الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وذكر الإسبيجابي أنه لا يجوز الاستئجار على الحج ، ولا على شيء من الطاعات فلو استؤجر على الحج ودفع إليه الأجر فحج عن الميت فإنه يجوز عن الميت ، وله من الأجر مقدار نفقة الطريق في الذهاب والمجيء ويرد الفضل على الورثة ; لأنه لا يجوز الاستئجار عليه ، ولا يحل له أن يأخذ الفضل لنفسه إلا إذا تبرع الورثة به ، وهم من أهل التبرع أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج . وقال بعض مشايخنا : لا تجوز هذه الوصية ; لأن الموصى له مجهول إلا أن الأول أصح ; لأن الموصى له يصير معروفا بالحج كما لو أوصى بشراء عبد بغير عينه ويعتق ويعطى له مائة درهم فإنها جائزة ، وقال بعضهم : لا تجوز . ا هـ .

                                                                                        وأراد المصنف بموته في الطريق موته قبل الوقوف بعرفة ، ولو كان بمكة ، وفي المحيط ، ولو دفع إلى رجل مالا ليحج به عنه فأهل بحجة ثم مات الآمر فللورثة أن يأخذوا ما بقي من المال معه ويضمنونه ما أنفق منه بعد موته ، ولا يشبه الورثة الآمر في هذا ; لأن نفقة الحج كنفقة ذوي الأرحام فتبطل بالموت ويرجع المال إلى الورثة ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فلو استؤجر على الحج إلخ ) قال : في الفتح بعد أن ذكر أن ما ينفقه المأمور إنما هو على حكم ملك الميت ; لأنه لو كان ملكه لكان بالاستئجار ، ولا يجوز الاستئجار على الطاعات ، وعن هذا قلنا لو أوصى أن يحج عنه ، ولم يزد على ذلك إلى آخر المسألة التي قدمها المؤلف عنه ثم قال : وإذا علم هذا فما في فتاوى قاضي خان من قوله إذا استأجر المحبوس رجلا ليحج عنه حجة الإسلام جازت الحجة عن المحبوس إذا مات في الحبس وللأجير أجر مثله مشكل لا جرم أن الذي في الكافي للحاكم أبي الفضل في هذه المسألة قال : وله نفقة مثله هي العبارة المحررة وزاد إيضاحها في المبسوط فقال : وهذه النفقة ليس يستحقها بطريق العرض بل بطريق الكفاية ; لأنه فرغ نفسه لعمل ينتفع به المستأجر هذا ، وإنما جاز الحج عنه ; لأنه لما بطلت الإجارة بقي الأمر بالحج فتكون له نفقة مثله . ا هـ .

                                                                                        وأجيب عن قاضي خان بأنه أراد ما قاله الحاكم غير أنه عبر عن نفقة المثل بأجر المثل لمشاكلة صفة العبارة المناسبة للفظ الإجارة واعترض بأن المشاكلة إنما تحسن في المقامات الخطابية لا في إفادة الأحكام الشرعية قيل وينبغي جواز الاستئجار بناء على المفتى به من جواز الاستئجار على الطاعات . ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر يظهر مما قدمناه أول الباب ، وقد نص في المتن والمختار والمواهب والمجمع وغيرها من المتون المعتبرة على عدم جوازها على الحج وغيره من الطاعات واستثنى في المتن تعليم القرآن وزاد صدر الشريعة الفقه وزاد في المجمع والمختار الإمامة وزاد بعضهم الأذان ، وقد جمع الأربعة في متن التنوير ، وقد صرح الشرنبلالي في رسالته بلوغ الأرب بأنه لم يذكر أحد من مشايخنا جواز الاستئجار على الحج ، وما قيل إنه صرح به القهستاني فغير صحيح نعم صدر كلامه موهم لذلك ، ولكن يرفعه التعليل كما يعلم من مراجعته ، ولو سلم فلا يعتبر بما ينفرد به كما هو مشهور كما لا عبرة بما ينفرد به الزاهدي كيف ، ولو صح يلزمه هدم كثير من الفروع منها ما مر عن الكمال ، ومنها وجوب رد الزائد من النفقة إلا بالشرط السابق ، ومنها اشتراط الإنفاق بقدر مال الآمر أو أكثره وغيرها مما يظهر للمتأمل المتتبع إذ لو صحت الإجارة لما لزم شيء من ذلك هذا ما ظهر لي ، والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية