الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولا في أنت طالق إن شاء الله متصلا ، وإن ماتت قبل قوله إن شاء الله ) أي لا يقع الطلاق لحديث رواه الترمذي ، وحسنه مرفوعا { من حلف على يمين ، وقال إن شاء الله لم يحنث } ، وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام في كتاب الأيمان قيد بالاتصال لأنه لو كان بينهما سكوت كثير بلا ضرورة ثبت حكم الكلام الأول بخلاف ما إذا كان السكوت بالجشاء أو التنفس ، وإن كان له منه بد أو [ ص: 40 ] بإمساك غيره فمه أو كان بلسانه ثقل فطال في تردده ، والفاصل اللغو يبطل المشيئة فلذا طلقت ثلاثا في قوله أنت طالق ثلاثا ، وثلاثا إن شاء الله وفي قوله أنت طالق وطالق وطالق وطالق إن شاء الله ، وفي قوله أنت طالق ثلاثا واحدة إن شاء الله كقوله عبده حر وحر إن شاء الله بالواو بخلاف ما إذا كان بدونها للتأكيد ، وبخلاف حر وعتيق إن شاء الله لكونه تفسيرا ، وهو إنما يكون بغير لفظ الأول ، وبخلاف طالق واحدة ، وثلاثا إن شاء الله لكونه أفاد التكميل كقوله أنت طالق وطالق وطالق إن شاء الله ، وفي المجتبى من كتاب الأيمان لو قال أنت طالق رجعيا إن شاء الله يقع ، ولو قال بائنا لا يقع لأن الأول لغو دون الثاني ، وفي القنية بعده ، ولو قال أنت طالق رجعيا أو بائنا إن شاء الله يسأل عن نيته فإن عنى الرجعي لا يقع ، وإن عنى البائن يقع ، ولا يعمل الاستثناء انتهى ، وصوابه إن عنى الرجعي يقع لعدم صحة الاستثناء للفاصل ، وإن عنى البائن لم يقع لصحة الاستثناء .

                                                                                        وفي البزازية أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله يقع ، وصرف الاستثناء إلى الوصف ، وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله ، وكذا أنت طالق يا صبية إن شاء الله يصرف الاستثناء إلى الكل ، ولا يقع الطلاق كأنه قال يا فلانة ، والأصل عنده أن المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزم به حد كقوله يا طالق يا زانية فالاستثناء على الكل انتهى ، وأطلق فشمل ما إذا أتى بالمشيئة عن قصد أو لا فلا يقع فيهما ، وكذا إذا كان لا يعلم المعنى فلو شهدا أنه استثنى متصلا ، وهو لا يذكره قالوا إن كان بحال لا يدري ما يجري على لسانه لغضب جاز له الاعتماد عليهما ، وإلا لا ، وشمل ما إذا ادعى الاستثناء وأنكرته ، وإن القول قوله وكذا في دعوى الشرط ، ولو شهدوا أنه طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه لم يستثن تقبل ، وهذا مما تقبل فيه البينة على النفي لأنه في المعنى أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب ، وإن قالوا أطلق ، ولم نسمع منه غير كلمة الخلع ، والزوج يدعي الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله ، ولم يسمعوه ، والشرط سماعه لا سماعهم على ما عرف في الجامع الصغير ، وفي الصغرى إذا ذكر البدل في الخلع لا تسمع دعوى الاستثناء كذا في البزازية ، وفي الخانية لو قال الزوج طلقتك أمس ، وقلت إن [ ص: 41 ] شاء الله ففي ظاهر الرواية يكون القول قول الزوج ، وذكر في النوادر خلافا بين أبي يوسف و محمد فقال على قول أبي يوسف يقبل قول الزوج .

                                                                                        وعلى قول محمد لا يقبل قوله ويقع الطلاق ، وعليه الاعتماد والفتوى احتياطا في أمر الفروج في زمن غلب على الناس الفساد انتهى .

                                                                                        وأشار بصحة المشيئة في الطلاق إلى صحتها في كل ما كان من صيغ الإخبار ، وإن كانت إنشاءات شرعا فدخل البيع والاعتكاف والعتق والنذر بالصوم ، وخرج الأمر والنهي فلو قال اعتقوا عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يصح الاستثناء ، وكذا بع عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يصح الاستثناء ، وكذا بع عبدي هذا إن شاء الله لم يبعه ، وخرج ما لم يختص باللسان كالنية فلو قال نويت أن أصوم إن شاء الله صح صومه .

                                                                                        وأشار بإسناد المشيئة إلى الله تعالى إلى كل من لم يوقف له على مشيئة كإن شاء الجن أو الإنس أو الملائكة أو الحائط فلا يقع في الكل فخرج من يوقف له عليها كإن شاء زيد فهو تمليك له معتبر فيه مجلس علمه فإن شاء فيه طلقت ، وإلا خرج الأمر من يده ، وصورة مشيئته أن يقول شئت ما جعله إلي فلان ، ولا تشترط فيه نية الطلاق ، ولا ذكره كما في الجوهرة ، ودخل في كلامه ما إذا علقه بمشيئة الله ومشيئة من يوقف على مشيئته كما إذا قال إن شاء الله ، وشاء زيد فلا وقوع ، وإن شاء زيد كما في البدائع .

                                                                                        وقدمنا عن تلخيص الجامع حكم ما إذا قال أمرها بيد الله وبيدك ، وأشار بكلمة إن إلى ما كان بمعناها فدخل إلا أن يشاء الله أو ما شاء الله أو إذا شاء الله أو بمشيئة الله وبالمشيئة إلى ما كان بمعناها كالإرادة والمحبة والرضا بجميع الأدوات المتقدمة لا فرق بين إن ، والباء فخرج ما لم يكن بمعناها كأمره وحكمه وإرادته وقضائه وإذنه وعلمه وقدرته فإنه يقع للحال إن كان بالباء ، وإن أضافه إلى العبد ، وخرج أيضا ما إذا كان باللام فإنه يقع في الوجوه كلها ، وإن أضافه إلى العبد ، وأما إذا كان بقي ، وأضافه إلى الله تعالى فإنه لا يقع في الوجوه كلها إلا في قوله طالق في علم الله ، وإلا في قوله في قدرة الله إن أراد بالقدرة ضد العجز لأن قدرة الله تعالى موجودة قطعا كالعلم سواء بخلاف ما إذا لم ينو لأنها بمعنى التقدير ، ولا يعلم تقديره كذا في المحيط .

                                                                                        والحاصل أنه إن أتى بإن لم يقع في الكل ، وإن أتى بالباء لم يقع في [ ص: 42 ] المشيئة والإرادة والرضا والمحبة ، ووقع في الباقي ، وإن أتى بفي لم يقع إلا في علم الله ، وإن أتى باللام وقع في الكل ، وإن أضافه إلى العبد كان تمليكا في الأربعة الأولى ، وهي المشيئة وأخواتها ، وما بمعناها كالهوية والرؤية تعليقا في الستة ، وهي الأمر ، وأخواته ، وأطلقه فشمل ما إذا كتب الطلاق ، والاستثناء أو كتب الطلاق ، واستثنى بلسانه أو طلق بلسانه ، واستثنى بالكتابة يصح كما في البزازية .

                                                                                        وأشار بإن بدون الواو إلى أنه لو قال أنت طالق ، وإن شاء الله فإنه لا يصح الاستثناء كما في الجوهرة .

                                                                                        ولو قدم المشيئة ، ولم يأت بالفاء صحت المشيئة ، ولا تطلق لكونه إبطالا ، وعليه الفتوى كما في الخانية ، وهو الأصح كما في البزازية معزيا كل منهما إلى أبي يوسف ، وقد حكى صاحب المجمع خلافا فيه فقال وإن شاء الله أنت طالق يجعله تعليقا ، وهما تطليقا فأفاد أنه يقع عند أبي يوسف لكونه تعليقا عنده ، والشرط فيه الفاء في الجواب المتأخر فإذا لم يأت به لا يتعلق فينجز ، ولغت المشيئة ، ولا يقع عند أبي حنيفة ومحمد لأنه ليس بتعليق هذا ما يقتضيه ما في المتن ، وقرره الزيلعي وابن الهمام ، وغيرهما ، وقد خالف شارح المجمع فنسب إلى أبي يوسف القائل بالتعليق عدم الوقوع ، وإليهما الوقوع نظرا إلى ما نقله قاضي خان في هذه المسألة من أن عدم الوقوع قول أبي يوسف فالحاصل أن ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قدم المشيئة ، ولم يأت بالفاء في الجواب ، ويصدق على القول بالوقوع ديانة أنه أراد الاستثناء كما في الجوهرة ، ولو أجاب بالواو فهو استثناء إجماعا .

                                                                                        وفي الإسبيجابي لا يصح الاستثناء بذكر الواو بالإجماع قال في الجوهرة ، وهو الأظهر ، وتظهر أيضا فيمن حلف بالطلاق إن حلف بطلاقها ثم قال أنت طالق إن شاء الله حنث على القول بالتعليق لا الإبطال قال في فتح القدير ، وفي فتاوى قاضي خان الفتوى على قول أبي يوسف إلا أنه عزي إليه الإبطال فتحصل على أن الفتوى على أنه إبطال ا هـ .

                                                                                        فظاهره أن الفتوى على عدم الوقوع فيما إذا قدم المشيئة ، ولم يأت بالفاء ، وفيما إذا حلف بالطلاق إن حلف بطلاقها ثم حلف مستثنيا ، وليس كذلك لما صرح به قاضي خان بأن الفتوى على عدم الوقوع في الأولى ، وهو قول أبي يوسف كما قدمناه ، وصرح في البزازية بأن الفتوى على الوقوع في المسألة الثانية ، وهو قول أبي يوسف .

                                                                                        وقوله إلا أنه أي قاضي خان عزا إليه أي إلى أبي يوسف الإبطال سهوا ، وإنما عزي إليه اليمين ، ولا [ ص: 43 ] بأس بسوق عبارته بتمامها قال ولو قال إن شاء الله أنت طالق لا تطلق في قول أبي يوسف ، وتطلق في قول محمد ، والفتوى على قول أبي يوسف ، وكذا لو قال إن شاء الله ، وأنت طالق ثم اختلف أبو يوسف ومحمد أن الطلاق المقرون بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل يكون يمينا قال أبو يوسف يكون يمينا حتى لو قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله حتى يصح الاستثناء حنث في قول أبي يوسف ، وقال محمد لا يكون يمينا ، ولا يحنث ، وعلى هذا لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار ، وعبده حر إن كلمت فلانا إن شاء الله تعالى على قول محمد ينصرف الاستثناء إلى الطلاق والعتاق جميعا ، وعلى قول أبي يوسف ينصرف الاستثناء إلى اليمين الثانية ا هـ .

                                                                                        فقد ظهر بهذا أن أبا يوسف قائل بأنها يمين لا إبطال ، وإن على القول بالتعليق لا يقع الطلاق فيما إذا قدم الشرط ، ولم يأت بالفاء في الجزاء كما في شرح المجمع لا أنه يقع على القول به ، وإن شارح المجمع قد غلط كما توهمه في فتح القدير ، وأن أبا يوسف القائل بعدم الوقوع في الأولى قائل بالوقوع في الثانية ، وأن الفتوى على قوله في المسألتين فتحصل من هذا أن الفتوى على أنه تعليق لا إبطال ، ولكن فيه إشكال ، وهو أن مقتضى التعليق الوقوع عند عدم الفاء لعدم الرابط ، ومما يظهر فيه ثمرة الخلاف ما لو قال كنت طلقتك أمس إن شاء الله عندهما لا يقع ، وعند أبي يوسف يقع كذا في المحيط فثمرة الخلاف تظهر في هذه ، وفيما إذا أخر الجواب ، ولم يأت بالفاء أو أتى بالواو ، وحلف أن لا يحلف أو تعقب جملا ، وقيد بموتها لأنه إذا مات الزوج قبل الاستثناء ، وهو يريده يقع الطلاق ، وتعلم إرادته بأن ذكر لآخر قصده قبل التلفظ بالطلاق .

                                                                                        والفرق بين موتها وموته أن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجابا ، والموت ينافي الموجب دون المبطل بخلاف موته لأنه لم يتصل به الاستثناء كذا في الهداية ، وفي البزازية لو قال أنت طالق إن شاء الله أنت طالق فالاستثناء ينصرف إلى الأول ، ويقع الثاني عندنا خلافا لزفر فإنه ينصرف إليهما عنده ، ولا يقع شيء ، وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أنت طالق وقعت واحدة في الحال ، وينبغي أن يكون المفتى به قول زفر لأن إن شاء الله صالح لتعليق الطلاق الأول اتفاقا ، ولتعليق الأخير أيضا ، وإن لم تكن الفاء فيه لما تقدم أن عند أبي يوسف إذا قدم الشرط ، وأخر الجزاء ، ولم يأت بالفاء لا يقع شيء ، وعليه الفتوى .

                                                                                        وأشار بقوله إن شاء الله إلى أنه لو قال أنت طالق إن لم يشأ الله لا يقع شيء فأفاد أنه لو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله ، وأنت طالق ثنتين إن لم يشأ الله لا يقع شيء أما في الأول فللاستثناء ، وأما في الثاني فلأنا لو أوقعناه علمنا أن الله تعالى شاء لأن الوقوع دليل [ ص: 44 ] المشيئة لأن كل واقع بمشيئة الله تعالى ، وهو علق في الثاني بعدم مشيئة الله تعالى لا بمشيئته جل وعلا فيبطل الإيقاع ضرورة .

                                                                                        ولو قال أنت طالق اليوم واحدة إن شاء الله ، وإن لم يشأ فثنتين فمضى اليوم ، ولم يطلقها طلقت ثنتين لأن وقوع ثنتين تعلق بعدم مشيئة الله تعالى الواحدة في اليوم ، وبمضيه بلا طلاق وجد الشرط ثم اعلم أن مذهبنا كما قدمناه عدم الوقوع في المعلق بالمشيئة نواه ، وعلم معناه أو لا ، وعند مالك يقع مطلقا ، وعند الشافعي إن نواه ، وعلمه لا يقع ، وإلا يقع ، وعند المعتزلة كما في البزازية إن كان يمسكها بمعروف لا يقع الطلاق ، وإن كان يسيء معاشرتها يقع لأن الطلاق في الأول حرام ، والقبائح لا تعلق لها بمشيئة الله تعالى ، وفي الثاني واجب ، وبه تتعلق مشيئته تعالى ، وإن كان لا يحسن ولا يضر فالطلاق مباح ، وهل يتعلق بالمباح مشيئة الله تعالى ففيه خلاف بين المعتزلة . ا هـ .

                                                                                        وقيد بقوله إن شاء الله لأنه لو قال أنت طالق كيف شاء الله فإنها تطلق رجعية كما في الخلاصة ، وقدمناه ، وفي المحيط ، ولو حرك لسانه بالاستثناء يصح ، وإن لم يكن مسموعا عند الكرخي ، وعند الهندواني لا يصح ما لم يكن مسموعا على ما مر في الصلاة ا هـ .

                                                                                        [ ص: 40 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 40 ] ( قوله وصوابه إن عنى الرجعي يقع إلخ ) قال في النهر أقول : بل الصواب ما في القنية وذلك أن معنى كلامه أنت طالق أحد هذين وبهذا لا يكون الرجعي لغوا وإن نواه بخلاف ما إذا نوى البائن وأما البائن فليس لغوا على كل حال ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء ، وأنا أقول : الحق ما في البحر لأنه إذا نوى الرجعي فجملة أنت طالق تفيده فكأن قوله رجعيا أو بائنا الذي هو بمعنى أحد هذين لغوا بخلاف ما إذا نوى البائن فإن تلك الجملة لا تفيده فلم يكن قوله رجعيا أو بائنا لغوا فإن قلت لما نوى البائن كان قوله رجعيا لغوا إذ كان يكفيه أن يقول أنت طالق بائنا .

                                                                                        قلت هو تركيب صحيح لغة وشرعا كما في إحدى امرأتي طالق وحيث كان مقصوده البائن وكان قوله أنت طالق غير مفيد للبائن فهو مخير بين أن يقول أنت طالق رجعيا أو بائنا وينوي البائن وبين أن يقول أنت طالق بائنا . قوله كقوله يا طالق يا زانية فالاستثناء على الكل قال الرملي هنا غلط ولعله بعد قوله فالاستثناء عليه وإن كان لا يجب به حد ولا يقع به طلاق فالاستثناء على الكل إلخ ولم أجد هذا في نسخ البحر التي عندي ، ولا في نسخ البزازية ولا بد منه ا هـ .

                                                                                        قلت وكذلك قوله وكذا أنت طالق يا صبية صوابه ولو قال أنت إلخ ويوضح الأمر ، عبارة التتارخانية ونصها وفي نوادر بشر بن الوليد عن أبي يوسف إذا قال لها أنت طالق يا زانية ثلاثا إن شاء الله فالاستثناء على الآخر وهو القذف ويقع الطلاق وكذلك إذا قال لها أنت طالق يا طالق إن شاء الله تعالى ولو قال أنت طالق يا خبيثة إن شاء الله فالاستثناء على الكل ولا يقع الطلاق كأنه قال يا فلانة وذكر ثمة أصلا فقال المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يجب به حد فالاستثناء عليه نحو قوله يا زانية ويا طالق وإن كان لا يجب به حد ولا يقع به طلاق فالاستثناء على الكل وذلك نحو قوله يا خبيثة انتهت .

                                                                                        واعلم أنا كتبنا أوائل فصل الطلاق قبل الدخول عن شرح التلخيص ما ملخصه أن قوله يا زانية إن تخلل بين الشرط والجزاء أو بين الإيجاب والاستثناء لم يكن قذفا في الأصح وإن تقدم أو تأخر كان قذفا وعن أبي يوسف لا يعد المتخلل فاصلا فيقع الطلاق للحال ويجب اللعان وعن محمد يتعلق الطلاق ويجب اللعان وجه ظاهر الرواية أن يا زانية وإن كان جزاء إلا أن المراد منه النفي دون التحقيق ولأنه نداء للإعلام فلا يفصل فيتعلق الطلاق فكذا القذف بالأولى لقربه فقد ظهر أن ما في البزازية والتتارخانية خلاف ظاهر الرواية ، وعبارة متن التلخيص قدمها المؤلف أول باب التعليق ( قوله وذكر في النوادر خلافا إلى قوله انتهى ) قال الرملي هو بجملته منقول الخانية عن النوادر فقوله : وعليه الاعتماد من كلام النوادر لا من كلام الخانية ا هـ .

                                                                                        [ ص: 41 ] وكتب قبله أقول : وحيثما وقع خلاف وترجيح لكل من القولين فالواجب الرجوع إلى ظاهر الرواية لأن ما عداها ليس مذهبا لأصحابنا ، وأيضا كما غلب الفساد في الرجال غلب في النساء فقد تكون كارهة له فتطلب الخلاص منه فتفتري عليه فيفتي المفتي بظاهر الرواية الذي هو المذهب ، ويفوض باطن الأمر إلى الله تعالى فتأمل وأنصف من نفسك ( قوله أو ما شاء الله ) قال في النهر اعلم أن عدم الوقوع في ما شاء الله مسلم بتقدير كون ما مصدرية ظرفية لا ما إذا قدرت موصولا اسميا أي الذي شاء الله تعالى من الواقع واحدة أو ثنتين أو ثلاثة ، ولا شك في أنت طالق المذكور هنا فصار كقوله أنت طالق كيف شئت كذا في الفتح ، ولكنه إنما يتم بتقدير إرادة المقدار الذي شاء الله تعالى ، وليس بمتعين لجواز أن يراد الطلاق الذي شاء الله تعالى ، ومشيئته لا تعلم فلم يقع إذ العصمة ثابتة بيقين فلا تزول بالشك .

