وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون . فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون . ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون . قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون . إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون . فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون . إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون . هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون . لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون . سلام قولا من رب رحيم .
[ ص: 24 ] قوله تعالى: وإذا قيل لهم أنفقوا اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . أحدها: في اليهود، قاله والثاني: في الزنادقة، قاله الحسن . والثالث: في مشركي قتادة . قريش، قاله وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مقاتل; مكة: أنفقوا على المساكين النصيب الذي زعمتم أنه لله من الحرث والأنعام، فقالوا: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه . وقال كان ابن السائب: العاص بن وائل إذا سأله مسكين، قال: اذهب إلى ربك فهو أولى بك مني، ويقول: قد منعه الله، أطعمه أنا؟! ومعنى الكلام أنهم قالوا: لو أراد الله أن يرزقهم لرزقهم، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نطعمهم; وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضا، ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له في ماله من الزكاة، والمؤمن لا يعترض على المشيئة، وإنما يوافق الأمر . وقيل: إنما قالوا هذا على سبيل الاستهزاء .
وفي قوله: إن أنتم إلا في ضلال مبين قولان . أحدهما: أنه من قول الكفار للمؤمنين، يعنون: إنكم في خطإ من اتباع محمد . والثاني: أنه من قول الله للكفار لما ردوه من جوانب المؤمنين .
قوله تعالى: متى هذا الوعد؟ يعنون القيامة; والمعنى: متى إنجاز هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ يعنون محمدا وأصحابه .
ما ينظرون أي: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة وهي النفخة الأولى . و يخصمون بمعنى يختصون، فأدغمت التاء في الصاد . قرأ ابن كثير، : "يخصمون" بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد . وروي عن وأبو عمرو اختلاس حركة الخاء . وقرأ أبي عمرو عاصم، وابن عامر، [ ص: 25 ] "يخصمون" بفتح الياء وكسر الخاء . وعن والكسائي: كسر الياء والخاء . وقرأ عاصم بسكون الخاء وتشديد الصاد . وقرأ نافع بسكون الخاء وتخفيف الصاد، أي: يخصم بعضهم بعضا . وقرأ حمزة : "يختصمون" بزيادة تاء; والمعنى أن الساعة تأتيهم أغفل ما كانوا عنها وهم متشاغلون في متصرفاتهم وبيعهم وشرائهم، أبي بن كعب فلا يستطيعون توصية قال أعجلوا عن الوصية فماتوا، مقاتل: ولا إلى أهلهم يرجعون أي: لا يعودون من الأسواق إلى منازلهم; فهذا وصف ما يلقون في النفخة الأولى . ثم ذكر ما يلقون في النفخة الثانية فقال: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث يعني القبور، إلى ربهم ينسلون أي: يخرجون بسرعة، وقد شرحنا هذا المعنى في سورة [الأنبياء: 96] . قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو رزين ، ، والضحاك وعاصم الجحدري: "من بعثنا" بكسر الميم والثاء وسكون العين . قال المفسرون: إنما قالوا هذا لأن الله تعالى رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين . قال : ينامون نومة قبل البعث، فإذا بعثوا قالوا هذا . أبي بن كعب
[ ص: 26 ] قوله تعالى: هذا ما وعد الرحمن في قائلي هذا الكلام ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه قول المؤمنين، قاله مجاهد، وقتادة، قال وابن أبي ليلى . أول الآية للكافرين، وآخرها للمؤمنين . قتادة:
والثاني: أنه قول الملائكة لهم، قاله الحسن .
والثالث: أنه قول الكافرين، يقول بعضهم لبعض: هذا الذي أخبرنا به المرسلون أننا نبعث ونجازى، قاله ابن زيد .
قال : "من مرقدنا" هو وقف التمام، ويجوز أن يكون "هذا" من نعت "مرقدنا" على معنى: من بعثنا من مرقدنا هذا الذي كنا راقدين فيه؟ ويكون في قوله: "ما وعد الرحمن" أحد إضمارين، إما "هذا"، وإما "حق"، فيكون المعنى: حق ما وعد الرحمن . الزجاج
[ ص: 27 ] ثم ذكر النفخة الثانية، فقال: إن كانت إلا صيحة واحدة ، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: إن أصحاب الجنة اليوم يعني في الآخرة في شغل قرأ ابن كثير، ونافع، : "في شغل" بإسكان الغين . وقرأ وأبو عمرو عاصم، وابن عامر، وحمزة، "في شغل" بضم الشين والغين . وقرأ والكسائي: أبو هريرة، وأبو رجاء، "في شغل" بفتح الشين والغين . وقرأ وأيوب السختياني: أبو مجلز، وأبو العالية، وعكرمة، ، والضحاك والنخعي، وابن يعمر، والجحدري : "في شغل" بفتح الشين وسكون الغين، وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أن شغلهم افتضاض العذارى، رواه شقيق عن ابن مسعود، عن ومجاهد وبه قال ابن عباس، سعيد بن المسيب، وقتادة، . والضحاك
والثاني: ضرب الأوتار، رواه عن عكرمة وعن ابن عباس; كالقولين، ولا يثبت هذا القول . عكرمة
والثالث: النعمة، قاله وقال مجاهد . شغلهم: نعيمهم عما فيه أهل النار من العذاب . الحسن:
[ ص: 28 ] قوله تعالى: فاكهون وقرأ ابن مسعود، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وقتادة، وأبو الجوزاء، والنخعي، "فكهون" . وهل بينهما فرق؟ فيه قولان . وأبو جعفر:
أحدهما: أن بينهما فرقا .
فأما "فاكهون" ففيه أربعة أقوال . أحدها: فرحون، قاله والثاني: معجبون، قاله ابن عباس . الحسن، والثالث: ناعمون، قاله وقتادة . أبو مالك، والرابع: ذوو فاكهة، كما يقال: فلان لابن تامر، قاله ومقاتل . أبو عبيدة، . وابن قتيبة
وأما "فكهون" ففيه قولان . أحدهما: أن الفكه: الذي يتفكه، تقول العرب للرجل إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكه بكذا، ومنه يقال للمزاح: فكاهة، قاله والثاني: أن فكهين بمعنى فرحين، قاله أبو عبيدة . أبو سليمان الدمشقي .
والقول الثاني: أن فاكهين وفكهين بمعنى واحد، كما يقال: حاذر وحذر، قاله وقال الفراء . : فاكهون وفكهون بمعنى فرحين . وقال الزجاج الفكه: الطيب النفس الضحوك، يقال: رجل فاكه وفكه . أبو زيد:
قوله تعالى: هم وأزواجهم يعني حلائلهم في ظلال وقرأ حمزة، والكسائي، "في ظلل" . قال وخلف: الفراء: الظلال جمع ظل، والظلل جمع ظلة، وقد تكون الظلال جمع ظلة أيضا، كما يقال: خلة وخلل; فإذا كثرت فهي الخلال والخلال والقلال . قال والظلال: أكنان القصور . مقاتل:
[ ص: 29 ] قال والمعنى أنهم لا يضحون . فأما الأرائك، فقد بيناها في سورة [الكهف: 31] . أبو عبيدة:
قوله تعالى: ولهم ما يدعون قال : ما يتمنون، ومنه يقول الناس: هو في خير ما ادعى، أي: ما تمنى، ابن قتيبة والعرب تقول: ادع ما شئت، أي: تمن ما شئت . وقال : هو مأخوذ من الدعاء; والمعنى: كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم . وقوله: الزجاج سلام بدل من "ما"; المعنى: لهم ما يتمنون سلام، أي: هذا منى أهل الجنة أن يسلم الله عليهم . و قولا منصوب على معنى: سلام يقوله الله قولا . قال أبو عبيدة: "سلام" رفع على "لهم"; فالمعنى: لهم فيها فاكهة ولهم فيها سلام، وقال معنى الكلام: لهم ما يدعون مسلم خالص، ونصب القول، كأنك قلت: قاله قولا، وإن شئت جعلته نصبا من قوله: ولهم ما يدعون قولا، كقولك: عدة من الله . وقرأ الفراء: ابن مسعود، وأبي بن كعب، والجحدري : "سلاما قولا" بنصبهما جميعا .