( قوله : ويأكل من هدي التطوع والمتعة والقران فقط ) أي يجوز له الأكل ويستحب للاتباع الفعلي الثابت في حجة الوداع على ما رواه مسلم من أنه عليه السلام { نحر ثلاثا وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي من المائة ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها } ; ولأنه دم النسك فيجوز منه الأكل كالأضحية ، وأشار بكلمة من إلى أنه يأكل البعض منه والمستحب أن يفعل كما في الأضحية ، وهو أن يتصدق بالثلث ويطعم الأغنياء الثلث ويأكل ويدخر الثلث ، وأفاد بقوله هدي التطوع أنه بلغ الحرم أما إذا ذبحه قبل بلوغه فليس بهدي فلم يدخل تحت عبارته ليحتاج إلى الاستثناء فلهذا لا يأكل منه ، والفرق بينهما أنه إذا بلغ الحرم فالقربة فيه بالإراقة ، وقد حصلت والأكل بعد حصولها ، وإذا لم يبلغ فهي بالتصدق والأكل ينافيه ، وأفاد بقوله فقط أنه لا يجوز الأكل من بقية الهدايا كدماء الكفارات كلها والنذور ، وهدي الإحصار ، وكذا ما ليس بهدي كالتطوع إذا لم يبلغ الحرم ، وكذا لا يجوز للأغنياء ; لأن دم النذر دم صدقة ، وكذا دم الكفارات ; لأنه [ ص: 77 ] وجب تكفيرا للذنب ، وكذا دم الإحصار لوجود التحلل والخروج من الإحرام قبل أوانه .
قال في البدائع : وكل دم يجوز له أن يأكل منه لا يجب عليه التصدق بلحمه بعد الذبح ; لأنه لو وجب عليه التصدق به لما جاز له أكله لما فيه من إبطال حق الفقراء وكل دم لا يجوز له الأكل منه يجب عليه التصدق بعد الذبح ; لأنه إذا لم يجز أكله ، ولم يتصدق به يؤدي إلى إضاعة المال ، ولو هلك المذبوح بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين ; لأنه لا صنع له في الهلاك ، وإن استهلكه بعد الذبح فإن كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته فيتصدق بها ; لأنه تعلق به حق الفقراء فبالاستهلاك تعدى على حقهم ، وإن كان مما لا يجب التصدق به لا يضمن شيئا ، ولو باع اللحم جاز بيعه في النوعين ; لأن ملكه قائم إلا أن فيما لا يجوز له أكله ويجب عليه التصدق به يتصدق بثمنه ; لأنه ثمن مبيع واجب التصدق . ا هـ .
وهكذا نقله عنه في فتح القدير باختصار مع أنه قدم أنه ليس له بيع شيء من لحوم الهدايا ، وإن كان مما يجوز له الأكل منه فإن باع شيئا أو أعطى الجزار أجره منه فعليه أن يتصدق بقيمته ا هـ .
وقد يقال في التوفيق بينهما إنه إن باع مما لا يجوز أكله وجب التصدق بالثمن ، ولا ينظر إلى القيمة ، وإن باع مما لا يجوز له أكله وجب التصدق بالقيمة ، ولا ينظر إلى الثمن ، وأن المراد بالجواز في كلام البدائع الصحة لا الحل ، وفي فتح القدير ، ولو أكل مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكل وبه قال : الشافعي وأحمد ، وقال : مالك لو أكل لقمة ضمن كله .


