الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          النبي والمشركون

                                                          قال (تعالى): وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا

                                                          المشركون كشأن كل ضال أن يكون مصروفا بقلبه عن الحق؛ منصرفا عن المعاني إلى الظاهر؛ وعن الحقائق الثابتة إلى الأمور الحسية؛ لقد رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل [ ص: 5284 ] كما يأكلون؛ ويمشي في الأسواق كما يمشون؛ فصرفتهم هذه المشابهات الحسية عن معانيه - صلى الله عليه وسلم - التي سمي من أجلها " الأمين " ؛ بينهم؛ فاستهزؤوا لمظهر حاضره؛ ونسوا حقيقة ماضيه العامر بالجود والفضائل؛ بل نسوا معنى الرسالة ومعجزتها؛ الضمير في " رأوك " ؛ يعود إلى المشركين؛ لأنهم حاضرون دائما بمجادلتهم؛ ومهاتراتهم؛ وفتنتهم للمؤمنين؛ أي: إذا رآك المشركون داعيا موجها مرشدا؛ إن يتخذونك إلا هزوا ؛ " إن " ؛ هنا؛ نافية؛ وفي الكلام معنى القصر؛ والتخصيص؛ فالنفي والاستثناء يفيدان القصر؛ إنهم إذا رأوك لا ينظرون إليك إلا نظر المستهزئ الساخر؛ فلا يفكرون في الدعوة؛ أهي حق أم باطل؟ أو أهي في أخلاق الناس وإرشادهم أمر حسن؛ أم أمر باطل؟ وفي دليلها؛ أهو ساطع قاطع؟ وفي تحديه لهم؛ أهم عاجزون؛ أم قادرون؟ وفي ماضيه؛ أهو كريم؛ أم غير كريم؟ لا يفكرون في شيء من هذا؛ بل يغلبهم الإعراض والاستهزاء؛ قائلين؛ ساخرين: أهذا الذي بعث الله رسولا ؛ أي: أهذا الذي يعيش كما نعيش؛ ليس معه ملك؛ وليس له كنز؛ وليس له بستان يغنيه؛ بعثه الله رسولا؟! وضمير الصلة محذوف؛ ودل عليه الكلام؛ والاستفهام في قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا ؛ استفهام إنكاري للتهم؛ يفيد نفي الرسالة؛ لعدم لياقته لها؛ في زعمهم؛ وكذبهم على الله العزيز الحكيم؛ وهو أعلم حيث يجعل رسالته.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية