( وقذف في قلوبهم الرعب ) ومن قال : في قلوبهم الرعب جاء به على الأصل ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) ويخربون على التكثير ، وقد حكى سيبويه أن فعل يكون بمعنى أفعل كما قال :
ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) أي فاتعظوا واستدلوا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله جل وعز ناصره لما يريكم في أعدائه وبصدق ما أخبركم به . واشتقاقه من عبر إلى كذا إذا جاز إليه ، والعبرة هي المتجاوزة من العين إلى الخد . قال الأصمعي : وقولهم : فلان عبر أي يفعل أفعالا يورث بها أهله العبرة وفي معنى ( يا أولي الأبصار ) قولان : أحدهما أنه من بصر [ ص: 387 ] العين والآخر أنه من بصر القلب . قال أبو جعفر : وهذا أولى بالصواب ، لأن الاعتبار إنما يكون بالقلب ، وهو الاتعاظ والاستدلال بما مر . فقد قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم بهذا أنه يكون فكان على ما وصف فيجب أن تعتبروا بهذا وغيره ، كما قال جل وعز ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) فكان كما قال ، وقال جل ذكره ( سيصلى نارا ذات لهب ) فكان ذلك وقال ( ولن يتمنوه أبدا ) فلم يتمنه أحد منهم ، وكذا ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) فقالوا ذلك ، وكذا ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) كذا قوله صلى الله عليه وسلم لعمار : "تقتلك الفئة الباغية" ، وقوله عليه السلام لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم كتب :
"من محمد رسول الله" فساموه محوها فاستعظم ذلك علي رضي الله عنه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "إنك ستسام مثلها" فكان ذلك على ما قال ، وكذلك قوله في ذي الثدية "ومن ينجو من الخوارج" فكان [ ص: 388 ] الأمر كما قال ، وكذلك قوله في كلاب الحوأب قولا محددا ، وكذلك قوله في فتح المدينة البيضا وفي فتح مصر ، وأوصى بأهلها خيرا فهذا كله مما يعتبر به وقال جل وعز ( والله يعصمك من الناس ) فعصمه حتى مات على فراشه ، وقال ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) فاستخلف ممن خوطب بهذا أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم ، وكان هذا موافقا لقوله صلى الله عليه "الخلافة بعدي ثلاثون" ومما يعتبر به تمثيلاته التي لا تدفع ، منها حديث أبي رزين العقيلي أنه قال : يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ فقال : يا أبا رزين أما مررت بواد أهلك محلا ثم مررت به يهتز خضرا فكذلك يحيي الله الموتى وكذلك آيته تعالى في خلقه" فهذا التشبيه الباهر الذي لا يلحق ، ولذلك قوله في تمثيل الميت بالنائم وبعثه باليقظة . وهذا أشكل شيء بشيء ، فبهذا يعتبر أولو الأبصار .
[ ص: 389 ]


