[ ص: 2779 ] (31)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة لقمان مكية وآياتها أربع وثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=29002_32450_34237nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=1الم (1) nindex.php?page=treesubj&link=29002_34225nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=2تلك آيات الكتاب الحكيم (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=3هدى ورحمة للمحسنين (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=4الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=5أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=6ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=8إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=9خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات [ ص: 2780 ] أو في الأرض يأت بها الله إن الله .لطيف خبير (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (19)
جاء هذا القرآن الكريم ليخاطب الفطرة البشرية بمنطقها. نزله الذي خلق هذه الفطرة، والذي يعلم ما يصلح لها وما يصلحها، ويعلم كيف يخاطبها، ويعرف مداخلها ومساربها. جاء يعرض على هذه الفطرة الحقيقة المكنونة فيها من قبل، والتي تعرفها قبل أن تخاطب بهذا القرآن، لأنها قائمة عليها أصلا في تكوينها الأول.. تلك هي حقيقة الاعتراف بوجود الخالق وتوحيده، والتوجه إليه وحده بالإنابة والعبادة مع موكب الوجود كله المتجه إلى خالقه بالحمد والتسبيح.. إنما تغشي على الفطرة غواش من دخان هذه الأرض; وتغمرها غمرات من فورة اللحم والدم، وتنحرف بها عن الطريق دفعات من الهوى والشهوة. هنا يجيء هذا القرآن ليخاطب الفطرة بمنطقها الذي تعرفه، ويعرض عليها الحقيقة التي غفلت عنها بالأسلوب الذي تألفه، ويقيم على أساس هذه الحقيقة منهاج الحياة كله، مستقيما مع العقيدة، مستقيما مع الفطرة، مستقيما على الطريق إلى الخالق الواحد المدبر الخبير..
وهذه السورة المكية نموذج من نماذج الطريقة القرآنية في مخاطبة القلب البشري. وهي تعالج قضية العقيدة في نفوس المشركين الذين انحرفوا عن تلك الحقيقة. إنها القضية التي تعالجها السور المكية في أساليب شتى، ومن زوايا منوعة، تتناول القلب البشري من جميع أقطاره، وتلمس جوانبه بشتى المؤثرات التي تخاطب الفطرة وتوقظها..
هذه القضية الواحدة - قضية العقيدة - تتلخص هنا في توحيد الخالق وعبادته وحده وشكر آلائه. وفي اليقين بالآخرة وما فيها من حساب دقيق وجزاء عادل. وفي اتباع ما أنزل الله والتخلي عما عداه من مألوفات ومعتقدات.
والسورة تتولى عرض هذه القضية بطريقة تستدعي التدبر لإدراك الأسلوب القرآني العجيب في مخاطبة الفطر والقلوب. وكل داع إلى الله في حاجة إلى تدبر هذا الأسلوب.
إنها تعرض هذه القضية في مجال العرض القرآني. وهو هذا الكون الكبير. سماؤه وأرضه. شمسه وقمره. نهاره وليله. أجواؤه وبحاره، أمواجه وأمطاره. نباته وأشجاره.. وهذا المجال الكوني يتكرر في القرآن الكريم. فيحيل الكون كله مؤثرات ناطقة، وآيات مبثوثة عن الإيمان والشمائل، تخاطب القلوب البشرية وتؤثر فيها وتستحييها، وتأخذ عليها المسالك والدروب.
ومع أن القضية واحدة، ومجال العرض واحد، فإنها تعرض في السورة أربع مرات في أربع جولات، تطوف كل منها بالقلب البشري في ذلك المجال الفسيح، مستصحبة في كل مرة مؤثرات جديدة، ومتبعة أسلوبا كذلك جديدا في العرض والتناول. وتتتابع هذه الجولات وهي تبدأ وتنتهي بطريقة عجيبة فيها متاع
[ ص: 2781 ] للقلب والعقل. إلى جانب ما فيها من دواعي التأثر والاستجابة.
[ ص: 2779 ] (31)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ لُقْمَانَ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=29002_32450_34237nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=1الم (1) nindex.php?page=treesubj&link=29002_34225nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=2تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=3هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=4الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=6وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنْ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=8إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=9خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلْقُ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ [ ص: 2780 ] أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنْ اللَّهُ .لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
جَاءَ هَذَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ لِيُخَاطِبَ الْفِطْرَةَ الْبَشَرِيَّةَ بِمَنْطِقِهَا. نَزَّلَهُ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْفِطْرَةَ، وَالَّذِي يَعْلَمُ مَا يَصْلُحُ لَهَا وَمَا يُصْلِحُهَا، وَيَعْلَمُ كَيْفَ يُخَاطِبُهَا، وَيَعْرِفُ مَدَاخِلَهَا وَمَسَارِبَهَا. جَاءَ يَعْرِضُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ الْحَقِيقَةَ الْمَكْنُونَةَ فِيهَا مِنْ قَبْلُ، وَالَّتِي تَعْرِفُهَا قَبْلَ أَنْ تُخَاطَبَ بِهَذَا الْقُرْآنِ، لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَيْهَا أَصْلًا فِي تَكْوِينِهَا الْأَوَّلِ.. تِلْكَ هِيَ حَقِيقَةُ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَتَوْحِيدِهِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ بِالْإِنَابَةِ وَالْعِبَادَةِ مَعَ مَوْكِبِ الْوُجُودِ كُلِّهِ الْمُتَّجِهِ إِلَى خَالِقِهِ بِالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ.. إِنَّمَا تُغَشِّي عَلَى الْفِطْرَةِ غَوَاشٍ مِنْ دُخَّانِ هَذِهِ الْأَرْضِ; وَتَغْمُرُهَا غَمَرَاتٌ مِنْ فَوْرَةِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، وَتَنْحَرِفُ بِهَا عَنِ الطَّرِيقِ دُفُعَاتٌ مِنَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ. هُنَا يَجِيءُ هَذَا الْقُرْآنُ لِيُخَاطِبَ الْفِطْرَةَ بِمَنْطِقِهَا الَّذِي تَعْرِفُهُ، وَيَعْرِضَ عَلَيْهَا الْحَقِيقَةَ الَّتِي غَفَلَتْ عَنْهَا بِالْأُسْلُوبِ الَّذِي تَأْلَفُهُ، وَيُقِيمُ عَلَى أَسَاسِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ مِنْهَاجَ الْحَيَاةِ كُلَّهُ، مُسْتَقِيمًا مَعَ الْعَقِيدَةِ، مُسْتَقِيمًا مَعَ الْفِطْرَةِ، مُسْتَقِيمًا عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الْخَالِقِ الْوَاحِدِ الْمُدَبِّرِ الْخَبِيرِ..
