قوله تعالى: إنما المشركون نجس قال أبو عبيدة: معناه: قذر . قال الزجاج : يقال لكل شيء مستقذر: نجس . وقال الفراء: لا تكاد العرب تقول: نجس ، إلا وقبلها رجس ، فإذا أفردوها قالوا: نجس .
[ ص: 417 ] وفي المراد بكونهم نجسا ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم أنجاس الأبدان ، كالكلب والخنزير ، حكاه الماوردي عن الحسن ، وعمر بن عبد العزيز . وروى ابن جرير عن الحسن قال: من صافحهم فليتوضأ .
والثاني: أنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجنابة ، وإن لم تكن أبدانهم أنجاسا ، قاله قتادة .
والثالث: أنه لما كان علينا اجتنابهم ، كما تجتنب الأنجاس ، صاروا بحكم الاجتناب كالأنجاس ، وهذا قول الأكثرين ، وهو الصحيح .
قوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام قال أهل التفسير: يريد جميع الحرم . (بعد عامهم هذا) وهو سنة تسع من الهجرة ، وهي السنة التي حج فيها أبو بكر وقرئت (براءة) . وقد أخذ أحمد رضي الله عنه بظاهر الآية ، وأنه يحرم عليهم دخول الحرم ، وهو قول مالك ، والشافعي . واختلفت الرواية عنه في دخولهم غير المسجد الحرام من المساجد ، فروي عنه المنع أيضا إلا لحاجة ، كالحرم ، وهو قول مالك . وروي عنه جواز ذلك ، وهو قول الشافعي . وقال أبو حنيفة: يجوز لهم دخول المسجد الحرام ، وسائر المساجد .
قوله تعالى: وإن خفتم عيلة وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، والشعبي ، وابن السميفع: "عايلة" . قال سعيد بن جبير: لما نزلت إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا شق على المسلمين ، وقالوا: من يأتينا بطعامنا؟ وكانوا يقدمون عليهم بالتجارة فنزلت وإن خفتم عيلة . . الآية . قال الأخفش: العيلة الفقر . يقال : عال يعيل عيلة: إذا افتقر . وأعال إعالة فهو [ ص: 418 ] يعيل: إذا صار صاحب عيال . وقال أبو عبيدة: العيلة هاهنا مصدر عال فلان: إذا افتقر وأنشد:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وللمفسرين في قوله: "وإن" قولان .
أحدهما: أنها للشرط ، وهو الأظهر .
والثاني: أنها بمعنى "وإذ" ، قاله عمرو بن فائد . قالوا: وإنما خاف المسلمون الفقر ، لأن المشركين كانوا يحملون التجارات إليهم ، ويجيئون بالطعام وغيره .
وفي قوله: فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه أنزل عليهم المطر عند انقطاع المشركين عنهم ، فكثر خيرهم ، قاله عكرمة .
والثاني: أنه أغناهم بالجزية المأخوذة من أهل الكتاب ، قاله قتادة ، والضحاك .
والثالث: أن أهل نجد ، وجرش ، وأهل صنعاء أسلموا ، فحملوا الطعام إلى مكة على الظهر ، فأغناهم الله به ، قاله مقاتل .
قوله تعالى: إن الله عليم قال ابن عباس : عليم بما يصلحكم ، (حكيم) فيما حكم في المشركين .