                                                                                        ( قوله إلا في قوله طالق في علم الله ) قال في الفتح لأن في بمعنى الشرط فيكون تعليقا بما لا يتوقف عليه فلا يقع إلا في العلم لأنه يذكر للمعلوم ، وهو واقع ، ولأنه لا يصح نفيه عنه تعالى بحال فكان تعليقا بأمر موجود فيكون تنجيزا ، ولا يلزمه القدرة لأن المراد منها هنا التقدير ، وقد يقدر شيئا ، وقد لا يقدره حتى إذا أراد حقيقة قدرته تعالى يقع في الحال كذا في الكافي ، والأوجه أن يراد العلم على مفهومه ، وإذا كان في علمه تعالى أنها طالق فهو فرع تحقق طلاقها ، وكذا نقول القدرة على مفهومها ، ولا يقع لأن معنى أنت طالق في قدرة الله إن في قدرته تعالى وقوعه ، وذلك لا يستلزم سبق تحققه يقال للفاسد الحال في قدرة الله صلاحه مع عدم تحققه في الحال ، وفيه أيضا أي في الكافي ، وإن أضاف إلى العبد بفي كان تمليكا في الأربع الأول ، وما بمعناه من الهوى ، والرؤية تعليقا في الستة الأواخر ، ولا يخفى أن ما ذكره في التنجيز بقوله في علم الله يأتي في قوله في إرادته ومحبته ورضاه فيلزم الوقوع بخلاف توجيهنا ( قوله وإن أتى بالباء إلخ ) قال في النهر الحاصل أن هذه المسألة أعني ما إذا لم يعلق بأن علي ستين وجها ، وذلك أن كل واحد من هذه الألفاظ العشرة إما أن يضاف إلى الله تعالى أو إلى العبد ، وكل وجه على ثلاثة لأنه إما أن يكون بالباء أو اللام أو بفي ا هـ .

                                                                                        وإذا ضربت هذه الستون في الأحوال الأربعة الآتية ، وهي ما إذا تلفظ بالطلاق والاستثناء أو كتبها أو كتب الأول فقط أو بالعكس بلغت مائتين وأربعين ، وبضم إن إلى الحروف الثلاثة تبلغ ثلاثمائة وعشرين ، وربما بلغت أضعاف ذلك باعتبار [ ص: 42 ] تقديم المشيئة أو تأخيرها ، وغير ذلك ( قوله لكونه إبطالا ) قال الرملي هو علة لصحة المشيئة مع تقديمها ، وعدم الإيتان بالفاء ، وقوله : وعليه الفتوى أي على صحة المشيئة ، وعدم الطلاق لا على عكسه الذي هو الوقوع ، وعدم صحتها تأمل ( قوله وعليه الفتوى كما في الخانية ) كأنه عزاه إلى الخانية مجاراة لصاحب الفتح ، وإلا فسيذكر قريبا أن القول بعدم الوقوع الذي عليه الفتوى مبني على أنه تعليق لا إبطال .

                                                                                        ( قوله هذا ما يقتضيه ما في المتن ) أي متن المجمع قال في النهر يأباه قوله وهما تطليقا إذ مقابلة التعليق بالتطليق تقتضي عدم الوقوع على الأول ، والوقوع على الثاني فنسبة صاحب الفتح الغلط إلى شرح المجمع بقوله ، وهو غلط فاجتنبه الظاهر أنه واقع في المتن أيضا ا هـ . ملخصا .

                                                                                        يعني : أن المتبادر من عبارة المجمع هو ما ذكر شارحه من أنه عند أبي يوسف تعليق فلا يقع ، وعندهما تطليق فيقع منجزا لعدم صحة التعليق بسبب إسقاط الفاء ، ولا يخفى أن صاحب المجمع حيث شرح متنه بذلك دل على أنه مراده لأن صاحب الدار أدرى ، ومثله في شرح درر البحار فإنه صرح أولا بأن أبا يوسف يجعله تعليقا لأن المبطل لما اتصل بالإيجاب أبطل حكمه ثم قال وجعلاه تنجيزا لأنه لما انتفى رابط الجملتين ، وهو الفاء هنا بقي قوله أنت طالق منجزا إلخ ، وقال في التتارخانية ، وإن ذكر الطلاق بدون حرف الفاء بأن قال إن شاء الله أنت طالق فهذا استثناء صحيح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وفي الولوالجية ، وبه نأخذ ، وفي المحيط ، وقال محمد هذا استثناء منقطع والطلاق واقع في القضاء ، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى إن كان أراد به الاستثناء ، وذكر الخلاف على هذا الوجه في القدوري ، وفي الخانية لا تطلق في قول أبي يوسف ، وتطلق في قول محمد ، والفتوى على قول أبي يوسف . ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد ذكر في الخانية قبل هذا في أوائل باب التعليق عكس ذلك حيث قال وثمرة الاختلاف تظهر في مسائل منها هذه ، ومنها لو قال إن شاء الله أنت طالق وقع الطلاق في قول أبي يوسف لأن الشرط إذا تقدم على الجزاء لا يتعلق الطلاق إلا بحروف الجزاء فإنه لو قال لامرأته إن دخلت الدار أنت طالق يكون تنجيزا ، وعلى قول محمد يصح الاستثناء تقدم أو تأخر لأن عنده الاستثناء إبطال ، وليس بتعليق فيصح على كل حال ا هـ .

                                                                                        ( قوله وليس كذلك لما صرح به قاضي خان إلخ ) أنت خبير بأن ما ذكره موافق لقوله فظاهره أن الفتوى على عدم الوقوع إلخ فلا معنى للرد هنا فكان الأصوب أن يقول لما صرح به في البزازية إلخ [ ص: 43 ] ( قوله فقد ظهر بهذا أن أبا يوسف قائل بأنها يمين إلخ ) قال في النهر أقول : أنت خبير بأن مقتضى الإبطال المقابل للتعليق عدم الوقوع فيما إذا قدم المشيئة فقوله في الفتح إلا أنه عزى إليه الإبطال أي المومي إليه بعدم الوقوع لا خصوص هذا اللفظ كما توهمه في البحر فجزم بأنه سهو ، ولا يصح أن يخرج هذا على القول بالتعليق إذ لا يعرف ثبوته مع عدم الرابط فتعين أن يخرج على الإبطال فعليك أبدا بالتدبر في كلام هذا الإمام مخافة أن تزل بك الأقدام ، وما في البزازية من أن الفتوى على قول الثاني من الحنث فيما إذا حلف لا يحلف مخرج على التعليق ، وقد علمت أن بعض مشايخنا نسبه إليه ، وما فيها أيضا أنت طالق إن شاء الله أنت طالق فالاستثناء ينصرف إلى الأول ، ويقع الثاني ، وقال زفر لا يقع شيء ، وكذا أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أنت طالق وقعت واحدة في الحال مبني على كل من القولين أعني التعليق والإبطال ، وهذا لأن الجملة الثانية منقطعة عن الأولى ، وتوهم في البحر بناء على ما سبق له من أنه يصح أن يوجد التعليق مع عدم الرابط ، ولا يقع فقال ينبغي أن تكون الفتوى على قول زفر رحمه الله تعالى لما مر من عدم الوقوع في إن شاء الله أنت طالق ، وأنت قد علمت ما هو الواقع .

                                                                                        ( قوله ولكن فيه إشكال إلخ ) قال الرملي جوابه أن المقصود منه إعدام الحكم لا التعليق ، وفي الإعدام لا يحتاج إلى حرف الجزاء بخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق لأن المقصود منه التعليق فلذلك افترقا ، وقد فرق بذلك في الولوالجية في الفصل الثلاثين في الاستثناء فراجعه إن شئت ، وما تقدم عن قاضي خان من قوله لكونه إبطالا صريح في الفرق أيضا . ا هـ .

                                                                                        وعلى هذا فالإبطال مرادف للتعبير بالتعليق لأن المراد بالتعليق بالمشيئة إبطال الإيجاب السابق لكونه تعليقا على غير معلوم الثبوت ، وبه يصح ما قاله في الفتح من نسبة الإبطال إلى ما في الخانية عن أبي يوسف ( قوله وينبغي أن يكون المفتى به قول زفر إلخ ) قال الرملي هذا من كلامه لا من كلام البزازي ، ولا دلالة له فيما استدل لأنه فيما لو اقتصر على جزاء واحد كقوله إن شاء الله تعالى أنت طالق ، ولا كذلك هنا ، ويظهر الفرق للمتأمل ثم رأيت صاحب النهر أتى بمثل ما ذكرته فلله تعالى الحمد والمنة [ ص: 44 ] ( قوله وفي المحيط ، ولو حرك لسانه بالاستثناء إلخ ) قال الرملي ، وفي الولوالجية ، وإذا حرك لسانه بالاستثناء صح إذا تكلم بالحروف سواء كان مسموعا أو لم يكن ، وذكر في بعض المواضع أنه لا يعتبر الاستثناء ما لم يكن مسموعا ا هـ . ففيه إشارة إلى أرجحية الأول تأمل ا هـ .

                                                                                        لكن صحح في البدائع ما ذكره الهندواني ، وهو الموافق لما ذكروه في الصلاة .




                                                                                        الخدمات العلمية