ثم ذكرهم قدرته فقال: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما قال ابن قتيبة : يجوز أن يكون المعنى: مما عملناه بقوتنا وقدرتنا، وفي اليد القدرة والقوة على العمل، فتستعار اليد فتوضع موضعها، هذا مجاز للعرب يحتمله هذا الحرف، والله أعلم بما أراد . وقال غيره: ذكر الأيدي ها هنا يدل على انفراده بما خلق، والمعنى: لم يشاركنا أحد في إنشائنا; والواحد منا إذا قال: عملت هذا بيدي، دل ذلك على انفراده بعمله . وقال أبو سليمان الدمشقي: معنى الآية: مما أوجدناه بقدرتنا وقوتنا; وهذا إجماع أنه لم يرد هاهنا إلا ما ذكرنا .
قوله تعالى: فهم لها مالكون فيه قولان .
أحدهما: ضابطون، قاله قتادة، ومقاتل . قال الزجاج : ومثله في الشعر:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
أي: لا أضبط رأس البعير .
والثاني: قادرون عليها بالتسخير لهم، قاله ابن السائب .
قوله تعالى: وذللناها لهم أي: سخرناها، فهي ذليلة لهم فمنها ركوبهم قال ابن قتيبة : الركوب: ما يركبون، والحلوب: ما يحلبون . قال الفراء: ولو قرأ قارئ: "فمنها ركوبهم"، كان وجها، كما تقول: منها أكلهم وشربهم وركوبهم . وقد قرأ بضم الراء الحسن، وأبو العالية، [ ص: 39 ] والأعمش، وابن يعمر في آخرين . وقرأ أبي بن كعب ، وعائشة: "ركوبتهم" بفتح الراء والباء وزيادة تاء مرفوعة . قال المفسرون: يركبون من الأنعام الإبل، ويأكلون الغنم، ولهم فيها منافع من الأصواف والأوبار والأشعار والنسل ومشارب [من] ألبانها، أفلا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه؟! .
ثم ذكر جهلهم فقال: واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون أي: لتمنعهم من عذاب الله; ثم أخبر أن ذلك لا يكون بقوله: لا يستطيعون نصرهم أي: لا تقدر الأصنام على منعهم من أمر أراده الله بهم وهم يعني الكفار لهم يعني الأصنام جند محضرون وفيه أربعة أقوال .
أحدها: جند في الدنيا محضرون في النار، قاله الحسن .
والثاني: محضرون عند الحساب، قاله مجاهد .
والثالث: المشركون جند للأصنام، يغضبون لها في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تدفع عنهم شرا، قاله قتادة . وقال مقاتل: الكفار يغضبون للآلهة ويحضرونها في الدنيا . وقال الزجاج : هم للأصنام ينتصرون، وهي لا تستطيع نصرهم .
والرابع: هم جند محضرون عند الأصنام يعبدونها، قاله ابن السائب .
قوله تعالى: فلا يحزنك قولهم يعني قول كفار مكة في تكذيبك إنا نعلم ما يسرون في ضمائرهم من تكذيبك وما يعلنون بألسنتهم من ذلك; والمعنى: إنا نثيبك ونجازيهم .


