[ ص: 33 ] وقال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فصل قد ذكرت فيما تقدم : الكلام على " الملك " : هل هو جائز في شريعتنا ولكن خلافة النبوة مستحبة وأفضل منه ؟ أم خلافة النبوة واجبة ؟ وإنما تجويز تركها إلى الملك للعذر كسائر الواجبات ؟ تكلمت على ذلك .
وأما في شرع من قبلنا ; فإن الملك جائز ; كالغنى يكون للأنبياء تارة وللصالحين أخرى قال الله تعالى في
داود : {
nindex.php?page=tafseer&surano=260&ayano=2وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } وقال عن
سليمان : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4043&ayano=38رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } وقال عن
يوسف : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1709&ayano=12رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث } فهؤلاء ثلاثة أنبياء أخبر الله أنه آتاهم الملك وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=551&ayano=4أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=552&ayano=4فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا } فهذا ملك
لآل إبراهيم وملك
لآل داود وقد قال
مجاهد في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=322&ayano=3تؤتي الملك من تشاء } قال : النبوة فجعل النبوة نفسها ملكا .
[ ص: 34 ] والتحقيق أن
nindex.php?page=treesubj&link=29638من النبوة ما يكون ملكا ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29638النبي له ثلاثة أحوال : إما أن يكذب ; ولا يتبع ولا يطاع : فهو نبي لم يؤت ملكا . وإما أن يطاع . فنفس كونه مطاعا هو ملك ; لكن إن كان لا يأمر إلا بما أمر به : فهو عبد رسول ليس له ملك . وإن كان يأمر بما يريده مباحا له ذلك بمنزلة الملك كما قيل
لسليمان : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4047&ayano=38هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } فهذا نبي ملك .
فالملك هنا قسيم العبد الرسول كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601090اختر إما عبدا رسولا وإما نبيا ملكا } . وأما بالتفسير الأول وهو " الطاعة والاتباع " فقسم من النبوة والرسالة وهؤلاء أكمل . وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28753حال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه كان عبدا رسولا . مؤيدا مطاعا متبوعا فأعطي فائدة كونه مطاعا متبوعا ليكون له مثل أجر من اتبعه ولينتفع به الخلق ويرحموا به . ويرحم بهم . ولم يختر أن يكون ملكا لئلا ينقص ; لما في ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال [ عن ] نصيبه في الآخرة ; فإن العبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك ; ولهذا كان أمر
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم : أفضل من
داود وسليمان .
ويوسف حتى إن من
أهل الكتاب من طعن في نبوة
داود وسليمان كما يطعن كثير من الناس في ولاية بعض أهل الرياسة والمال ; وليس الأمر كذلك .
[ ص: 35 ] وأما " الملوك الصالحون " فقوله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=256&ayano=2إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=256&ayano=2وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت } وقوله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2241&ayano=18ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2242&ayano=18إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا } الآية . قال
مجاهد : ملك الأرض مؤمنان وكافران فالمؤمنان
سليمان Multitarajem.php?tid=15872,15873وذو القرنين . والكافران
بختنصر ونمرود وسيملكها خامس من هذه الأمة . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=694&ayano=5يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا } . وأما " جنس الملوك " فكثيرة كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2237&ayano=18وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1651&ayano=12وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف } .
[ ص: 33 ] وَقَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ : الْكَلَامُ عَلَى " الْمُلْكِ " : هَلْ هُوَ جَائِزٌ فِي شَرِيعَتِنَا وَلَكِنَّ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَفْضَلُ مِنْهُ ؟ أَمْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَاجِبَةٌ ؟ وَإِنَّمَا تَجْوِيزٌ تَرْكِهَا إلَى الْمُلْكِ لِلْعُذْرِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ؟ تَكَلَّمْت عَلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا ; فَإِنَّ الْمُلْكَ جَائِزٌ ; كَالْغِنَى يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ تَارَةً وَلِلصَّالِحِينَ أُخْرَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
داود : {
nindex.php?page=tafseer&surano=260&ayano=2وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ } وَقَالَ عَنْ
سُلَيْمَانَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4043&ayano=38رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وَقَالَ عَنْ
يُوسُفَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1709&ayano=12رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةُ أَنْبِيَاءٍ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ آتَاهُمْ الْمُلْكَ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=551&ayano=4أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=552&ayano=4فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } فَهَذَا مُلْكٌ
لِآلِ إبْرَاهِيمَ وَمُلْكٌ
لِآلِ داود وَقَدْ قَالَ
مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=322&ayano=3تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } قَالَ : النُّبُوَّةُ فَجَعَلَ النُّبُوَّةَ نَفْسَهَا مُلْكًا .
[ ص: 34 ] وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29638مِنْ النُّبُوَّةِ مَا يَكُونُ مُلْكًا ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29638النَّبِيَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : إمَّا أَنْ يَكْذِبَ ; وَلَا يَتَّبِعَ وَلَا يُطَاعَ : فَهُوَ نَبِيٌّ لَمْ يُؤْتَ مُلْكًا . وَإِمَّا أَنْ يُطَاعَ . فَنَفْسُ كَوْنِهِ مُطَاعًا هُوَ مُلْكٌ ; لَكِنْ إنْ كَانَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا أُمِرَ بِهِ : فَهُوَ عَبْدٌ رَسُولٌ لَيْسَ لَهُ مُلْكٌ . وَإِنْ كَانَ يَأْمُرُ بِمَا يُرِيدُهُ مُبَاحًا لَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَلَكِ كَمَا قِيلَ
لِسُلَيْمَانَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4047&ayano=38هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } فَهَذَا نَبِيٌّ مَلَكٌ .
فَالْمَلَكُ هُنَا قَسِيمُ الْعَبْدِ الرَّسُولِ كَمَا قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601090اخْتَرْ إمَّا عَبْدًا رَسُولًا وَإِمَّا نَبِيًّا مَلَكًا } . وَأَمَّا بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ " الطَّاعَةُ وَالِاتِّبَاعُ " فَقِسْمٌ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَهَؤُلَاءِ أَكْمَلُ . وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28753حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ عَبْدًا رَسُولًا . مُؤَيَّدًا مُطَاعًا مَتْبُوعًا فَأُعْطِيَ فَائِدَةَ كَوْنِهِ مُطَاعًا مَتْبُوعًا لِيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ اتَّبَعَهُ وَلِيَنْتَفِعَ بِهِ الْخَلْقُ وَيُرْحَمُوا بِهِ . وَيُرْحَمُ بِهِمْ . وَلَمْ يَخْتَرْ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا لِئَلَّا يُنْقَصَ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ [ عَنْ ] نَصِيبِهِ فِي الْآخِرَةِ ; فَإِنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ النَّبِيِّ الْمَلَكِ ; وَلِهَذَا كَانَ أَمْرُ
نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ : أَفْضَلَ مِنْ
داود وَسُلَيْمَانَ .
وَيُوسُفَ حَتَّى إنَّ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ طَعَنَ فِي نُبُوَّةِ
داود وَسُلَيْمَانَ كَمَا يَطْعَنُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي وِلَايَةِ بَعْضِ أَهْلِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ ; وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ .
[ ص: 35 ] وَأَمَّا " الْمُلُوكُ الصَّالِحُونَ " فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=256&ayano=2إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=256&ayano=2وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ } وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2241&ayano=18وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2242&ayano=18إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } الْآيَةُ . قَالَ
مُجَاهِدٌ : مَلَكَ الْأَرْضَ مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فَالْمُؤْمِنَانِ
سُلَيْمَانُ Multitarajem.php?tid=15872,15873وَذُو الْقَرْنَيْنِ . وَالْكَافِرَانِ
بختنصر ونمرود وَسَيَمْلِكُهَا خَامِسٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=694&ayano=5يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } . وَأَمَّا " جِنْسُ الْمُلُوكِ " فَكَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2237&ayano=18وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1651&ayano=12وَقَالَ الْمَلِكُ إنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } .