nindex.php?page=treesubj&link=29001_30291_30539_34306_34307nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ..
فهكذا يتضاءل في حسهم كل ما وراءهم قبل هذا اليوم، فيقسمون: ما لبثوا غير ساعة. ويحتمل أن يكون قسمهم منصبا على مدة لبثهم في القبور، كما يحتمل أن يكون ذلك عن لبثهم في الأرض أحياء وأمواتا.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55كذلك كانوا يؤفكون ويصرفون عن الحق والتقدير الصحيح حتى يردهم أولو العلم الصحيح إلى التقدير الصحيح:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56وقال الذين أوتوا العلم والإيمان: لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث. فهذا يوم البعث. ولكنكم كنتم لا تعلمون ..
وأولو العلم هؤلاء هم في الغالب المؤمنون، الذين آمنوا بالساعة، وأدركوا ما وراء ظاهر الحياة الدنيا، فهم أهل العلم الصحيح وأهل الإيمان البصير. وهم يردون الأمر هنا إلى تقدير الله وعلمه
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث .. فهذا هو الأجل المقدور، ولا يهم طويلا كان أم كان قصيرا. فقد كان ذلك هو الموعد، وقد تحقق:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ..
ثم يختم المشهد بالنتيجة الكلية في إجمال يصور ما وراءه مما لحق بالظالمين الذين كانوا يكذبون بيوم الدين:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=57فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ..
فلا معذرة منهم تقبل ولا يعتب عليهم أحد فيما فعلوه، أو يطلب إليهم الاعتذار. فاليوم يوم العقاب لا يوم العتاب!.
ومن هذا المشهد البائس اليائس يردهم إلى ما هم فيه من عناد وتكذيب، وتلك كانت عاقبة العناد والتكذيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا: إن أنتم إلا مبطلون. nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ..
وهي نقلة بعيدة في الزمان والمكان، ولكنها تجيء في السياق، وكأنها قريب من قريب. وينطوي الزمان والمكان، فإذا هم مرة أخرى أمام القرآن، وفيه من كل مثل، وفيه من كل نمط من أنماط الخطاب، وفيه من كل وسيلة لإيقاظ القلوب والعقول، وفيه من شتى اللمسات الموحية العميقة التأثير. وهو يخاطب كل قلب وكل عقل في كل بيئة وكل محيط. وهو يخاطب النفس البشرية في كل حالة من حالاتها، وفي كل
[ ص: 2778 ] طور من أطوارها. ولكنهم - بعد هذا كله - يكذبون بكل آية، ولا يكتفون بالتكذيب، بل يتطاولون على أهل العلم الصحيح، فيقولون عنهم: إنهم مبطلون:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا: إن أنتم إلا مبطلون ..
ويعقب على هذا الكفر والتطاول:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ..
كذلك. بمثل هذه الطريقة، ولمثل هذا السبب. فهؤلاء الذين لا يعلمون مطموسو القلوب، لا تتفتح بصيرتهم لإدراك آيات الله، متطاولون على أهل العلم والهدى. ومن ثم يستحقون أن يطمس الله على بصيرتهم، وأن يطبع على قلوبهم، لما يعلمه سبحانه عن تلك البصائر وهذه القلوب!
ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة بعد تلك الجولات مع المشركين في الكون والتاريخ وفي ذوات أنفسهم وفي أطوار حياتهم، ثم هم بعد ذلك كله يكفرون ويتطاولون.. يأتي الإيقاع الأخير في صورة توجيه لقلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ..
إنه الصبر وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية! والثقة بوعد الله الحق، والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة ولا شكوك.. الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين، ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله. ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين. فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين. مهما يطل هذا الطريق، ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم!
وهكذا تختم السورة التي بدأت بوعد الله في نصر الروم بعد بضع سنين، ونصر المؤمنين. تختم بالصبر حتى يأتي وعد الله; والصبر كذلك على محاولات الاستخفاف والزعزعة من الذين لا يوقنون.
فيتناسق البدء والختام. وتنتهي السورة وفي القلب منها إيقاع التثبيت القوي بالوعد الصادق الذي لا يكذب، واليقين الثابت الذي لا يخون..
nindex.php?page=treesubj&link=29001_30291_30539_34306_34307nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ..
فَهَكَذَا يَتَضَاءَلُ فِي حِسِّهِمْ كُلُّ مَا وَرَاءَهُمْ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ، فَيُقْسِمُونَ: مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَسَمُهُمْ مُنْصَبًا عَلَى مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْقُبُورِ، كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ لُبْثِهِمْ فِي الْأَرْضِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَيُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ وَالتَّقْدِيرِ الصَّحِيحِ حَتَّى يَرُدَّهُمْ أُولُو الْعِلْمِ الصَّحِيحِ إِلَى التَّقْدِيرِ الصَّحِيحِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ. فَهَذَا يَوْمِ الْبَعْثِ. وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ..
وَأُولُو الْعِلْمِ هَؤُلَاءِ هُمْ فِي الْغَالِبِ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِالسَّاعَةِ، وَأَدْرَكُوا مَا وَرَاءَ ظَاهِرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَأَهْلُ الْإِيمَانِ الْبَصِيرِ. وَهُمْ يَرُدُّونَ الْأَمْرَ هُنَا إِلَى تَقْدِيرِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ .. فَهَذَا هُوَ الْأَجَلُ الْمَقْدُورُ، وَلَا يُهِمُّ طَوِيلًا كَانَ أَمْ كَانَ قَصِيرًا. فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْعِدُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ..
ثُمَّ يَخْتِمُ الْمَشْهَدَ بِالنَّتِيجَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي إِجْمَالٍ يُصَوِّرُ مَا وَرَاءَهُ مِمَّا لَحِقَ بِالظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=57فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ..
فَلَا مَعْذِرَةٌ مِنْهُمْ تُقْبَلُ وَلَا يَعْتِبُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فِيمَا فَعَلُوهُ، أَوْ يَطْلُبُ إِلَيْهِمُ الِاعْتِذَارَ. فَالْيَوْمُ يَوْمُ الْعِقَابِ لَا يَوْمَ الْعِتَابِ!.
وَمِنْ هَذَا الْمَشْهَدِ الْبَائِسِ الْيَائِسِ يَرُدُّهُمْ إِلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ عِنَادٍ وَتَكْذِيبٍ، وَتِلْكَ كَانَتْ عَاقِبَةُ الْعِنَادِ وَالتَّكْذِيبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ..
وَهِيَ نَقْلَةٌ بَعِيدَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَكِنَّهَا تَجِيءُ فِي السِّيَاقِ، وَكَأَنَّهَا قَرِيبٌ مِنْ قَرِيبٍ. وَيَنْطَوِي الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، فَإِذَا هُمْ مَرَّةً أُخْرَى أَمَامَ الْقُرْآنِ، وَفِيهِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وَفِيهِ مِنْ كُلِّ نَمَطٍ مِنْ أَنْمَاطِ الْخِطَابِ، وَفِيهِ مِنْ كُلِّ وَسِيلَةٍ لِإِيقَاظِ الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ، وَفِيهِ مِنْ شَتَّى اللَّمَسَاتِ الْمُوحِيَةِ الْعَمِيقَةِ التَّأْثِيرَ. وَهُوَ يُخَاطِبُ كُلَّ قَلْبٍ وَكُلِّ عَقْلٍ فِي كُلِّ بِيئَةٍ وَكُلِّ مُحِيطٍ. وَهُوَ يُخَاطِبُ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِهَا، وَفِي كُلِّ
[ ص: 2778 ] طَوْرٍ مِنْ أَطْوَارِهَا. وَلَكِنَّهُمْ - بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ - يُكَذِّبُونَ بِكُلِّ آيَةٍ، وَلَا يَكْتَفُونَ بِالتَّكْذِيبِ، بَلْ يَتَطَاوَلُونَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ، فَيَقُولُونَ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ مُبْطِلُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ ..
وَيُعَقِّبُ عَلَى هَذَا الْكُفْرِ وَالتَّطَاوُلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ..
كَذَلِكَ. بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَلِمِثْلِ هَذَا السَّبَبِ. فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مَطْمُوسُو الْقُلُوبِ، لَا تَتَفَتَّحُ بَصِيرَتُهُمْ لِإِدْرَاكِ آيَاتِ اللَّهِ، مُتَطَاوِلُونَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْهُدَى. وَمِنْ ثَمَّ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَطْمِسَ اللَّهُ عَلَى بَصِيرَتِهِمْ، وَأَنْ يَطْبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، لِمَا يَعْلَمُهُ سُبْحَانَهُ عَنْ تِلْكَ الْبَصَائِرِ وَهَذِهِ الْقُلُوبِ!
ثُمَّ يَأْتِي الْإِيقَاعُ الْأَخِيرُ فِي السُّورَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْجَوْلَاتِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْكَوْنِ وَالتَّارِيخِ وَفِي ذَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَفِي أَطْوَارِ حَيَاتِهِمْ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ يَكْفُرُونَ وَيَتَطَاوَلُونَ.. يَأْتِي الْإِيقَاعُ الْأَخِيرُ فِي صُورَةِ تَوْجِيهٍ لِقَلْبِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ..
إِنَّهُ الصَّبْرُ وَسِيلَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الطَّرِيقِ الطَّوِيلِ الشَّائِكِ الَّذِي قَدْ يَبْدُو أَحْيَانًا بِلَا نِهَايَةٍ! وَالثِّقَةُ بِوَعْدِ اللَّهِ الْحَقِّ، وَالثَّبَاتُ بِلَا قَلَقٍ وَلَا زَعْزَعَةٍ وَلَا حَيْرَةٍ وَلَا شُكُوكٍ.. الصَّبْرُ وَالثِّقَةُ وَالثَّبَاتُ عَلَى الرَّغْمِ مِنَ اضْطِرَابِ الْآخَرِينَ، وَمِنْ تَكْذِيبِهِمْ لِلْحَقِّ وَشَكِّهِمْ فِي وَعْدِ اللَّهِ. ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنِ الْعِلْمِ مَحْرُومُونَ مِنْ أَسْبَابِ الْيَقِينِ. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْوَاصِلُونَ الْمُمْسِكُونَ بِحَبْلِ اللَّهِ فَطَرِيقُهُمْ هُوَ طَرِيقُ الصَّبْرِ وَالثِّقَةِ وَالْيَقِينِ. مَهْمَا يَطُلْ هَذَا الطَّرِيقُ، وَمَهْمَا تَحْتَجِبْ نِهَايَتُهُ وَرَاءَ الضَّبَابِ وَالْغُيُومِ!
وَهَكَذَا تَخْتِمُ السُّورَةُ الَّتِي بَدَأَتْ بِوَعْدِ اللَّهِ فِي نَصْرِ الرُّومِ بَعْدَ بِضْعِ سِنِينَ، وَنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ. تَخْتِمُ بِالصَّبْرِ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ; وَالصَّبْرُ كَذَلِكَ عَلَى مُحَاوَلَاتِ الِاسْتِخْفَافِ وَالزَّعْزَعَةِ مِنَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ.
فَيَتَنَاسَقُ الْبَدْءُ وَالْخِتَامُ. وَتَنْتَهِي السُّورَةُ وَفِي الْقَلْبِ مِنْهَا إِيقَاعُ التَّثْبِيتِ الْقَوِيِّ بِالْوَعْدِ الصَّادِقِ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، وَالْيَقِينِ الثَّابِتِ الَّذِي لَا يَخُونُ..