قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن في سبب نزولها قولان . أحدهما: ما روى الحسن أن معقل بن يسار زوج أخته من رجل من المسلمين ، فكانت عنده ما كانت ، فطلقها تطليقة [ثم تركها ] ومضت العدة ، فكانت أحق بنفسها ، فخطبها مع الخطاب ، فرضيت أن ترجع إليه ، فخطبها إلى معقل ، فغضب معقل ، وقال: أكرمتك بها ، فطلقتها؟! لا والله! لا ترجع إليك آخر ما عليك . قال الحسن: فعلم الله ، عز وجل ، حاجة الرجل إلى امرأته ، وحاجة المرأة إلى بعلها ، فنزلت هذه الآية ، فسمعها معقل ، فقال: سمعا لربي ، وطاعة ، فدعا زوجها ، فقال: أزوجك ، وأكرمك . ذكر عبد الغني الحافظ عن الكلبي أنه سمى هذه المرأة ، فقال: جميلة بنت يسار . والثاني: أن جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له ابنة عم ، فطلقها زوجها تطليقة ، فانقضت عدتها ، ثم رجع يريد رجعتها ، فأبى جابر ، وقال: طلقت ابنة عمنا ، ثم تريد أن تنكحها الثانية؟! وكانت المرأة تريد زوجها ، قد راضته ، فنزلت هذه الآية ، قال السدي: [ ص: 269 ] فأما بلوغ الأجل في هذه الآية ، فهو انقضاء العدة ، بخلاف التي قبلها . قال الشافعي رضي الله عنه: دل اختلاف الكلامين على افتراق البلوغين .
قوله تعالى: (فلا تعضلوهن) خطاب للأولياء . قال ابن عباس ، وابن جبير ، وابن قتيبة في آخرين: معناه: لا تحبسوهن . والعرب تقول للشدائد: معضلات . وداء عضال: قد أعيا . قال أوس بن حجر:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكنه النائي إذا كنت آمنا
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
وقالت ليلى الأخيلية:
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
قال الزجاج: وأصل العضل ، من قولهم: عضلت الدجاجة ، فهي معضل: إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج ، وعضلت الناقة أيضا: إذا احتبس ولدها في بطنها .
قوله تعالى: إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال السدي ، وابن قتيبة: معناه: إذا تراضى الزوجان بالنكاح الصحيح . قال الشافعي: وهذه الآية أبين آية في أنه ليس للمرأة أن تتزوج إلا بولي .
قوله تعالى: ذلك يوعظ به قال مقاتل: الإشارة إلى نهي الولي عن المنع . قال الزجاج: إنما قال: "ذلك" ولم يقل: "ذلكم" وهو يخاطب جماعة ، لأن لفظ الجماعة لفظ الواحد ، والمعنى ذلك أيها القبيل .
[ ص: 270 ] قوله تعالى: ذلكم أزكى لكم يعني رد النساء إلى أزواجهن ، أفضل من التفرقة بينهم (وأطهر) أي: أنقى لقلوبكم من الريبة لئلا يكون هناك نوع محبة ، فيجتمعان على غير وجه صلاح .
قوله تعالى: والله يعلم وأنتم لا تعلمون فيه قولان . أحدهما: أن معناه: يعلم ود كل واحد منهما لصحابه ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والثاني: يعلم مصالحكم عاجلا وآجلا ، قاله الزجاج في آخرين .


