تبدأ الجولة الأولى بعد افتتاح السورة بالأحرف المقطعة; فتقرر أن هذه السورة من جنس تلك الأحرف، هي آيات الكتاب الحكيم، وهي هدى ورحمة للمحسنين. وهؤلاء المحسنون هم:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=4الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون فتقرر قضية اليقين بالآخرة وقضية العبادة لله. ومعها مؤثر نفسي ملحوظ هو أن
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=5أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن ذا الذي لا يريد أن يكون من المفلحين؟
وفي الجانب الآخر فريق من الناس يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذ تلك الآيات هزوا. وهؤلاء يعاجلهم بمؤثر نفسي مخيف مناسب لاستهزائهم بآيات الله:
nindex.php?page=treesubj&link=29002_19037_29786_30437_30532_34330_34337nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=6أولئك لهم عذاب مهين .. ثم يمضي في وصف حركات هذا الفريق:
nindex.php?page=treesubj&link=29002_18669_29786_30437_30532_30539nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها .. ومع الوصف مؤثر نفسي يحقر هذا الفريق:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7كأن في أذنيه وقرا ومؤثر آخر يخيفه مع التهكم الواضح في التعبير:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7فبشره بعذاب أليم والبشارة هنا فيها ما فيها من التهكم الملحوظ!. ثم يعود إل المؤمنين يفصل شيئا من فلاحهم الذي أجمله في أول السورة، ويبين جزاءهم في الآخرة، كما كشف عن جزاء المستهزئين المستكبرين:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=8إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=9خالدين فيها وعد الله حقا، وهو العزيز الحكيم .. وهنا يعرض صفحة الكون الكبير مجالا للبرهان الذي يطالع الفطرة من كل جانب، ويخاطبها بكل لسان، ويواجهها بالحق الهائل الذي يمر عليه الناس غافلين:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خلق السماوات بغير عمد ترونها، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم، وبث فيها من كل دابة، وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم .. وأمام هذه الأدلة الكونية التي تهول الحس وتبده الشعور يأخذ بتلابيب القلوب الشاردة، التي تجعل لله شركاء وهي ترى خلقه الهائل العظيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هذا خلق الله. فأروني ماذا خلق الذين من دونه؟ بل الظالمون في ضلال مبين ..
وعند هذا الإيقاع الكوني الضخم العميق تنتهي الجولة الأولى بقضاياها ومؤثراتها معروضة في ساحة الكون الكبير.
فأما الجولة الثانية فتبدأ من خلال نفوس آدمية، وتتناول القضية ذاتها في المجال ذاته بأسلوب جديد ومؤثرات جديدة..
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12ولقد آتينا لقمان الحكمة فما طبيعة هذه الحكمة وما مظهرها الفريد؟ إنها تتلخص في الاتجاه لله بالشكر:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12أن اشكر لله فهذه هي الحكمة وهذا هو الاتجاه الحكيم.. والخطوة التالية هي اتجاه
لقمان لابنه بالنصيحة: نصيحة حكيم لابنه. فهي نصيحة مبرأة من العيب، صاحبها قد أوتي الحكمة. وهي نصيحة غير متهمة، فما يمكن أن تتهم نصيحة والد لولده. هذه النصيحة تقرر قضية التوحيد التي قررتها الجولة الأولى، وقضية الآخرة كذلك، مصحوبة بهذه المؤثرات النفسية ومعها مؤثرات جديدة:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم .. ويؤكد هذه القضية بمؤثر آخر فيعرض لعلاقة الأبوة والأمومة بأسلوب يفيض انعطافا ورحمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ويقرن قضية الشكر لله بالشكر لهذين الوالدين، فيقدمها عليها:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أن اشكر لي ولوالديك .. ثم يقرر القاعدة الأولى في قضية العقيدة، وهي أن وشيجة العقيدة هي الوشيجة الأولى، المقدمة على وشيجة النسب والدم. وعلى ما في هذه الوشيجة من انعطاف وقوة إلا أنها تالية للوشيجة الأولى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب إلي . ويقرر معها قضية الآخرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون .. ويتبع هذه القضية بمؤثر هائل وهو
[ ص: 2782 ] يصور عظمة علم الله ودقته وشموله وإحاطته، تصويرا يرتعش له الوجدان البشري وهو يتابعه في المجال الكوني الرحيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل، فتكن في صخرة، أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله. إن الله لطيف خبير .. ثم يتابع
لقمان وصيته لابنه بتكاليف العقيدة، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يستتبعه هذا وذلك من مواجهة المتاعب التي لا بد أن تواجه صاحب العقيدة، وهو يخطو بها الخطوة الطبيعية، فيتجاوز بها نفسه إلى غيره:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور .. ومع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصاب الأدب الواجب. أدب الداعي إلى الله ألا يتطاول على الناس، فيفسد بالقدرة ما يصلح بالكلام:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا، إن الله لا يحب كل مختال فخور. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19واقصد في مشيك واغضض من صوتك. إن أنكر الأصوات لصوت الحمير .. والمؤثر النفسي بتحقير التصعير والنفخة ملحوظ في التعبير. وبه تنتهي هذه الجولة الثانية، وقد عالجت القضية ذاتها في مجالها المعهود، بمؤثرات جديدة وبأسلوب جديد.
