الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويطلبه من رفيقه ، فإن منعه تيمم ) أي يطلب الماء من رفيقه أطلقه هنا وفصل في الوافي فقال مع رفيقه ماء فظن أنه إن سأله أعطاه لم يجز التيمم ، وإن كان عنده أنه لا يعطيه يتيمم ، وإن شك في الإعطاء وتيمم وصلى فسأله فأعطاه يعيد وعلل له في الكافي بأنه ظهر أنه كان قادرا ، وإن منعه قبل شروعه وأعطاه بعد فراغه لم يعد ; لأنه لم يتبين أن القدرة كانت ثابتة ا هـ .

                                                                                        اعلم أن ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة وجوب السؤال من الرفيق كما يفيده ما في المبسوط قال : وإذا كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد ، فإنه كان يقول السؤال ذل وفيه بعض الحرج وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج ولكنا نقول ماء الطهارة مبذول عادة بين الناس وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة فقد { سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض حوائجه من غيره } ا هـ .

                                                                                        فاندفع بهذا ما وقع في الهداية وشرح الأقطع من الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فعنده لا يلزمه الطلب وعندهما يلزمه واندفع ما في غاية البيان من أن قول الحسن حسن وفي الذخيرة نقلا عن الجصاص أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فمراده فيما إذا غلب على ظنه منعه تجري الظنة عليه لا يجب الطلب منه ا هـ .

                                                                                        ولو كان مع رفيقه دلو لم يجب أن يسأله ولو سأله فقال انتظر حتى أستقي فالمستحب عند أبي حنيفة أن ينتظر بقدر ما لا يفوت الوقت ، فإن خاف ذلك تيمم وعندهما ينظر ، وإن خاف فوت الوقت وجه قولهما إن الوعد إذا وجد صار قادرا باعتباره ; لأن الظاهر أنه يفي به وعلى هذا الخلاف العاري إذا وعد له رفيقه الثوب كذا في معراج الدراية وفي فتح القدير والتوشيح لو كان مع رفيقه دلو وليس معه له أن يتيمم قبل أن يسأله عنه وفي المجتبى رأى في صلاته ماء في يد غيره ثم ذهب منه قبل الفراغ فسأله فقال لو سألتني لأعطيتك فلا إعادة عليه ، وإن كانت العدة قبل الشروع يعيد لوقوع الشك في صحة الشروع والأصح أنه لا يعيد ; لأن العدة بعد الذهاب لا تدل على الإعطاء قبله . ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا الفروع المتعلقة بها عن الزيادات وفي التوشيح وأجمعوا أنه إذا قال أبحت لك مالي لتحج به ، فإنه لا يجب عليه الحج وأجمعوا أن في الماء إذا وعده صاحبه أن يعطيه لا يتيمم وينتظر ، وإن خرج الوقت والفرق بينهما أن القدرة في الأول لا تكون إلا بالملك وفي الثاني بالإباحة وفي المحيط ولو قرب من الماء ، وهو لا يعلم به ولم يكن بحضرته من يسأله عنه أجزأه التيمم ; لأن الجهل بقربه كبعده عنه ولو كان بحضرته من يسأله فلم يسأله حتى تيمم وصلى ثم سأله فأخبره بماء قريب لم تجز صلاته ; لأنه قادر على استعماله بالسؤال كمن نزل بالعمران ولم يطلب الماء لم يجز تيممه

                                                                                        وإن سأله في الابتداء فلم يخبره [ ص: 171 ] ثم أخبره بماء قريب جازت صلاته ; لأنه فعل ما عليه . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ، وإن لم يعطه إلا بثمن وله ثمنه لا يتيمم ، وإلا تيمم ) هذه المسألة على ثلاثة أوجه إما إن أعطاه بمثل قيمته في أقرب موضع من المواضع الذي يعز فيه الماء أو بالغبن اليسير أو بالغبن الفاحش ففي الوجه الأول والثاني لا يجزئه التيمم لتحقق القدرة ، فإن القدرة على البدل قدرة على الماء كالقدرة على ثمن الرقبة في الكفارة تمنع الصوم وفي الوجه الثالث يجوز له التيمم لوجود الضرر ، فإن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه والضرر في النفس مسقط فكذا في المال كذا في العناية ونظيره الثوب النجس إذا لم يكن عنده ماء ، فإنه يصلي فيه ولا يلزمه قطع الثوب من موضع النجاسة ، والمراد بالثمن الفاضل عن حاجته على ما قدمناه واختلفوا في تفسير الغبن الفاحش ففي النوادر هو ضعف القيمة في ذلك المكان وفي رواية الحسن إذا قدر أن يشتري ما يساوي درهما بدرهم ونصف لا يتيمم وقيل ما لا يدخل تحت تقويم المقومين وقيل ما لا يتغابن في مثله ; لأن الضرر مسقط واقتصر في البدائع والنهاية على ما في النوادر فكان هو الأولى وقد قدمنا أنه إذا كان له مال غائب وأمكنه الشراء بثمن مؤجل وجب عليه الشراء بخلاف ما إذا وجد من يقرضه ، فإنه لا يجب عليه ; لأن الأجل لازم ولا مطالبة قبل حلوله بخلاف القرض قيد بالماء ; لأن العاري إذا قدر على شراء الثوب

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فاندفع بهذا ما وقع في الهداية إلخ ) قد يوفق بين ما في المبسوط وما في الهداية بأن الحسن رواه عن أبي حنيفة رحمه الله في غير ظاهر الرواية وأخذ هو به فاعتمد في المبسوط ظاهر الرواية واعتمد صاحب الهداية رواية الحسن لكونها أنسب بمذهب أبي حنيفة رحمه الله في عدم اعتبار القدرة بالغير وفي اعتبار العجز للحال والله سبحانه أعلم كذا في شرح المنية للعلامة البرهان إبراهيم الحلبي وذكر قبله أن الوجه هو التفصيل كما قال أبو نصر الصفار أنه إنما يجب السؤال في غير موضع عزة الماء ، فإنه حينئذ بتحقق ما قالا من أنه مبذول عادة في كل موضع ظاهر المنع على ما يشهد به كل من عانى في الأسفار فينبغي أن يجب الطلب ولا تصح الصلاة بدونه فيما إذا ظن الإعطاء لظهور دليلهما دون ما إذا ظن عدمه لكونه في موضع عزة الماء أما إذا شك في موضع عزة الماء أو ظن المنع في غيره فالاحتياط في قولهما والتوسعة في قوله ; لأن في السؤال ذلا وقول من قال لا ذل في سؤال ما يحتاج إليه ممنوع واستدلاله بأنه عليه الصلاة والسلام سأل ثم بعض حوائجه من غيره مستدرك ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم فلا يقاس غيره عليه ; لأنه إذا سأل افترض على المسئول البذل ولا كذلك غيره ا هـ .

                                                                                        ونحوه في شرح المنية للمحقق ابن أمير حاج الحلبي ، وهو كلام حسن

                                                                                        ( قوله : ولو كان مع رفيقه لو لم يجب أن يسأله ) الذي رأيته في معراج الدراية يجب بدون لم ( قوله : له أن يتيمم قبل أن يسأله عنه ) هذا مخالف لما في المعراج [ ص: 171 ] وفي السراج قيل يجب الطلب وقيل لا يجب قال في النهر وينبغي أن يكون الأول بناء على الظاهر والثاني على ما في الهداية ( قوله : قيد بالماء ; لأن العاري إذا قدر على شراء الثوب ) يوجد في بعض النسخ بياض بعد قوله الثوب وفي بعضها لفظة لا يجب وفي بعضها لا يصلي عريانا وهاتان النسختان مختلفتان حكما ; لأن معنى الثانية منهما يجب وفي المسألة قولان حكاهما في السراج فقال ولو ملك ثمن الثوب هل يكلف شراءه قال إسماعيل الإمام لا ولو ملك ثمن الماء يكلف شراءه وقال عبد الله بن الفضل وأبو علي النسفي يجب أن يكونا سواء ويكلف شراء الثوب كما يكلف شراء الماء ا هـ .

                                                                                        والمتبادر من قول المؤلف قيد بالماء إلخ المشي على القول الأول فالأنسب نسخة لا يجب وسنذكر المسألة أيضا في شروط الصلاة والنسخ هناك مختلفة أيضا ففي بعضها الترديد وفي بعضها الجزم بعدم الوجوب ، وكان صاحب النهر لم ير عبارة السراج فقال في شروط الصلاة ولو قدر عليه بثمن مثله لم يذكروه وينبغي أن يلزمه قياسا على شراء الماء ا هـ وما بحثه مخالف لما يفيده كلام أخيه .




                                                                                        الخدمات العلمية