الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ومهر مثلها يعتبر بقوم أبيها إذا استويا سنا وجمالا ومالا وبلدا وعصرا وعقلا ودينا وبكارة ) بيان لشيئين : أحدهما أن الاعتبار لقوم الأب في مهر المثل لقول ابن مسعود رضي الله عنه لها مهر مثل نسائها وهن أقارب الأب ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها لما بينا . ثانيهما أنه لا بد من الاستواء في الأوصاف المذكورة ; لأن المهر يختلف باختلاف هذه الأوصاف ، وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر أي الزمان ، وقد ذكر المصنف ثمانية أشياء وأراد بالسن الصغر أو الكبر وأطلق في اعتبار الجمال والمال ، وقيل لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشرف ، وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس إذ الرغبة فيهن للجمال بخلاف بيت الشرف وفي فتح القدير ، وهذا جيد . ا هـ .

                                                                                        والظاهر اعتباره مطلقا وأراد بالدين التقوى كما ذكره العيني وزاد في [ ص: 186 ] التبيين على هذه الثمانية أربعة وهي العلم والأدب وكمال الخلق وأن لا يكون لها ولد وزاد المشايخ بأنه يعتبر حال الزوج أيضا وفسره في فتح القدير بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما . ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن لا يختص بهذين الشيئين ; لأن للجمال والبلد والعصر والعقل والتقوى والسن مدخلا من جهة الزوج أيضا فينبغي اعتبارها في حقه أيضا ; لأن الشاب يتزوج بأرخص من الشيخ ، وكذا المتقي بأرخص من الفاسق ، وأشار بقوله مالا إلى أن الكلام إنما هو في الحرة ، ولذا قال في شرح الطحاوي والمجتبى مهر مثل الأمة على قدر الرغبة فيها وعن الأوزاعي ثلث قيمتها ثم اعلم أن اعتبار مهر المثل بما ذكر حكم كل نكاح صحيح لا تسمية فيه أصلا أو سمي فيه ما هو مجهول أو ما لا يحل شرعا كما قدمنا تفاصيله وحكم كل نكاح فاسد بعد الوطء سمي فيه مهر أولا ، وأما المواضع التي يجب فيها المهر بسبب الوطء بشبهة فليس المراد بالمهر فيها مهر المثل المذكور هنا لما في الخلاصة بعد ذكر المواضع التي يجب فيها المهر بالوطء عن شبهة قال والمراد من المهر العقر وتفسير العقر الواجب بالوطء في بعض المواضع ما قال الشيخ نجم الدين سألت القاضي الإمام الإسبيجابي عن ذلك بالفتوى فكتب هو العقر أنه ينظر بكم تستأجر للزنا لو كان حلالا يجب ذلك القدر ، وكذا نقل عن مشايخنا في شرب الأصل للإمام السرخسي ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه لا فرق فيه بين الحرة والأمة ويخالفه ما في المحيط لو زفت إليه غير امرأته فوطئها لزمه مهر مثلها ا هـ . إلا أن يحمل على العقر المذكور في الخلاصة توفيقا ولم أر حكم ما إذا ساوت المرأة امرأتين من أقارب أبيها في جميع الأوصاف المعتبرة مع اختلاف مهرهما قلة وكثرة هل يعتبر بالمهر الأقل أو الأكثر وينبغي أن كل مهر اعتبره القاضي وحكم به فإنه يصح لقلة التفاوت وفي الخلاصة يعتبر بأخواتها وعمامتها وبناتهن فإن لم يكن لها أخت ولا عمة فبنت الأخت لأب وأم وبنت العم ا هـ .

                                                                                        وظاهره أن بنت الأخت وبنت العم مؤخران عما ذكره فيتفرع عليه أنه لو كان لها أخت وبنت عم قد ساوتهما في الأوصاف المذكورة أنه لا يعتبر بنت العم مع وجود الأخت وظاهر كلامهم خلافه وفي الخلاصة يشترط أن يكون المخبر بمهر المثل رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط لفظ الشهادة فإن لم يوجد على ذلك شهود عدول فالقول قول الزوج مع يمينه . ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه لا يصح القضاء بمهر المثل بدون الشهادة أو الإقرار من الزوج ويخالفه ما في المحيط [ ص: 187 ] قال فإن فرض القاضي أو الزوج بعد العقد جاز ; لأنه يجري ذلك مجرى التقدير لما وجب بالعقد من مهر المثل زاد أو نقص ; لأن الزيادة على الواجب صحيحة والحط عنه جائز ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة أن الاعتبار لهذه الأوصاف وقت التزويج وفي الصيرفية مات في غربة وخلف زوجتين غريبتين تدعيان المهر ولا بينة لهما قال كم مهر مثلهما وليس لهما أخوات في الغربة قال يحكم بجمالهما بكم ينكح مثلهن ، فقيل له يختلف بالبلدان قال إن وجد في بلدهما يسأل وإلا فلا يعطى لهما شيء .

                                                                                        ( قوله فإن لم يوجد فمن الأجانب ) شامل لمسألتين إحداهما إذا لم يكن لها أحد من قوم أبيها الثانية إذا كان لها أقارب منهم لكن لم يوجد فيهم من يماثلها في الأوصاف المذكورة كلها أو بعضها وفي كل منهما يعتبر مهرها بأجنبية موصوفة بذلك وفي الخلاصة فإن لم تكن مثلها في قرابتها ينظر في قبيلة أخرى مثلها أي مثل قبيلة أبيها كذا فسر الضمير في مثلها في فتح القدير ، والأولى أن يرجع إلى المرأة ليكون موافقا لما في المختصر من الاعتبار بالأجنبيات مطلقا سواء كانت من قبيلة مماثلة لقبيلة أبيها أو لا وعن أبي حنيفة لا يعتبر بالأجنبيات قال في فتح القدير ويجب حمله على ما إذا كان لها أقارب وإلا امتنع القضاء بمهر المثل ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا أن القضاء بمهر المثل لم ينحصر في النظر إلى من يماثلها من النساء بل لو فرض لها القاضي شيئا من غير ذلك صح كما في المحيط فالمروي من أنه لا يعتبر بالأجنبيات صحيح مطلقا ويفرض القاضي لها المهر فلم يلزم منه امتناع القضاء به لو أجري على عمومه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله والظاهر اعتباره مطلقا )

                                                                                        ، وكذا قال في النهر وإطلاق الكتاب [ ص: 186 ] كغيره برده . ( قوله فينبغي اعتبارها في حقه أيضا ) وافقه على هذا البحث في النهر والرمز . ( قوله لما في الخلاصة ) ذكر ما في الخلاصة في البزازية وغرر الأفكار ، وكذا ذكره المقدسي في الرمز ثم قال وفي واقعات الناطفي أن مهر المثل ما يتزوج به مثلها ا هـ .

                                                                                        قلت : وفي الفيض للكركي بعد ذكره حاصل ما في الخلاصة وقال بعض المحققين العقر في الحرائر مهر المثل وفي الجواري إذا كن أبكارا عشر القيمة وإن كن ثيبات نصف العشر ، وقيل في الجواري ينظر إلى مثل تلك الجارية جمالا ومولى بكم تتزوج فيعتبر بذلك وهو المختار ا هـ .

                                                                                        وفي الفصل الثاني عشر من التتارخانية في نوع منه في وجوب المهر بلا نكاح ذكر ما هنا معزيا إلى المحيط ثم أعقبه بقوله وفي الحجة روي عن أبي حنيفة رحمه الله قال تفسير العقر هو ما يتزوج به مثلها وعليه الفتوى ا هـ .

                                                                                        فظهر أن في المسألة خلافا وأن المفتى به خلاف ما هنا .

                                                                                        ( قوله ويخالفه ما في المحيط ) لم يذكر ما مر عن الخانية لو تزوج محرمة لا حد عليه في قول أبي حنيفة وعليه مهر مثلها بالغا ما بلغ ; لأن المراد هنا الوطء بشبهة بدون نكاح بدليل قوله قبل وحكم كل نكاح فاسد ومسألة الخانية من ذلك القبيل لا مما نحن فيه وبما قررنا اندفع ما قيل يخالفه أيضا قول المصنف سابقا ولم يزد على المسمى . ( قوله وينبغي أن كل مهر اعتبره القاضي إلخ ) قال الرملي نص علماؤنا على أن التفويض لقضاة العهد فساد والذي يقتضيه نظر الفقيه اعتبار الأقل للتيقن به فلا تشتغل ذمة الزوج بغيره تأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت : ويظهر لي أن ينظر في مهر كل من هاتين المرأتين فمن وافق مهرها مهر أمثالها تعتبر إذ يمكن أن يكون حصل في مهر أحدهما محاباة من الزوج أو الزوجة تأمل .

                                                                                        ( قوله ويخالفه ما في المحيط ) أجاب عنه في النهر بأن ما في المحيط ينبغي أن يحمل على ما إذا رضيا بذلك وإلا فالزيادة على مهر المثل عند آبائه والنقص عنه عند إبائها لا يجوز ا هـ .

                                                                                        قلت : لكن في القهستاني ما يؤيد كلام المؤلف حيث قال : وهذا كله إذا لم يفرض القاضي في مهر المثل شيئا ولم يتراض الزوجان على شيء منه وإلا فهو المهر كما في المشارع ا هـ .

                                                                                        فقوله ولم يتراض الزوجان ظاهر في أن الحكم ليس بتراضيهما ، وقد صرح بالمسألة أيضا الحاكم الشهيد في الكافي الذي جمع كتب محمد في ظاهر الرواية حيث قال بعد بيان مهر المثل فإن فرض لها الزوج بعد العقد مهرا أو رافعته إلى القاضي ففرض لها مهرا فهو سواء وذلك لها إن دخل بها أو مات عنها وإن طلقها قبل الدخول فإنما لها المتعة ; لأن أصل الفريضة لم تكن في العقد ا هـ .

                                                                                        فقوله : أو رافعته ظاهر في عدم تراضيهما فتدبر ، وأما قول المحيط زاد أو نقص فالظاهر أنه راجع إلى صورة فرض الزوج [ ص: 187 ] ويمكن إرجاعه إلى صورة فرض القاضي بأن يكون المعنى أن القاضي ما حكم بمهر المثل إلا بعد النظر والتأمل في أمثالها فإن كان ما حكم به زائدا في نفس الأمر أو ناقصا يكون ذلك زيادة في المهر أو حطا عنه وذلك جائز بالتراضي فيكون الحكم به نافذا أيضا عليهما كما لو حكم بشهادة الزور تأمل .

                                                                                        ( قوله كلها أو بعضها ) يفيد أنه لا يلزم التساوي في جميع هذه الأشياء المذكورة قال في شرح المجمع فإن لم يوجد كلها في قوم أبيها يعتبر الموجود منها ، وكذا في البرجندي معللا بأن اجتماع هذه الأوصاف في امرأتين يتعذر كذا في حواشي مسكين . ( قوله : والأولى أن يرجع إلى المرأة ) دفعه في النهر بقول الشارح الزيلعي من قبيلة مثل قبيلة أبيها قال وهو مقيد لإطلاق الكتاب وما فسر به في الفتح كلام الخلاصة متعين . ( قوله قال في فتح القدير ويجب حمله ) قال الرملي لا كلام في نفي هذا الوجوب بأدنى تأمل إذ لو حمل عليه لكان رواية واحدة وهي مسألة المتن فما معنى ذكرها . ( قوله وإلا امتنع القضاء بمهر المثل ) قال الرملي مسلم لو لم يكن قضاء القاضي مطلقا أو باعتبار حالها بنفسها داخلا في مسمى مهر المثل وهو الظاهر ولا يضر ويكون الحكم على هذه الرواية لو وجد المثل والأجنبية ليست بمثل فعند عدمه يقضي القاضي مطلقا أو معتبرا حالها

                                                                                        وأما لو ألحقناه به فهو ممنوع والمعنى فيه على الأول أنه إذا لم يوجد المثل في الأقارب تعذرت أو تعسرت المماثلة فينظر القاضي نظره على الثاني إن نظره لا بد وأن يستند إلى ما يسهل عليه طريق القضاء فكان في حكم القضاء بمهر المثل هذا وقوله : والأولى إلخ أقول : لا بد من مماثلتها لمن في القبيلة المماثلة كما هو صريح كلام الزيلعي ولا بد من الشيئين وبه علمت ما في كلام الفتح والبحر والنهر ( قوله ، وقد قدمنا أن القضاء إلخ ) قال في النهر وأنت قد علمت بأن ما في المحيط لا يمكن إجراؤه على ظاهره فلم يتم الاستشهاد به ا هـ . وأنت قد علمت ما فيه .




                                                                                        الخدمات العلمية