الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( وطلاق الموطوءة حائضا بدعية ) أي حرام للنهي [ ص: 260 ] عنه الثابت ضمن الأمر في قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } { وقوله : عليه السلام لابن عمر رضي الله عنهما حين طلقها فيه ما هكذا أمرك الله } ولإجماع الفقهاء على أنه عاص قيد بالطلاق لأن التخيير ، والاختيار ، والخلع في الحيض لا يكره كما قدمناه وإذا أدركت الصبية فاختارت نفسها فلا بأس للقاضي أن يفرق بينهما في الحيض كذا في المجتبى ولما كان المنع منه فيه لتطويل العدة عليها كان النفاس كالحيض كما في الجوهرة وما في المحيط من تعليل عدم كراهة الخلع فيه من أنه ليس بطلاق صريح ، والنص ورد بتحريم الطلاق الصريح فيه نظر لأنه يقتضي أن الكنايات لا تكره في الحيض وليس كذلك للعلة المذكورة ويرد عليه الطلاق على مال فإنه لا يكره في الحيض كما صرح به في المعراج مع أنه صريح ، وقد ذكر المصنف ثلاثة أنواع للبدعي وهي ثمانية : الرابع : تطليقها ثنتين بكلمة ، الخامس : تطليقها ثنتين في طهر لم يتخلل بينهما رجعة . السادس : تطليقها في طهر جامعها فيه . السابع : تطليقها في طهر لم يجامعها فيه لكن جامعها في حيض كان قبله ، الثامن : تطليقها في النفاس قوله : ( فيراجعها ) أي وجوبا في الحيض للتخلص من المعصية بالقدر الممكن لأن رفعه بعد وقوعه غير ممكن ورفع أثره وهو العدة بالمراجعة ممكن ولم يذكر صفتها للاختلاف فاختار القدوري استحبابها لقول محمد في الأصل وينبغي له أن يراجعها فإنه لا يستعمل في الوجوب .

                                                                                        والأصح وجوبها لما قلنا وعملا بحقيقة الأمر في قوله عليه السلام : { مر ابنك فليراجعها } ، والأصل فيه أن لفظ الأمر مشترك بين الصيغة النادبة ، والموجبة عند الشافعية حتى يصدق الندب مأمورا به فلا يلزم الوجوب من قوله مر ابنك وأما عندنا فمسمى الأمر الصيغة الموجبة كما أن الصيغة حقيقة في الوجوب فيلزم الوجوب منها ، وإن كانت صادرة عن عمر رضي الله عنه لا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نائب عنه فيها فهو كالمبلغ للصيغة فاشتمل قوله : { مر ابنك } على وجوبين صريح وهو الوجوب على عمر رضي الله عنه أن يأمر وضمني وهو ما يتعلق بابنه عند توجه الصيغة إليه قيدنا بقولنا في الحيض لأنه لو لم يراجعها حتى طهرت تقررت المعصية كذا في فتح القدير مستندا إلى أنه المفهوم من كلام الأصحاب عند التأمل ، ويدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين : { مر ابنك فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر } إلى آخره ، وقد يقال إن هذا ظاهر على رواية الطحاوي الآتية من أنها إذا طهرت طلقها وأما على المذهب فينبغي أن لا تقرر المعصية حتى يأتي الطهر الثاني الذي هو أوان طلاقها .

                                                                                        قوله : ( ويطلقها في طهر ثان ) يعني إذا راجعها في الحيض أمسك عن طلاقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فيطلقها ثانية ولا يطلقها في الطهر الذي طلقها في حيضته لأنه كما قدمناه بدعي وذكر الطحاوي أنه يطلقها في طهره وهو رواية عن أبي حنيفة لأن أثر الطلاق انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها في هذه الحيضة فيسن تطليقها في طهرها ، والأول هو المذكور في الأصل وهو ظاهر الرواية كما في الكافي وظاهر المذهب وقول الكل كما في فتح القدير ويدل له حديث الصحيحين : { مر ابنك فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسكها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء } ولأن السنة أن يفصل بين كل تطليقتين بحيضة ، والفاصل هنا بعض الحيضة .

                                                                                        [ ص: 260 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 260 ] ( قوله : وما في المحيط من تعليل . . . إلخ ) قدم المؤلف عن المحيط أنه علل عدم كراهته بأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به وهذا أحسن من تعليله هنا وبه يظهر وجه عدم كراهة الطلاق على مال وأما التخيير ، والاختيار فالظاهر أن وجهه أن التخيير ليس طلاقا مستقلا بنفسه لأنه بقوله لها اختاري نفسك لا يقع ما لم تختر نفسها فإذا اختارت فكأنها هي التي أوقعت على نفسها الطلاق كما لو اختارت نفسها بخيار العتق أو البلوغ أو العنة فإنه لا يكره في الحيض أيضا كما صرح به في الذخيرة ، والممنوع عن الطلاق في الحيض هو الرجل لا هي هذا ما ظهر لي والله أعلم ( قوله : وقد ذكر المصنف ثلاثة أنواع للبدعي ) وهي الطلاق ثلاثا في طهر أو بكلمة وطلاق الموطوءة حائضا ومرفوع آخر عن البدائع وهو طلاقها في طهر طلقها في حيض قبله فهي تسعة .

                                                                                        ( قوله : وضمني وهو ما يتعلق بابنه ) قال في العناية : ويجوز أن يقال فليراجعها أمر لابن عمر فتجب عليه المراجعة ( قوله : وأما على المذهب فينبغي . . . إلخ ) لا يخفى أن ما استند إليه في الفتح من قوله في الحديث { ثم ليمسكها حتى تطهر } يدل على وجوب المراجعة في الحيض وحيث كان المعتمد في المذهب محتملا لتقرر المعصية بالطهر الأول أو الثاني تعين أن يحمل على الحديث كي لا يخالفه سيما مع قوله في الفتح أنه المفهوم من كلام الأصحاب عند التأمل تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية