الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : إلا إذا كان معلقا ) يعني أن البائن يلحق البائن إذا كان معلقا قبل المنجز البائن ( بأن قال لها : إن دخلت الدار فأنت بائن ) ناويا الطلاق ثم أبانها منجزا ثم وجد الشرط وهي في العدة وأنه يقع عليها طلاق آخر عندنا خلافا لزفر لأنه لم يذكر أنت بائن ثانيا ليجعل خبرا بل الذي وقع أثر التعليق السابق وهو زوال القيد عند وجود الشرط وهي محل فيقع وعلى هذا قال في الحقائق لو قال : إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال هكذا الأمر آخر ففعل أحدهما وقع طلاق بائن ، ولو فعل الآخر ينبغي أن يقع آخر وهكذا ينبغي أن يحفظ ا هـ .

                                                                                        وفرق في الذخيرة بين أنت بائن للمبانة وبين وقوع أنت بائن المعلق بعد الإبانة أنه لما صح التعليق أو لا لكونها محلا له جعلنا المعلق الطلاق البائن وصار بائنا صفة للطلاق ، والمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده فكأنه قال في العدة أنت طالق بائن ولو قاله وقع بخلاف أنت بائن منجزا في عدة المبانة لأنه صفة للمرأة وهي لم تكن محله لأن محله من قام به الاتصال ، وقد انقطعت الوصلة بالإبانة ، والمضاف كالمعلق حتى لو قال لها أنت بائن غدا ناويا الطلاق ثم أبانها ثم جاء الغد وقعت أخرى ولو قال لها : إن دخلت الدار فأنت بائن ناويا ثم قال : إن كلمت زيدا فأنت بائن ناويا ثم دخلت الدار ووقعت الطلقة ثم كلمت زيدا فإنه يقع أخرى كذا في الذخيرة وهو بيان لما إذا كانا معلقين قيدنا بكونه معلقا قبل المنجز لأنه لو علق البائن المنجز لم يصح التعليق كالتنجيز كما قدمناه عن البدائع وهي واردة على الكتاب وشمل كلامه ما إذا آلى من زوجته ثم أبانها قبل مضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر قبل أن يقربها وهي في العدة

                                                                                        فإنه يقع عندنا خلافا لزفر وأورد علينا مسألتان إحداهما لو قال : إذا جاء غد فاختاري ثم أبانها فاختارت نفسها في العدة فإنه لا يقع شيء إجماعا الثانية لو علق الظهار بشرط في الملك بأن قال : إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أبانها فدخلت في العدة لا يصير مظاهرا إجماعا وهما حجة زفر علينا وأجيب بأنه في الأولى ملكها الطلاق غدا ولما أبانها أزال ملكه للحال من وجه وبقي من وجه ، والملك من وجه لا يكفي للتمليك ويكفي للإزالة كما في الاستيلاد ، والتدبير المطلق حتى لا يجوز بيعهما ويجوز إعتاقهما كذا هذا ولأن المعتبر في التخيير اختيارها لأجانب الزوج ، وفي التعليق اليمين لا وجود الشرط بدليل أنهما لو شهدا بالتخيير وآخران بالاختيار ثم رجعوا فالضمان على شاهدي الاختيار لا التخيير ، ولو شهدا بالتعليق وآخران بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان على شاهدي التعليق لا الشرط وعن الثانية بأن الظهار يوجب حرمة موقتة بالكفارة ، وقد ثبتت الحرمة بالإبانة من كل وجه فلا تحتمل التحريم بالظهار بخلاف الكناية المنجزة لأنها توجب زوال الملك من وجه دون وجه قبل انقضاء العدة فلا تمنع ثبوت حكم التعليق وتمامه في البدائع وكذا لو قال لها اختاري ناويا ثم أبانها بطل التخيير حتى لو قالت بعدها اخترت [ ص: 334 ] نفسي لم يقع كذا في الذخيرة ، والظهيرية ثم قال في الظهيرية ، وفي الأمالي قال لها : أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها طلقت عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لا تطلق لأن الزوج فعل بنفسه ما فوض إليها فيكون إخراجا للأمر من يدها وجه قول أبي حنيفة أن التفويض قد صح وتعلق حقها به فلا يبطل بزوال الملك وما قاله أبو يوسف ضعيف لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوض إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل ا هـ .

