وهو سبحانه ذكر وجل القلب من ذكره ثم ذكر زيادة الإيمان عند تلاوة كتابه علما وعملا   . ثم لا بد من التوكل على الله فيما لا يقدر عليه  ومن طاعته فيما يقدر عليه وأصل ذلك " الصلاة " و " الزكاة " . فمن قام بهذه الخمس كما أمر لزم أن يأتي بسائر الواجبات . بل " الصلاة نفسها " إذا فعلها كما أمر فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر ; كما روي عن ابن مسعود  وابن عباس   : إن في الصلاة منتهى ومزدجرا عن معاصي الله فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا " . وقوله : " لم يزدد إلا بعدا " إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله ، أبعده ترك الواجب الأكثر من الله أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل ، وهذا  [ ص: 31 ] كما في " الصحيح " { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا  } . وقد قال تعالى : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا   } . وفي السنن عن عمار   { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها ، إلا ثلثها . . حتى قال : إلا عشرها  } وعن ابن عباس  قال : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها . وهذا وإن لم يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء لكن يؤمر بأن يأتي من التطوعات بما يجبر نقص فرضه . 
ومعلوم أن من حافظ على الصلوات بخشوعها الباطن وأعمالها الظاهرة وكان يخشى الله الخشية التي أمره بها ; فإنه يأتي بالواجبات ; ولا يأتي كبيرة . ومن أتى الكبائر - مثل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ; وغير ذلك - فلا بد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية والخشوع والنور ; وإن بقي أصل التصديق في قلبه . وهذا من " الإيمان " الذي ينزع منه عند فعل الكبيرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن  } . فإن " المتقين " كما وصفهم الله بقوله : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون   }  فإذا طاف بقلوبهم طائف من الشيطان  [ ص: 32 ] تذكروا فيبصرون . قال سعيد بن جبير   : هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله ; فيكظم الغيظ . وقال ليث  عن مجاهد   : هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه . والشهوة والغضب مبدأ السيئات فإذا أبصر رجع ثم قال : { وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون   } . أي : وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون . قال ابن عباس   : لا الإنس تقصر عن السيئات . ولا الشياطين تمسك عنهم . فإذا لم يبصر بقي قلبه في غي والشيطان يمده في غيه . وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب . فذلك النور والإبصار . وتلك الخشية والخوف يخرج من قلبه . وهذا : كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى ; فكذلك القلب بما يغشاه من رين الذنوب لا يبصر الحق . وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر . وهكذا جاء في الآثار : قال  أحمد بن حنبل  في كتاب ( الإيمان ) : حدثنا يحيى  عن أشعث  عن الحسن  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ينزع منه الإيمان ; فإن تاب أعيد إليه  } . وقال : حدثنا يحيى  عن عوف  قال : قال الحسن   : " يجانبه الإيمان ما دام كذلك فإن راجع راجعه الإيمان " . 
وقال أحمد   : حدثنا معاوية  عن أبي إسحاق  عن الأوزاعي  قال : وقد قلت للزهري  حين ذكر هذا الحديث - { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن  } فإنهم يقولون : فإن لم يكن مؤمنا فما هو ؟ قال : فأنكر ذلك . وكره مسألتي عنه . وقال أحمد   : حدثنا  عبد الرحمن بن مهدي   . عن سفيان  عن إبراهيم بن  [ ص: 33 ] مهاجر  عن مجاهد  عن ابن عباس  أنه قال لغلمانه : من أراد منكم الباءة زوجناه لا يزني منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان فإن شاء أن يرده رده وإن شاء أن يمنعه منعه . وقال  أبو داود السجستاني   : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة  حدثنا بقية بن الوليد  حدثنا صفوان بن عمرو  عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي  أنه أخبره { عن  أبي هريرة  أنه كان يقول : إنما الإيمان كثوب أحدكم يلبسه مرة ويقلعه أخرى  } وكذلك رواه بإسناده عن عمر  وروي عن الحسن  عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . وفي حديث عن  أبي هريرة  مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم { إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان  } . وهذا ( إن شاء الله ) يبسط في موضع آخر . 
				
						
						
