nindex.php?page=treesubj&link=29000_29680_30386_30387_30401_30415_30495_30531_34134_34135_34141nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=58والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها .
وهنا يهتف لهم بالعمل والصبر والتوكل على الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=58نعم أجر العاملين، nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=59الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ..
وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب، في موقف القلقلة والخوف والحاجة إلى التثبيت والتشجيع.
ثم يهجس في النفس خاطر القلق على الرزق، بعد مغادرة الوطن والمال ومجال العمل والنشاط المألوف، وأسباب الرزق المعلومة، فلا يدع هذا الخاطر دون لمسة تقر لها القلوب:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وكأين من دابة لا تحمل رزقها، الله يرزقها وإياكم .
لمسة توقظ قلوبهم إلى الواقع المشهود في حياتهم، فكم من دابة لا تحصل رزقها ولا تجمعه ولا تحمله ولا تهتم به، ولا تعرف كيف توفره لنفسها، ولا كيف تحتفظ به معها، ومع هذا فإن الله يرزقها ولا يدعها تموت جوعا؛ وكذلك يرزق الناس، ولو خيل إليهم أنهم يخلقون رزقهم وينشئونه؛ إنما يهبهم الله وسيلة الرزق وأسبابه، وهذه الهبة في ذاتها رزق من الله، لا سبيل لهم إليه إلا بتوفيق الله. فلا مجال للقلق على الرزق عند الهجرة؛ فهم عباد الله يهاجرون إلى أرض الله يرزقهم الله حيث كانوا؛ كما يرزق الدابة لا تحمل رزقها، ولكن الله يرزقها ولا يدعها.
ويختم هذه اللمسات الرفيقة العميقة بوصلهم بالله، وإشعارهم برعايته وعنايته، فهو يسمع لهم ويعلم حالهم، ولا يدعهم وحدهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وهو السميع العليم ..
وتنتهي هذه الجولة القصيرة; وقد لمست كل حنية في تلك القلوب; ولبت كل خاطر هجس فيها في لحظة
[ ص: 2750 ] الخروج. وقد تركت مكان كل مخافة طمأنينة، ومكان كل قلق ثقة، ومكان كل تعب راحة. وقد هدهدت تلك القلوب وغمرتها بشعور القربى والرعاية والأمان في كنف الله الرحيم المنان.
ألا إنه لا يدرك هواجس القلوب هكذا إلا خالق القلوب. ولا يداوي القلوب هكذا إلا الذي يعلم ما في القلوب.
وبعد هذه الجولة مع المؤمنين يرتد السياق إلى التناقض في موقف المشركين وتصوراتهم. فهم يقرون بخلق الله للسماوات والأرض وتسخيره للشمس والقمر، وإنزاله الماء من السماء وإحيائه الأرض بعد موتها. وما يتضمنه هذا من بسط الرزق لهم أو تضييقه عليهم. وهم يتوجهون لله وحده بالدعاء عند الخوف.. ثم هم بعد ذلك كله يشركون بالله، ويؤذون من يعبدونه وحده، ويفتنونهم عن عقيدتهم التي لا تناقض فيها ولا اضطراب، وينسون نعمة الله عليهم في تأمينهم في
البيت الحرام، وهم يروعون عباده في بيته الحرام:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=61ولئن سألتهم: من خلق السماوات والأرض، وسخر الشمس والقمر ليقولن: الله. فأنى يؤفكون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إن الله بكل شيء عليم. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63ولئن سألتهم: من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن: الله. قل: الحمد لله، بل أكثرهم لا يعقلون. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، لو كانوا يعلمون. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين. فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون، nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم؟ أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=68ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه؟ أليس في جهنم مثوى للكافرين؟ ..
وهذه الآيات ترسم صورة لعقيدة
العرب إذ ذاك; وتوحي بأنه كان لها أصل من التوحيد; ثم وقع فيها الانحراف. ولا عجب في هذا فهم من أبناء
إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - وقد كانوا بالفعل يعتقدون أنهم على دين
إبراهيم، وكانوا يعتزون بعقيدتهم على هذا الأساس، ولم يكونوا يحفلون كثيرا بالديانة الموسوية أو المسيحية وهما معهم في
الجزيرة العربية، اعتزازا منهم بأنهم على دين إبراهيم. غير منتبهين إلى ما صارت إليه عقيدتهم من التناقض والانحراف.
كانوا إذا سئلوا عن خالق السماوات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، ومنزل الماء من السماء، ومحيي الأرض بعد موتها بهذا الماء.. يقرون أن صانع هذا كله هو الله. ولكنهم مع هذا يعبدون أصنامهم، أو يعبدون الجن، أو يعبدون الملائكة، ويجعلونهم شركاء لله في العبادة، وإن لم يجعلوهم شركاء له في الخلق.. هو تناقض عجيب. تناقض يعجب الله منه في هذه الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=61فأنى يؤفكون؟ أي: كيف يصرفون عن الحق إلى هذا التخليط العجيب؟
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63بل أكثرهم لا يعقلون فليس يعقل من يقبل عقله هذا التخليط!
وبين السؤال عن خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر، والسؤال عن منزل الماء من السماء ومحيي الأرض بعد موتها. يقرر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له فيربط سنة الرزق بخلق السماوات والأرض وسائر آثار القدرة والخلق، ويكل هذا إلى علم الله بكل شيء:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62إن الله بكل شيء عليم ..
والرزق ظاهر الارتباط بدورة الأفلاك وعلاقتها بالحياة والماء والزرع والإنبات. وبسط الرزق وتضييقه بيد الله وفق الأوضاع والظواهر العامة المذكورة في الآيات. فموارد الرزق من ماء ينزل، وأنهار تجري، وزروع تنبت، وحيوان يتكاثر، ومن معادن وفلزات في جوف الأرض، وصيد في البر والبحر.. إلى
[ ص: 2751 ] نهاية موارد الرزق العامة، تتبع كلها نواميس السماوات والأرض وتسخير الشمس والقمر تبعية مباشرة ظاهرة. ولو تغيرت تلك النواميس عما هي عليه أدنى تغيير لظهر أثر هذا في الحياة كلها على سطح الأرض، وفي المخبوء فيها من الثروات الطبيعية الأخرى، سواء بسواء. فحتى هذا المخبوء في جوف الأرض إنما يتم تكوينه وتخزينه واختلافه من مكان إلى مكان وفق أسباب من طبيعة الأرض ومن مجموعة تأثراتها بالشمس والقمر !
والقرآن يجعل الكون الكبير ومشاهده العظيمة هي برهانه وحجته، وهي مجال النظر والتدبر للحق الذي جاء به. ويقف القلب أمام هذا الكون وقفة المتفكر المتدبر، اليقظ لعجائبه، الشاعر بيد الصانع وقدرته، المدرك لنواميسه الهائلة، بلفتة هادئة يسيرة، لا تحتاج إلى علم شاق عسير، إنما تحتاج إلى حس يقظ وقلب بصير. وكلما جلا آية من آيات الله في الكون وقف أمامها يسبح بحمد الله ويربط القلوب بالله:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63قل الحمد لله. بل أكثرهم لا يعقلون! .
وبمناسبة الحديث عن الحياة في الأرض وعن الرزق والبسط فيه والقبض، يضع أمامه الميزان الدقيق للقيم كلها. فإذا الحياة الدنيا بأرزاقها ومتاعها لهو ولعب حين تقاس بالحياة في الدار الآخرة:
nindex.php?page=treesubj&link=29000_29680_30386_30387_30401_30415_30495_30531_34134_34135_34141nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=58وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنَ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا .
وَهُنَا يَهْتِفُ لَهُمْ بِالْعَمَلِ وَالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=58نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ، nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=59الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ..
وَهِيَ لَمْسَةُ التَّثْبِيتِ وَالتَّشْجِيعِ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ، فِي مَوْقِفِ الْقَلْقَلَةِ وَالْخَوْفِ وَالْحَاجَةِ إِلَى التَّثْبِيتِ وَالتَّشْجِيعِ.
ثُمَّ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ خَاطِرُ الْقَلِقِ عَلَى الرِّزْقِ، بَعْدَ مُغَادَرَةِ الْوَطَنِ وَالْمَالِ وَمَجَالِ الْعَمَلِ وَالنَّشَاطِ الْمَأْلُوفِ، وَأَسْبَابِ الرِّزْقِ الْمَعْلُومَةِ، فَلَا يَدْعُ هَذَا الْخَاطِرَ دُونَ لَمْسَةٍ تُقِرُّ لَهَا الْقُلُوبَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ .
لَمْسَةٌ تُوقِظُ قُلُوبَهُمْ إِلَى الْوَاقِعِ الْمَشْهُودِ فِي حَيَاتِهِمْ، فَكَمْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تُحَصِّلُ رِزْقَهَا وَلَا تَجَمَعُهُ وَلَا تَحَمِلُهُ وَلَا تَهْتَمُّ بِهِ، وَلَا تَعْرِفُ كَيْفَ تُوَفِّرُهُ لِنَفْسِهَا، وَلَا كَيْفَ تَحْتَفِظُ بِهِ مَعَهَا، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهَا وَلَا يَدَعُهَا تَمُوتُ جُوعًا؛ وَكَذَلِكَ يَرْزُقُ النَّاسَ، وَلَوْ خُيِّلَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ رِزْقَهُمْ وَيُنْشِئُونَهُ؛ إِنَّمَا يَهَبُهُمُ اللَّهُ وَسِيلَةَ الرِّزْقِ وَأَسْبَابَهُ، وَهَذِهِ الْهِبَةُ فِي ذَاتِهَا رِزْقٌ مِنَ اللَّهِ، لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ. فَلَا مَجَالَ لِلْقَلَقِ عَلَى الرِّزْقِ عِنْدَ الْهِجْرَةِ؛ فَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ يُهَاجِرُونَ إِلَى أَرْضِ اللَّهِ يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ حَيْثُ كَانُوا؛ كَمَا يَرْزُقُ الدَّابَّةَ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهَا وَلَا يَدَعُهَا.
وَيَخْتِمُ هَذِهِ اللَّمَسَاتِ الرَّفِيقَةِ الْعَمِيقَةِ بِوَصْلِهِمْ بِاللَّهِ، وَإِشْعَارِهِمْ بِرِعَايَتِهِ وَعِنَايَتِهِ، فَهُوَ يَسْمَعُ لَهُمْ وَيَعْلَمُ حَالَهُمْ، وَلَا يَدَعُهُمْ وَحْدَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ..
وَتَنْتَهِي هَذِهِ الْجَوْلَةُ الْقَصِيرَةُ; وَقَدْ لَمَسَتْ كُلَّ حَنِيَّةٍ فِي تِلْكَ الْقُلُوبِ; وَلَبَّتْ كُلَّ خَاطِرٍ هَجَسَ فِيهَا فِي لَحْظَةِ
[ ص: 2750 ] الْخُرُوجُ. وَقَدْ تَرَكَتْ مَكَانَ كُلِّ مَخَافَةِ طُمَأْنِينَةً، وَمَكَانَ كُلِّ قَلَقٍ ثِقَةً، وَمَكَانَ كُلِّ تَعَبٍ رَاحَةً. وَقَدْ هَدْهَدَتْ تِلْكَ الْقُلُوبَ وَغَمَرَتْهَا بِشُعُورِ الْقُرْبَى وَالرِّعَايَةِ وَالْأَمَانِ فِي كَنَفِ اللَّهِ الرَّحِيمِ الْمَنَّانِ.
أَلَّا إِنَّهُ لَا يُدْرِكُ هَوَاجِسَ الْقُلُوبِ هَكَذَا إِلَّا خَالِقُ الْقُلُوبِ. وَلَا يُدَاوِي الْقُلُوبَ هَكَذَا إِلَّا الَّذِي يَعْلَمُ مَا فِي الْقُلُوبِ.
وَبَعْدَ هَذِهِ الْجَوْلَةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يَرْتَدُّ السِّيَاقُ إِلَى التَّنَاقُضِ فِي مَوْقِفِ الْمُشْرِكِينَ وَتَصَوُّرَاتِهِمْ. فَهُمْ يُقِرُّونَ بِخَلْقِ اللَّهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَإِنْزَالِهِ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ وَإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَمَا يَتَضَمَّنُهُ هَذَا مِنْ بَسْطِ الرِّزْقِ لَهُمْ أَوْ تَضْيِيقِهِ عَلَيْهِمْ. وَهُمْ يَتَوَجَّهُونَ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ الْخَوْفِ.. ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَيُؤْذُونَ مَنْ يَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ، وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ عَقِيدَتِهِمُ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا وَلَا اضْطِرَابَ، وَيَنْسَوْنَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي تَأْمِينِهِمْ فِي
الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَهُمْ يُرَوِّعُونَ عِبَادَهُ فِي بَيْتِهِ الْحَرَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=61وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ. فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ، إِنَّ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ: مَنْ نَزَّلَ مَنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مَنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ. قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ، وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؟ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=68وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ؟ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ؟ ..
وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَرْسُمُ صُورَةً لِعَقِيدَةِ
الْعَرَبِ إِذْ ذَاكَ; وَتُوحِي بِأَنَّهُ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنَ التَّوْحِيدِ; ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا الِانْحِرَافُ. وَلَا عَجَبَ فِي هَذَا فَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَقَدْ كَانُوا بِالْفِعْلِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ، وَكَانُوا يَعْتَزُّونَ بِعَقِيدَتِهِمْ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَحْفُلُونَ كَثِيرًا بِالدِّيَانَةِ الْمُوسَوِيَّةِ أَوِ الْمَسِيحِيَّةِ وَهُمَا مَعَهُمْ فِي
الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ، اعْتِزَازًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ. غَيْرَ مُنْتَبِهِينَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ عَقِيدَتُهُمْ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالِانْحِرَافِ.
كَانُوا إِذَا سُئِلُوا عَنْ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمُسَخَّرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَمُنْزِلِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ، وَمُحْيِيِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِهَذَا الْمَاءِ.. يُقِرُّونَ أَنَّ صَانِعَ هَذَا كُلِّهِ هُوَ اللَّهُ. وَلَكِنَّهُمْ مَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ أَصْنَامَهُمْ، أَوْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ، أَوْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَيَجْعَلُونَهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ فِي الْخَلْقِ.. هُوَ تَنَاقُضٌ عَجِيبٌ. تَنَاقُضٌ يَعْجَبُ اللَّهُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=61فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؟ أَيْ: كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى هَذَا التَّخْلِيطِ الْعَجِيبِ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ فَلَيْسَ يَعْقِلُ مَنْ يَقْبَلُ عَقْلُهُ هَذَا التَّخْلِيطَ!
وَبَيْنَ السُّؤَالِ عَنْ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُسَخَّرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالسُّؤَالِ عَنْ مُنْزِلِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ وَمُحْيِيِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا. يُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ فَيَرْبُطُ سُنَّةَ الرِّزْقِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَائِرِ آثَارِ الْقُدْرَةِ وَالْخَلْقِ، وَيَكِلُ هَذَا إِلَى عِلْمِ اللَّهِ بِكُلِّ شَيْءٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ..
وَالرِّزْقُ ظَاهِرُ الِارْتِبَاطِ بِدَوْرَةِ الْأَفْلَاكِ وَعَلَاقَتِهَا بِالْحَيَاةِ وَالْمَاءِ وَالزَّرْعِ وَالْإِنْبَاتِ. وَبَسْطُ الرِّزْقِ وَتَضْيِيقُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَفْقَ الْأَوْضَاعِ وَالظَّوَاهِرِ الْعَامَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَاتِ. فَمَوَارِدُ الرِّزْقِ مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ، وَأَنْهَارٍ تَجْرِي، وَزُرُوعٍ تَنْبُتُ، وَحَيَوَانٍ يَتَكَاثَرُ، وَمِنْ مَعَادِنَ وَفِلِزَّاتٍ فِي جَوْفِ الْأَرْضِ، وَصَيْدٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.. إِلَى
[ ص: 2751 ] نِهَايَةِ مَوَارِدِ الرِّزْقِ الْعَامَّةِ، تَتْبَعُ كُلُّهَا نَوَامِيسَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَتَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تَبَعِيَّةً مُبَاشِرَةً ظَاهِرَةً. وَلَوْ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ النَّوَامِيسُ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ أَدْنَى تَغْيِيرٍ لَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا فِي الْحَيَاةِ كُلِّهَا عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ، وَفِي الْمَخْبُوءِ فِيهَا مِنَ الثَّرَوَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ الْأُخْرَى، سَوَاءً بِسَوَاءٍ. فَحَتَّى هَذَا الْمَخْبُوءِ فِي جَوْفِ الْأَرْضِ إِنَّمَا يَتِمُّ تَكْوِينُهُ وَتَخْزِينُهُ وَاخْتِلَافُهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَفْقَ أَسْبَابٍ مِنْ طَبِيعَةِ الْأَرْضِ وَمِنْ مَجْمُوعَةِ تَأَثُّرَاتِهَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ !
وَالْقُرْآنُ يَجْعَلُ الْكَوْنَ الْكَبِيرَ وَمَشَاهِدَهُ الْعَظِيمَةَ هِيَ بُرْهَانُهُ وَحُجَّتُهُ، وَهِيَ مَجَالُ النَّظَرِ وَالتَّدَبُّرِ لِلْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ. وَيَقِفُ الْقَلْبُ أَمَامَ هَذَا الْكَوْنِ وَقْفَةَ الْمُتَفَكِّرِ الْمُتَدَبِّرِ، الْيَقِظِ لِعَجَائِبِهِ، الشَّاعِرِ بِيَدِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ، الْمُدْرِكِ لِنَوَامِيسِهِ الْهَائِلَةِ، بِلَفْتَةٍ هَادِئَةٍ يَسِيرَةٍ، لَا تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ شَاقٍّ عَسِيرٍ، إِنَّمَا تَحْتَاجُ إِلَى حِسٍّ يَقِظٍ وَقَلْبٍ بَصِيرٍ. وَكُلَّمَا جَلَا آيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فِي الْكَوْنِ وَقَفَ أَمَامَهَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَيَرْبُطُ الْقُلُوبَ بِاللَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=63قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ! .
وَبِمُنَاسَبَةِ الْحَدِيثِ عَنِ الْحَيَاةِ فِي الْأَرْضِ وَعَنِ الرِّزْقِ وَالْبَسْطِ فِيهِ وَالْقَبْضِ، يَضَعُ أَمَامَهُ الْمِيزَانَ الدَّقِيقَ لِلْقِيَمِ كُلِّهَا. فَإِذَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا بِأَرْزَاقِهَا وَمَتَاعِهَا لَهْوٌ وَلَعِبٌ حِينَ تُقَاسُ بِالْحَيَاةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ: