الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فلو وطئ قبله استغفر ربه فقط ) أي : لو وطئ قبل التكفير لا يجب عليه كفارة لأجل الوطء والواجب الكفارة الأولى لما رواه الترمذي في { المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال كفارة واحدة } ، وأما الاستغفار فمنقول في الموطإ من قول مالك والمراد منه التوبة من هذه المعصية وهي حرمة الوطء قبل الكفارة

                                                                                        . ( قوله وعوده عزمه على وطئها ) أي : عود المظاهر المذكور في الآية عزمه على وطء المظاهر منها وهو بيان لسبب وجوب الكفارة وقد اختلف فيه أصحابنا على أقوال محكية في البدائع فالعامة على أن السبب مجموع الظهار والعود ; لأنه المذكور قبل فاء السببية ولأن الكفارة دائرة بين العقوبة والعبادة فلا بد أن يكون سببها دائرا بين الحظر والإباحة حتى تتعلق العقوبة بالمحظور وهو الظهار والعبادة بالمباح وهو العزم على وطئها ; لأنه نقض للمنكر وقيل الظهار سبب للإضافة والعود شرط وقيل عكسه وقيل هما شرطان والسبب أمر ثالث وهو كون الكفارة طريقا متعينا لإيفاء حقها وكونه [ ص: 106 ] قادرا على إيفائه قيل كل منهما شرط وسبب ومن جعل السبب العزم أراد به العزم المؤكد حتى لو عزم ثم بدا له أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنها وجبت بنفس العزم ثم سقطت كما قال بعضهم ; لأن الكفارة بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد كذا في البدائع لكن أورد على من جعل العود وحده سببا أن الحكم يتكرر بتكرر سببه لا شرطه والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا العزم وأنه لو قدمها على العزم صح ، ولو كان سببا لم يصح ولكن دفع الثاني بأنها إنما وجبت لرفع الحرمة الثابتة في الذات فتجوز بعد ثبوتها كما قلنا في الطهارة إنها جائزة قبل إرادة الصلاة مع أنها سببها ; لأنها شرعت لرفع الحدث فتجوز بعد وجوده وأورد على من جعله الظهار فقط أن السبب ما دار بين محظور ومباح وهو محظور فقط فلا يصلح للسببية وسنجيب عنه في الكفارة ولم يظهر لي ثمرة الاختلاف بين الأقوال لاتفاقهم على جواز التكفير بعد الظهار قبل العزم وعلى عدمه قبل الظهار وعلى تكررها بتكرر الظهار وإن لم يتكرر العزم وعلى أنه لو عزم ثم ترك فلا إثم وعلى عدم الكفارة لو أبانها بعده وبعد العزم .

                                                                                        ومراد المشايخ من قولهم العزم على وطئها العزم على استباحة وطئها لا العزم على نفس الوطء ; لأنهم قالوا المراد في الآية { ثم يعودون } بنقض ما قالوا ورفعه وهو إنما يكون باستباحتها بعد تحريمها لكونه ضدا للحرمة لا نفس وطئها ولقد أبعد من قال إن المراد تكرار الظهار ; لأنه لو كان كذلك لقال تعالى ثم يعيدون ما قالوا من الإعادة لا من العود وتمام تحقيقه في التفسير الكبير للإمام فخر الدين .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وأما الاستغفار فمنقول في الموطإ ) قال في الفتح ، وأما ذكر [ ص: 106 ] الاستغفار في الحديث فالله تعالى أعلم به وهو في الموطإ من قول مالك ولفظه قال مالك فيمن يظاهر ثم يمسها قبل أن يكفر يكف عنها حتى يستغفر الله ويكفر ثم قال وذلك أحسن ما سمعت ا هـ .

                                                                                        وفي حاشية نوح أفندي على الدرر قال الشيخ قاسم في تخريج أحاديث الاختيار ذكر الاستغفار فيه الإمام محمد بن الحسن في الأصل فقال : باب الظهار { بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فبلغ ذلك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأمره أن يستغفر الله تعالى ولا يعود حتى يكفر } وبلاغات محمد مسندة لمن تتبعها وقد أسند هذا في كتاب الصوم عن أبي يوسف عن إسماعيل بن مسلم عن سليمان الأحول عن طاوس قال { ظاهر رجل من امرأته فأبصرها في القمر وعليها خلخال فضة فأعجبته فوقع عليها قبل أن يكفر فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يستغفر الله ولا يعود حتى يكفر } ووصله الحاكم بذكر ابن عباس وإسماعيل بن مسلم وإن كان ضعيفا فقد تابعه على الأصل من علمت في رواية الأربعة والبزار والله تعالى أعلم ا هـ . كلامه .

                                                                                        ( قوله أراد به العزم المؤكد ) كأنه أراد به المتصل به الفعل بدليل ما بعده .




                                                                                        الخدمات العلمية