الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما لبنها فاختار في الهداية أنه طاهر ولا يؤكل وصححه في منية المصلي وبه اندفع ما في النهاية أنه لم يرجحه أحد وعن البزدوي أنه يعتبر فيه الكثير الفاحش وصححه التمرتاشي وصحح بعضهم أنه نجس نجاسة غليظة ، وفي المحيط أنه نجس في ظاهر الرواية ومقتضى القول بطهارته القول بحل أكله وشربه ويدل عليه ما في المبسوط قيل لمحمد لم قلت بطهارة بول ما يؤكل لحمه ولم تقل بطهارة روثه قال كما قلت بطهارة بوله أبحت شربه ولو قلت بطهارة روثه لأبحت أكله ولا أحد يقول بها . ا هـ .

                                                                                        فإن ظاهره أن الطهارة والحل متلازمان يلزم من القول بأحدهما القول بالآخر ، ومن المشايخ من قال بنجاسة سؤر الحمار دون الأتان ; لأن الحمار ينجس فمه بشم البول ، وفي البدائع ، وهذا غير سديد ; لأنه أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت وقال قاضي خان : والأصح أنه لا فرق بينهما ولما ثبت الحكم في الحمار ثبت في البغل ; لأنه من نسله فيكون بمنزلته قال الزيلعي هذا إذا كانت أمه أتانا فظاهر ; لأن الأم هي المعتبرة في الحكم ، وإن كانت فرسا ففيه إشكال لما ذكرنا أن العبرة للأم ألا ترى أن الذئب لو نزا على شاة فولدت ذئبا حل أكله ويجزئ في الأضحية فكان ينبغي أن [ ص: 142 ] يكون مأكولا عندهما وطاهرا عند أبي حنيفة اعتبار للأم ، وفي الغاية إذا نزا الحمار على الرمكة لا يكره لحم البغل المتولد منهما عند محمد فعلى هذا لا يصير سؤره مشكوكا . ا هـ .

                                                                                        الرمكة ، وهي الفرس ، وهي البرذونة تتخذ للنسل كذا في المغرب ويمكن الجواب عن الإشكال بأن البغل لما كان متولدا من الحمار والفرس فصار سؤره كسؤر فرس اختلط بسؤر الحمار فصار مشكوكا ذكره في معراج الدراية وغيره وذكر مسكين في شرح الكتاب سؤالا فقال : فإن قلت أين ذهب قولك الولد يتبع الأم في الحل والحرمة قلت ذلك إذا لم يغلب شبهه بالأب أما إذا غلب شبهه فلا ا هـ .

                                                                                        وبهذا سقط أيضا إشكال الزيلعي كما لا يخفى وقال جمال الدين الرازي شارح الكتاب : البغال أربعة بغل يؤكل بالإجماع ، وهو المتولد من حمار وحشي وبقرة وبغل لا يؤكل بالإجماع ، وهو المتولد من أتان أهلي وفحل وبغل يؤكل عندهما ، وهو المتولد من فحل وأتان حمار وحشي وبغل ينبغي أن يؤكل عندهما ، وهو المتولد من رمكة وحمار أهلي ا هـ .

                                                                                        وفي النوازل لا يحل شرب ما شرب منه الحمار وقال ابن مقاتل : لا بأس به قال الفقيه أبو الليث : هذا خلاف قول أصحابنا ولو أخذ إنسان بهذا القول أرجو أن لا يكون به بأس والاحتياط أن لا يشرب كذا في فتح القدير وفرع في المحيط على كون سؤر الحمار مشكوكا ما لو اغتسلت بسؤر الحمار تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج ; لأنه مشكوك فيه ، فإن كان طاهرا فلا رجعة ، وإن كان نجسا لم يكن مطهرا فله الرجعة فإذا احتمل انقطعت احتياطا ولا تحل لغيره احتياطا ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وبه اندفع ما في النهاية إلخ ) قال في النهر ولا يخفى أن الدفع إنما يتم على تقدير سبق [ ص: 142 ] النية على الهداية وفيه تردد ( قوله : وذكر مسكين في شرح الكتاب إلخ ) قال في النهر أقول : لو صح ما قاله مسكين لحرم أكل الذئب الذي ولدته الشاة لغلبة شبه الأب وقد مر أنه حلال وما في المعراج بعد ; لأن الاعتبار للأم ممنوع والظاهر أن جواز الأكل يستلزم طهارة السؤر .




                                                                                        الخدمات العلمية