الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولا شيء بقتل غراب وحدأة ، وذئب وحية وعقرب ، وفأرة وكلب عقور ، وبعوض ونمل وبرغوث ، وقراد وسلحفاة ) أما الفواسق ، وهي السبعة المذكورة هنا فلما في صحيح البخاري { خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور } وزاد في سنن أبي داود { الحية والسبع العادي } ، وفي رواية الطحاوي { الذئب } فلذا ذكر المصنف سبعة ، ومعنى الفسق فيهن خبثهن ، وكثرة الضرر فيهن ، وهو حديث مشهور فلذا خص به الكتاب القطعي كذا في النهاية ، وأطلق المصنف في نفي شيء بقتلها فأفاد أنه لا فرق بين أن يكون محرما أو حلالا في الحرم ، وأطلق في الغراب فشمل الغراب بأنواعه الثلاثة ، وما في الهداية من قوله والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف أو يخلط ; لأنه يبتدئ بالأذى أما العقعق غير مستثنى ; لأنه لا يسمى غرابا ، ولا يبتدئ بالأذى ففيه نظر ; لأنه دائما يقع على دبر الدابة كما في غاية البيان وسوى المصنف بين الذئب والكلب العقور ، وهو رواية الكرخي واختارها في الهداية ; لأن الذئب يبتدئ بالأذى غالبا والغالب كالمتحقق ; ولأنه ذكر في بعض الروايات ، وفرق بينهما الإمام الطحاوي فلم يجعل الذئب من الفواسق ، وأطلق في الفأرة فشملت الأهلية والوحشية ، وقيد الكلب بالعقور اتباعا للحديث مع أن العقور وغيره سواء أهليا كان أو وحشيا ; لأن غير العقور ليس بصيد فلا يجب الجزاء به كما صرح به قاضي خان في فتاويه واختاره في الهداية ، وفي السنور البري روايتان .

                                                                                        ثم اعلم أن الكلام إنما هو في وجوب الجزاء بقتله ، وأما حل القتل فما لا يؤذي لا يحل قتله فالكلب الأهلي إذا لم يكن مؤذيا لا يحل قتله ; لأن الأمر بقتل الكلاب نسخ فقيد القتل بوجوب الإيذاء . وأما [ ص: 37 ] البعوض ، وما كان مثله من هوام الأرض فلأنها ليست بصيود أصلا ، وإن كان بعضها يبتدئ بالأذى كالبرغوث ، ودخل الزنبور والسرطان والذباب والبق والقنافذ والخنافس والوزغ والحلمة وصياح الليل وابن عرس ، وينبغي أن يكون العقرب والفأرة من هذا القسم ; لأن حد الصيد لا يوجد فيهما والبعوض من صغار البق الواحدة بعوضة بالهاء واشتقاقها من البعض ; لأنها كبعض البقة قال : الله تعالى { مثلا ما بعوضة } كذا في ضياء الحلوم ، وفيه الحدأة بكسر الحاء طائر معروف والجمع الحدأ ، وأما الحدأة بفتح الحاء فأس ينقر بها الحجارة لها رأسان والذئب بالهمزة معروف وجمعه أذؤب وأذواب وذئاب وذؤبان قيل اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه ، وهو من أسماء الرجال أيضا ويصغر ذويب والسلحفاة بضم الحاء ، وفتح الفاء واحدة السلاحف من خلق الماء ، ويقال أيضا سلحفية بالياء والفأرة بالهمز واحدة الفأر وجمعه فيران .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فلذا ذكر المصنف سبعة ) ، وإنما لم يذكر السبع مع أنه مذكور في رواية أبي داود ; لأنه صيد عندنا فيجب فيه الجزاء أو ; لأنه قيده بالعادي وسيذكره بقوله ، وإن صال لا شيء بقتله بقي الكلام في عدم عده منها وجعله من الصيود على ما هو ظاهر الرواية وللمحقق في الفتح كلام أطال البحث فيه . وقال في آخره : ولعل لعدم قوة وجهه كان في السباع روايتان . ( قوله : ففيه نظر ) رده في النهر بما في البدائع ، وقال : أبو يوسف الغراب المذكور في الحديث الذي يأكل الجيف أو يخلط ; لأن هذا النوع هو الذي يبتدئ بالأذى . ا هـ .

                                                                                        وأشار في المعراج إلى دفع ما في غاية البيان بأنه لا يفعل ذلك غالبا وبه اندفع دعوى الديمومة فيه ، ولما كان المطرد هو ابتداؤه بالأذى اقتصر الإمام الثاني في التعليل عليه ثم رأيته في الظهيرية قال : وفي العقعق روايتان والظاهر أنه من الصيود . ا هـ .

                                                                                        قلت : وبه ظهر أن ما في الهداية هو ظاهر الرواية .

                                                                                        ( قوله : لأن غير العقور ) المناسب ; ولأن بالواو عطفا على قوله اتباعا ( قوله : لأن الأمر بقتل الكلاب نسخ ) كذا قاله في الفتح قال في النهر لكن رأيت في الملتقط ما لفظه ، وإذا كثرت الكلاب في قرية ، وأضر بأهل القرية أمر أربابها بقتلها ، وإن أبوا رفع الأمر إلى القاضي حتى يأمر بذلك . ا هـ .

                                                                                        فيحمل ما في الفتح على ما إذا لم يكن ثمة ضرر [ ص: 37 ] ( قوله : والسلحفاة بضم الحاء ، وفتح الفاء ) كذا في بعض النسخ ، وكأنها من تحريف النساخ والأصل ، وفتح اللام ، وفي بعضها بضم الفاء ، وفتح العين أي فاء الكلمة ، وهي السين ، وعينها وهي اللام .




                                                                                        الخدمات العلمية