الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وثلاثة أشهر إن لم تحض ) أي : عدة الحرة إن لم تكن من ذوات الحيض لصغر أو كبر مدة ثلاثة أشهر لقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } في حق الآيسة وقوله تعالى { واللائي لم يحضن } في حق الصغيرة ومن بلغت بالسن ولم تحض وشمل قوله إن لم تحض أيضا البالغة إذا لم تر دما أو رأت وانقطع قبل التمام ومن بلغت مستحاضة والمستحاضة التي نسيت عادتها وهو مما يلغز به فيقال شابة ترى ما يصلح حيضا في كل شهر وعدتها بالأشهر لكن في التحقيق لما نسيت عادتها جاز كونها أول كل شهر وآخره فإذا قدرت بثلاثة أشهر علم أنها حاضت ثلاث حيض بيقين بخلاف ما لم تنس فإنها ترد إلى أيام عادتها فجاز كون عدتها أول الشهر فتخرج من العدة بخمسة أو ستة من الثالث ، وفي فتح القدير أخذا من الزيلعي في الحيض واعلم أن إطلاقهم الانقضاء بثلاثة أشهر في المستحاضة الناسية لعادتها لا يصح إلا فيما إذا طلقها أول الشهر أما إذا طلقها بعدما مضى من الشهر قدر ما يصلح حيضة فينبغي أن يعتبر ثلاثة أشهر غير باقي هذا الشهر ا هـ .

                                                                                        اعلم أن ما ذكره في فتح القدير أن تقدير عدتها بثلاثة أشهر قول المرغيناني وذكر هو في الحيض اختلافا قال والفتوى على قول الحاكم من أن طهرها مقدر بشهرين فعلى هذا لا بد من ستة أشهر للأطهار وثلاث حيض بشهر احتياطا والمراد بالصغيرة من لم تبلغ سن الحيض والمختار المصحح أنه تسع وعن الإمام الفضلي أنها إذا كانت مراهقة لا تنقضي عدتها بالأشهر بل يوقف حالها حتى يظهر هل حبلت من ذلك الوطء أم لا فإن ظهر حبلها اعتدت بالوضع وإن لم يظهر فبالأشهر ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير ويعتد بزمن التوقف من عدتها ; لأنه كان ليظهر حبلها [ ص: 142 ] فإذا لم يظهر كان من عدتها ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية امرأة رأت الدم وهي بنت ثلاثين سنة مثلا رأت يوما دما لا غير ثم طلقها زوجها قال ليست هي آيسة وقال أبو جعفر تعتد بالشهور ; لأنها من اللائي لم يحضن وبه نأخذ ا هـ .

                                                                                        وفي الصغرى واعتبار الشهور في العدة بالأيام دون الأهلة بالإجماع إنما الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في الإجارة ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى جعله على الخلاف كالإجارة والدين وإنما تعتبر بالأيام إجماعا مدة العنين ، وفي التتارخانية امرأة بلغت فرأت يوما دما ثم انقطع عنها الدم حتى مضت سنة ثم طلقها زوجها فعدتها بالأشهر ا هـ .

                                                                                        وخرج بقوله إن لم تحض الشابة الممتد طهرها فلا تعتد بالأشهر وصورتها إذا رأت ثلاثة أيام وانقطع ومضى سنة أو أكثر ثم طلقت فعدتها بالحيض إلى أن تبلغ إلى حد الإياس وهو خمس وخمسون سنة في المختار كذا في البزازية ومن الغريب ما في البزازية قال العلامة والفتوى في زماننا على قول مالك في عدة الآيسة ا هـ .

                                                                                        ولو قضى قاض بانقضاء عدة الممتد طهرها بعد مضي تسعة أشهر نفذ كما في جامع الفصولين ونقل في المجمع أن مالكا يقول إن عدتها تنقضي بمضي حول وفي شرح المنظومة أن عدة الممتد طهرها تنقضي بتسعة أشهر كما في الذخيرة معزيا إلى حيض منهاج الشريعة ، ونقل مثله عن ابن عمر قال وهذه المسألة يجب حفظها ; لأنها كثيرة الوقوع وذكر الزاهدي وقد كان بعض أصحابنا يفتون بقول مالك في هذه المسألة للضرورة خصوصا الإمام والدي ا هـ .

                                                                                        قلت : لكنه مخالف لجميع الروايات فلا يفتى به نعم لو قضى مالكي به نفذ ، وفي فتح القدير ثم أكثر المشايخ لا يطلقون لفظ الوجوب على هذه الصغيرة ; لأنها غير مخاطبة بل يقولون تعتد ، وفي المبسوط قال بعض علمائنا : هي لا تخاطب بالاعتداد لكن الولي يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضي المدة فثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجيه خطاب الشرع عليها ولا يخفى أن القائل الأول قوله مبني على أنه يراها الحرمات أو التربص الواجب فإن قلت على تقدير كونها مضي المدة أليس أن فيها يجب أن لا تتزوج فلا بد أن يتعلق خطاب نهي التزوج بالولي فجعلها المدة كما قال شمس الأئمة لا يستلزم انتفاء قول الأول ويخاطب الولي بأن لا يزوجها فالجواب لا يلزم فإنا إذا قلنا : إنها المدة فالثابت فيها عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم الصحة لو فعل ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن الصغيرة أهل لخطاب الوضع ، وهذا منه كما خوطب الصغير والصغيرة بضمان المتلفات ، ولو حاضت الصغيرة في الأشهر الثلاثة تستأنف العدة بالحيض ، ولو حاضت الكبيرة حيضة ثم أيست استأنفت بالشهور تحرزا عن الجمع بين الأصل والخلف وقد فسر القاضي قوله تعالى { إن ارتبتم } شككتم وجهلتم ا هـ .

                                                                                        وإذا كان هذا مع الارتياب ففي غيره بالأولى كذا في غاية البيان ، وفي الفخر الرازي إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ الإياس أهو دم حيض أو استحاضة وروي أن { معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يا رسول الله قد عرفنا عدة التي تحيض فما عدة التي لم تحض فنزلت { واللائي يئسن } فقام رجل فقال ما عدة الصغيرة فنزل { واللائي لم يحضن } أي : هي بمنزلة الكبيرة فقام آخر فقال ما عدة الحوامل فنزل { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } } ا هـ .

                                                                                        وذكر في الدر المنثور للأسيوطي أن [ ص: 143 ] السائل عن المسائل الثلاث أعني عن الكبرى والصغرى والحامل أبي بن كعب رضي الله عنه وأخرج عن مجاهد في قوله تعالى { إن ارتبتم } إن لم تعلموا الحيض أم لا فإن قلت لم لم يكتف بقوله { واللائي لم يحضن } عما قبلها قلت الآيسة يصدق عليها أنها حاضت فلم تدخل تحت قوله { واللائي لم يحضن } ; لأن المعنى لا حيض لهن أصلا إما للصغر أو بلغت ولم تحض فلذا أفردها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله لكن في التحقيق إلخ ) حاصله أن عدتها في نفس الأمر ليست بالأشهر وإنما هي بالحيض لكن لما لم يتيقن بالحيض الثلاث إلا في ثلاثة أشهر قيل : تتربص تلك المدة ( قوله والمراد بالصغيرة من لم تبلغ سن الحيض ) كان عليه أن يقول من لم تر الدم ولم تبلغ بالسن ليعلم حكم من زادت على تسع ولم تر الدم ولم تبلغ بالسن إلا أن يقال إن كلامه مبني على ما ذكره عن الإمام الفضلي من أنها إذا راهقت أي : بأن بلغت تسعا لا تنقضي عدتها بالأشهر تأمل .

                                                                                        ( قوله وإن لم يظهر فبالأشهر ) لم يبين كم يوقف ، وفي فتاوى العلامة حامد أفندي العمادي مقتضى ما ذكروه في تعليل عدة الموت أنه لا بد من مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ; لأنه يظهر فيها الحبل [ ص: 142 ] ألبتة لكن في البزازية من البيع ما نصه ، وفي دعوى الحبل إنما يصدق في رواية إذا كان من حين شراها أربعة أشهر وعشر وإن أقل لا ، وفي رواية أنه يسمع دعوى الحبل بعد شهرين وخمسة أيام وعليه عمل الناس ا هـ .

                                                                                        ( قوله وفي الصغرى واعتبار الشهور في العدة بالأيام إلخ ) هذا إذا أوقع الطلاق في أثناء الشهر أما في أوله فبالأهلة اتفاقا كما في الفتح ثم ما في الصغرى مخالف لما في الفتح من أنه إذا أوقع في أثناء الشهر اعتبر كلها بالأيام فلا تنقضي إلا بتسعين يوما عنده وعندهما يكمل الأول ثلاثين من الشهر الأخير والشهران المتوسطان بالأهلة ا هـ . وسيذكره المؤلف عن المحيط .

                                                                                        ( قوله ومن الغريب ما في البزازية إلخ ) عبارتها وعند مالك مدة الآيسة تسعة أشهر ستة أشهر لاستبراء الرحم وثلاثة أشهر للعدة قال العلامة إلخ ثم قال بعد ورقة وعن مالك فيمن طلقها زوجها ومضى عليها نصف عام ولم ترد ما يحكم بإياسها حتى تمضي عدتها بعد ثلاثة أشهر وروي عن ابن عمر رضي الله عنه مثله فعلى هذا في ممتدة الطهر قبل بلوغها إلى الإياس فاعتدت بثلاثة أشهر بعد مضي نصف سنة وقضى القاضي جاز ; لأنه مجتهد فيه ويحفظ هذا لكثرة وقوعه ا هـ .

                                                                                        وبه ظهر أن قوله سابقا مدة الآيسة المراد بها ممتدة الطهر لا من بلغت سن الإياس وإلا فهي تعتد بالأشهر بالنص .

                                                                                        ( قوله نعم لو قضى به مالكي نفذ ) الذي يظهر أن هذا هو المراد من عبارة البزازية التي نقلناها لتعليله بقوله ; لأنه مجتهد فيه ثم في أكثر النسخ بعد هذه العبارة تقديم وتأخير لا يفهم معه المقصود وبعضها على الترتيب فلتصحح النسخ




                                                                                        الخدمات العلمية