ولما انقضى ذلك على أتم وجه؛ وأحسن سياق ونحو؛ وختم بصفتي العفو؛ والقدرة; شرع في بيان أحوال من لا يعفى عنه من أهل الكتاب؛ وبيان أنهم هم الذين أضلوا المنافقين؛ بما يلقون إليهم من الشبه التي وسع عقولهم لها ما أنعم به عليهم - سبحانه وتعالى - من العلم؛ فأبدوا الشر؛ وكتموا الخير؛ فوضعوا نعمته حيث يكره؛ ثم كشف - سبحانه وتعالى - بعض شبههم؛ فقال - مبينا لما افتتح به قصصهم؛ من أنهم اشتروا الضلالة بالهدى؛ ويريدون ضلال غيرهم؛ بعد أن كان ختم هناك [ ص: 450 ] ما قبل قصصهم بقوله: "عفوا قديرا" -: إن الذين يكفرون ؛ أي: يسترون ما عندهم من العلم؛ بالله ؛ أي: الذي له الاختصاص بالجلال؛ والجمال؛ ورسله ؛ ولما ذكر آخر أمرهم؛ ذكر السبب الموقع فيه؛ فقال: ويريدون أن يفرقوا بين الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ ولا أمر لأحد معه؛ ورسله ؛ أي: فيصدقون بالله؛ ويكذبون ببعض الرسل؛ فينفون رسالاتهم؛ المستلزم لنسبتهم إلى الكذب على الله؛ المقتضي لكون الله - سبحانه وتعالى - بريئا منهم.
ولما ذكر الإرادة؛ ذكر ما نشأ عنها؛ فقال: ويقولون نؤمن ببعض ؛ أي: من الله ورسله؛ كاليهود الذين آمنوا بموسى - عليه الصلاة والسلام -؛ وغيره؛ إلا عيسى؛ ومحمدا - صلى الله عليه وسلم -؛ فكفروا بهما؛ ونكفر ببعض ؛ أي: من ذلك؛ وهم الرسل؛ كمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ويريدون أن يتخذوا ؛ أي: يتكلفوا أن يأخذوا؛ بين ذلك ؛ أي: الإيمان؛ والكفر؛ سبيلا ؛ أي: طريقا يكفرون به؛ وعطف الجمل بالواو - وإن كان بعضها سببا لبعض - إشارة إلى أنهم جديرون بالوصف بكل منها على انفراده؛ وأن كل خصلة كافية في نسبة الكفر إليهم؛ وقدم نتيجتها؛ [ ص: 451 ] وختم بالحكم بها؛ على وجه أضخم؛ تفظيعا لحالهم؛ وأصل الكلام: "أرادوا سبيلا بين سبيلين؛ فقالوا: نكفر ببعض؛ فأرادوا التفرقة؛ فكفروا كفرا هو في غاية الشناعة على علم منهم"؛ فأنتج ذلك: