ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين    . 
قوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم  روى  سعد بن أبي وقاص  قال: نزلت هذه الآية في ستة: في ، وفي  ابن مسعود ،   وصهيب ،  وعمار ،  والمقداد ،   وبلال ،  قالت قريش  لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء ، فاطردهم عنك . فدخل على رسول الله من ذلك ما شاء الله أن يدخل ، فنزلت هذه الآية 
وقال  خباب بن الأرت:  نزلت فينا ، كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلمنا بالغداة والعشي ما ينفعنا ، فجاء الأقرع بن حابس ،  وعيينة بن حصن ،  فقالا: إنا من أشراف قومنا ، وإنا نكره أن يرونا معهم ، فاطردهم إذا جالسناك . قال: "نعم" . 
 [ ص: 45 ] فقالوا: لا نرضى حتى تكتب بيننا كتابا ، فأتى بأديم ودواة ، ودعا عليا ليكتب ، فلما أراد ذلك ، ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل  بقوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم  إلى قوله: فتنا بعضهم ببعض  ، فرمى بالصحيفة ودعانا ، فأتيناه وهو يقول: سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة   . فدنونا منه يومئذ حتى وضعنا ركبنا على ركبته . وقال  ابن مسعود:  مر الملأ من قريش  على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده  خباب ،   وصهيب ،   وبلال ،  وعمار ،  فقالوا: يا محمد ،  رضيت بهؤلاء ، أتريد أن نكون تبعا لهم؟ فنزلت: ولا تطرد الذين يدعون ربهم   . وقال  عكرمة:  جاء عتبة ،  وشيبة ابنا ربيعة ،  ومطعم بن عدي ،  والحارث بن نوفل ،  في أشراف بني عبد مناف ،  إلى أبي طالب  فقالوا: لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم في صدورنا ، وأدنى لاتباعنا إياه ، فأتاه أبو طالب  فحدثه بذلك ، فقال  عمر بن الخطاب:  لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون ، فنزلت هذه الآيات ، فأقبل  عمر  يعتذر من مقالته . وروى  أبو صالح  عن  ابن عباس:  أن هذه الآيات نزلت في الموالي ، منهم  بلال ،   وصهيب ،   وخباب ،  وعمار ،  ومهجع ،   وسلمان ،  وعامر بن فهيرة ،  وسالم مولى أبي حذيفة;  وأن قوله: وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم  نزلت فيهم أيضا . وقد روى  العوفي  عن  ابن عباس:  أن ناسا من  [ ص: 46 ] الأشراف قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نؤمن لك ، وإذا صلينا فأخر هؤلاء الذين معك ، فليصلوا خلفنا . فعلى هذا ، إنما سألوه تأخيرهم عن الصف ، وعلى الأقوال التي قبله ، سألوه طردهم عن مجلسه . 
قوله تعالى: يدعون ربهم  في هذا الدعاء خمسة أقوال . 
أحدها: أنه الصلاة ، المكتوبة قاله  ابن عمر ،   وابن عباس .  وقال  مجاهد:  هي الصلوات الخمس; وفي رواية عن  مجاهد ،   وقتادة  قالا: يعني صلاة الصبح والعصر . وزعم  مقاتل  أن الصلاة يومئذ كانت ركعتين بالغداة ، وركعتين بالعشي; ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك . 
والثاني: أنه ذكر الله تعالى ، قاله  إبراهيم النخعي ،  وعنه كالقول الأول . 
والثالث: أنه عبادة الله ، قاله  الضحاك .  
والرابع: أنه تعلم القرآن غدوة وعشية ، قاله أبو جعفر   . 
والخامس: أنه دعاء الله بالتوحيد ، والإخلاص له ، وعبادته ، قاله  الزجاج   . وقرأ الجمهور: "بالغداة" وقرأ  ابن عامر  هاهنا وفي [الكهف] أيضا: "بالغدوة" بضم الغين وإسكان الدال وبعدها واو . 
قال  الفراء:  والعرب لا تدخل الألف واللام على "الغدوة" لأنها معرفة بغير ألف ولام ، ولا تضيفها العرب ،  يقولون: أتيتك غداة الخميس ، ولا يقولون: غدوة الخميس ، فهذا دليل على أنها معرفة . 
وقال أبو علي:  الوجه: الغداة ، لأنها تستعمل نكرة ، وتتعرف باللام; وأما غدوة ، فمعرفة . 
وقال  الخليل:  يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة ، فجعلها بمنزلة ضحوة ، فهذا وجه قراءة  ابن عامر .   [ ص: 47 ] فإن قيل: دعاء القوم كان متصلا بالليل والنهار ، فلماذا خص الغداة والعشي؟ فالجواب: أنه نبه بالغداة على جميع النهار ، وبالعشي على الليل ، لأنه إذا كان عمل النهار خالصا له ، كان عمل الليل أصفى . 
قوله تعالى: يريدون وجهه  قال  الزجاج   : أي يريدون الله ، فيشهد الله لهم بصحة النيات ، وأنهم مخلصون في ذلك . 
وأما الحساب المذكور في الآية ، ففيه ثلاثة أقوال . 
أحدها: أنه حساب الأعمال ، قاله  الحسن .  
والثاني: حساب الأرزاق . والثالث: أنه بمعنى الكفاية; والمعنى: ما عليك من كفايتهم ، ولا عليهم كفايتك . 
قوله تعالى: فتكون من الظالمين  قال  ابن الأنباري:  عظم هذا الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم ، وخوف بالدخول في جملة الظالمين ، لأنه كان قد هم بتقديم الرؤساء على الضعفاء . 
				
						
						
