ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين
[ ص: 2794 ] ذكر -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات وما يليها قصة وقد سبق ذكرها في سورة البقرة وليس ذكرها هنا تكرارا لما ذكر هناك أولا، فإنه إذا كررت بعض الوقائع، فإنه قد زيد هنا الفتنة التي فتن به الشيطان النفس البشرية فعلا، وهي تشابه مع ما أدى إليه الاندفاع وراء إبليس من بدء السورة، وأن خلق آدم ومعاندة إبليس، آدم وحواء قد بدآ يخصفان عليهما من ورق الجنة، فقد فتن المشركين، حتى جعلهم يطوفون عراة كما أدت وسوسته لآدم وحواء إلى أن بدت لهما سوآتهما.
ولقد خلقناكم ثم صورناكم
الخلق الإنشاء، والتقدير خلق الله تعالى الناس من الطين، فقال له كن فكان إنسانا، ثم صوره على هذا الشكل الإنساني الذي جعله في أحسن تقويم، و: (ثم) هنا ليست للتراخي الزمني؛ فإن ذلك إنما يكون بالنسبة للحوادث، أما بالنسبة لله تعالى فلا تفاوت ولا تراخي; لأن الزمن لا يكون بالنسبة لله تعالى، إنما هو التفاوت بين حالي الخلق، وإن كان كلاهما يتم بقوله تعالى: " كن فيكون " .
بعد أن تم خلق الإنسان الأول وهو آدم، كرمه الله تعالى بأن أمر الملائكة بأن يسجدوا، لعلمه بالأشياء؛ إذ علمه الله تعالى الأسماء كلها، وهذا قد ذكر في سورة البقرة، ولم يذكره هنا، وعلى ذلك لم يكن تكرارا.
وقوله تعالى: ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس (ثم): هنا للتفاوت بين تقويم الخلق والتكوين والأمر بالسجود.
واستثنى من إطاعة الأمر في السجود - إبليس، والاستثناء لأنه لم يسجد، سواء أكان الاستثناء متصلا; لأنه من جملة من كان مع الملائكة أم كان منقطعا، فإنه لم يسجد، مع أن الأمر بالسجود يشمله، فلم يكن منه سجود، سأله الله تعالى عما منعه من أن يسجد قائلا له تعالت كلماته: