قوله تعالى : " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " سبب نزولها أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة بالقرآن ، وسيرت جبالها فاحترثناها ، وأحييت من مات منا ، فنزلت هذه الآية ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال الزبير بن العوام : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا فنزرع ، أو يحيي لنا موتانا فنكلمهم ، أو يصير هذه الصخرة ذهبا فتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فقد كان للأنبياء آيات ، فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء :59] . ومعنى قوله : " أو قطعت به الأرض " أي : شققت فجعلت أنهارا ، " أو كلم به الموتى " أي : أحيوا حتى كلموا .
واختلفوا في جواب " لو " على قولين
أحدهما : أنه محذوف . وفي تقدير الكلام قولان : أحدهما : أن تقديره : لكان هذا القرآن ، ذكره الفراء ، وابن قتيبة . قال قتادة : لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم . والثاني : أن تقديره : لو كان هذا كله لما آمنوا .
[ ص: 331 ] ودليله قوله تعالى : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة . . . إلى آخر الآية [الأنعام :111] ، قاله الزجاج .
والثاني : أن جواب " لو " مقدم ، والمعنى : وهم يكفرون بالرحمن ، ولو أنزلنا عليهم ما سالوا ، ذكره الفراء أيضا .
قوله تعالى : " بل لله الأمر جميعا " أي : لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا ، وإذا لم يشأ ، لم ينفع ما اقترحوا من الآيات . ثم أكد ذلك بقوله : " أفلم ييأس الذين آمنوا " وفيه أربعة أقوال :
أحدها : أفلم يتبين ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وروى عنه عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك ، ويقول : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس ، وهذا قول مجاهد ، وعكرمة ، وأبي مالك ، ومقاتل .
والثاني : أفلم يعلم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . وقال ابن قتيبة : ويقال : هي لغة للنخع " ييأس " بمعنى " يعلم " قال الشاعر :
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وإنما وقع اليأس في مكان العلم ، لأن في علمك الشيء وتيقنك به يأسك من غيره .
[ ص: 332 ] والثالث : أن المعنى : قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا واحدا ، ولو شاء الله لهدى الناس جميعا ، قاله أبو العالية .
والرابع : أفلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون ، قاله الكسائي . وقال الزجاج : المعنى عندي : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون ، لأنه لو شاء لهدى الناس جميعا .
قوله تعالى : " ولا يزال الذين كفروا " فيهم قولان :
أحدهما : أنهم جميع الكفار ، قاله ابن السائب . والثاني : كفار مكة ، قاله مقاتل .
فأما القارعة ، فقال الزجاج : هي في اللغة : النازلة الشديدة تنـزل بأمر عظيم .
وفي المراد بها هاهنا قولان :
أحدهما : أنها عذاب من السماء ، رواه العوفي عن ابن عباس .
والثاني : السرايا والطلائع التي كان ينفذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله عكرمة .
وفي قوله : " أو تحل قريبا من دارهم " قولان :
أحدهما : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : أو تحل أنت يا محمد ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة .
والثاني : أنها القارعة ، قاله الحسن .
وفي قوله : حتى يأتي وعد الله قولان :
أحدهما : فتح مكة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : القيامة ، قاله الحسن .