                                                                                        وهذا لا يخالف ما نقلناه آنفا عن البدائع لأن ما في البدائع محمول على ما إذا لم يتزوجها فلا يقع في العدة وما في الظهيرية صريح في أنه تزوجها ، وفي البزازية من الأمر باليد جعل أمرها بيدها في طلاق إن فعل كذا متى شاءت ثم خلعها على مال ثم وجد الشرط وهي في العدة تملك الإيقاع ، وإن مضت ثم تزوجها ووجد الشرط ذكر في الزيادات ما يؤخذ منه جوابه وهو عدم الوقوع ، وفي القنية لا يبقى الأمر في يدها في ظاهر الرواية وحاصل ما ذكره المصنف أن الطلاق في العدة اللاحق ، والسابق أربع صور ، وقد نظمها الشيخ سعد الدين الدبري رحمه الله فقال :

                                                                                        وكل طلاق بعد آخر واقع سوى بائن مع مثله لم يعلق

                                                                                        وتعقبه والد شارح المنظومة بأن قوله لم يعلق مطلق يشمل البائن الأول ، والثاني ، والمراد الأول لا الثاني فهو إطلاق في محل التقييد فقلت بيتا مفردا من الرجز

                                                                                        كلا أجز لا بائنا مع مثله     إلا إذا علقه من قبله

                                                                                        ا هـ .

                                                                                        قال شارح المنظومة عبد البر رحمه الله قلت : وقد فات الشيخين التنبيه على أن ذلك خاص بالعدة ، وإن كان ذلك من المعلوم من خارج لأن تمام معنى الضابط متوقف عليه فقلت منبها على ذلك بيتا مفردا من الرجز

                                                                                        بعدة كل طلاق لحقا     لا بائن لمثله ما علقا

                                                                                        ثم قولي لحقا مشعر بكون اللاحق هو المعلق ووصفنا البائن بأنه مثل البائن مشعر بإخراج البينونة الكبرى لما فيها من الخلاف الذي قدمته ا هـ .

                                                                                        وقيد المؤلف بكون السابق طلاقا لأنه لو كان فرقة بغير طلاق كالفرقة بخيار البلوغ أو العتاقة بعد الدخول فإنه لا يقع الطلاق في عدته وكل فرقة توجب الحرمة المؤبدة لا يلحقها الطلاق وإذا أسلم أحد الزوجين لا يقع على الآخر طلاقه كذا [ ص: 335 ] في البزازية وإذا ارتد ولحق بدار الحرب فطلقها في العدة لم يقع لانقطاع العصمة .

                                                                                        فإن عاد إلى دار الإسلام وهي في العدة وقع وإذا ارتدت ولحقت لم يقع عليها طلاقه فإن عادت قبل الحيض لم يقع كذلك عند أبي حنيفة لبطلان العدة باللحاق ثم لا تعود بخلاف المرتد كذا في البدائع ، وفي الذخيرة .

                                                                                        والحاصل أن كل فرقة هي فسخ من كل وجه لا يقع الطلاق في عدتها وكل فرقة هي طلاق يقع الطلاق فيها في العدة ا هـ .

                                                                                        وقدمنا شيئا منه في أول كتاب الطلاق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع ، والمآب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : بعد الإبانة ) متعلق بوقوع لا بالمعلق كما لا يخفى [ ص: 334 ] ( قوله : والمراد الأول لا الثاني ) قال في النهر : لا يخفى أن الضمير في " يعلق " يتعين أن يرجع إلى البائن لا إلى المثل لما استقر من أن ما بعد مع متبوع لما قبلها نحو : جاء زيد مع عمرو ولا شك أن البائن هو التابع للمثل أي اللاحق له إن لم يعلق لم يقع وإلا ، وإن سبق تعليقه وقع ا هـ .

                                                                                        قلت لا يخفى أن كون بائن هو التابع للمثل لا يعين رجوعا لم يعلق إليه بل الاحتمال باق كما لا يخفى ثم قال في النهر : نعم يرد عليه أنه يشترط كما مر أن يعلقه قبل المنجز وليس في بيته ما يفيد هذا المعنى وهذا وارد على بيت الشيخ عبد البر أيضا فبيت ، والده من الحسن بمكان غير أنه لا يخفى ما في قوله كلا من الإيهام ويرد على الكل ما قدمناه لو قال كل امرأة له طالق لم يقع على المختلفة ، ولو قال إن فعلت كذا فامرأته كذا لم يقع على المعتدة من بائن فقلت مفردا من الزجر مبينا لها عن الكلية قد خرج إلا بكل امرأة ، وقد خلع وألحق الصريح بعد لم يقع ا هـ .

                                                                                        والواو في : وقد خلع للحال وألحق بالبناء للفاعل معطوف على خلع أي خلع وألحق الصريح بعد الخلع هذا ولا يخفى أنه لا حاجة إلى هذا الاستثناء لأن عدم الوقوع في المسألتين لعدم تناول لفظ المرأة معتدة البائن ولذا لو خاطبها وقع كما أشار إليه المؤلف سابقا على أنه لم يستثن في البيت المسألة الأخرى ولبعضهم في نظم المسألة أيضا صريح طلاق المرء يلحق مثله ويلحق أيضا بائنا كان قبله كذا عكسه لا بائن بعد بائن سوى بائن قد كان علق فعله .

                                                                                        ( قوله : وإذا أسلم أحد الزوجين . . . إلخ ) قال الرملي هذا في طلاق أهل الحرب ، وقد أتبعه في الخلاصة بعد ذكر ما ذكره البزازي هنا بقوله في باب طلاق أهل الحرب من أصل ولا يخفى ما في ذكره هنا مطلقا من الخفاء قال العقيلي في المنهاج حربية خرجت مسلمة ثم خرج زوجها بأمان فطلقها لا يقع فإن أسلم الزوج أو صار ذميا ثم طلق يقع عند محمد رحمه الله وهو قول أبي يوسف الأول ، وفي قوله الآخر لا يقع ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية م ، وفي المنتقى عن أبي يوسف ما يدل على أنه لا عدة على المهاجر إذا خرج الحربي مسلما وتركها في دار الحرب فلا عدة عليها في قولهم جميعا ا هـ . فاعلم ذلك ا هـ .

                                                                                        قلت وقدم المؤلف في أول كتاب الطلاق عن الفتح أنه لا يقع الطلاق في عدة عن فسخ إلا في تفريق القاضي بإباء أحدهما عن الإسلام ، وفي ارتداد أحدهما مطلقا ا هـ .

                                                                                        لكن فيه أنه إذا كانت هي الآبية فإن هذه الفرق فسخ أما لو كان الآبي هو الزوج وهو من أهل الطلاق فهي طلاق .

                                                                                        [ ص: 335 ] ( قوله : وفي الذخيرة . . . إلخ ) ذكر في الذخيرة بعد ذلك بيان الفرقة التي هي طلاق والتي ليست بطلاق فقال : الفرق بالجب ، والعنة طلاق بلا خلاف إذا كان الزوج من أهل الطلاق وإلا بأن كان صبيا فقيل فرقة بغير طلاق وقيل بطلاق ويكون بائنا ولها المهر كاملا وعليها العدة ولا تقع الفرقة إلا بقضاء القاضي ، والفرقة بخيار البلوغ وهي فسخ ولا تقع إلا بالقضاء وكذا الفرق بعدم الكفاءة ، والتقصير في المهر هي فسخ لا طلاق ، والفرقة بإباء أحدهما عن الإسلام بتفريق القاضي تكون طلاقا إن كان الآبي هو الزوج وكان من أهل الطلاق وإلا بأن كان صبيا عقل الإسلام وأبى فقيل طلاق عند أبي حنيفة ومحمد وقيل هي فرقة بغير طلاق إجماعا ، وإن كانت هي الآبية بأن أسلم هو وهي مجوسية أبت أن تسلم فهي فرقة بغير طلاق إجماعا ولا تقع إلا بالقضاء أيضا ، والفرقة باللعان طلاق ولا تقع إلا بالقضاء .




                                                                                        الخدمات العلمية