[ ص: 45 ] ومن سورة " الحمد "
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله - عز وجل -: الحمد لله رب العالمين ؛ معنى " الحمد " : الشكر؛ والثناء على الله (تعالى)؛ الحمد ؛ رفع بالابتداء ، وقوله: لله ؛ إخبار عن الحمد؛ والاختيار في الكلام الرفع ، فأما القرآن فلا يقرأ فيه الحمد ؛ إلا بالرفع ، لأن السنة تتبع في القرآن ، ولا يلتفت فيه إلى غير الرواية الصحيحة التي قد قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثقة ، والرفع القراءة ، ويجوز في الكلام أن تقول: " الحمد " ؛ تريد: " أحمد الله الحمد " ؛ فاستغنيت عن ذكر "أحمد" ؛ لأن حال الحمد يجب أن يكون عليها الخلق ، إلا أن الرفع أحسن؛ وأبلغ في الثناء على الله - عز وجل -؛ وقد روي عن قوم من العرب: " الحمد لله " ؛ و " الحمد لله " ، وهذه لغة من لا يلتفت إليه؛ ولا يتشاغل بالرواية عنه؛ وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف؛ لنحذر الناس من أن يستعملوه ، [ ص: 46 ] أو يظن جاهل أنه يجوز في كتاب الله - عز وجل - ، أو في كلام ، ولم يأت لهذا نظير في كلام العرب؛ ولا وجه له.
وقوله - عز وجل -: رب العالمين ؛ قد فسرنا أنه لا يجوز في القرآن إلا: رب العالمين الرحمن الرحيم ؛ وإن كان الرفع والنصب جائزين في الكلام ، ولا يتخير لكتاب الله - عز وجل - إلا اللفظ الأفضل الأجزل.
وقوله - عز وجل -: العالمين ؛ معناه: كل ما خلق الله ، كما قال: " وهو رب كل شيء " ؛ وهو جمع " عالم " ، تقول: " هؤلاء عالمون " ، و " رأيت عالمين " ، ولا واحد ل " عالم " ؛ من لفظه؛ لأن " عالما " ؛ جمع لأشياء مختلفة ، وإن جعل " عالم " ؛ لواحد منها؛ صار جمعا لأشياء متفقة؛ والنون فتحت في " العالمين " ؛ لأنها نون الجماعة؛ وزعم أنها فتحت ليفرق بينها وبين نون الاثنين ، تقول: " هذان عالمان يا هذا " ، فتكسر نون الاثنين لالتقاء الساكنين ، وهذا يشرح في موضعه - إن شاء الله - ، وكذلك نون الجماعة فتحت لالتقاء الساكنين ، ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو؛ والياء؛ ألا ترى أنك تقول: " سوف أفعل " ؛ فتفتح الفاء من " سوف " ؛ لالتقاء الساكنين؛ ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو؟ وكذلك تقول: " أين زيد؟ " ؛ فتفتح النون لالتقاء الساكنين بعد الياء.
سيبويه