القول في تأويل قوله تعالى:
[ ص: 4950 ] [ 20 - 21 ] ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ .
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه قال : قرئ: صدق، بالتشديد والتخفيف، ورفع لفظ (إبليس)، ونصب (الظن). فمن شدد، فعلى: (حقق عليهم ظنه، ووجده ظنه صادقا); أي: صدق بمعنى حقق مجازا; لأنه ظن شيئا فوقع فحققه. الزمخشري
وقوله: أو وجده ظنه صادقا. فإن العرب تقول صدقك ظنك. والمعنى أن إبليس كان يسول له ظنه شيئا فيهم، فلما وقع جعل كأنه صدقه. ا هـ شهاب.
ومن خفف فعلى: (صدق في ظنه، أو صدق يظن ظنا). نحو فعلته جهدك; أي: فـ: (ظنه)، منصوب على الظرفية بنزع الخافض، وأصله: (في ظنه); أي: وجد ظنه مصيبا في الواقع، فـ: (صدق)، حينئذ بمعنى أصاب، مجازا. أو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر. كفعلته جهدك، أي: وأنت تجهد جهدك. فالمصدر وعامله في موقع الحال. ا هـ شهاب.
وبنصب إبليس ورفع (الظن)، فمن شدد فعلى: (وجد ظنه صادقا). ومن خفف، فعلى:( قال له ظنه الصدق حين خيله إغواؤهم ) برفع: ( إغواؤهم) على الفاعلية، أو نصبه على الحذف والإيصال، وفاعله وضمير الظن; أي: خيل له إغواءهم. ا هـ شهاب. يقولون: صدقك ظنك.
وبالتخفيف ورفعهما، أي: على إبدال الظن من إبليس، بدل اشتمال. ا هـ شهاب. على: صدق عليهم ظن إبليس. انتهى.
وذلك إما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات، أو ببني آدم حينما رأى ما ركب فيهم من الشهوة والغضب.
فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك أي: ما كان له عليهم من تسليط واستيلاء [ ص: 4951 ] بالوسوسة والاستغواء، إلا لغرض صحيح وحكمة بينة، وذلك أن يتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها، وعلل التسليط بالعلم. والمراد ما تعلق به العلم. قاله . يعني أن العلم المستقبل المعلل به هنا، ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس. بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب. الزمخشري
فالمعنى ما سلطناه عليهم إلا ليبرز من كمون الغيب ما علمناه، فتظهر الحكمة فيه بتحقق ما أردناه من الجزاء أو لازمه، وهو ظهور المعلوم.
ويجوز أن يكون المعنى: لنجزي على الإيمان وضده. كذا في(" العناية"): وربك على كل شيء حفيظ أي: رقيب قائم على أحواله وأوامره.