قوله تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون
[قال البخاري ] ; وقول الله عز وجل: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها [ ص: 442 ] هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون وقوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
يشير إلى أن الأذان مذكور في القرآن في هاتين الآيتين:
الأولى منهما: تشتمل النداء إلى جميع الصلوات; فإن الأفعال نكرات . والنكرة في سياق الشرط تعم كل صلاة .
والثانية منهما: تختص بالنداء إلى صلاة الجمعة .
وقد روى عبد العزيز بن عمران ، عن إبراهيم بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: الأذان نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع فرض الصلاة: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله هذا إسناد ساقط لا يصح . وهذه الآية مدنية، والصلاة فرضت بمكة، ولم يصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بمكة جمعة، وقوله: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا مدنية - أيضا - ولم يؤذن للصلاة بمكة .
والحديث الذي روي أن جبريل لما أم النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما فرضت الصلاة أمره أن يؤذن بالصلاة، قد جاء مفسرا في رواية أخرى، أنه يؤذشن: الصلاة جامعة . وقد سبق ذكره في أول كتاب الصلاة .
وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري خرج ملك من وراء الحجاب فأذن، فحدثه ربه عز وجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ذلك، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه [ ص: 443 ] فأم أهل السماء، منهم آدم ونوح .
قال أبو جعفر محمد بن علي : فيومئذ أكمل الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الشرف - على أهل السماء وأهل الأرض .
وقد خرجه البزار والهيثم بن كليب في "مسنديهما" بسياق مطول من طريق زياد بن المنذر أبي الجارود، عن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه . عن جده، عن علي .
وهو حديث لا يصح .
وزياد بن المنذر أبو الجارود الكوفي، قال فيه الإمام أحمد : متروك . وقال ابن معين: كذاب عدو الله، لا يساوي فلسا، وقال ابن حبان : كان رافضيا يضع الحديث .
وروى طلحة بن زيد الرقي، عن يونس، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به إلى السماء أوحى الله إليه الأذان، فنزل به، فعلمه جبريل . خرجه الطبراني . وهو موضوع بهذا الإسناد بغير شك .
وطلحة هذا، كذاب مشهور . ونبهنا على ذلك لئلا يغتر بشيء منه . وإنما شرع الأذان بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، والأحاديث الصحيحة كلها تدل على ذلك . [ ص: 444 ] والأذان له فوائد:
منها: أنه إعلام بوقت الصلاة أو فعلها .
ومن هذا الوجه هو إخبار بالوقت أو الفعل، ولهذا كان المؤذن مؤتمنا .
ومنها: أنه إعلام للغائبين عن المسجد، فلهذا شرع فيه رفع الصوت، وسمي نداء، فإن النداء هو الصوت الرفيع . ولهذا المعنى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد: "قم فألقه على بلال ، فإنه أندى صوتا منك " .
ومنها: أنه دعاء إلى الصلاة، فإنه معنى قوله: "حي على الصلاة، حي على الفلاح " . وقد قيل: إن قوله تعالى:ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا الآية: نزلت في المؤذنين، روي عن طائفة من الصحابة . وقيل في قوله تعالى: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون إنها الصلوات الخمس حين ينادى بها .
ومنها: أنه إعلان بشرائع الإسلام من التوحيد والتكبير والتهليل والشهادة بالوحدانية والرسالة .


