القول في تأويل قوله تعالى : 
[ 134 ] الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين   
الذين ينفقون في السراء  أي : في حال الرخاء واليسر : والضراء  أي : في حال الضيقة والعسر . وإنما افتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس ، فمخالفتها فيه منقبة [ ص: 974 ] شامخة : والكاظمين الغيظ  أي : الممسكين عليه في نفوسهم ، الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه ، اتقاء التعدي فيه إلى ما وراء حقه . 
روى الإمام  أحمد  عن جارية بن قدامة السعدي  أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله قل لي قولا ينفعني وأقلل علي لعلي أعيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تغضب » . فأعاد عليه . حتى أعاد عليه مرارا . كل ذلك يقول : « لا تغضب »  - انفرد به  أحمد   - وروي من طريق آخر أن رجلا قال : يا رسول الله أوصني ، قال : « لا تغضب » قال الرجل : ففكرت حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله  : والعافين عن الناس  أي : ظلمهم لهم ، ولو كانوا قد قتلوا منهم ، فلا يؤاخذون أحدا بما يجني عليهم ، ولا يبقى في أنفسهم موجدة ، كما قال تعالى : وإذا ما غضبوا هم يغفرون  قال  القفال  رحمه الله : يحتمل أن يكون هذا راجعا إلى ما ذم من فعل المشركين في أكل الربا . فنهي المؤمنون عن ذلك ، وندبوا إلى العفو عن المعسرين ، قال تعالى عقيب قصة الربا والتداين : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون  ويحتمل أن يكون كما قال تعالى في الدية : فمن عفي له من أخيه شيء  إلى قوله : وأن تصدقوا خير لكم  ويحتمل  [ ص: 975 ] أن يكون هذا بسبب غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين مثلوا  بحمزة  وقال : « لأمثلن بهم »  . فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه ، والكف عن فعل ما ذكر أنه يفعله من المثلة ، فكان تركه فعل ذلك عفوا . قال تعالى في هذه القصة : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين   - انتهى - . 
وظاهر أن عموم الآية مما يشمل كل ما ذكر ؛ إذ لا تعيين : والله يحب المحسنين  اللام إما للجنس ، وهم داخلون فيه دخولا أوليا . وإما للعهد ، عبر عنهم بالمحسنين إيذانا بأن النعوت المعدودة من باب الإحسان الذي هو الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي ، وقد فسره - صلى الله عليه وسلم - بقوله : « أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك »  . والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها - أفاده أبو السعود   - . 
 [ ص: 976 ] 
				
						
						
