[ ص: 452 ] قوله تعالى : " أولم يروا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " أولم يروا " بالياء ، وقرأ حمزة ، والكسائي : " تروا " بالتاء ، واختلف عن عاصم .
قوله تعالى : " إلى ما خلق الله من شيء " أراد من شيء له ظل ، من جبل ، أو شجر ، أو جسم قائم " يتفيأ " قرأ الجماعة بالياء ، وقرأ أبو عمرو ، ويعقوب بالتاء " ظلاله " وهو جمع ظل ، وإنما جمع وهو مضاف إلى واحد ، لأنه واحد يراد به الكثرة ، كقوله تعالى : "لتستووا على ظهوره " [الزخرف :13] . قال ابن قتيبة : ومعنى يتفيأ ظلاله : يدور ويرجع من جانب إلى جانب ، والفيء : الرجوع ، ومنه قيل للظل بالعشي : فيء ، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق . قال المفسرون : إذا طلعت الشمس وأنت متوجه إلى القبلة ، كان الظل قدامك ، فإذا ارتفعت كان عن يمينك ، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك ، وإذا دنت للغروب كان على يسارك ، وإنما وحد اليمين ، والمراد به : الجمع ، إيجازا في اللفظ ، كقوله تعالى : ويولون الدبر [القمر :45] ، ودلت " الشمائل " على أن المراد به الجميع ، وقال الفراء : إنما وحد اليمين ، وجمع الشمائل ، ولم يقل الشمال ، لأن كل ذلك جائز في اللغة ، وأنشد :
الواردون وتيم في ذرى سبإ قد عض أعناقهم جلد الجواميس
ولم يقل : جلود ، ومثله :
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا فإن زمانكم زمن خميص
وإنما جاز التوحيد ، لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد .
[ ص: 453 ] وقال غيره : اليمين راجعة إلى لفظ ما ، وهو واحد ، والشمائل راجعة إلى المعنى .
قوله تعالى : " سجدا لله " قال ابن قتيبة : مستسلمة ، منقادة ، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى : وظلالهم بالغدو والآصال [الرعد :15] .
وفي قوله تعالى : " وهم داخرون " قولان :
أحدهما: والكفار صاغرون .
والثاني : وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة . قال الأخفش : إنما ذكر من ليس من الإنس ، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإنس في الفعل .
قوله تعالى : " ولله يسجد ما في السماوات . . . . " الآية . الساجدون على ضربين :
أحدهما : من يعقل ، فسجوده عبادة .
والثاني : من لا يعقل ، فسجوده بيان أثر الصنعة فيه ، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق ، هذا قول جماعة من العلماء ، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر :
بجيش تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
[ ص: 454 ] قال ابن قتيبة : حجراته ، أي : جوانبه ، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت . فأما الشمس والقمر والنجوم ، فألحقها جماعة بمن يعقل ، فقال أبو العالية : سجودها حقيقة ، ما منها غارب إلا خر ساجدا بين يدي الله عز وجل ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، ويشهد لقول أبي العالية ، حديث أبي ذر قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال : " يا أبا ذر ! تدري أين ذهبت الشمس " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل ، فتستأذن في الرجوع ، فيؤذن لها ، فكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت ، فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها ، ثم قرأ : والشمس تجري لمستقر لها [يس :38] " . أخرجه البخاري ومسلم . وأما النبات والشجر ، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء :
أحدها : أن يكون سجودا لا نعلمه ، وهذا إذا قلنا : إن الله يودعه فهما . والثاني : أنه تفيؤ ظلاله . والثالث : بيان الصنعة فيه . والرابع : الانقياد لما سخر له .
قوله تعالى : " والملائكة " إنما أخرج الملائكة من الدواب ، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب .
وفي قوله : " وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " قولان :
أحدهما : أنه من صفة الملائكة خاصة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل .
والثاني : أنه عام في جميع المذكورات ، قاله أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 455 ] وفي قوله : " من فوقهم " قولان ذكرهما ابن الأنباري .
أحدهما : أنه ثناء على الله تعالى ، وتعظيم لشأنه ، وتلخيصه : يخافون ربهم عاليا رفيعا عظيما .
والثاني : أنه حال ، وتلخيصه : يخافون ربهم معظمين له عالمين بعظيم سلطانه .


