ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول [ ص: 256 ] المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين قوله تعالى: ولما جاء موسى لميقاتنا قال ، أي: للوقت الذي وقتنا له وكلمه ربه أسمعه كلامه ، ولم يكن فيما بينه وبين الله عز وجل فيما سمع أحد . الزجاج قال رب أرني أنظر إليك أي: أرني نفسك .
قوله تعالى: قال لن تراني تعلق بهذا نفاة الرؤية وقالوا:"أن" لنفي الأبد ، وذلك غلط ، لأنها قد وردت وليس المراد بها الأبد في قوله: ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم [البقرة:95] ثم أخبر عنهم بتمنيه في النار بقوله: يا مالك ليقض علينا ربك [الزخرف:77] ولأن قال في تفسيرها: لن تراني في الدنيا . وقال غيره: هذا جواب لقول ابن عباس موسى: "أرني" ولم يرد: أرني في الآخرة ، وإنما أراد في الدنيا ، فأجيب عما سأل . وقال بعضهم: لن تراني بسؤالك . وفي هذه الآية دلالة على جواز الرؤية ، لأن موسى مع علمه بالله تعالى ، سألها ، ولو كانت مما يستحيل لما جاز لموسى أن يسألها ، ولا يجوز أن يجهل موسى مثل ذلك ، لأن ، ولأن الله تعالى لم ينكر عليه المسألة وإنما منعه من الرؤية ، ولو استحالت عليه لقال: "لا أرى" ألا ترى أن معرفة الأنبياء بالله ليس فيها نقص نوحا لما قال: إن ابني من أهلي [هود:45] أنكر عليه بقوله: إنه ليس من أهلك [هود:45] . ومما يدل على أنه علقها باستقرار الجبل ، وذلك جائز غير مستحيل ، فدل على أنها جائزة ، ألا ترى أن دخول الكفار الجنة لما استحال علقه بمستحيل فقال: جواز الرؤية حتى يلج الجمل في سم الخياط [الأعراف:40] .
قوله تعالى: فإن استقر مكانه أي: ثبت ولم يتضعضع . [ ص: 257 ] قوله تعالى: فلما تجلى ربه قال : ظهر ، وبان . الزجاج جعله دكا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، دكا" منونة مقصورة هاهنا وفي (الكهف:98) وقرأ وابن عامر:" "دكا" ها هنا منونة مقصورة ، وفي دكاء ممدودة غير منونة وقرأ عاصم: حمزة "دكاء" ممدودة غير منونة في الموضعين . قال والكسائي: "جعله دكا" أي: مندكا ، والدك: المستوي; والمعنى: مستويا مع وجه الأرض ، يقال: ناقة دكاء ، أي: ذاهبة السنام مستو ظهرها . قال أبو عبيدة: كأن سنامها دك ، أي: التصق ، قال: ويقال: إن أصل دككت: دققت ، فأبدلت القاف كافا لتقارب المخرجين . وقال ابن قتيبة: في قوله: "جعله دكا" ساخ الجبل . قال أنس بن مالك : واسم الجبل: ابن عباس زبير وهو أعظم جبل بمدين ، وإن الجبال تطاولت ليتجلى لها ، وتواضع زبير فتجلى له .
قوله تعالى: وخر موسى صعقا فيه قولان .
أحدهما: مغشيا عليه ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وابن زيد .
والثاني: ميتا ، قاله قتادة ، والأول أصح ، لقوله: ومقاتل ، فلما أفاق وذلك لا يقال للميت . وقيل: بقي في غشيته يوما وليلة
قوله تعالى: سبحانك تبت إليك فيما تاب منه ثلاثة أقوال .
أحدها: سؤاله الرؤية ، قاله ابن عباس ، والثاني: من الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها . والثالث: اعتقاد جواز رؤيته في الدنيا . ومجاهد .
وفي قوله: وأنا أول المؤمنين قولان . [ ص: 258 ] أحدهما: أنك لن ترى في الدنيا ، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: أول المؤمنين من بني إسرائيل ، رواه عن عكرمة ابن عباس .
قوله تعالى: إني اصطفيتك فتح ياء "إني" ابن كثير ، وقرأ وأبو عمرو . ابن كثير ، "برسالتي" قال ونافع: : المعنى اتخذتك صفوة على الناس برسالاتي وبكلامي ، ولو كان إنما سمع كلام غير الله لما قال:" برسالاتي وبكلامي" لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام الله . الزجاج