[ ص: 620 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[237] وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير .
وإن طلقتموهن - أي: الزوجات: من قبل أن تمسوهن أي: تجامعوهن. قال أبو مسلم: وإنما كنى تعالى بقوله: تمسوهن عن المجامعة، تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به وقد فرضتم أي: سميتم: لهن فريضة أي: مهرا مقدرا: فنصف ما فرضتم أي: فلهن نصف ما سميتم لهن من المهر، أو فالواجب عليكم ذلك: إلا أن يعفون أي: المطلقات عن أزواجهن، فلا يطالبنهم بنصف المهر. وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته ولا أستمتع بي فكيف آخذ منه شيئا..؟: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج، فيسوق إليها المهر كاملا، أو الولي، يعني: إذا كانت صغيرة - أو غير جائزة التصرف - فيترك نصيبها للزوج.
قال في " موطئه " في هذه الآية: هو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وكلا التأويلين مروي عن عدة من الصحابة والتابعين. مالك
قال إذا قرن هذا الإيراد بقوله: الحرالي: ولا تعزموا عقدة النكاح خطابا للأزواج قوي فسر من جعل: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج معادلة للزوجات، ومن خص عفوهن بالمالكات - أي: الرشيدات - خص هذا بالأولياء.
ونقل أن ابن جرير: رجع إلى أنه الزوج، وكان يباهل عليه. الشعبي
وقال القول بأنه الولي ظاهر الصحة. الزمخشري:
وقال الناصر في " حواشيه ": وصدق أنه قول ظاهر الصحة، عليه رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه ستة. ساقها بألطف بيان، فانظرها، والله أعلم. الزمخشري
[ ص: 621 ] وأن تعفوا أقرب للتقوى هذا خطاب للرجال والنساء جميعا، وغلب التذكير نظرا للأشرف، وروى عن ابن جرير قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو، وذلك لأن من سمح بترك حقه كان محسنا، وذلك عنوان التقوى: ابن عباس ولا تنسوا الفضل بينكم أي: التفضل بالإحسان لما فيه من الألفة وطيب الخاطر، فهو حث على العفو، فمن عفا منهما فله الفضل على الآخر، ومعلوم أن النسيان ليس في الوسع حتى ينهى عنه، فالمراد منه الترك، أي: لا تتركوه ترك المنسي، فالتعبير بالنسيان آكد في النهي، والخطاب هنا أيضا للقبيلين بالتغليب، كالذي قبله، وخصه بالرجال، قال: الحرالي
فمن حق الزوج - الذي له فضل الرجولة - أن يكون هو العافي، وأن لا يؤخذ النساء بالعفو، ولذلك لم يأت في الخطاب أمر لهن ولا تحريض، فمن أقبح ما يكون حمل الرجل على المرأة في استرجاع ما آتاها بما يصرح به قوله: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فينبغي أن لا تنسوا ذلك الفضل فتجرون عليه حيث لم تلزموا به.
وقد حكى عن الزمخشري أنه تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها، فأكمل لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو..! وعنه: أنه دخل على جبير بن مطعم، فعرض عليه بنتا له فتزوجها، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق كاملا، فقيل له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها علي فكرهت رده. قيل: فلم بعثت بالصداق؟ قال: فأين الفضل. سعد بن أبي وقاص
وقوله تعالى: إن الله بما تعملون بصير أي: فلا يضيع تفضلكم وإحسانكم. ولما كانت الحقوق المشروعة قبل، مما قد يشق القيام بها على بعض الناس، أمروا بما يخفف عنهم عبئها ويحبب إليهم أداءها، وذلك بالمحافظة على الصلوات فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذا أمر بها تعالى - إثر ما تقدم - بقوله سبحانه: