قوله تعالى: ولما سقط في أيديهم أي: ندموا . قال الزجاج : يقال للرجل النادم على ما فعل ، المتحسر على ما فرط: قد سقط في يده ، وأسقط في يده .
وقرأ ابن السميفع ، وأبو عمران الجوني: "سقط" بفتح السين . قال الزجاج : والمعنى: ولما سقط الندم في أيديهم ، يشبه ما يحصل في القلب وفي النفس بما يرى بالعين . قال المفسرون: هذا الندم منهم إنما كان بعد رجوع موسى .
قوله تعالى: لئن لم يرحمنا ربنا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم: يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي: "ترحمنا" " وتغفر لنا " بالتاء "ربنا" بالنصب .
قوله تعالى: غضبان أسفا في الأسف ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الحزين ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والسدي . والثاني: الجزع ، قاله مجاهد . والثالث: أنه الشديد الغضب ، قاله ابن قتيبة ، والزجاج . وقال أبو الدرداء: الأسف: منزلة وراء الغضب أشد منه .
[ ص: 264 ] قوله تعالى: قال أي: لقومه بئسما خلفتموني من بعدي فتح ياء "بعدي" أهل الحجاز ، وأبو عمرو; والمعنى: بئس ما عملتم بعد فراقي من عبادة العجل . أعجلتم أمر ربكم قال الفراء: يقال: عجلت الأمر والشيء: سبقته ، ومنه هذه الآية . وأعجلته: استحثثته . قال ابن عباس : أعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له؟! قال الحسن: يعني وعد الأربعين ليلة .
قوله تعالى: وألقى الألواح التي فيها التوراة . وفي سبب إلقائه إياها قولان .
أحدهما: أنه الغضب حين رآهم قد عبدوا العجل ، قاله ابن عباس .
والثاني: أنه لما رأى فضائل غير أمته من أمة محمد صلى الله عليه وسلم اشتد عليه ، فألقاها ، قاله قتادة ، وفيه بعد . قال ابن عباس : لما رمى بالألواح فتحطمت ، رفع منها ستة أسباع ، وبقي سبع .
قوله تعالى: وأخذ برأس أخيه في ما أخذ به من رأسه ثلاثة أقوال .
أحدها: لحيته وذؤابته . والثاني: شعر رأسه . والثالث: أذنه . وقيل: إنما فعل به ذلك ، لأنه توهم أنه عصى الله بمقامه بينهم وترك اللحوق به ، وتعريفه ما أحدثوا بعده ليرجع إليهم فيتلافاهم ويردهم إلى الحق ، وذلك قوله: ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني
قوله تعالى: ابن أم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم: "قال ابن أم" نصبا . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: بكسر الميم ، وكذلك في [طه:94] . قال الزجاج : من فتح الميم ، فلكثرة استعمال هذا الاسم ، ومن كسر ، أضافه إلى نفسه بعد أن جعله اسما واحدا ، ومن العرب من يقول: "يا ابن أمي" بإثبات الياء . قال الشاعر: [ ص: 265 ]
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي أنت خليفتي لدهر شديد
وقال أبو علي: يحتمل أن يريد من فتح: "يا ابن أم" أما ، ويحذف الألف ، ومن كسر: "ابن أمي" فيحذف الياء . فإن قيل: لم قال "يا ابن أم" ولم يقل: "يا ابن أب"؟ فالجواب أن ابن عباس قال: كان أخاه لأبيه وأمه ، وإنما قال له ذلك ليرفقه عليه . قال أبو سليمان الدمشقي: والإنسان عند ذكر الوالدة أرق منه عند ذكر الوالد . وقيل: كان لأمه دون أبيه ، حكاه الثعلبي .
قوله تعالى: إن القوم يعني عبدة العجل . استضعفوني أي: استذلوني . فلا تشمت بي الأعداء قرأ عبد الله بن عباس ، ومالك بن دينار ، وابن عاصم: " فلا تشمت" بتاء مفتوحة مع فتح الميم ، "الأعداء" بالرفع . وقرأ مجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وأبو رجاء: "فلا تشمت" بفتح التاء وكسر الميم ، "الأعداء" بالنصب . وقرأ أبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة مثل ذلك ، إلا أنهما رفعا "الأعداء" . ويعني بالأعداء: عبدة العجل . ولا تجعلني في موجدتك وعقوبتك لي مع القوم الظالمين وهم عبدة العجل . فلما تبين له عذر أخيه قال رب اغفر لي
قوله تعالى: وذلة في الحياة الدنيا فيها قولان .
أحدهما: أنها الجزية ، قاله ابن عباس . والثاني ما أمروا به من قتل أنفسهم ، قاله الزجاج . فعلى الأول يكون ما أضيف إليهم من الجزية في حق أولادهم ، لأن [ ص: 266 ] أولئك قتلوا ولم يؤدوا جزية . قال عطية: وهذه الآية فيما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء لتوليهم متخذي العجل ورضاهم به .
قوله تعالى: وكذلك نجزي المفترين قال ابن عباس : كذلك أعاقب من اتخذ إلها دوني . وقال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا وهو يجد فوق رأسه ذلة ، وقرأ هذه الآية . وقال سفيان بن عيينة: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه قال: وهي في كتاب الله تعالى . قالوا: وأين هي؟ قال: أوما سمعتم قوله: إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا قالوا: يا أبا محمد ، هذه لأصحاب العجل خاصة ، قال كلا ، اتل ما بعدها . وكذلك نجزي المفترين فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة .


