الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [10] والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم

                                                                                                                                                                                                                                      والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم [ ص: 5744 ] يعني بالذين جاءوا من بعدهم الذين هاجروا حين قوي الإسلام من بعد الذين هاجروا مخرجين من ديارهم، فالمراد مجيئهم إلى المدينة بعد مدة. والمجيء حسي. وقيل: هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة; فالمجيء إما إلى الوجود، أو إلى الإيمان. ونظير هذه الآية آية براءة:

                                                                                                                                                                                                                                      والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب: والمراد بدعاء اللاحق للسابق، والخلف للسلف، أنهم متبعون لهم، أو هو تعليم لهم بأن يدعوا لمن قبلهم، ويذكروهم بالخير.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      جعل الزمخشري قوله: " والذين " عطفا على " المهاجرين " كالموصول قبله في قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      والذين تبوءوا إلخ. فيكون قوله: " يحبون " وقوله: " يقولون " حالين. وجوز السمين وجها ثانيا، وهو كون الموصول فيهما مبتدأ، وما بعده خبره. وعندي أن هذا هو الوجه، ما قبله تكلف، وأن الموصولين مستأنفان لمدح إيمان الأنصار والتابعين لهم بتلك الأخلاق الفاضلة، والخصال الكاملة. وما حمل الزمخشري ومن تابعه على الاقتصار على الوجه الأول إلا لتشمل أصناف من يستحق الفيء من فقراء كل، كأنه قيل: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا إلخ، " و " للفقراء " الذين تبوءوا " إلخ. وللفقراء الذين جاءوا من بعدهم... إلخ، مع أن سياق الآيات المذكورة، ورعاية وقت نزولها، والمهاجرون في جهد، والأنصار في سعة ورغد -يقضي بأن المقصود منها للفيء، هو فقراء المهاجرين خاصة وأن الذين تبوءوا الدار في غنى عنه وعدم تشوف إليه، لشدة محبتهم لإخوانهم، بل رغبتهم في إيثارهم. ثم بين تعالى حال من يجيء بعدهم بأنه يثني على من سبقه، ويدعو له ابتهاجا بما [ ص: 5745 ] أتوا، واغتباطا بما عملوا؛ لأنهم بين مهاجر عن أهله وأمواله، محبة في الله ورسوله، وبين محب لمن هاجر، مكرم له، بل مؤثر إياه، مما أشف عن قوة الإيمان، والإخلاص في تدعيم روابط الإيقان، هذا هو الظاهر من نظم الآيات الكريمة، وذوق سوقها. وأما فقراء الصنفين الآخرين، فإنهم يستحقون من الفيء قياسا على الصنف الأول، لاشتراكهم في الفقر، إلا أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك أحد من الأنصار في تلك الواقعة فقرا، إلا سهلا وأبا دجانة -كما تقدم- فأعطاهما صلى الله عليه وسلم. وأما في غيرها من الوقائع التي كثرت فيها المغانم، فقد كان حظهم منها ما هو معروف ومبين في آيات أخر، فإن التنزيل الكريم بين مقاسم الأموال لذويها في عدة آيات.

                                                                                                                                                                                                                                      روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ: إنما الصدقات للفقراء والمساكين حتى بلغ: عليم حكيم ثم قال: هذه لهؤلاء. ثم قرأ: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الآية. ثم قال: هذه الآية لهؤلاء. ثم قرأ: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ: والذين جاءوا من بعدهم ثم قال: استوعبت هذه الآية المسلمين عامة، فليس أحد إلا له فيها حق. ثم قال: لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسير حمره، نصيبه، لم يعرق فيها جبينه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية