[ ص: 181 ] قوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين    [قال  البخاري   ] : ثنا إبراهيم بن موسى:  ثنا عيسى - هو: ابن يونس   -، ثنا إسماعيل - هو: ابن أبي خالد   -، عن الحارث بن شبيل .  عن أبي عمرو الشيباني  ، قال: قال لي  زيد بن أرقم   : إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى  فأمرنا بالسكوت . وخرجه  مسلم  ، وزاد فيه:  "ونهينا عن الكلام "، وليس عنده: ذكر عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . وخرجه  النسائي  ، وعنده:  "فأمرنا حينئذ بالسكوت " . وخرجه  الترمذي  ، ولفظه: كنا نتكلم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فيكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه، حتى نزلت وقوموا لله قانتين  قال: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام " . 
وهذه الرواية صريحة برفع آخر . 
واختلف الناس في تحريم الكلام في الصلاة: هل كان بمكة،  أو بالمدينة؟   فقالت طائفة: كان بمكة .  واستدلوا بحديث  ابن مسعود  المتقدم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع من الكلام عند قدومهم عليه من الحبشة،  وإنما قدم  ابن مسعود  عليه من الحبشة  إلى مكة،   [ ص: 182 ] ثم هاجر إلى المدينة،  كذا ذكره  ابن إسحاق  وغيره . ويعضد هذا: أنه روي: أن امتناعهم من الكلام كان بنزول قوله: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون  وهذه الآية مكية . فروى  أبو بكر بن عياش  ، عن  عاصم  ، عن  المسيب بن رافع  ، قال: قال  ابن مسعود   : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فجاء القرآن وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا  وأخرجه  ابن جرير  وغيره . وهذا الإسناد منقطع; فإن  المسيب  لم يلق  ابن مسعود   . وروى الهجري،  عن أبي عياض،  عن  أبي هريرة  ، قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية وإذا قرئ القرآن  والآية الأخرى، قال: فأمرنا بالإنصات . وخرجه  بقي بن مخلد  في "مسنده " . وخرجه غيره، وعنده: "أو الآية الأخرى" - بالشك . والهجري، ليس بالقوي . ولكن يشكل على أهل هذه المقالة حديث  زيد بن أرقم  ، الذي خرجه  البخاري  هاهنا، فإن زيدا  أنصاري، لم يصل خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة،  إنما صلى خلفه بالمدينة،  وقد أخبر أنهم كانوا يتكلمون حتى نزلت وقوموا لله قانتين  وهي مدنية بالاتفاق . وأجاب  أبو حاتم ابن حبان   - وهو ممن يقول: إن تحريم الكلام كان  [ ص: 183 ] بمكة   -: وأجيب عن هذا بجوابين: 
أحدهما: أن  زيد بن أرقم  حكى حال الأنصار  وصلاتهم بالمدينة  قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وأنهم كانوا يتكلمون حينئذ في الصلاة، فإن الكلام حينئذ كان مباحا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك بمكة،  فحكى زيد  صلاتهم تلك الأيام، لا أن نسخ الكلام كان بالمدينة .  
قلت: هذا ضعيف، لوجهين: 
أحدهما: أن في رواية  الترمذي   :  "كنا نتكلم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة"، فدل على أنه حكى حالهم في صلاتهم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة .  
والثاني: أنه ذكر أنهم لم ينهوا عن الكلام حتى نزلت الآية ، وهي إنما نزلت بعد الهجرة بالاتفاق، فعلم أن كلامهم استمر في الصلاة بالمدينة،  حتى نزلت هذه الآية . ثم قال  ابن حبان   : والجواب الثاني: أن زيدا  حكى حال الصحابة مطلقا من المهاجرين  وغيرهم . ممن كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل تحريم الكلام في الصلاة، ولم يرد الأنصار،  ولا أهل المدينة  بخصوصهم، كما يقول القائل: فعلنا كذا وإنما فعله بعضهم . قلت: وهذا يرده قوله: "حتى نزلت الآية "، فإنه يصرح بأن كلامهم استمر إلى حين نزولها، وهي إنما نزلت بالمدينة .  وأجاب غير  ابن حبان  بجوابين آخرين:  [ ص: 184 ] أحدهما: أنه يحتمل أنه كان نهي عن الكلام متقدما، ثم أذن فيه، ثم نهي عنه لما نزلت الآية . 
والثاني: أنه يحتمل أن يكون  زيد بن أرقم  ومن كان يتكلم في الصلاة لم يبلغهم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما نزلت الآية انتهوا . وكلا الجوابين فيه بعد، وإنما انتهوا عند نزول الآية، بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكوت، ونهيه عن الكلام، كما تقدم . وقالت طائفة أخرى: إنما حرم الكلام في الصلاة بالمدينة;  لظاهر حديث  زيد بن أرقم  ، ومنعوا أن يكون  ابن مسعود  رجع من الحبشة  إلى مكة .  وقالوا: إنما رجع من الحبشة  إلى المدينة،  قبيل بدر .  واستدلوا بما خرجه  أبو داود الطيالسي  في "مسنده " من حديث عبد الله بن عتبة  ، عن  ابن مسعود  ، قال: بعثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى  النجاشي  ، ونحن ثمانون رجلا، ومعنا  جعفر بن أبي طالب   - فذكر الحديث في دخولهم على  النجاشي  ، وفي آخر -: فجاء  ابن مسعود  ، فبادر، فشهد بدرا .  وروى  آدم بن أبي إياس  في "تفسيره": حدثنا  أبو معشر  ، عن  محمد بن كعب  ، قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة،  والناس يتكلمون بحوائجهم في الصلاة، كما يتكلم أهل الكتاب، فأنزل الله: وقوموا لله قانتين  فسكت القوم عن الكلام . وهذا مرسل . وأبو معشر، هو: نجيح السندي  ، يتكلمون فيه . وقد اتفق العلماء على أن الصلاة تبطل بكلام الآدميين فيها عمدا لغير  [ ص: 185 ] مصلحة الصلاة،  واختلفوا في كلام الناسي والجاهل والعامد لمصلحة الصلاة .  
فأما كلام الجاهل، فيأتي ذكره - قريبا . 
وأما كلام الناسي والعامد لمصلحة، فيأتي ذكره في "أبواب سجود السهو" قريبا - إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					