وَهَذِهِ السُّورَةُ الْمَكِّيَّةُ نَمُوذَجٌ مِنْ نَمَاذِجِ الطَّرِيقَةِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي مُخَاطَبَةِ الْقَلْبِ الْبَشَرِيِّ. وَهِيَ تُعَالِجُ قَضِيَّةَ الْعَقِيدَةِ فِي نُفُوسِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ انْحَرَفُوا عَنْ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ. إِنَّهَا الْقَضِيَّةُ الَّتِي تُعَالِجُهَا السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ فِي أَسَالِيبَ شَتَّى، وَمِنْ زَوَايَا مُنَوَّعَةٍ، تَتَنَاوَلُ الْقَلْبَ الْبَشَرِيَّ مِنْ جَمِيعِ أَقْطَارِهِ، وَتَلْمِسُ جَوَانِبَهُ بِشَتَّى الْمُؤَثِّرَاتِ الَّتِي تُخَاطِبُ الْفِطْرَةَ وَتُوقِظُهَا..
هَذِهِ الْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ - قَضِيَّةُ الْعَقِيدَةِ - تَتَلَخَّصُ هُنَا فِي تَوْحِيدِ الْخَالِقِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَشُكْرِ آلَائِهِ. وَفِي الْيَقِينِ بِالْآخِرَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ حِسَابٍ دَقِيقٍ وَجَزَاءٍ عَادِلٍ. وَفِي اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَالتَّخَلِّي عَمَّا عَدَاهُ مِنْ مَأْلُوفَاتٍ وَمُعْتَقَدَاتٍ.
وَالسُّورَةُ تَتَوَلَّى عَرْضَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِطَرِيقَةٍ تَسْتَدْعِي التَّدَبُّرَ لِإِدْرَاكِ الْأُسْلُوبِ الْقُرْآنِيِّ الْعَجِيبِ فِي مُخَاطَبَةِ الْفِطَرِ وَالْقُلُوبِ. وَكُلُّ دَاعٍ إِلَى اللَّهِ فِي حَاجَةٍ إِلَى تَدَبُّرِ هَذَا الْأُسْلُوبِ.
إِنَّهَا تَعْرِضُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فِي مَجَالِ الْعَرْضِ الْقُرْآنِيِّ. وَهُوَ هَذَا الْكَوْنُ الْكَبِيرُ. سَمَاؤُهُ وَأَرْضُهُ. شَمْسُهُ وَقَمَرُهُ. نَهَارُهُ وَلَيْلُهُ. أَجْوَاؤُهُ وَبِحَارُهُ، أَمْوَاجُهُ وَأَمْطَارُهُ. نَبَاتُهُ وَأَشْجَارُهُ.. وَهَذَا الْمَجَالُ الْكَوْنِيُّ يَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. فَيُحِيلُ الْكَوْنَ كُلَّهُ مُؤَثِّرَاتٍ نَاطِقَةً، وَآيَاتٍ مَبْثُوثَةً عَنِ الْإِيمَانِ وَالشَّمَائِلِ، تُخَاطِبُ الْقُلُوبَ الْبَشَرِيَّةَ وَتُؤَثِّرُ فِيهَا وَتَسْتَحْيِيهَا، وَتَأْخُذُ عَلَيْهَا الْمَسَالِكَ وَالدُّرُوبَ.
وَمَعَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَمَجَالَ الْعَرْضِ وَاحِدٌ، فَإِنَّهَا تُعْرَضُ فِي السُّورَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ جَوْلَاتٍ، تَطُوفُ كُلٌّ مِنْهَا بِالْقَلْبِ الْبَشَرِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَجَالِ الْفَسِيحِ، مُسْتَصْحِبَةً فِي كُلِّ مَرَّةٍ مُؤَثِّرَاتٍ جَدِيدَةً، وَمُتَّبَعَةً أُسْلُوبًا كَذَلِكَ جَدِيدًا فِي الْعَرْضِ وَالتَّنَاوُلِ. وَتَتَتَابَعُ هَذِهِ الْجَوْلَاتُ وَهِيَ تَبْدَأُ وَتَنْتَهِي بِطَرِيقَةٍ عَجِيبَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ
[ ص: 2781 ] لِلْقَلْبِ وَالْعَقْلِ. إِلَى جَانِبِ مَا فِيهَا مِنْ دَوَاعِي التَّأَثُّرِ وَالِاسْتِجَابَةِ.