ثم تبدأ الجولة الثالثة.. تبدأ بعرض القضية المعهودة في مجال السماوات والأرض، مصحوبة بمؤثر منتزع من علاقة البشر بالسماوات والأرض وما فيها من نعم سخرها الله للناس وهم لا يشكرون:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .. وفي ظل هذا المؤثر يبدو الجدل في الله مستنكرا من الفطرة، تمجه القلوب المستقيمة.. ثم يتابع استنكار موقف الكفر والجمود:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا .. وهو موقف سخيف مطموس، يتبعه بمؤثر مخيف:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؟ .. ومن ثم يعرض قضية الجزاء في الآخرة مرتبطة بقضية الإيمان والكفر:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=22ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور.. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=23ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم، فننبئهم بما عملوا .. ويشير إلى علم الله الواسع الدقيق:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=23إن الله عليم بذات الصدور . ويصحب ذلك العرض بتهديد مخيف:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=24نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ .. وقرب ختام الجولة يوقفهم وجها لوجه أمام منطق الفطرة وهي تواجه هذا الكون، فلا تملك إلا الاعتراف بالخالق الواحد الكبير:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن: الله. قل: الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون ..
ويختم الجولة بمشهد كوني يصور امتداد علم الله بلا نهاية، وانطلاق مشيئته في الخلق والإنشاء بلا حدود، ويجعل من هذا دليلا كونيا على البعث والإعادة وعلى الخلق والإنشاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله. إن الله عزيز حكيم. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة. إن الله سميع بصير ..
تَبْدَأُ الْجَوْلَةُ الْأَوْلَى بَعْدَ افْتِتَاحِ السُّورَةِ بِالْأَحْرُفِ الْمُقَطَّعَةِ; فَتُقَرِّرُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَنْ جِنْسِ تِلْكَ الْأَحْرُفِ، هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، وَهِيَ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُحْسِنِينَ. وَهَؤُلَاءِ الْمُحْسِنُونَ هُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=4الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ فَتُقَرِّرُ قَضِيَّةَ الْيَقِينِ بِالْآخِرَةِ وَقَضِيَّةَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ. وَمَعَهَا مُؤَثِّرٌ نَفْسِيٌّ مَلْحُوظٌ هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ ذَا الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ؟
وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَتَّخِذُ تِلْكَ الْآيَاتِ هَزُّوا. وَهَؤُلَاءِ يُعَاجِلُهُمْ بِمُؤَثِّرٍ نَفْسِيٍّ مُخِيفٍ مُنَاسِبٍ لِاسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29002_19037_29786_30437_30532_34330_34337nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=6أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ .. ثُمَّ يَمْضِي فِي وَصْفِ حَرَكَاتِ هَذَا الْفَرِيقِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29002_18669_29786_30437_30532_30539nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا .. وَمَعَ الْوَصْفِ مُؤَثِّرٌ نَفْسِيٌّ يُحَقِّرُ هَذَا الْفَرِيقَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا وَمُؤَثِّرٌ آخَرُ يُخِيفُهُ مَعَ التَّهَكُّمِ الْوَاضِحِ فِي التَّعْبِيرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَالْبِشَارَةِ هُنَا فِيهَا مَا فِيهَا مِنَ التَّهَكُّمِ الْمَلْحُوظِ!. ثُمَّ يَعُودُ إِلَ الْمُؤْمِنِينَ يُفَصِّلُ شَيْئًا مِنْ فَلَّاحِهِمُ الَّذِي أَجْمَلَهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَيُبَيِّنُ جَزَاءَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا كَشَفَ عَنْ جَزَاءِ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=8إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=9خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .. وَهُنَا يَعْرِضُ صَفْحَةَ الْكَوْنِ الْكَبِيرِ مَجَالًا لِلْبُرْهَانِ الَّذِي يُطَالِعُ الْفِطْرَةَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَيُخَاطِبُهَا بِكُلِّ لِسَانٍ، وَيُوَاجِهُهَا بِالْحَقِّ الْهَائِلِ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ غَافِلِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ .. وَأَمَامَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي تَهْوِلُ الْحِسَّ وَتُبْدِهُ الشُّعُورَ يَأْخُذُ بِتَلَابِيبِ الْقُلُوبِ الشَّارِدَةِ، الَّتِي تَجْعَلُ لِلَّهِ شُرَكَاءَ وَهِيَ تَرَى خَلْقَهُ الْهَائِلَ الْعَظِيمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هَذَا خَلْقُ اللَّهِ. فَأَرُونِي مَاذَا خَلْقُ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ؟ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ..
وَعِنْدَ هَذَا الْإِيقَاعِ الْكَوْنِيِّ الضَّخْمِ الْعَمِيقِ تَنْتَهِي الْجَوْلَةُ الْأَوْلَى بِقَضَايَاهَا وَمُؤْثِرَاتِهَا مَعْرُوضَةً فِي سَاحَةِ الْكَوْنِ الْكَبِيرِ.
فَأَمَّا الْجَوْلَةُ الثَّانِيَةُ فَتَبْدَأُ مِنْ خِلَالِ نُفُوسٍ آدَمِيَّةٍ، وَتَتَنَاوَلُ الْقَضِيَّةَ ذَاتَهَا فِي الْمَجَالِ ذَاتِهِ بِأُسْلُوبٍ جَدِيدٍ وَمُؤَثِّرَاتٍ جَدِيدَةٍ..
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ فَمَا طَبِيعَةُ هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَمَا مَظْهَرُهَا الْفَرِيدُ؟ إِنَّهَا تَتَلَخَّصُ فِي الِاتِّجَاهِ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ وَهَذَا هُوَ الِاتِّجَاهُ الْحَكِيمُ.. وَالْخُطْوَةُ التَّالِيَةُ هِيَ اتِّجَاهَ
لُقْمَانَ لِابْنِهِ بِالنَّصِيحَةِ: نَصِيحَةُ حَكِيمٍ لِابْنِهِ. فَهِيَ نَصِيحَةٌ مُبَرَّأَةٌ مِنَ الْعَيْبِ، صَاحِبُهَا قَدْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ. وَهِيَ نَصِيحَةٌ غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ، فَمَا يُمْكِنُ أَنْ تُتَّهَمَ نَصِيحَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ. هَذِهِ النَّصِيحَةُ تُقَرِّرُ قَضِيَّةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي قَرَّرَتْهَا الْجَوْلَةُ الْأَوْلَى، وَقَضِيَّةَ الْآخِرَةِ كَذَلِكَ، مَصْحُوبَةً بِهَذِهِ الْمُؤَثِّرَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَمَعَهَا مُؤَثِّرَاتٌ جَدِيدَةٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .. وَيُؤَكِّدُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ بِمُؤَثِّرٍ آخَرَ فَيَعْرِضُ لِعَلَاقَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ بِأُسْلُوبٍ يَفِيضُ انْعِطَافًا وَرَحْمَةً:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ وَيَقْرِنُ قَضِيَّةَ الشُّكْرِ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ لِهَذَيْنَ الْوَالِدَيْنِ، فَيُقَدِّمُهَا عَلَيْهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ .. ثُمَّ يُقَرِّرُ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى فِي قَضِيَّةِ الْعَقِيدَةِ، وَهِيَ أَنَّ وَشِيجَةَ الْعَقِيدَةِ هِيَ الْوَشِيجَةُ الْأُولَى، الْمُقَدَّمَةُ عَلَى وَشِيجَةِ النَّسَبِ وَالدَّمِ. وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الْوَشِيجَةِ مِنَ انْعِطَافٍ وَقُوَّةٍ إِلَّا أَنَّهَا تَالِيَةٌ لِلْوَشِيجَةِ الْأُولَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . وَيُقَرِّرُ مَعَهَا قَضِيَّةَ الْآخِرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .. وَيُتْبِعُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ بِمُؤَثِّرٍ هَائِلٍ وَهُوَ
[ ص: 2782 ] يُصَوِّرُ عَظَمَةَ عِلْمِ اللَّهِ وَدِقَّتِهِ وَشُمُولِهِ وَإِحَاطَتِهِ، تَصْوِيرًا يَرْتَعِشُ لَهُ الْوِجْدَانُ الْبَشَرِيُّ وَهُوَ يُتَابِعُهُ فِي الْمَجَالِ الْكَوْنِيِّ الرَّحِيبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ. إِنْ اللَّهُ لَطِيفٌ خَبِيرٌ .. ثُمَّ يُتَابِعُ
