أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا .
قوله تعالى : " أفرأيت الذي كفر بآياتنا " في سبب نزولها قولان :
أحدهما : ما روى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث مسروق عن خباب [ بن الأرت ] ، قال : كنت رجلا قينا ; [ أي : حدادا ] ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : [ لا ] والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك ، فنزلت فيه هذه الآية إلى قوله تعالى : " فردا " .
والثاني : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، وهذا مروي عن الحسن ، والمفسرون على الأول .
قوله تعالى : " لأوتين مالا وولدا " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر بفتح الواو . وقرأ حمزة والكسائي بضم الواو . وقال الفراء : وهما لغتان ، كالعدم والعدم ، وليس يجمع ، وقيس تجعل الولد جمعا ، والولد بفتح الواو واحدا .
وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد ، فيه قولان : أحدهما : أنه أراد في الجنة على زعمكم . والثاني : في الدنيا . قال ابن الأنباري : وتقدير الآية : أرأيته مصيبا ؟ [ ص: 261 ]
قوله تعالى : " أطلع الغيب " قال ابن عباس في رواية : أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟ وقال في رواية أخرى : أنظر في اللوح المحفوظ ؟
قوله تعالى : " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أم قال : لا إله إلا الله ، فأرحمه بها ؟ قاله ابن عباس . والثاني : أم قدم عملا صالحا فهو يرجوه ؟ قاله قتادة . والثالث : أم عهد إليه أنه يدخله الجنة ؟ قاله ابن السائب .
قوله تعالى : " كلا " ; أي : ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد . ويجوز أن يكون معنى " كلا " : أي : إنه لم يطلع الغيب ، ولم يتخذ عند الله عهدا . " سنكتب ما يقول " ; أي : سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيه به ، " ونمد له من العذاب مدا " ; أي : نجعل بعض العذاب على إثر بعض . وقرأ أبو العالية الرياحي ، وأبو رجاء العطاردي : ( سيكتب ) ، ( ويرثه ) بياء مفتوحة .
قوله تعالى : " ونرثه ما يقول " فيه قولان :
أحدهما : نرثه ما يقول إنه له في الجنة ، فنجعله لغيره من المسلمين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء .
والثاني : نرث ما عنده من المال والولد ، بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال قتادة . قال الزجاج : المعنى : سنسلبه المال والولد ونجعله لغيره .
قوله تعالى : " ويأتينا فردا " ; أي : بلا مال ولا ولد .


