنَاهَا لِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فِي افْتِتَاحِ السُّورِ.