لُقْمَانُ وَصَّيْتَهُ لِابْنِهِ بِتَكَالِيفِ الْعَقِيدَةِ، بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى مَا يَسْتَتْبِعُهُ هَذَا وَذَلِكَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الْمَتَاعِبِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ تُوَاجِهَ صَاحِبَ الْعَقِيدَةِ، وَهُوَ يَخْطُو بِهَا الْخُطْوَةَ الطَّبِيعِيَّةَ، فَيَتَجَاوَزُ بِهَا نَفْسَهُ إِلَى غَيْرِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ .. وَمَعَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمُصَابِ الْأَدَبُ الْوَاجِبُ. أَدَبُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ أَلَّا يَتَطَاوَلَ عَلَى النَّاسِ، فَيُفْسِدُ بِالْقُدْرَةِ مَا يَصْلُحُ بِالْكَلَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ. إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ .. وَالْمُؤَثِّرُ النَّفْسِيُّ بِتَحْقِيرِ التَّصْعِيرِ وَالنَّفْخَةِ مَلْحُوظٌ فِي التَّعْبِيرِ. وَبِهِ تَنْتَهِي هَذِهِ الْجَوْلَةُ الثَّانِيَةُ، وَقَدْ عَالَجَتِ الْقَضِيَّةَ ذَاتَهَا فِي مَجَالِهَا الْمَعْهُودِ، بِمُؤَثِّرَاتٍ جَدِيدَةٍ وَبِأُسْلُوبٍ جَدِيدٍ.
ثُمَّ تَبْدَأُ الْجَوْلَةُ الثَّالِثَةُ.. تَبْدَأُ بِعَرْضِ الْقَضِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ فِي مَجَالِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَصْحُوبَةً بِمُؤَثِّرٍ مُنْتَزَعٍ مِنْ عَلَاقَةِ الْبَشَرِ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ نِعَمٍ سَخَّرَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ وَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ .. وَفِي ظِلِّ هَذَا الْمُؤَثِّرِ يَبْدُو الْجَدَلُ فِي اللَّهِ مُسْتَنْكَرًا مِنَ الْفِطْرَةِ، تَمُجُّهُ الْقُلُوبُ الْمُسْتَقِيمَةُ.. ثُمَّ يُتَابِعُ اسْتِنْكَارَ مَوْقِفِ الْكُفْرِ وَالْجُمُودِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .. وَهُوَ مَوْقِفٌ سَخِيفٌ مَطْمُوسٌ، يُتْبِعُهُ بِمُؤَثِّرٍ مُخِيفٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ؟ .. وَمِنْ ثَمَّ يَعْرِضُ قَضِيَّةَ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ مُرْتَبِطَةً بِقَضِيَّةِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=22وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ.. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=23وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا .. وَيُشِيرُ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ الْوَاسِعِ الدَّقِيقِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=23إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . وَيَصْحَبُ ذَلِكَ الْعَرْضَ بِتَهْدِيدٍ مُخِيفٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=24نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ .. وَقُرْبَ خِتَامِ الْجَوْلَةِ يُوقِفُهُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ أَمَامَ مَنْطِقِ الْفِطْرَةِ وَهِيَ تُوَاجِهُ هَذَا الْكَوْنَ، فَلَا تَمْلِكُ إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِالْخَالِقِ الْوَاحِدِ الْكَبِيرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ. قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ..
وَيَخْتِمُ الْجَوْلَةَ بِمَشْهَدٍ كَوْنِيٍّ يُصَوِّرُ امْتِدَادَ عِلْمِ اللَّهِ بِلَا نِهَايَةٍ، وَانْطِلَاقَ مَشِيئَتِهِ فِي الْخَلْقِ وَالْإِنْشَاءِ بِلَا حُدُودٍ، وَيَجْعَلُ مِنْ هَذَا دَلِيلًا كَوْنِيًّا عَلَى الْبَعْثِ وَالْإِعَادَةِ وَعَلَى الْخَلْقِ وَالْإِنْشَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهِ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ..