الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وزوجة الفار أبعد الأجلين ) أي : وعدة المطلقة بائنا في مرض موته بغير رضاها عدة الوفاة وعدة الطلاق فالمراد بأبعد الأجلين مضي أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض حتى لو مضت هذه المدة ولم تحض ثلاثا كانت في العدة حتى تحيض ثلاثا ، ولو حاضت ثلاثا قبل تمام هذه المدة لم تنقض حتى تتم كما ذكره في الخانية والعناية واعترضه في فتح القدير بأنه مقصر ; لأنه لا يصدق إلا إذا كانت الأربعة الأشهر وعشر أبعد من الثلاث حيض وحقيقة الحال أنها لا بد أن تتربص الأجلين ا هـ .

                                                                                        وجوابه أنه لا بأس بعد التصريح بالمراد فلا تقصير ، وفي المجتبى يعني بأبعد الأجلين عدة الوفاة إن كانت أطول وعدة الطلاق إن كانت أطول قلت ويعتبر الحيض من وقت الطلاق لا الوفاة ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا قول من فسره بالأربعة الأشهر والعشر فيها ثلاث حيض مشكل ; لأنه يقتضي أنه لا بد أن تكون الحيض كلها في عدة الوفاة وعلى ما في المجتبى لو حاضت حيضتين قبل وفاته ولم تحض بعد وفاته إلا واحدة ومضت عدة الوفاة كفى بخلاف ما في الخانية قيدنا بكونه بائنا ; لأنه لو طلقها رجعيا ` فعدتها عدة الوفاة سواء طلقها في [ ص: 149 ] الصحة أو في المرض بطريق انتقال عدة الطلاق إلى عدة الوفاة وترث منه وقيدنا بكونه في مرض موته ; لأنه لو طلقها بائنا في صحته لم تنتقل ولا ترث وما ذكره المصنف قولهما وقال أبو يوسف : عدتها ثلاث حيض ; لأن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق ولزمها ثلاث حيض وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة إلا أنه بقي في حق الإرث لا في حق تغيير العدة بخلاف الرجعي ; لأن النكاح باق من كل وجه ولهما أنه لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا فيجمع بينهما كذا في الهداية وأورد على قولهما لو ارتد زوج المسلمة فمات أو قتل على ردته ترثه زوجته المسلمة وعدتها بالحيض فقد بقي في حق الإرث ولم يبق في حق العدة فكذا في زوجة الفار والجواب منع حكم المسلمة بل يلزمها عدة الوفاة على ما أشار إليه الكرخي فهو على الاختلاف .

                                                                                        وقيل عدتها بالحيض إجماعا ; لأن النكاح ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث ; لأن المسلمة لا ترث الكافر فيستند استحقاقه إلى وقت الردة وقد استفيد بما ذكرناه أن وضع المسألة فيما إذا لم تحض ثلاثا قبل موته أما إذا حاضت ثلاثا قبل موته فقد انقضت عدتها ولم تدخل تحت المسألة ; لأنه لا ميراث لها إلا إذا مات قبل انقضاء العدة وقد أشكل ذلك على بعض حنفية العصر لعدم التأمل ، وفي فتح القدير ، وهذا الحكم ثابت في صور :

                                                                                        إحداها : هذه .

                                                                                        والثانية : إذا قال لزوجتيه أو زوجاته : إحداكن طالق بائن ومات قبل البيان فعلى كل واحدة الاعتداد بأبعد الأجلين ، ولو بين في إحداهما كان ابتداء العدة من وقت البيان .

                                                                                        والثالثة : إذا مات زوجها وسيدها ولم يدر أيهما مات أولا وعلم أن بينهما شهرين وخمسة أيام فصاعدا ا هـ .

                                                                                        ولا بد من تقييد المسألة الأولى بأن يكون قد دخل بهما فلو لم يدخل بهما اعتدتا بعدة الوفاة فقط ، ولو دخل بإحداهما دون الأخرى ينبغي أن تعتد المدخولة بأبعد الأجلين وغيرها بعدة الوفاة ولا بد من كونهما من ذوات الأقراء ; لأنهما لو كانتا لا تحيض فعدة الوفاة وإن كانت إحداهما تحيض والأخرى لا فعلى التي تحيض أبعد الأجلين والأخرى عدة الوفاة هذا ما فهمته ولم أره صريحا .

                                                                                        والحاصل أن المرأة لا تعتد بأبعد الأجلين إلا في ثلاث مسائل وينبغي أن يزاد رابعة على قول محمد ذمي أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع أو أم وبنتها ومات بلا بيان فإن محمدا يخيره وهما أبطلا نكاح الكل حيث لم يعلم الآخر كما في المجمع ولم أر من نبه عليه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله قيدنا بكونه بائنا ; لأنه لو طلقها رجعيا ) أي ومات وهي في العدة على حسب حالها أي : بأن مات قبل مضي ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض أو قبل مضي الأشهر إن كانت ممن لا تحيض أو قبل وضع الحمل إن كانت حاملا قال الشرنبلالي في بعض رسائله فتفريعه على مقدر على حد قوله تعالى { والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى } ; إذ لا يصح أن يكون قوله فعدتها عدة الوفاة فرعا لقوله طلقها ; لأن المطلقة عدتها بالحيض أو ما يقوم مقامها بنص الكتاب والإجماع ولأنه لو كان مفرعا على قوله طلقها لم يصح قوله بطريق انتقال عدة الطلاق إلى عدة الوفاة ; لأن المنتقل عنه غير المنتقل إليه ا هـ .

                                                                                        ثم إن التقييد المذكور غير لازم كما في الشرنبلالية ; لأن الكلام فيمن يموت زوجها الفار في عدتها والمطلقة رجعيا ليس زوجها فارا هذا وقد أقام الشرنبلالي النكير على صاحب الدرر وغيره حيث قال عدة امرأة الفار للبائن أبعد الأجلين وللرجعي ما للموت بأنه [ ص: 149 ] خطأ من وجوه : أحدها أنه يقتضي أنها إذا طلقت رجعيا وزوجها مريض فانقضى لها أربعة أشهر وعشر وهو حي لا ترثه مع بقاء شيء من حيضها وأنها إذا حاضت ثلاث حيض وهو حي ولم تمض أربعة أشهر وعشر ترث منه وأنها لو تزوجت بعد مضي أربعة أشهر ولم تحض فيها يصح نكاحها وأنها لو حاضت ثلاث حيض وتزوجت لم يصح وكل ذلك باطل فبطلت تلك العبارات المخالفة وأنها لم تصدر عن صاحب المذهب ولا أصحابه والذي صدرت عنه ابتداء أراد غير ظاهرها وهو أنه أراد الانتقال عن عدة الطلاق الرجعي لعدة الوفاة حال حياته لترث بموته فيها ولا يفيد ما أراده من الانتقال تلك العبارات وقد أردت بهذا إيضاح بطلانها لتجتنب فإنها وقعت في أجل كتب المذهب هذا حاصل ما ذكره في رسالته وحاشيته على الدرر .

                                                                                        والذي يظهر أنهم تسامحوا في تسمية المطلق رجعيا في مرض موته فارا اعتمادا على ما قرروه في موضعه وروما للاختصار وحينئذ فليس المراد إلا ما إذا مات وهي في العدة وكون المراد حينئذ الانتقال إلى عدة الوفاة ظاهر فدعوى أنه ليس في تلك العبارات ما يفيده ممنوعة وما ذكره من أوجه البطلان فيما إذا كان حيا وعلى ما قلنا من التسامح لا يرد منه شيء .




                                                                                        الخدمات العلمية